أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-19
997
التاريخ: 2024-03-17
741
التاريخ: 2024-01-27
1362
التاريخ: 2-03-2015
2540
|
سبق ان الغاية من الترجمة هي الايفاء بمفاهيم القرآن وايضاح ما يحويه هذا الكتاب السماوي الخالد ، ايـضا حاب سائر اللغات لسائر الامم ، تقريبا لهم الى تعاليم القرآن وآداب الاسلام واحكامه وسننه ، الامـر الـذي لا بـاس به ـ فضلا عن كونه من ضرورة الدعاء الى الاسلام ـ مادام لا تعتبر الترجمة قـرآنـا ، بـل ترجمة له محضا فلا تشملها احكام القرآن الخاصة به ، وانما شانها شان التفسير الذي وضع على اساس الايجاز والايفاء حسب المستطاع .
وامـا الـحديث المأثور عن رسول اللّه (صلى الله عليه واله) : (تعلموا القرآن بعربيته ) ، فإنما هو حث على تعلم الـعربية ، حيث عبادات الاسلام عربية ، وعلى كل مسلم ان يتقنها مهما امكن قال الامام الصادق (عليه السلام) : (تعلموا العربية فأنها كلام اللّه الذي كلم به خلقه ونطق به للماضين ) وروى ابن فهد الحلي في (اعي ص 18) عن الامام الجواد(عليه السلام) ، قال : ما استوى رجلان في حسب ودين قط الا كان افـضلهما عند اللّه ـ عز وجل ـ اادبهما قال الراوي : قلت : قد علمت فضله عند الناس في النادي والمجلس ، فما فضله عند اللّه ؟ قال (عليه السلام) : بقراة القرآن كما انزل ، ودعائه من حيث لا يلحن ، وذلك ان الدعاء الملحون لا يصعد الى اللّه .
هـذا ان اريـد قـراة الـقـرآن ذاتـه ، وليس نهيا عن تفسيره او ترجمته بغير لغة العرب اذا دعت الـضـرورة الـى ذلك ، كما نبهنا ومع ذلك فقد اجيز القراة بلحن غير عربي لمن يتعذر عليه التلهج بـلـهـجـة الـعرب قال النبي (صلى الله عليه واله) : (ان الرجل الاعجمي من امتي ليقرا القرآن بعجميته ، فترفعه الملائكة على عربيته ) (1) .
وثائق شرعية
لـم يبحث علماؤنا السلف (ره ) عن مسالة (ترجمة القرآن الى سائر اللغات ) بحثا مستوفى يشمل جـوانـب الـمسالة وفي تمام ابعادها بتفصيل ، وانما جاء كلامهم عن الترجمة عرضا عند التكلم في شروط القراة في الصلاة ويبدو من كلماتهم هناك : ان الترجمة في حد ذاتها لا ضير فيها ، ومن ثم وقـع الـبحث منهم في جواز قراتها في الصلاة بدلا عن الفاتحة بحثا ثانويا ، مفروغا عن جواز اصل الترجمة ذاتها.
كما انه في طول حياة المسلمين ، قام رجال من اهل الفضيلة والادب بترجمة القرآن ، تماما او بعض آية وسوره ، عرضا على اناس كانوا لا يحسنون العربية (2) ، وكان ذلك بمرأى ومسمع من فقها الاسلام من غير نكير منهم ، مما ينبؤك عن تسالمهم على الجواز ، ولا سيما للهدف المذكور.
