أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2016
3755
التاريخ: 4-10-2016
4676
التاريخ: 9-10-2016
3895
التاريخ: 6-10-2016
1188
|
يمكن أن نتلمس النتائج والآثار التي خلقها التنافس على الجانب الاجتماعي من عدة وجوه أبرزها ما طرأ من تغيير واضح على التركيبة السكانية للمجتمع في بلاد الشام وبلاد الحيثيين ومصر أيضا ، وقد طال هذا التغيير المجتمع الشامي بالدرجة الأولى ، حيث قام الملك الحيثي (شوبيلوليوما) بعد استيلائه على الجزء الشمالي من بلاد الشام منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد، إخراج سكان كركميش إلى مناطق غير معلومة وأعاد توطين الحيثيين فيها وعناصر أخرى كان واثقاً من ولائها(1)، فمهد بذلك الطريق الى حثحثة شمال بلاد الشام(2)، وهذا ما شكل عائقاً أمام الفرعون (سيتي الأول) ومن بعده (رعمسيس الثاني) لأستعادة السيطرة عليه مجددا إبان الحروب التي خاضاها ضد الحيثيين(3).
كما إن إحدى الاتفاقيات التي عقدها المصريون مع نظرائهم الحيثيين ، نصت على نقل سكان مدينة كورش تاما الأناضولية إلى فلسطين التي كانت خاضعة للنفوذ المصري آنذاك(4)، ويندرج هذا ضمن سياسة النفي التي اتبعها الحيثيون في التعامل مع سكان المدن الثائرة(5) .
واستغل الآراميون(6)الأوضاع المرتبكة في بلاد الشام طوال حقبة العمارنة ، فاندفعوا من معاقلهم في الفرات الأوسط إلى الأجزاء الشمالية والوسطى من البلاد، وقدر لهم فيما بعد أن يلعبوا دورا كبيرا في السياسة الدولية في المنطقة(7) .
وبالمقابل فقد أقدم العاهل الحيثي شوبيلوليوما على إفراغ مدينة نوخاشي من الكثير من العوائل الميتانية، لكونه يرى فيها مصدر قلق دائم لسلطته في المدينة، ونقلهم إلـى بعض المدن الأناضولية الخاضعة للسيطرة الحيثية(8)، ولعل هذا الأجراء كان سبباً رئيسياً في بقاء المدينة مواليه للملوك الحيثيين إلى أواخر الدوله الحيثية .
أن مجيء عناصر جديده من السكان الى بلاد الشام، لاشك أنه أدى لتفاعل حضاري بين الوافدين الجدد وسكان البلاد الأوائل (الأموريين ، الكنعانيين) ، كما تمخض عنها تأثيرات حضارية متبادلة بين السكان الوافدين أنفسهم .
وبالنسبة لمصر فإن القليل من أبنائها أستوطن بلاد الشام ، ولكن الكثير من أبناء بلاد الشام من هاجر إلى مصر وسكن فيها(9)، ويندرج أولئك المصريون الوافدون إلى بلاد الشام ضمن قائمة المطلوبين بقضايا سياسية أو إجتماعية في بلادهم ، كما يظهر من بعض نصوص أدب الدوله المصريه القديمه(10)، ناهيك بطبيعة الحال عن التجار الذين أقاموا لهم جاليات تجارية في عدة مدن رئيسية كجبيل وأوغاريت بهدف الأشراف على عملية التبادل التجاري بين البلدين ، وكذلك رجال السياسة والحرب المسؤولين عن حفظ السلطان المصري في تلك البلاد .
أما سكان بلاد الشام الذين ذهبوا إلى مصر، فمنهم من أجتذبته خيرات مصر واستقرار أوضاعها السياسية والأمنية في عهد الدولة الحديثة على وجه الخصوص ، فهاجروا إليها بقصد الحصول على حياة معيشية أفضل، ولاسيما أن مصر أبدت أنذك تسامحاً أكثر من ذي قبل لدخول المهاجرين أليها بطريقة سلمية، وهناك من جاء بطريقة قسرية ، كجزء من غنائم الحرب أو الفارين من ويلاتها ، فمن المعروف أن بعض فراعنة الدولة المصرية الحديثة ابتداء من عهد ( تحتمس الثالث ) عملوا أثناء فتوحاتهم في بلاد الشام على جلب أعداد كبيرة من الأسرى إلى مصر وأسكنوهم في أحياء خاصة ، وقد وصل عدد أولئك الأسرى من الضخامة ما أجبر تحتمس الرابع لأن يبني لهم حيا خاصا في طيبة لأسكانهم(11) .
