أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-16
505
التاريخ: 2024-10-14
253
التاريخ: 27-4-2020
2215
التاريخ: 27-8-2019
1570
|
لا يبلغ مع العبد عند الموت إلا صفاء القلب ، أعني طهارته عن أدناس الدنيا و حبه للّه و أنسه بذكره ، و صفاء القلب و طهارته لا يحصل إلا بالكف عن شهوات الدنيا ، و الحب لا يحصل إلا بالمعرفة ، و المعرفة لا تحصل إلا بدوام الفكرة ، و الأنس لا يحصل إلا بكثرة ذكر اللّه و المواظبة عليه ، و هذه الصفات الثلاث هي المنجيات المسعدات بعد الموت ، وهي الباقيات الصالحات.
أما طهارة القلب عن أدناس الدنيا ، فهي الجنة بين العبد و بين عذاب اللّه ، كما ورد في الخبر: «أن اعمال العبد تناضل عنه ، فإذا جاء العذاب من قبل رجليه جاء قيام الليل يدفع عنه ، و إذا جاء من قبل يديه جاءت الصدقة تدفع عنه» .
وأما الحب و الأنس ، فهما يوصلان العبد إلى لذة المشاهدة و اللقاء.
وهذه السعادة تتعجل عقيب الموت إلى أن يدخل الجنة ، فيصير القبر روضة من رياض الجنة و كيف لا يصل صاحب الصفات الثلاث بعد موته غاية البهجة و نهاية اللذة بمشاهدة جمال الحق ، و لا يكون القبر عليه روضة من الرياض الخلد ، و لم يكن له إلا محبوب واحد ، و كانت العوائق تعوقه عن الأنس بدوام ذكره و مطالعة جماله ، و بالموت ارتفعت العوائق و أفلت من السجن و خلى بينه و بين محبوبه ، فقدم عليه مسرورا سالما من الموانع آمنا من الفراق؟ و كيف لا يكون محب الدنيا عند الموت معذبا و لم يكن له محبوب إلا الدنيا ، وقد غصبت منه و حيل بينه و بينها ، و سدت عليه طرق الحيلة في الرجوع إليه؟ , و ليس الموت عدما ، إنما هو فراق لمحاب الدنيا و قدوم على اللّه ، فإذن سالك طريق الآخرة هو المواظب على أسباب هذه الصفات الثلاث ، وهي : الذكر، و الفكر، و العمل الذي يفطمه عن شهوات الدنيا و يبغض إليه ملاذها و يقطعه عنها , و كل ذلك لا يمكن إلا بصحة البدن ، وصحة البدن لا تنال إلا بالقوت و الملبس و المسكن ، و يحتاج كل واحد إلى أسباب ، فالقدر الذي لا بد منه من هذه الثلاثة إذا أخذه العبد من الدنيا للآخرة لم يكن من أبناء الدنيا و كانت الدنيا في حقه مزرعة الآخرة ، و إن أخذ ذلك على قصد التنعم و حظ النفس صار من أبناء الدنيا و الراغبين في حظوظها , إلا أن الرغبة في حظوظ الدنيا تنقسم إلى ما يعرض صاحبه لعذاب اللّه في الآخرة ، و سمى ذلك حراما ، و إلى ما يحول بينه و بين الدرجات العلى و يعرضه لطول الحساب ، و يسمى ذلك حلالا , و البصير يعلم أن طول الموقف في عرصات القيامة لأجل المحاسبة أيضا عذاب ، فمن نوقش في الحساب عذب ، و لذلك قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) : «في حلالها حساب و في حرامها عقاب».