نعم صدرت ـ اخيرا ـ فتاوي بشان جواز الترجمة ، وكتب كثيرون حول المسالة ، نقضا وابراما اما الـفقهاء فقد توافقوا على الجواز ، بشروط ذكروها ، وقد نوهنا عن طرف منها ونورد هنا بعضا من تلك النظرات والآراء :
فتوى الحجة كاشف الغطاء
جاء فيما كتبه سماحة الحجة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطا ـ تغمده اللّه برحمته ـ جوابا على استفتاء الاستاذ عبد الرحيم محمد علي ، بشان جواز ترجمة القرآن الى اللغات الاجنبية ـ ما نصه ـ :
(اذا امـعـنـا الـنظر في هذه القضية نجد ان اعجاز القرآن الذي ادهش العلماء ، بل وادهش العالم ، يـرجـع الى امرين : فصاحة المباني الى فصاحة الالفاظ ، وبلاغة الاساليب والتراكيب والثاني قوة الـمـعـاني وما في القرآن من التشريع البديع والوضع الرفيع ، والاحكام الجامعة في صلاح البشر عـامـة مـن الـعبادات والاجتماعيات ، يعني من اول كتاب الطهارة الى الحدود والديات ، بعد العقائد الـمـبرهنة في التوحيد والنبوة والمعاد وبالجملة فقد تكفل القرآن بصلاح عامة البشر معاشهم ومـعادهم بما لم يأت بمثله اى كتاب سماوي ، واى شريعة من الشرائع السابقة ولا شك ان الترجمة مـهما كانت من القوة والبلاغة في اللغة الاجنبية فأنها لا تقدر على الاتيان بها بلسان آخر ، مهما كان المترجم قويا ماهرا في كلتا اللغتين العربية والاجنبية فاذا صحت الترجمة ولم يكن فيها اي تغيير وتـحـريـف ، فـهـي جائزة ، بل نقلها واجب على المقتدر فردا كان او جماعة ، لان فيها ابلغ دعوة للإسلام ودعاية للدين ، ويشمله قوله تعالى : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران : 104] واى خـير اهم واعظم من الدعوة الى الاسلام قديم ، ولم يذكر احد من علمائنا الافاضل (ره ) المنع عنها ، واذا جاز بالفارسية جاز بغيرها قطعا وبـهـذا الـبيان لا حاجة الى التمسك بأصالة الاباحة ونحوها ، فان الامر اوضح واصح واجلى من ان يحتاج الى دليل او اصل اصيل ، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل ) (3) .
نظرة الامام الخوئي
لـسـيـدنـا الاسـتاذ الامام الخوئي ـ دام ظله ـ نظرة وافية بشان ترجمة القرآن الى سائر اللغات ، ذكرها في ملحق كتابه (البيان ) مع اشارة اجمالية الى شروطها الاولية ، واليك نصها :
(لـقـد بـعـث اللّه نبيه لهداية الناس فعززه بالقرآن ، وفيه كل ما يسعدهم ويرقى بهم الى مراتب الكمال وهذا لطف من اللّه لا يختص بقوم دون آخر ، بل يعم البشر عامة وقد شات حكمته البالغة ان يـنزل قرآنه العظيم على نبيه بلسان قومه ، مع ان تعاليمه عامة وهدايته شاملة ، ولذلك فمن الواجب ان يفهم القرآن كل احد ليهتدي به ولاشك ان ترجمته مما يعين على ذلك ، ولكنه لا بد ان تتوفر في الـتـرجـمة براعة واحاطة كاملة باللغة التي ينقل منها القرآن الى غيرها ، لان الترجمة مهما كانت متقنة لا تفي بمزايا البلاغة التي امتاز بها القرآن ، بل ويجري ذلك في كل كلام ، اذ لا يؤمن ان تنتهي الـتـرجـمة الى عكس ما يريد الاصل ولا بد اذن في ترجمة القرآن من فهمه ، وينحصر فهمه في امـور ثلاثة : 1ـ الظهور اللفظي الذي تفهمه العرب الفصحى ، 2ـ حكم العقل الفظري السليم ، 3ـ ما جـاء من المعصوم في تفسيره وعلى هذا تتطلب احاطة المترجم بكل ذلك لينقل منها معنى القرآن الى لـغـة اخـرى واما الآراء الشخصية التي يطلقها بعض المفسرين في تفاسيرهم ، ولم تكن على ضوء تـلـك الموازين ، فهي من التفسير بالراي وساقطة عن الاعتبار ، وليس للمترجم ان يتكل عليها في تـرجـمته واذا روعي في الترجمة كل ذلك ، فمن الراجح ان تنقل حقائق القرآن ومفاهيمه الى كل قـوم بـلـغتهم ، لأنها نزلت للناس كافة ولا ينبغي ان تحجب ذلك عنهم لغة القرآن ، ما دامت تعاليمه وحقائقه لهم جميعا) (4) .