كما لجأ إلى مصر الكثير من أبناء فلسطين نتيجة لاشتداد ضغط الخابيرو عليهم أواخر عهد إخناتون ، وما آل إليه هذا الضغط من تردٍ واضح لأوضاعهم المعيشية(12) .
ومما يدلل على اختلاط سكان بلاد الشام بالمجتمع المصري إقدام أمنحوتب الثالث على بناء مستعمرة خاصة لهم في مباني معبده في العاصمة طيبة(13)، وكذلك وجود حي خاص في منف يسكنه أهالي صور حصرا ، وكانوا يمارسون فيه عقائدهم الدينية بكل حرية ويسر(14).
وبالإضافة لـذلك فمن الواضح أن سعي ملوك مصر الحثيث لأقامة علاقات وثيقة بممالك الشرق الأخرى لضمان السلام في المنطقة وللحفاظ على ديمومة نفوذهم في بلاد الشام بالوسائل السياسية ، دفعهم ابتداء من عهد الفرعون ( تحتمس الرابع ) إلى اللجوء لما يعرف بالزواج الدبلوماسي ، الذي يعد نقلة نوعية في تقاليد الزواج لدى الملوك المصريين ، حيث لم يسبق لهم أن تزوجوا من نساء غير مصريات ، مما أدى إلى أزدحام البلاط المصري بأجناس شتى من النساء الأجنبيات(15)، كما الأميرات اللواتي كن يأتين للزواج من الفراعنة كن يجلبن معهن أعدادا كبيرة من الجواري فاقت الثلاثمئة جارية مع الأميرة الميتانية (جيلوخيبا) ، وكانت العادة أن تزوج غالبية تلك الجواري بمصر من أمراء الجيش وكبار رجال الدولة الآخرين(16)، هذا فضلا عن الأعداد المفرطة من الجواري الشاميات اللواتي تدفقن إلى مصر رهينات وإماء أو زوجات عندما كانت الإمبراطورية في ذروتها(17)، وقد حذا أفراد الشعب المصري حذو ملوكهم في الزواج من أجنبيات وفي اقتناء الأسرى والعبيد الذين ألحقوهم في خدمتهم الشخصية(17) .
أن وجود جاليه أجنبيه كبيره في مصر لاسيما من بلاد الشام أثر تأثيراً كبيراً على المجتمع المصري ، حيث أن هذا شجع المصريين على الأقبال على ملذات الحياة ومتعها ، فأخذوا بالتخلي عن تقاليدهم القديمه وفقدوا مميزاتهم كمحاربين مما أدى إلى ضياع سلطانهم على بلاد الشام ، كذلك لم يعد أفراد البيت المالك يهتمون بنقاوة الدماء الملكية ولا المصرية ، وخير مثال على ذلك زواج أمنحوتب الثالث من (تي) وهي أمرأة من عامة الشعب المصري ، والعرض التي تقدمت به أرملة الفرعون (توت-عنخ- أمون) للزواج من أحد أبناء شوبيلوليوما(18) .
كما أثرت هذه الجالية الأجنبية بالدم المصري ، فبعد أن كانت صور أفراد الطبقة العليا من المصريين تمثل وجوها جافة طرأ عليها بفضل هذه الدماء الجديدة تغيير صارخ ((فنرى حلاوة ورقة محببتين ونرى ابتسامة فاتنة وأنفا دقيقا قليل الأحديداب ونرى النعومة تحل محل الخشونة ، واللين يأخذ مكان القسوة ، وقد انتشر هذا اللون من الفتنة واضحاً في عهد امنحوتب الثالث أكثر مما كان في عهد أسلافه))(19)، وهنالك فرق واضح (( بين ملامح تحوتمس الـرابع الدقيقة وأنفه الأقنى وبين النموذج الذي تمثله سحنة تحوتمس الأول بفكه الكثيف وأنفه القصير)) (20) .
توحتمس الرابع توحتمس الاول
ولم يقتصر الزواج الدبلوماسي على الفراعنة المصريين ، فالملك الحيثي شوبيلوليوما تزوج من ابنة الملك الكاشي (بورنابورياش الثاني)(21)، وذلك بهدف تعزيز مكانته السياسية في المنطقة، من جانب وليضمن على ما يبدو حياد الدولة الكاشية في التنافس على بلاد الشام من جانب آخر، ولا سيما أنها كانت متحالفة مع الجانب المصري آنذاك .
