أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-10-2016
3429
التاريخ: 20-6-2019
1726
التاريخ: 10-10-2016
3026
التاريخ: 4-10-2016
2187
|
يبدأ التاريخ السياسي لبلاد الشام مع دخول الأقوام الجزرية (الأموريون، الكنعانيون) في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد ، حيث شرعت هذه الأقوام حال دخولها بوضع اللمسات الأولى للتاريخ السياسي للبلاد(1)، ولكن ذلك اتخذ في بادئ الأمر طابعا بدائيا ، فتلك الأقوام لم تكن قادرة على ما يبدو أن تلم أجزاءه المشتتة المتباينة في دولة واحدة فبقيت البلاد مقسمة إلى الكثير من المناطق يحكمها شيوخ قبائل وأمراء يعيشون في مدن صغيرة ، وتحيا قبائلهم حياة تلائم البيئة التي سكنوها(2) .
وبالنسبة للأموريين ، فقد أوضحت الوثائق السومرية أنهم كانوا يعيشون حياة التجوال عند أول مجيئهم لشمال بلاد الشام، ((ولا يعرفون سكن البيوت ولا يعرفون الزرع والفلح ولكنهم تعلموا ذلك بعدئذ ))(3)، أي بعد أن احتكوا بمواطن الحضارة السومرية التي كانت منتشرة هناك منذ العهد الشبيه بالكتابي في بلاد الرافدين (3500-2800 ق.م) ، فكان لهذا أبلغ الأثر في ظهور الممالك الأمورية مطلع الألف الثاني قبل الميلاد(4)، ولكنها لم تتحد فيما بينها، بل ظلت مستقلة عن بعضها(5) .
ولعل من أقدم هذه الممالك ما يعرف بـ(مملكة ماري) نسبة إلى عاصمتها ماري (تل الحريري حالياً) الواقعة في منطقة الفرات الأوسط جنوب الخابور ، حيث نشأت في حدود سنة (1900 ق.م) ، وكانت في أول تكوينها تمتد من عانة جنوبا إلى الخابور شمالاً ، ولكنها سرعان ما توسعت في زمن ملكها (يخدن – لم) لتشمل أجزاء من سوريا ، حتى سواحل البحر المتوسط ، واستمرت قائمة حتى أسقطها حمورابي ( 1792-1750 ق.م ) أشهر ملوك سلالة بابل الأولى (1894-1595 ق.م) (6) .
كما قامت في الجزء الشمالي من بلاد الشام آنذاك عدة ممالك ، تقاسمت السيطرة عليه ، ومن أبرزها مملكة يمخد ، بالإضافة إلى مملكتا كركميش والألاخ ، وكذلك مملكة قطنه التي تعد مركزاً تجارياً مهماً لسلالات الحكام الأموريين(7)، حيث مكنها موقعها الجغرافي من التحكم بطرق التجارة المتجهة من بلاد الرافدين إلى البحر المتوسط ومن يمخد الى حازور في فلسطين(8).
وتعد يمخد أشهر هذه الممالك ، وكانت تسيطر على الطريق التجاري الواصل بين مدن الفرات الأوسط والبحر المتوسط ، الذي كان على القوافل التجارية والمسافرين سلوكه أن أرادوا تجنب الطريق المار بتدمر الى قطنه ثم البحر المتوسط ، أو في حالة عدم أتباعهم الطريق الشمالي المار بكركميش(9) ، وقد بلغت أوج ازدهارها فـي القرن الثامن عشر قبل الميلاد ، إذ امتدت حدودها من مملكة كركميش شمالاً إلى مملكة قطنا قرب حمص جنوباً، ومن مسكنه على الفرات شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً ، ومن أشهر ملوكها ملك يدعى حمورابي ، كان معاصراً للملك البابلي الشهير (حمورابي)، وقد تحالفا مع بعضهما ، كما كان ليمخد علاقات ودية مع مملكة ماري السالفة الذكر(10)، وقد خضعت مملكة الألاخ لنفوذها في القرن الثامن عشر قبل الميلاد(11)، ثم عادت وانفصلت عنها في مطلع القرن السابع عشر قبل الميلاد(12) .
ولكن علاقة يمخد مع قطنه لم تكن على ما يرام ، نظراً لخشية الأخيرة من طموحات يمخد التوسعية في بلاد الشام ، مما دفعها الى التحالف مع الملك الآشوري الشهير شمشي ـ أدد الأول (1814-1782 ق.م) للأحتماء به(13) .