كتاب شيخ الازهر
جـاء فـي كـتاب رسمي قدمه شيخ الجامع الازهر الاسبق الشيخ محمد مصطفى المراغي الى رئيس مجلس الوزراء المصري عام (1355ه ق ) ما نصه :
(اشـتغل الناس قديما وحديثا بترجمة معاني القرآن الكريم الى اللغات المختلفة ، وتولى ترجمته افراد يجيدون لغاتهم ولكنهم لا يجيدون اللغة العربية ، ولا يفهمون الاصطلاحات الاسلامية ، الفهم الذي يمكنهم من اداء معاني القرآن على وجه صحيح ، لذلك حدث في التراجم اخطآ كثيرة ، وانتشرت تـلك التراجم ولم يجد الناس غيرها ، فاعتمدوا عليها في فهم اغراض القرآن الكريم وفهم قواعد الشريعة الاسلامية ، فاصبح لزاما على امة اسلامية كالأمة المصرية التي لها المكان الرفيع في العالم الاسـلامي ان تبادر الى ازاحة هذه الأخطاء ، والى اظهار معاني القرآن الكريم نقية في اللغات الحية لدى العالم .
ولهذا العمل اثر بعيد في نشر هداية الاسلام بين الامم التي لا تدين بالإسلام ، ذلك ان اساس الدعوة الـى الـديـن الاسلامي انما هو الادلاء بالحجة الناصعة والبرهان المستقيم وفي القرآن من الحجج الباهرة والادلة الدامغة ما يدعو الرجل المنصف الى التسليم بالدين والاذعان له .
وفـائدة اخرى للأمم الاسلامية التي لا تعرف العربية وتشرئب اعناقها الى اقتطاف ثمرات الدين مـن مـصدرها الرفيع ، فلا تجد امامها الا تراجم قد ملئت بالأخطاء فاذا ما قدمت لها ترجمة صحيحة تـصـدرهـا هـياة لها مكانتها الدينية في العالم ، اطمأنت اليها وركنت الى انها تعبر عن الوحي الالهي تعبيرا دقيقا.
ونـرى ان عـهـد حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الذي تمت فيه اعمال جليلة لخير الاسلام والمسلمين ، خليق بان يتم هذا المشروع الجليل ، اطال اللّه بقا جلالته نصيرا للعلم والدين .
لـذلـك اقـترح : ان يقرر مجلس الوزراء ترجمة معاني القرآن الكريم ترجمة رسمية ، على ان تقوم بـذلـك مـشيخة الازهر بمساعدة وزارة المعارف ، وان يقرر مجلس الوزراء الاعتماد اللازم لذلك المشروع الجليل ، فأرجو النظر في هذا).
وهـناك كتاب رسمي آخر من وزير المعارف المصرية الى رئيس مجلس الوزراء ، بشان تأييد كتاب شيخ الازهر والتأكيد من انجاز الطلب (5) .
فتوى علماء الازهر
قـدم الـى هياة علما الازهر استفتا بشان ترجمة القرآن الى سائر اللغات ، ضمنه الشروط المقررة لهذا المشروع فكان الجواب هي الموافقة الصريحة .
واليك نص الاستفتاء مشفوعا بجوابه :
(ما قول السادة اصحاب الفضيلة العلماء في السؤال الاتي بعد ملاحظة المقدمات الاتية ؟.
1ـ لا شـبهة في ان القرآن الكريم اسم للنظم العربي الذي نزل على سيدنا محمد بن عبد اللّه (صلى الله عليه واله) ولا شـبـهـة ايضا في انه اذا عبر عن معاني القرآن الكريم بعد فهمها من النص العربي بأية لغة من اللغات ، لا تسمى هذه المعاني ولا العبارات التي تؤدى هذه المعاني قرآنا.
2ـ ومـمـا لا خـلاف فيه ايضا ان الترجمة اللفظية ، بمعنى نقل المعاني مع خصائص النظم العربي المعجز مستحيلة .
3ـ وضـع الـناس تراجم للقرآن الكريم بلغات مختلفة اشتملت على اخطأ كثيرة ، واعتمد على هذه الـتراجم بعض المسلمين الذين لا يعرفون اللغة العربية ، وبعض العلماء من غير المسلمين ممن يريد الوقوف على معاني القرآن الكريم .
4ـ وقد دعا هذا التفكير في نقل معاني القرآن الكريم الى اللغات الاخرى على الوجه الاتي : يراد ـ اولا ـ فـهم معاني القرآن الكريم بوساطة رجال من خيرة علما الازهر الشريف ، بعد الرجوع لارا ائمـة الـمفسرين ، وصوغ هذه المعاني بعبارات دقيقة محدودة ثم نقل المعاني التي فهمها العلماء ، الى الـلغات الاخرى ، بوساطة رجال موثوق بأماناتهم واقتدارهم في تلك اللغات ، بحيث يكون ما يفهم في تلك اللغات من المعاني هو ما تؤديه العبارات العربية التي يضعها العلماء.