كما أن شوبيلوليوما عندما قرر مساعدة ( متي – وازا ) لأستعادة عرشه ، اهداه ابنته زوجة وحظر عليه الزواج من أخرى، وذلك ليضمن بقاء المتولي على العرش الميتاني على صلة قرابة وثيقة بالملوك الحيثيين ، فلا يفكر بالخروج عن الطاعة الحيثية(22)، وهذا ما سيفضي إلى أحكام الدولة الحيثية القبضة على بلاد الشام إزاء المنافسين لها .
ولاشك أن خاتوشيليش الثالث كان يستهدف الحفاظ على العلاقات الودية بين مصر وبلاده، التي نشأت بعد معاهدة قادش، عندما زوج أثنين من بناته الى رعمسيس الثاني .
ويبدو ان الملوك الميتانيين (ارتاتاما الاول، شوترنا الثاني، توشرتا ) وجدوا في مصاهرة الفراعنة المصريين (تحتمس الرابع، امنحتب الثالث، اخناتون )(23) السبيل الأمثل لتعزيز علاقات الصداقة والتحالف بين البلدين، ولكسب تأييد مصر ضد عدوهـم التقليدي (المملكة الحيثية ) ، الطامحة لدور قيادي في منطقة الشرق الادنى القديم ، فيما وجد ( متي وازا) على ما يظهر في الزواج من ابنة شوبيلوليوما أمرا ضروريا لكسب حليف قوي يساعده لاسترجاع العرش الميتاني ، ومن ثم يكون عونا له في مجابهة الأخطار الخارجية ، ولا سيما الخطر الآشوري .
ولم يقتصر التأثير على تركيبة المجتمعات السكانية وأعرافها وتقاليدها ، بل أثر حتى في ملابس هذه المجتمعات وأزيائها ، فبسبب اتصال مصر المباشر بالبلدان الأخرى ، وفي المقدمة منها بلاد الشام وما آل إليه ذلك من ثراء ضخم على المجتمع المصري ، بدأت ملابس الرجال تتسع لتغطي ((الجزء العلوي من الجسم ، وصار القميص الواسع الذي يشده الحزام القطعة الأساسية من الزي)) ، وأصبح ثوب النساء يتألف من قطعتين ((هما قميص يغطي الكتف اليسرى وحدها ويعلوه ثوب فضفاض يربط من الأمام فوق الثدي ويوشى بتطريز))(24) .
وظهر القفاز لأول مرة على الآثار المصرية في عهد إخناتون، وليس من المستبعد أن يكون دخل إلى مصر من بلاد ميتاني ، حيث كان يشيع استعماله هناك ، وذلك ربما عن طريق النساء الميتانيات اللواتي ملأن البلاط المصري منذ عهد أمنحوتب الثالث على الأقل(25) .
وتأثر سكان بلاد الشام بالأزياء المصرية إلى الحد الذي صوروا معبوداتهم بأزياء مصرية، إذ تظهر النقوش الكنعانية لمعبود (أيل) وهو يلبس تاجا مشتقا من التاج المصري المعروف بـ (أتيف) ، كما بدا فوق رأسه ( قرص الشمس المجنح ) الذي يكثر وجوده في الديانة المصرية ، وتظهر المعبودة الكنعانية ( عنات ) في أغلب الأحيان وهي تضع على رأسها تاجا ذا طراز مصري(26)، ويتضح من أسطورة ( أيزيس وأوزيريس) اعجاب نساء جبيل بموضة التسريحة المصرية(27) .
وعلى جانب آخر وثيق الصلة بالموضوع أتاحت لنا مناظر الحروب وصور الأسرى التي نقشت على جدران الشواهد الأثرية المصرية ، معرفة دقيقة بأشكال وأزياء الحيثيين والأقوام الجزرية القديمة التي استوطنت بلاد الشام ، حيث ظهر الأنسان الحيثي على هذه الآثار بدون لحية ، وقد تدلت من رأسه ظفيرتان مرسلتان إلى كتفيه(28) .
أما سكان بلاد الشام ، فقد ظهر حاملو الجزية منهم على قبور طيبة التابعة للأسرة الثامنة عشرة قبل الميلاد يلتفون بشال أبيض له أطراف حمراء، أو زرقاء تحيط بالجسم من الخصر فما دونه، ويشاهد (( الأسرى الكنعانيون في المباني الأثرية المصرية يلبسون القميص أو الرداء القصير أو التنورة وثيابا فوقها تتألف من قطعة قماش طويلة ضيقة ملفوفة بشكل حلزوني حول الجسم)) ، ويجسد رجال الفن المصريون عامة سكان بلاد الشام (( بأجسام أثقل من أجسام المصريين ، وفي الغالب بشعر طويل ولحي كثيفة سوداء مروسة ، ويتدلى الشعر مـن الوراء بتل كثيفة حتى الرقبة ويحجزه فوق الجبهة ما يشبه الشبكة ،والكهنة كانوا يحلقون رؤوسهم كما في مصر))(29) .