هذا واستمرت مملكة يمخد قائمة حتى أسقطها الحيثيون في مطلع القرن السادس عشر قبل الميلاد، حالها بذلك حال بقية الممالك الشمالية الأخرى، كما نوهنا لذلك سابقاً(14) .
ولم يقتصر نشاط الأموريين على اجتياح بلاد الشام وتكوينهم لعدة ممالك فيها ، بل أنهم مدوا نفوذهم إلى بلاد الرافدين وأسسوا عدة سلالات حاكمة ، امتدت من أشور في الشمال حتى لارسا في الجنوب بين عامي (2100-1800 ق.م) وأهم هذه السلالات ، سلالة بابل الأولى(15).
وفيما يتعلق بالكنعانيين، فقد استوطنوا عند مجيئهم لبلاد الشام على طول الساحل من جبل كاشيوس حتى الكرمل في الجنوب، غير أنهم لم يستطيعوا في أية فتره من فترات تاريخهم الطويل أن يؤسسوا دوله قويه موحده لأنهم كانوا محاطين بإمبراطوريات عظيمة من جهة الشمال والشرق والجنوب ، وتتخلل منطقة سكناهم سلاسل الجبال(16)، لذا أتخذ تنظيمهم السياسي شكل ممالك مدن صغيره ، كان ينقصها الاستقرار الداخلي نتيجة لرغبة كلً منها في التوسع على حساب الأخرى ، وهذا ما جعلها تحت رحمة الدول الكبرى المتصارعة ، ولاسيما المحيطة بها وغير قادرة على رد الأخطار الخارجية ، بالرغم من كونها كانت محصنه بأسوار ذات شرفات وأبراج للدفاع ، ولكن ذلك لم يمنع هذه المدن أحيانا من تشكيل تكتلات دفاعية مشتركة لمواجهة الأخطار الخارجية ، كما حدث في معركة مجدو سنة (1486 ق.م) حينما اتحدت أكثر من ثلاثمئة مملكة كنعانية للتصدي للجيوش المصرية الغازية ، ألا أنه بشكل عام برهن الكنعانيون خلال تاريخهم الطويل ، أنهم يميلون للسلم لا إلى الحرب وجل اهتمامهم كان موجها للتجارة والفن والديانة، وكانت مدنهم تحني رأسها للفاتحين وتفضل دفع الجزية لهم لضمان عدم تدخلهم في شؤونها وموارد عيشها(17).
ومن أبرز المدن الكنعانية التي اشتهرت قديمـا ، نخص بالذكـر جبيل وصـور وصيدا وأرواد وسـميرا وغزة وعسقلان على الساحل وأريحـا وأورشليم ومجدو وشكيم في الداخل(18).
الخارجية ولا سيما المحيطة بها خاضت صراعات مريرة ومفاوضات سياسية أمر مع القوى المحلية المارة الذكر، أو مع بعضها البعض ، وذلك من أجل الاستئثار بالنفوذ السياسي أو الاقتصادي ، أو كلاهما معا في بلاد الشام .
فمصر أقامت علاقات قديمة مع بلاد الشام تعود في جذورها إلى أزمنة قديمة سبقت توحيد بلاد النيل بوقت طويل ، ولكن هذه العلاقة لم ترقَ إلى درجة فرض النفوذ السياسي المصري لا في تلك الأزمنة ولا حتى بعد توحيد مصر ، وإلى حين ظهور الدولة المصرية الوسطى ، فأساس هذه العلاقة آنذاك قامت على التبادل التجاري والتأثير الحضاري المتبادل وتخللتها بعض المواجهات المتقطعة بين الحين والاخر ، كما تقدم في الفصل السابق .
على العكس من ذلك فإن ملوك وادي الرافدين ما انقطعوا منذ فجرهم السياســي عن محاولة ضم بلاد الشام إلى دولهم وإمبراطورياتهم القديمة، فلوكال زاكيري(19) ادعى بأن حدود دولته امتدت من البحر الأسفل (الخليج العربي) إلى البحر الأعلى(البحر المتوسط)(20)، ومع إن هذا الإدعاء فيه الكثير من المبالغة ويصعب الأخذ به(21)، لكنه على ما يبدو ينم عن الرغبة الكامنة في صدور ملوك بلاد الرافدين القدماء لضم هذه المنطقة الحيوية إلى بلادهم، بغية السيطرة على البقاع الغنية بالموارد والمواد الأولية ، كالمعادن والأحجار والأخشاب اللازمة لبناء حضارة بلاد الرافدين القديمة(22) .