فهل الاقدام على هذا العمل جائز شرعا او هو غير جائز؟.
هـذا مـع الـعـلـم بانه سيوضع تعريف شامل يتضمن ان الترجمة ليست قرآنا ، وليس لها خصائص الـقـرآن ، وليست هي ترجمة كل المعاني التي فهمها العلماء ، وانه ستوضع الترجمة وحدها بجوار النص العربي للقرآن الكريم ).
وجاء الجواب ما نصه :
(الـحـمـد للّه والـصـلاة والـسلام على رسول اللّه (صلى الله عليه واله) وبعد فقد اطلعنا على جميع ما ذكر بـالاسـتـفـتاء المدون بباطن هذا ، ونفيد بان الاقدام على الترجمة على الوجه المذكور تفصيلا في السؤال ، جائز شرعا ، واللّه سبحانه وتعالى اعلم ).
وقد وقعه كبار علما الازهر واسماؤهم كما يلى :
محمود الدنياوي عضو جماعة كبار العلماء ، وشيخ معهد طنطا.
عبدالمجيد اللبان شيخ كلية اصول الدين ، وعضو جماعة كبار العلماء.
ابراهيم حمروش شيخ كلية اللغة العربية وعضو جماعة كبار العلماء.
محمد مأمون الشناوي شيخ كلية الشريعة وعضو جماعة كبار العلماء.
عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية وعضو جماعة كبار العلماء.
محمد عبداللطيف الفحام وكيل الجامع الازهر وعضو جماعة كبار العلماء.
دسوقي عبد اللّه البدري عضو جماعة كبار العلماء.
احمد الدلبشاني عضو جماعة كبار العلماء.
يوسف الدجوي عضو جماعة كبار العلماء.
محمد سبيع الذهبي شيخ الحنابلة وعضو جماعة كبار العلماء.
عبدالرحمان قراعة عضو جماعة كبار العلماء.
احمد نصر عضو جماعة كبار العلماء.
محمد الشافعي الظواهري عضو جماعة كبار العلماء.
عبدالرحمان عليش الحنفي عضو جماعة كبار العلماء.
وعـقـب شيخ الجامع الازهر محمد مصطفى المراغي على الفتوى المذكورة بالنص التالي ، وابدى موافقته لهم في الجواب وهذا نصه :
(بسم اللّه الرحمن الرحيم وجهت هذا السؤال الى حضرات اصحاب الفضيلة جماعة كبار العلماء واني اوافقهم على ما راوه ).
رئيس جماعة كبار العلماء.
محمد مصطفى المراغي .
قرار مجلس الوزراء المصري
اقر مجلس الوزراء المصري المشروع ووافق عليه ، وادخل عليه عشرة آلاف جنيه في ميزانية الـسـنة الجديدة ، لتنفيذ بعضها في ميزانية وزارة المعارف ، وبعضها في ميزانية الجامع الازهر ، وبعضها في ميزانية المطبعة الاميرية واصبح المشروع نافذ المفعول من الوجهة القانونية ، واستوفى الاجراات من الناحيتين العلمية والرسمية ، وهذا قرار مجلس الوزراء المصري كما يلي :
(بـعـد الاطـلاع على كتاب فضيلة شيخ الجامع الازهر ، وكتاب سعادة وزير المعارف العمومية ، بـشـان تـرجـمة معاني القرآن الكريم ، ومع تقدير مجلس الوزراء لمشقة هذا العمل وصعوبته ، ومنعا لأضرار التراجم المنتشرة الى الان ، راى بجلسته المنعقدة في (12 ابريل / 1936م ) الموافقة على ترجمة معاني القرآن الكريم ، ترجمة رسمية تقوم بها مشيخة الجامع الازهر ، بمساعدة وزارة المعارف العمومية ، وذلك وفقا لفتوى جماعة كبار العلماء ، واساتذة كلية الشريعة ) (6) .
محاولة دون تنفيذ القرار.