بل لو لم يكن الحساب ، لكان ما يفوت عن الدرجات العلى في الجنة و ما يرد على القلب من التحسر على تفويتها بحظوظ حقيرة خسيسة لا بقاء لها ، هو أيضا عذاب و يرشدك إلى ذلك حالك في الدنيا إذا نظرت إلى أقرانك ، و قد سبقوك إلى السعادات الدنيوية ، كيف ينقطع قلبك عليها حسرات ، مع علمك بأنها سعادات متصرمة لا بقاء لها ، و منغصة بكدورات لا صفاء لها فما حالك في فوات سعادات لا يحيط الوصف بعظمتها و تنقطع الأذهان والدهور دون غايتها؟ و كل من تنعم في الدنيا ، و لو بسماع صوت من طائر أو بالنظر إلى خضرة أو بشربة ماء بارد فهو ينقص من حظه في الآخرة و التعرض لجواب السؤال فيه ذل ، و حذر، و خوف ، و خطر، و خجل و انكسار، و مشقة ، و انتظار، و كل ذلك من نقصان الحظ.
فالدنيا - قليلها و كثيرها ، حلالها و حرامها – ملعونة ، إلا ما أعان على تقوى اللّه ، فإن ذلك القدر ليس من الدنيا ، و كل من كانت معرفته أقوى و أتم كان حذره من نعيم الدنيا أشد و أعظم حتى أن عيسى (عليه السلام) وضع رأسه على حجر لما نام ثم رمى به ، إذ تمثل له إبليس و قال رغبت في الدنيا.
وحتى أن سليمان (عليه السلام) فى ملكه كان يطعم الناس من لذائذ الأطعمة و هو يأكل خبز الشعير، فجعل الملك على نفسه بهذا الطريق امتحانا و شدة ، فإن الصبر من لذيذ الأطعمة مع وجودها أشد.
ولذا زوى اللّه – تعالى - الدنيا على نبينا (صلى اللّه عليه و آله) فكان يطوى أياما ، و كان يشد الحجر على بطنه من الجوع ، و لهذا سلط اللّه المحن و البلاء على الأنبياء و الأولياء ، ثم الأمثل فالأمثل في درجات العلى , كل ذلك نظرا لهم و امتنانا عليهم ، ليتوفر من الآخرة حظهم كما يمنع الوالد المشفق ولده لذائذ الفواكه و الأطعمة و يلزمه الفصد و الحجامة ، شفقة عليه و حبا له لا بخلا به عليه , و قد عرفت بهذا أن كل ما ليس للّه فهو من الدنيا و ما هو للّه فليس من الدنيا.
ثم الأشياء على أقسام ثلاثة :
(الأول) ما لا يتصور أن يكون للّه ، بل من الدنيا صورة و معنى و هي أنواع المعاصي و المحظورات و أصناف التنعم بالمباحات ، و هي الدنيا المحضة المذمومة على الإطلاق.
(الثاني) ما صورته من الدنيا ، كالأكل و النوم و النكاح و أمثالها ، و يمكن أن يجعل معناه للّه فإنه يمكن أن يكون المقصود منه حظ النفس فيكون معناه كصورته أيضا من الدنيا ، و يمكن أن يكون المقصود منه الاستعانة على التقوى ، فهو للّه بمعناه و إن كانت صورته صورة الدنيا .
قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) : «من طلب من الدنيا حلالا مكاثرا مفاخرا لقى اللّه و هو عليه غضبان ، و من طلبها استعفافا عن المسألة و صيانة لنفسه جاء يوم القيامة و وجهه كالقمر ليلة البدر».
(الثالثة) ما صورته للّه ، و يمكن أن يجعل معناه من الدنيا بالقصد ، و هو ترك الشهوات ، و تحصيل العلم ، و عمل الطاعات و العبادات , فهذه الثلاث إذا لم يكن لها باعث سوى أمر اللّه و اليوم الآخر فهي للّه صورة و معنى ، و لم تكن من الدنيا أصلا ، و إن كان الغرض منها حفظ المال و الحمية و الاشتهار بالزهد و الورع و طلب القبول بين الخلق بإظهار المعرفة صار من الدنيا معنى و إن كان يظن بصورته أنه للّه.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|