وهذا ما تمكن من تحقيقه لأول مرة مؤسس الدولة الأكدية (2371-2230 ق.م) وأشهر ملوكها سرجون الأكدي (2371-2317 ق.م ) حيث عمل هذا الملك بعد توحيده لبلاد الرافدين على توسيع رقعة دولته لتمتد إلى الخليج العربي وإلى الأجزاء الشمالية من بلاد الشام وصولا إلى البحر المتوسط ، ناهيك عن أجزاء من الأناضول وبلاد عيلام كلها الواقعة جنوبي غربي إيران(23)، وقد عمل بقية ملوك الدولة الأكدية للحفاظ على هذه الإمبراطورية وتوسيع رقعتها الجغرافية ، وظلت الأجزاء الشمالية من بلاد الشام تابعة لهم حتى نهاية العصر الأكدي، على الرغم من المعارضة القوية التي واكبت سيطرتهم تلك من قبل الأموريين هناك(24) .
وفي الوقت الذي استشرى فيه النفوذ السياسي والتأثير الحضاري للدولة الأكدية في شمال بلاد الشام ، كانت الدولة المصرية القديمة وثيقة الصلة بالجنوب الشامي وانتشرت حضارتها بين سكانه(25)، فيما التقى نفوذ كلا الحضارتين في مدن الساحل الفينيقي لاسيما في جبيل ، من دون أن يحدث بينهما تصادم مسلح(26) .
وبعد انهيار الدولة الأكدية على يد الكوتيين(27) سنة (2230 ق.م) الذي سبقه سقوط الدولة المصرية القديمة سنة (2280 ق.م) ، خلت بلاد الشام من تنافسات القوى الخارجية وتأثيراتها المباشرة، إلى حين صعود سلالة أور الثالثة للحكم في بلاد الرافدين (2130- 2006 ق.م) ونجاح ملوكها في الهيمنة على جميع البلدان التي كانت تابعة للإمبراطورية الأكدية ، بما فيها المناطق الواقعة في بلاد الشام(28).
ألا أن الأموريين شكلوا عامل ضغط على رابع ملوك هذه السلالة (شوـ سين) بتسللهم الدائم إلى بلاد الرافدين عبر حدوده الغربية المفتوحة، مما اضطره إلى إنشاء سور ضخم لعله يعيق تقدمهم أو يحول دون قيامه، ولكن بدون جدوى إذ أزداد الوضع سوءاً أيام أبي ـ سين (2029-2006 ق.م) بفعل تهديد العيلاميين(29) القادم من الشرق ،وتفاقم الأزمة الاقتصادية في الداخل، مما أدى في آخر المطاف إلى سقوط سلالة أور الثالثة على يد العيلاميين سنة (2006 ق.م)(30)، فعادت بلاد الرافدين على أثر ذلك لعصور الفوضى والاضطراب والاقتتال الداخلي كما كان عليه الحال في عصر دويلات المدن السومرية ، وعلى مدى أكثر من قرنين من الزمن (2006-1763 ق.م)(31)، خلت فيها الساحة الشامية من أي نفوذ سياسي يذكر لبلاد الرافدين، ماعدا النفوذ الآشوري الذي ظهر أواخر هذه الحقبة الزمنية .
وهذا ما أفسح المجال لقوى أخرى للصعود لدائرة الأحداث السياسية هناك، أهمها مصر التي عادت لواجهة الأحداث في بلاد الشام في عهد سلالتها الثانية عشرة (1991- 1778 ق.م)، حيث تغلغل آنذاك النفوذ السياسي والثقافي المصري في بلاد الشام ولا سيما في مناطقه الساحلية(32).
وبموازاة ذلك واجهت مصر منافسة قوية من قبل الحوريين الذين استوطنوا الأجزاء الشمالية من بلاد الشام منذ الربع الأول من الألف الثاني قبل الميلاد ، وسعوا إلى السيطرة على مدنه الرئيسية ، ولكن فراعنة الأسرة الثانية عشرة حالوا دون وقوعه بتقديم الهدايا السخية للبلاطات الأمورية ، التي عثر على البعض منها في جبيل وأوغاريت وبيروت وقطنة(33).
