أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-24
915
التاريخ: 5-10-2016
2564
التاريخ: 5-10-2016
2257
التاريخ: 5-10-2016
1410
|
الدنيا عدوة للّه و لأوليائه و لأعدائه : أما عداوتها للّه ، فإنها قطعت الطريق على العبادة ، و لذلك لم ينظر إليها مذ خلقها ، كما ورد في الأخبار و أما عداوتها لأوليائه و أحبائه ، فإنها تزينت لهم بزينتها و عمتهم بزهرتها و نضارتها ، حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها.
وأما عداوتها لأعدائه ، فإنها استدرجتهم بمكرها و مكيدتها و اقتنصتهم بشباكها و حبائلها حتى وثقوا بها و عولوا عليها ، فاجتبوا منها حيرة و ندامة تنقطع دونها الأكباد ، ثم حرمتهم عن السعادة أبد الآباد ، فهم على فراقها يتحسرون و من مكائدها يستغيثون و لا يغاثون ، بل يقال لهم : {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون : 108] , {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة : 86].
والآيات الواردة في ذم الدنيا و حبها كثيرة ، و أكثر القرآن مشتمل على ذلك و صرف الخلق عنها و دعوتهم إلى الآخرة ، بل هو المقصود من بعثة الأنبياء ، فلا حاجة إلى الاستشهاد بآيات القرآن لظهورها.
فلنشر إلى نبذة من الأخبار الواردة في ذم الدنيا و حبها و في سرعة زوالها ، قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) : «لو كانت الدنيا تعدل عند اللّه جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء».
وقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) : «الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها إلا ما كان للّه منها».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) : «الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) : «من أصبح و الدنيا أكبر همه فليس من اللّه في شيء ، و ألزم اللّه قلبه أربع خصال : هما لا ينقطع عنه أبدا ، و شغلا لا يتفرغ منه أبدا و فقرا لا ينال غناه أبدا , وأملا لا يبلغ منتهاه أبدا .
وقال (صلّى اللّه عليه و آله): «يا عجبا كل العجب للمصدق بدار الخلود و هو يسعى لدار الغرور!».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله) : «لتأتينكم بعدي دنيا تأكل إيمانكم كما تأكل النار الحطب».
وقال : «ألهاكم التكاثر، يقول ابن آدم : مالي مالي , و هل لك من مالك إلا ما تصدقت فأبقيت أو أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت؟».
وقال : «أوحى اللّه تعالى إلى موسى : لا تركنن إلى حب الدنيا ، فلن تأتين بكبيرة هي أشد عليك منها».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله) : «حب الدنيا رأس كل خطيئة».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله) : «من أحب دنياه أضر بآخرته و من أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى».
ومر(صلّى اللّه عليه و آله) على مزبلة ، فوقف عليها و قال : «هلموا إلى الدنيا! و أخذ خرقا قد بليت على تلك المزبلة و عظاما قد نخرت ، فقال : ذه الدنيا!».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله) «إن اللّه لم يخلق خلقا أبغض إليه من الدنيا ، و إنه لم ينظر إليها منذ خلقها».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله) «الدنيا دار من لا دار له و مال من لا مال له ، و لها يجمع من لا عقل له ، و عليها يعادى من لا علم عنده ، و عليها يحسد من لا فقه له ، و لها يسعى من لا يقين له».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) : «لما هبط آدم من الجنة إلى الأرض قال له : إن للخراب ولد للفناء».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله) : «لتجيئن أقوام يوم القيامة وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلى النار، فقيل : يا رسول اللّه! أ مصلين؟ , قال : نعم ،! كانوا يصومون ويصلون و يأخذون هنيئة من الليل ، فإذا عرض لهم من الدنيا شيء وثبوا عليه».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله) : «هل منكم من يريد أن يذهب اللّه عنه العمى و يجعله بصيرا؟ ألا إنه من رغب في الدنيا و طال فيها أمله أعمى اللّه قلبه على قدر ذلك ، ومن زهد في الدنيا و قصر أمله فيها أعطاه اللّه علما بغير تعلم و هدى بغير هداية».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله) : «فو اللّه ما الفقر أخشى عليكم ، و لكني أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، و تهلككم كما اهلكتهم».