تـكـتـلت الجماعة المعارضة بزعامة الشيخ محمد سليمان نائب المحكمة الشرعية العليا ، وقاومت الـمـشروع مقاومة عنيفة وانحاز اليهم شخصيات كبيرة ، امثال الشيخ محمد الاحمدي الظواهري ، شيخ الجامع الازهر السابق والعضو في هياة كبار العلماء ، فلم يشهد الاجتماع الذي عقدته هياة كبار العلماء لإقرار المشروع ، ولم يوافق عليه ، اضف الى ذلك انه ارسل كتابا الى علي ماهر پاشاء رئيس الوزارة السابقة ، يحمله على رفض المشروع .
وعقد مقاومو المشروع اجتماعات ، واسسوا جمعية لمقاومته ، ووزعوا بعض نشرات ، وطافوا بمضابط في الاسواق ، يسالون الناس توقيعها ، فوقعها كثيرون يعدون بالألوف ، ورفعوها الى البرلمان واصـدر فـريـق كبير من العلماء فتوى ضد المشروع ، وفي مقدمتهم الشيخ موسى الغراوي رئيس الـمـحـكمة الشرعية العليا السابق ، وغيره من قضاة المحاكم الشرعية ورؤسائها ، ورفعوها الى البرلمان .
وتـالـف حـزب في البرلمان ، بزعامة الشيخ عباس الجمل المحامي الشرعي ، يضم عددا كبيرا من النواب والشيوخ لمقاومة المشروع ، والالحاح بحذف المخصصات المرصدة له في الميزانية .
وارسل فريق من اهل الشام وفلسطين والعراق كتبا الى رئيس الوزراء (النحاس پاشا) يطلبون اليه بـكـل الـحـاح ويـستحلفونه باسم الايمان الذي يملا صدره وباسم القرآن والدين ، ان يحول دون ترجمة القرآن .
فـكـانـت مغبة هذه النعرات المعارضة ان حالت دون تحقيق المشروع واوقفته وشيك تنفيذه وقام الـنـحاس پاشا بحل المشكلة شكليا ، فقرر ترجمة تفسير جديد للقرآن دون ترجمة نفسه ، وبذلك حاول ارضا كلا الفريقين ظاهريا ، وتخلص بنفسه عن خوض المعركة ، فانتهت بهذا الشكل الاسمي الباهت (7) .
مناقشات فقهية
سـبـق ان فـقـهـا الامامية متفقون على ان الترجمة ليست قرآنا ، ذلك الكتاب العلي الحكيم ، الذي لا يـمسه الا المطهرون فبالتالي لا تجري عليها الاحكام الخاصة بالقرآن ، التي منها جواز القراة بها في الصلاة وقد عرفت كلام المحقق الهمداني : عدم اجزاء الترجمة عن القراة في الصلاة ، حتى للعاجز عن النطق بالعربية وهذا اجماع من علمائنا ـ قديما وحديثا ـ ان الترجمة ليست قرآنا اطلاقا.
امـا سـائر المذاهب ، فقد ذهب ابو حنيفة الى جواز قراة الترجمة بدلا عن القرآن نفسه ، مطلقا سواء اقدر على العربية ام عجز عنها ، واستدل على ذلك بان القرآن الواجب قراته في الصلاة ، هي حقيقة الـقـرآن ومـعـنـاه الـذي نـزل عـلـى قـلـب رسـول اللّه (صلى الله عليه واله) لقوله تعالى : {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء : 196] ، {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى : 19] ، والضمير في (انه ) ، والاشارة في (ان هذا) انما هو للقرآن ، ومعلوم انه لم يكن في تلك الصحف الا معانيه .
وايـضـا قـوله تعالى : {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام : 19] وانما ينذر كل قـوم بـلسانهم (8) وزاد السرخسي استدلال ابي حنيفة بما روى ان الفرس كتبوا الى سلمان الـفـارسـي ، ان يـكـتـب لـهم الفاتحة بالفارسية ، فكانوا يقراون ذلك في صلاتهم حتى لانت السنتهم للعربية (9) .
اما صاحباه (ابو يوسف ومحمد) فقد اجازا قراة الترجمة للعاجز عن العربية دون القادر عليها ، وبـذلـك افـتى الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية في فتوى له لأهل الترانسفال ، قال فيها : (و تجوز القراة والكتابة (اي للقرآن ) بغير العربية للعاجز عنها ، بشرط ان لا يختل اللفظ ولا المعنى فـقد كان تاج المحدثين الحسن البصري يقرا القرآن في الصلاة بالفارسية الـعـربـية ) وقد ارسل بها الى مسلمي الترانسفال سنة (1903م ) ونشرتها مجلة المنار في ذلك الحين (10) .