والى جانب ذلك يفهم من قصة سنوهي أن مناطق البدو الفلسطينية كانت تموج بالسكان من أجناس عدة مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وأنهم كانوا في نزاعات وحروب مستمرة مع بعضهم البعض ، للسيطرة على موارد الحياة المهمة ، حيث أشارت القصة إلى الأموريين الذين لجأ سنوهي لإحدى قبائلهم ، بالإضافة إلـى جماعات عـرف رؤساؤهم باسـم حقاو –خاسوت
(الهكسوس) ، هم من قاد سنوهي الحرب ضدهم لصالح القبيلة الأمورية التي احتضنته(34) .
وفي خضم هذه الصراعات الدامية كانت بلاد الرافدين تشهد تغييرات سياسية مهمة ، أدت في نهاية المطاف لعودته مرة أخرى لدائرة التنافس والصراع على بلاد الشام ، فالآشوريون(35) أقاموا لهم مملكة في الجزء الشمالي من بلاد الرافدين مطلع الألف الثاني قبل الميلاد ، كـان أشهر ملوكها شمشي ـ أدد الأول الذي مد حدود بلاده لتشمل الجزء الشمالي من بلاد بابل ، وبابل نفسها لفترة قصيرة ، بالإضافة لمملكة ماري(36)، وهذا شجعه على ما يبدو للتوغل داخل العمق الشامي ، حيث وصل إلى لبنان على سواحل البحر المتوسط ، وأقام هناك مسلة خلد فيها انتصاراته(37)، حسبما أشار في أحد نصوصه ، قائلا ( نصبت مسلة وحفرت عليها اسمي العظيم في بلد لبنان على سواحل البحر الكبير )(38) .
كما وطد شمشي – أدد الأول علاقاته مع بعض الممالك في بلاد الشام ، ومنها مملكة كركميش ومملكة قطنة ، بهدف تامين سلامة القوافل التجارية الآشورية المتجهة إلى ساحل بلاد الشام وإلى الأناضول(39)، ولتطويق مملكة يمخد من الشمال والجنوب ، حيث أن علاقته بالأخيرة لم تكن على ما يرام منذ أن لجأ إليها ولي عهد ماري (زمري ـ لم) بعد سيطرة الآشوريين على بلاده، وربما نتيجة لمحاولات شمشي ـ أدد الأول توسيع نفوذه إلى بلاد الشام(40).
غير أن مملكة أشور المترامية الأطراف لم تدم طويلا فبعد وفاة شمشي –أدد الأول خرجت عن طاعتها جميع الأقاليم التي كانت تابعة لها خارج بلاد آشور ، بما فيها الأجزاء الشمالية الشرقية من بلاد الشام(41).
وقد جاء التقوقع الآشوري هذا بعد سنوات قليلة من اعتلاء حمورابي لعرش بابل سنة (1792 ق.م) وانتهاجه لسياسة تقوم على توحيد بلاد النهرين من أقصاه إلى أقصاه تحت حكمه المباشر ، وهذا ما تم الانتهاء منه في حدود سنة (1783 ق.م)(42)، أتجه حمورابي بعدها لإتمام سياسة بلاد الرافدين التقليدية الرامية للسيطرة على مراكز التجارة وأماكن توزع الثروة في جميع الأراضي الواقعة بين الخليج العربي والبحر المتوسط ، وعلى الأرجح فقد نجح في تحقيق مـا كـان يصبو إليه(43)، وقد تغلغل نفوذ بابل السياسي والثقافي فـي بلاد الشام ولاسيما فـي المناطق الساحلية(44) .
ويبدو أن حمورابي أراد أن يوطد نفوذه هذا بتقوية أواصر الصداقة مع الممالك الأمورية المجاورة، ومنها يمخد التي عقد الحلف مع ملكها المعاصر له، وأسمه حمورابي أيضاً(45)، وقد أعتبر أحد الباحثين ذلك الحلف من أكبر استتباب الأمن في الشرق الأدنى القديم(46).
وبالإضافة إلى بابل، فقد حافظ ملوك الأسرة المصرية الثالثة عشرة (1786-1633ق.م) الأوائل على ما حققه أسلافهم ( ملوك الأسرة الثانية عشرة ) من مكاسب ومنجزات في بلاد الشام وما سواه(47)، وقد التقى نفوذ كلا الحضارتين (البابلية والمصرية) حينذاك عند مدن بلاد الشام الساحلية كجبيل واوغاريت (بدون أن يحدث بين الحضارتين تصادم مسلح)(48) .