ومن مناظر أسرى الحرب المنقوشة على قبر الوزير رحميري (أحد وزراء تحتمس الثالث) أمكن التعرف على زي النساء الشاميات إذ يظهرن لابسات الإزار المتدرج والصدرية القصيرة
التي تغطي أعلى الجسم والذراعين(30).
_______
(1) Lehman , J. , OP.Cit, P.227.
(2) مورتكات ، أنطوان ، المصدر السابق ، ص183 .
(3) برستد ، جيمس هنري ، تاريخ مصر ، ص276 .
(4) جرني، المصدر السابق، ص85.
(5) الأحمد، سامي سعيد ، الهاشمي، رضا جواد، المصدر السابق ، ص254 .
(6) وهم مجموعة من القبائل الرحل الذين هاجروا من مواطنهم الاصلية في شبه الجزيرة العربية الى شمال الصحراء العربية، وذلك في وقت غير معلوم ، وقد استقروا في منتصف الالف الثاني قبل الميلاد على ضفاف وادي الفرات الاوسط ، ومنها اخذوا بالتغلغل داخل بلاد الشام حتى نجحوا ابتداء من القرن الثاني عشر قبل الميلاد في تكوين عدة دويلات ومدن فــي اجزاءه الشمالية والوسطى كان من اهمها مملكة ارام دمشق ، وقد استمرت قائمة حتى ضمها الاشوريون لامبراطوريتهم في النصف الاول من الالف الاول قبل الميلاد .
وقد عرف الاراميون في المصادر المسمارية والحيثية باسم (الاخلامو) وتعني الرفاق ، للمزيد من التفاصيل ينظر :- London ,1975 , P.134 ; Callaghan , R.T.C., Wisema,D. J. , People of the old Testiment Times Aram Naharaim , Roma ,1938 ,PP.93-130. دبونت – سومر ، الاراميون ، ترجمة ، البير ابونا ، مجلة سومر ، مج19 ، جـ1 ، بغداد ، 1963 ، صص96-103 ؛عبدالقادر ، حامد ، الأمم السامية ، مصادر تاريخها وحضارتها ، مصر ، 1981 ، صص104-106 .
(7) باقر ، طه ، مقدمة ، جـ2 ، ص268 .
(8) الأحمد ، سامي سعيد ، الهاشمي ، رضا جواد ، المصدر السابق ، ص254 .
(9) حتي ، فليب ، تاريخ سورية ، جـ1 ، ص148 .
(10) صايغ ، أنيس ، المصدر السابق ، صص21،45،52-53 .
(11) Wilson , J., OP.Cit, P. 244.
(12) Baikie , J. , OP.Cit, P.307.
(13) حسن، سليم، مصر، جـ5، ص68.
(14) مونتيه ، بيير ، المصدر السابق ، ص376 .
(15) عصفور، محمد أبو المحاسن، معالم حضارات، ص63.
(16) ابوبكر، عبدالمنعم ، المصدر السابق ، ص35.
(17) حتي ، فيليب ، تاريخ سورية ، جـ1 ، ص147 .
(18) عصفور، محمد أبو المحاسن، علاقات مصر، ص120.
(19) المصدر نفسه، ص121.
(20) أبراهيم ، نجيب ميخائيل ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص108 .
(21) حتي ، فيليب ، تاريخ سورية ، جـ1 ، ص147 .
(22) الأحمد ، سامي سعيد ، الهاشمي ، رضا جواد ، المصدر السابق ، ص255 .
(23) Luckenbill , D.D., Hittite Treaties, P.166.
(26) حيث ان ارتاتاما الاول زوج ابنته الى تحتمس الرابع ، وزوج شوترنا الثاني ابنته الى امنحتب الثالث ، فيما تزوج الاخير من ابنة توشرتا ايضا ، التي تزوجها أخناتون من بعد وفاته ، ينظر:- Schulman,R.A, OP.Cit, P.184.
(27) أرمان ، أدولف ، رانكه ، هرمان ، المصدر السابق ، صص224-225 .
(28) شكري ، محمد أنور ، حضارة مصر ، صص41-42 .
(29) الماجدي ، خزعل ، المصدر السابق ، ص65 .
(30) صايغ ، أنيس ، المصدر السابق ، ص13 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|