وبقية المذاهب وافقوا الامامية في المنع اطلاقا ، فلا يجوز عندهم قراة الفاتحة بغير العربية على كل حال (11) .
وهـكـذا افتى الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الازهر (1932م ) بالجواز للعاجز عن العربية .
قـال ـ فـي رسـالته التي كتبها بهذا الشأن ـ : (و انتهي من البحث في هذه المسالة الى ترجيح راي قـاضـيـخان ومن تابعه من الفقها ، وهو وجوب القراة في الصلاة بترجمة القرآن للعاجز عن قراة النظم العربي ).
وقـال ـ ردا عـلـى المانعين ومنهم صاحب الفتح ـ : (ان حجة المانع هو ان ترجمة القرآن ليست قرآنا ، وما كان كذلك كان من كلام الناس ، فهو مبطل للصلاة قال : وهذا الاستدلال غير صحيح ، لان الترجمة وان كانت غير قرآن ، لكنها تحمل معاني كلام اللّه ، لا محالة ومعاني كلام اللّه ليست كلام الـنـاس قال : وعجيب ان توصف معاني القرآن بانها من جنس كلام الناس ، بمجرد ان تلبس ثوبا آخر غير الثوب العربي ، كان هذا الثوب هو كل شيء ) (12).
قال السيد محمد العاملي ـ في شرح كلام المحقق الحلي : (و لا يجزئ المصلي ترجمتها) ـ :
(هذا الحكم ثابت بأجماعنا ، ووافقنا عليه اكثر علماء سائر المذاهب ، لقوله تعالى : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف : 2] ، ولان الترجمة مغايرة للمترجم ، والا لكانت ترجمة الشعر شعرا) (13) .
وامـا اسـتدلال ابي حنيفة بانه جاء ذكر القرآن في (زبر الاولين ) وفي (الصحف الاولى) ، فـهـذا يـعـني وصفه ونعته ، وليس نفسه قال الطبرسي : اي وان ذكر القرآن وخبره جاء في كتب الاولين على وجه البشارة به وبمحمد(صلى الله عليه واله) لا بمعنى انه تعالى انزله على غير محمد (14) .
وقـال ـ في آية الصحف الاولى ـ : يعني ان هذا الذي ذكر من فلاح المتزكي الى تمام ما في الايات الاربع ، لفي الكتب الاولى فقد جاء فيها ذكر فلاح المصلي والمتزكي وايثار الناس الحياة الدنيا على الاخرة ، وان الاخرة خير وابقى (15) وهذا لا يعني نفس الكتاب وانه مذكور بذاته في تلك الصحف ، ليستلزم ذلك ان يكون ذكر المعاني ذكرا للقرآن نفسه .
وقـال الـسـيد العاملي ـ في آية البلاغ ـ : الانذار بالقرآن لا يستلزم نقل اللفظ بعينه ، اذ مع ايضاح الـمعنى يصدق انه انذرهم به ، بخلاف صورة النزاع (16) يعني ان هناك فرقا بين قولنا : انذر بـهذا القرآن ، وقولنا : اقرا بهذا القرآن فان الاول لا يستدعي حكاية نفس القرآن ونقله بالذات الى المنذرين ، بل يكفي تخويفهم بما يستفاد من القرآن من الوعد والوعيد وهذا بخلاف الثاني المستلزم تلاوة نفسه كما في قراة الصلاة .
قـال ابـن حـزم : (ومـن قرا ام القرآن او شيئا منها او شيئا من القرآن ، في صلاته مترجما بغير الـعـربـية ، او بألفاظ عربية غير الالفاظ التي انزل اللّه تعالى ، عامدا لذلك ، او قدم كلمة او اخرها عـامـدا لذلك ، بطلت صلاته ، وهو فاسق ، لان اللّه تعالى قال : (قرآنا عربيا) وغير العربي ليس عربيا ، فليس قرآنا واحالة رتبة القرآن (17) تحريف كلام اللّه تعالى ، وقد ذم اللّه تعالى قوما فعلوا ذلك ، فقال : (يحرفون الكلم عن مواضعه ).