ولكن أياً من هاتين القوتين لم تستمر في الهيمنة على بلاد الشام طويلاً ، فإمبراطورية حمورابي سرعان ما انهارت بعد وفاته، حيث خرجت عن طاعتها أكثر الأقاليم الخاضعة لنفوذها ليس في الخارج فحسب، بل وفي الداخل أيضا، هذا في الوقت الذي اشتدت فيه الضغوط الخارجية على بلاد الرافدين من الأقوام المجاورة، مما أدى بالتالي لسقوط بابل بيد الحيثيين (سنة 1595 ق.م)(49)، وبعد أنسحابهم منها وقعت بقبضة الكاشيين(50) الذين حكموها لأكثر من أربعة قرون ( 1590 –1170 ق.م )(51).
أما مصر فمرت بحقبة من الاضطراب والشغب والاقتتال الداخلي على العرش على أثر اغتصاب المدعو (يوفني) لعرش الكنانة من رابع ملوك الأسرة الثالثة عشرة(52)، قابلها ضغط متزايد على بلاد الشام من الأقوام التي هاجرت إليه أوائل القرن الثامن عشر ق.م، وكانت تنتمي لأعراق وأصول شتى(53)، فبدأت مصر نتيجة لذلك تفقد سيطرتها على بلاد الشام شيئا فشيئا، ففي حدود (سنة 1750 ق.م) أو بعدها بقليل استولى الحوريون على أوغاريت وقضوا على كل أثرً مصري فيها(54) .
وتبين نصوص اللعن المصرية السالفة الذكر، أن بلاد الشام أصبحت في ذلك الوقت من أعداء مصر ، بما فيها مدنه التي كانت تربطها بمصر علاقات متميزة كجبيل وأرشليم وعسقلان ، والتي كان يحكمها آنذاك زعماء أموريون حسب هذه النصوص(55)، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على وقوع بلاد الشام أو أجزاء كبيرة منه تحت قبضة قوى معادية لمصر، لابد إنهم الهكسوس الذين لم يكتفوا بالقضاء على النفوذ المصري في بلاد الشام، بل إنهم احتلوا مصر ذاتها(56) .
وقد أقام الهكسوس عدة مراكز لحكمهم في بلاد الشام ، حيث وجدت آثارهم في شاروهين (تل الفرعه حالياً) الواقعه جنوبي فلسطين، التي تحصنوا فيها بعد انسحابهم من مصر(57)، بالإضافة إلـى قطنه التـي يرجح أنـها كانـت عاصمتهم فـي بـلاد الشـام، ناهيك عـن أريحا(58) ومجدو وقادش(59)، وشاعت ثقافتهم في تلك البلاد طوال القرنين الثامن عشر والسابع عشر قبل الميلاد(60) .
وفضلا عن الهكسوس، فقد استمر الجزء الشمالي من بلاد الشام ساحة للتنافس والصراع بين كبرى الممالك الأمورية (يمخد، الالاخ ، كركميش) من جهة و الميتانين من جهة أخرى طوال القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وفي منتصف القرن السابع عشر قبل الميلاد انضم الحيثيون طرفاً ثالثاً لدائرة هذا الصراع، وقد نجحت الممالك الأمورية، ولا سيما مملكة يمخد في التصدي للأطماع الميتانية والحيثية في بلادها حتى أواخر القرن السابع عشر قبل الميلاد(61)، بالرغم إن الحوريين شكلوا عنصراً مهماً من عناصر المجتمع في شمال بلاد الشام منذ بدايات القرن السابع عشر قبل الميلاد(62).
غير أن القوة الحيثية الجبارة برزت بوضوح في عهد مرسيليس الأول (1620- 1590 ق.م) إذ قلب الموازين رأسا علـى عقب واثبت جدارة الحيثيين قوة جبارة لها الدور الأهم فـي تسيير الأحداث في منطقة الشرق الأدنى القديم ، إذ تمكن الزعيم الحيثي من بسط سيطرته على الجزء الشمالي من بلاد الشام وساعد على وصول الكاشيين لعرش بابل بعد إسقاطه لسلالتها الوطنية(63) .
وقد ترافقت هذه التطورات مع انشغال الهكسوس بالثورة التي فجرها ضدهم أمراء طيبه في الجنوب(64)، ولم يستطع الميتانيون فعل شيء إزاء النهضة الحيثية المفاجئة وآثروا على ما يبدو السكوت ومراقبة الأوضاع عن قرب ريثما تتحسن الظروف المحيطة ، لاسيما أن الدولة الميتانية هي الأخرى قد هوجمت من قبل مرسيليس الأول انتقاما منها على ما يبدو لتدخلاتها المستمرة في شؤون المملكة الحيثية(65) .
ولم يمضِ وقت طويل على هذه الأحداث حتى لاحت بوادر تغير جديد في هوية القوى المتصارعة على بلاد الشام ، فالدولة الحيثية شهدت بعد مقتل مرسيليس الاول حالة من عدم الاستقرار السياسي بسبب التناحر على العرش ، مما اتاح للميتانيين الهيمنة على مناطق نفوذها في بلاد الشام اواسط القرن السادس عشر قبل الميلاد(66)، وقد مهد هذا لظهور تنافسات وصراعات أخرى على البلاد لم تقل أهمية وحدة عن سابقتها ، بل إنها فاقتها في هذا المجال ، وقد شكل محور الصراعات الجديدة الأسرة الثامنة عشرة المصرية ( 1580- 1304 ق.م ) من جهة، وكل من بقايا الهكسوس والأمراء الشاميين الموالين لهم، بالإضافة للمملكة الميتانية من جهة أخرى.
________
(1) عامر ، سليمان ، الفتيان ، أحمد مالك ، المصدر السابق ، صص330 – 336 .
(2) فخري، أحمد، دراسات، ص92.
(3) طه ، باقر ، المصدر السابق ، جـ2 ، ص233 .
(4) المصدر نفسه ، جـ2 ، صص233-234 .
(5) أبو عساف ، علي ، المصدر السابق ، ص321 .
(6) طه، باقر، واخرون ، المصدر السابق ، جـ1، ص177 .
(7) رو ، جورج ، المصدر السابق، ص321؛ حتي، فيليب ، تاريخ سوريه ، جـ1، ص74 .
(8) أسماعيل، فاروق، قطنا والمشرفا في وثائق العهد البابلي القديم، الحوليات السوريه ، مج42، 1996، ص99.
(9) فرحان، وليد محمد صالح، العلاقات السياسية للدولة الآشورية، أطروحة ماجستير غير منشوره، بغداد، 1976، ص126.
(10) عثمان ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، صص396-397 .
(11) وذلك في عهد ثلاثة من ملوك يمخد (أبي ـ بعل ، ياريم ـ لم الثاني ، نقمي ـ أيبوخ) وقد أصبحت الألاخ حينها عاصمة ثانية ليمخد ومقراً لنائب الملك ، يراجع :- أبو عساف ، علي ، المصدر السابق ، ص323 .
(12) Buccellati , G , Cities and Nations of Ancient Syria , Roma, 1961, P.46.
(13) أسماعيل ، فاروق ، المصدر السابق ، الحوليات السوريه ، مج42 ، ص98 .
(14) ينظر:- ص59 من الأطروحة .
(15) حتي ، فيليب ، تاريخ سوريا ، جـ1 ، ص 71 – 72 .
(16) حتي ، فيليب ، خمسة ألاف سنه من تاريخ الشرق الأدنى ، ج1 ، ط1 ، بيروت ، 1975 ، ص120 .
(17) حتي ، فيليب ، تاريخ سوريه ، جـ1 ، ص 88،92.
(18) حتي ، فيليب ، تاريخ سوريه ، جـ1 ، ص92 .
(19) أحد أشهر الملوك السومريين ، كان حاكماً لمدينة (أوما )قبل أن ينجح في فرض سيطرته على الجزء الجنوبي من بلاد الرافدين، وهو أول من أتخذ لقب ( ملك سومر ) ، ويعد عهده نهاية عصر فجر السلالات السومرية الذي أستمر قرابة الأربعة قرون من الزمن ( 2750 – 2371 ق.م ) حاول توحيد بلاد الرافدين غير أن سرجون الأكدي حال بينه وبين ذلك وأنتزع هذا الشرف لنفسه . ينظر:- باقر ، طه ، مقدمه في تاريخ الحضارات القديمه، جـ1 ، بغداد ، 1973 ، ص110 .
(20) حتي ، فليب ، تاريخ سوريه ، جـ1 ، صص70-71 .
(21) لا يوجد ما يؤكد أن لوكال زاكيري وصل بفتوحاته إلى تلك المناطق البعيدة ، ولعله قصد بذلك أن تجارته المباشرة قد وصلت إلى هناك . ينظر:- بوترو ، جين ، واخرون ، المصدر السابق ، ص94 .