(وقال ابو حنيفة : تجزئه صلاته واحتج له من قلده بقول اللّه تعالى : (وانه لفي زبر الاولين ).
(قـال علي (18) : لا حجة لهم في هذا ، لان القرآن المنزل علينا على لسان نبينا(صلى الله عليه واله)لم ينزل عـلـى الاولين ، وانما في زبر الاولين ذكره والاقرار به فقط ، ولو انزل على غيره (عليه السلام) لما كان آية له ولا فضيلة له ، وهذا لا يقوله مسلم .
(ومـن كـان لا يـحـسـن الـعـربـيـة فـليذكر اللّه تعالى بلغته ، لقوله تعالى : {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة : 286] ولا يحل له ان يقرا ام القرآن ولا شيئا من القرآن مترجما على انه الذي افـتـرض عـلـيـه ان يقرأه ، لانـه غـير الذي افترض عليه كما ذكرنا ، فيكون مفتريا على اللّه تعالى ) (19).
وامـا فـتـوى الشيخ محمد بخيت لأهل الترانسفال ، فقد تشابه عليه الحسن بصاحبه ، لان الذي كان يقرا في الصلاة بالفارسية هو حبيب العجمي صاحب الحسن البصري .
قال ـ في شرح مسلم الثبوت ـ : (يجوز القرآن بالفارسية للعذر ـ وهو عدم العلم بالعربية وعدم انـطلاق اللسان بها ـ وقد سمعت من بعض الثقات ان تاج العرفاء والاولياء الحبيب العجمي صاحب تاج المحدثين وامام المجتهدين الحسن البصري كان يقرا في الصلاة بالفارسية لعدم انطلاق لسانه باللغة العربية ) (20) .
واما حديث ترجمة سلمان للفاتحة ، وقراة الفرس لها في صلاتهم ، فلم نعثر على مستند له وثيق ، وانما ارسله السرخسي عن ابي حنيفة ارسالا ، لا يعلم مصدره ولعل الترجمة ـ على فرض الثبوت ـ كانت لمجرد العلم بمعناها لا للقراة بها في الصلاة.
_____________________________
1- الاحاديث مستخرجة من كتاب الوسائل ، ج4 ، ص 866.
2- سوف نوفي لك عن تراجم عقيدة قام بها رجالات الاسلام منذ عهد قديم .
3- نـقـلا عـن رسـالـة (الـقـرآن والترجمة ) بقلم الاستاذ عبد الرحيم ، ص 3ـ4 ، طبعة النجف الاشرف ، 1375هـ ق .
4- البيان ـ قسم التعليقات ـ رقم5 ، ص 540 ، (ط نجف).
5- راجع : كتاب (حدث الاحداث) للشيخ محمد سليمان ، ص 33ـ35.
6- حدث الاحداث ، ص 40.
7- راجـع : مـجـلـة الرابطة العربية المصرية صفر وربيع الاول سنة 1355هـ ق يونيو سنة 1936م .
8- راجـع : المغني لابن قدامة ، ج1 ، ص 526 ومدارك الاحكام للعاملي ، ج3 ، ص 341 ورسالة ترجمة القرآن للمراغي ، ص 9.
9- المبسوط للسرخسي ، ج1 ، ص 37 وفي رواية تاج الشريعة الحنفي زيادة (فكتب (بسم اللّه الـرحـمـن الرحيم : بنام يزدان بخشاونده ) وبعد ما كتب ذلك ، عرضه على النبي (صلى الله عليه وآله) (حاشية الهداية لتاج الشريعة ج1 ، ص 86 طبع دلهي ، 1915م ) ، معجم مصنفات القرآن لشواخ ، ج2 ، ص 12.
10- محمد فريد وجدي في الادلة العلمية ، ص 61.
11- راجع الفقه على المذاهب الاربعة ، ج1 ، ص 230.
12- بحث في ترجمة القرآن للمراغي ، ص 32.
13- مدارك الاحكام في شرح شرائع الاسلام ، ج3 ، ص 341.
14- مجمع البيان ، ج8 ، ص 204.
31715- المصدر السابق ، ج10 ، ص 476.
16- المدارك ، ج3 ، ص 341.
17- اي تحويل نظم القرآن وتغيير ترتيبه اللفظي .
18- يريد نفسه : علي بن احمد بن سعيد بن حزم توفي 456.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|