(22) باقر ، طه ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص127 .
(23) سليمان، عامر، المصدر السابق، جـ1، ص149.
(24) بدوي، احمد، في موكب الشمس، جـ2، القاهرة، 1946، ص436.
(25) حتي ، فيليب ، تاريخ سوريه ، جـ1 ، ص85 .
(26) باقر ، طه ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص126 .
(27) وهم أقوام جبليه غير متحضرة لا يعلم عن أصلها شيئاً ، ولعلهم جاءوا من لورستان أو من الاقاليم الشمالية الشرقية ، حكموا بلاد الرافدين مدة تزيد على القرن من الزمن لم يخلفوا خلالها في البلاد غير الخراب والدمار، وقد نجح القائد السومري الشهير أوتو – حيكال ( حاكم الوركاء ) من طردهم من البلاد وتحريرها منهم في حدود سنه 2120 ق.م ، ينظر:- المصدر نفسه ، جـ1 ، صص129-130 .
(28) المصدر نفسه، جـ1، ص133.
(29) وهم من الاقوام التي يصعب التكهن بأصولها وقد هاجروا الى بلاد فارس (ايران حاليا)من مواطنهم الاصلية الواقعة في اقليم أوراسيا جنوب روسيا ، حيث انهم جاءوا على شكل مجموعات صغيرة ، وقد انشاوا في الربع الاول من الالف الثالث قبل الميلاد دولة شملت حدودها مناطق واسعه من السهول والجبال وسواحل الخليج العربي حتى منطقة بوشير ، ينظر:-
Ghirshman,R.,Iran from the Earliest time to the Islamic conquest,ponguin,1966.P.60.
(30) ساكز ، هاري ، المصدر السابق ، صص75-77 .
(31) للمزيد من التفاصيل عن عصر التجزئة والانقسام الذي عاشته بلاد الرافدين بعد سقوط سلالة أور الثالثة ، ينظر:- ساكز ، هاري ، المصدر السابق ، صص78-89.
(32) باقر ، طه ، المصدر السابق ، جـ2 ، ص61 .
(33) رو ، جورج ، المصدر السابق ، ص322 .
(34) صالح ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص178 .
(35) وهم من الاقوام التي كانت تسكن شبه الجزيرة العربية ثم نزحت في وقت غير معلوم الى بوادي الشام وبلاد الرافدين ، واستقر بهم المقام في نهاية المطاف في الجزء الشمالي من بلاد وادي الرافدين ، الذي كان يعرف بأسم بلاد (سوبارتو) أو (شوبارتو) نسبة إلى (السوباريين) الذين كانوا يسكنون المنطقه قبل مجيء الأشوريين .
وينسب الاشوريون اما الى عاصمتهم اشور، او الى الههم القومي اشور ، يراجع:- سليمان، عامر، الفتيان، احمد مالك، المصدر السابق، ص143 ؛ باقر ، طه ، وأخرون ، المصدر السابق ، ج1 ، ص201 .
(36) باقر ، طه ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص172 .
(37) ساكز ، هاري ، قوة أشور ، ترجمة عامر سليمان ، بغداد ، 1999 ، ص60 .
(38) . Luckenbill, D.D, Ancient Record Assyrian and Babylonia, Vol, 1, New yrork, 1921, P.45
ويبدوا أن الغرض من أقامة هذه المسلة أظهار قوة الأشوريين أمام القبائل الأمورية التي اعتبرت الأشوريين قوة جديدة تظهر لأول مره، ينظر :- طه، منير يوسف، " علاقة الأشوريين مع الأقاليم المجاورة "، موسوعة الموصل الحضارية ، مج1، ط1 ، الموصل ،1991، ص112 .
(39) سليمان ، عامر ، المصدر السابق، صص197–198 .
(40) فرحان، وليد محمد صالح، المصدر السابق، ص26.
(41) ساكز ، هاري ، قوة أشور ، ص62 .
(42) حول جهود حمورابي لتوحيد بلاد الرافدين ، ينظر :-باقر ، طه ، وآخرون ، المصدر السابق ، جـ1 ، صص182-183.
(43) حتي ، فيليب ، موجز تاريخ الشرق الادنى القديم ، ص42 ،الاشقر ، اسد ، الخطوط الكبرى في تاريخ سورية ونشوء العالم العربي ، جـ1 ، ص135 ؛ عثمان ، عبد العزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص293 .
(44) باقر ، طه ، المصدر السابق ، جـ2 ، ص61 .
(45) المصدر نفسه، جـ2، ص61.
(46) عثمان ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص397 .
(47) زايد ، عبدالحميد ، مصر ، ص451 .
(48) باقر ، طه ، المصدر السابق ، جـ2 ، ص61 .
(49) للمزيد من التفاصيل عن مجمل التطورات السياسية التي شهدتها الدولة البابلية القديمة بعد وفاة حمورابي وأسباب سقوطها ، ينظر :- ساكز ، هاري ، عظمة بابل ، ص90 .
(50) وهم من الأقوام الهندواوربية الذين نزحوا من مناطق القفقاس في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد إلى الأجزاء الغربية من جبال زاكروس ، ثم أنحدروا إلى الجهات الشمالية الشرقية من بلاد الرافدين في حدود القرن السابع عشر قبل الميلاد ، حيث أقاموا مملكة لهم في مدينة عانه على الضفة الغربية للفرات ، وذلك قبل أن ينجحوا في الأستيلاء على بلاد بابل مطلع القرن السادس عشر قبل الميلاد ، على أثر انسحاب الحيثيين منها ، وقد عرفوا على الأرجح بهذا الأسم نسبه إلى ألههم المحلي ( كشو ) ، ينظر :- الأمين ، محمود ، " الكاشيون " ، مجلة كلية الآداب ، مج 11 ، بغداد ، 1963، ص7 .
(51) سليمان، عامر، "الموصل في الألف الثاني قبل الميلاد "، موسوعة الموصل الحضارية، ج1، ط1، الموصل، 1991، ص77. وحول حقبة الحكم الكاشي لبلاد بابل ، ينظر :- الامين ، محمود ، المصدر السابق ، صص6 – 21 ؛ الاحمد ، سامي سعيد، " فترة العصر الكاشي " ، مجلة سومر ، م 39 ، بغداد ، 1983 ؛ الحسيني ، لمياء محمد علي ، بلاد بابل (كاردونياش) في العهد الكشي (سلالة بابل الثالثة) ، رسالة ماجستير غير منشورة ، بغداد ، 2004 .
(52) برستد ، جيمس هنري ، تاريخ مصر ، ص137 .
(53) صالح ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص188 .
(54) سعاده ، جبرائيل ، المصدر السابق ، ص29 ؛ الخازن ، نسيب وهيبة ، اوغاريت – اجيال – اديان – ملاحم ، ط2 ، بيروت ، 1969 ، ص65 .
(55) زايد ، عبد الحميد ، مصر ، ص388 .
(56) حتي ، فيليب ، تاريخ سورية ، جـ1 ، ص157 ؛Steindorff ,G., and Seele, K., Op. Cit, p. 24
(57) Nelson , H.H., Op. Cit, P.20.
(58) وهي مدينة تقع الى الغرب من نهر الاردن بالقرب من الطرف الشمالي من البحر الميت ، وتتحكم بأودية الاردن الضحلة ، ينظر :- موسوعة الكتاب المقدس ، ص18 .
(59) وتسمى حالياً (تل النبي مند) ، على الطرف الجنوبي الغربي من بحيرة قطينه ، بالقرب من مدينة حمص الحاليه وسط سوريه ، أبوعساف ، علي ، المصدر السابق ، ص412 .
(60) حتي ، فيليب ، تاريخ سورية ، جـ1 ، ص159 .
(61) Astour , M.C., OP.Cit, P.106.
(62) الاحمد ، سامي سعيد ، الهاشمي ، رضا جواد ، المصدر السابق ، ص245 .
(63) جرني، المصدر السابق، ص43.
(64) من المرجح أن تكون ثورة المصريين لطرد الهكسوس من بلادهم وقعت في حدود عام(1600 ق.م ) أي قبل سنوات قليله من سقوط شمال بلاد الشام وبابل بيد الحيثيين ، يراجع :- برستد ، تاريخ مصر ، ص145 ، وكذلك ينظر :-
Goodspeed, G. S., A History of The Babylon and Assyrians, New York, 1902, P. 132.
(65) جرني، المصدر السابق، ص44.
(66) مورتكات ، انطوان ، المصدر السابق ، ص220 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
جمعية العميد تناقش التحضيرات النهائية لمؤتمر العميد الدولي السابع
|
|
|