وقال : «أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج اللّه لكم من بركات الأرض ، فقيل : ما بركات الأرض؟ قال : زهرة الدنيا».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله) : «دعوا الدنيا لأهلها من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه فقد أخذ حتفه و هو لا يشعر».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله) : «سيأتي قوم بعدي يأكلون أطايب الطعام وأنواعها ، وينكحون أجمل النساء و ألوانها ، و يلبسون ألين الثياب و ألوانها و يركبون أقوى الخيل و ألوانها ، لهم بطون من القليل لا تشبع ، وأنفس بالكثير لا تقنع ، عاكفين على الدنيا ، يغدون و يروحون إليها اتخذوها آلهة دون إلههم و ربا دون ربهم إلى أمرهم ينتهون و هواهم يلعبون ، فعزيمة من محمد بن عبد اللّه لمن أدرك ذلك الزمان من عقب عقبكم و خلف خلفكم أبدا لا يسلم عليهم ولا يعود مرضاهم ولا يتبع جنائزهم ولا يوقر كبيرهم و من فعل ذلك فقد أعان على هدم الإسلام».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله) : «ما لي و للدنيا و ما أنا و الدنيا؟! إنما مثلي و مثلها كمثل راكب سار في يوم صائف ، فرفعت له شجرة ، فقال تحت ظلها ساعة ، ثم راح و تركها».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله) : «احذروا الدنيا ، فإنها أسحر من هاروت و ماروت».
وقال (صلّى اللّه عليه و آله) : «حق على اللّه ألا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه».
وقال عيسى بن مريم (عليه السّلام) «ويل لصاحب الدنيا! كيف يموت و يتركها ، و يأمنها و تغره ، و يثق بها و تخذله ، ويل للمغترين! كيف ألزمهم ما يكرهون ، و فارقهم ما يحبون ، و جاءهم ما يوعدون ، ويل لمن أصبحت الدنيا همه و الخطايا عمله! كيف يفتضح غدا بذنبه».
و قال (عليه السّلام) : «من ذا الذي يبني على أمواج البحر دارا تلكم الدنيا ، فلا تتخذوها قرارا».
وقال (عليه السّلام) «لا يستقيم حب الدنيا و الآخرة في قلب مؤمن ، كما لا يستقيم الماء و النار في إناء واحد».
وأوحى اللّه - تعالى- إلى موسى : «يا موسى :! ما لك و لدار الظالمين! إنها ليست لك بدار اخرج منها همك و فارقها بعقلك فبئست الدار هي ، إلا لعامل يعمل فيها فنعمت الدار هي ، يا موسى! إني مرصد للظالم حتى آخذ منه للمظلوم».
وأوحى إليه : «يا موسى! لا تركنن إلى حب الدنيا ، فلن تأتين بكبيرة هي أشد منها».
ومر موسى (عليه السّلام) برجل و هو يبكي ، و رجع و هو يبكي ، فقال موسى : «يا رب عبدك يبكي من مخافتك ، فقال تعالى : يا بن عمران! لو نزل دماغه مع عينيه و رفع يديه حتى يسقطا لم أغفر له و هو يحب الدنيا!».
وقال أمير المؤمنين (عليه السّلام) بعد ما قيل له صف لنا الدنيا : «و ما أصف لك من دار من صح فيها سقم ، و من أمن فيها ندم ، و من افتقر فيها حزن ، و من استغنى فيها افتتن ، في حلالها الحساب ، و في حرامها العقاب».
وقال (عليه السّلام) : «إنما مثل الدنيا كمثل الحية ما ألين مسها و في جوفها السم الناقع يحذرها الرجل العاقل و يهوى إليها الصبي الجاهل».
وقال في وصف الدنيا : «ما أصف من دار أولها عناء و آخرها فناء ، في حلالها حساب و في حرامها عقاب ، من استغنى فيها فتن ، و من افتقر فيها حزن ، و من ساعاها فاتته ، و من قعد عنها آتته ، و من بصر بها بصرته ، و من أبصر إليها أعمته» ، وقال (عليه السّلام) في بعض مواعظه : «ارفض الدنيا ، فإن حب الدنيا يعمى و يصم و يبكم و يذل الرقاب ، فتدارك ما بقي من عمرك ، و لا تقل غدا و بعد ، فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني و التسويف حتى أتاهم أمر اللّه بغتة و هم غافلون فنقلوا على أعوادهم إلى قبورهم المظلمة الضيقة ، وقد أسلمهم الأولاد و الأهلون ، فانقطع إلى اللّه بقلب منيب , من رفض الدنيا و عزم ليس فيه انكسار و لا انخذال».
و قال (عليه السّلام) : «لا تغرنكم الحياة الدنيا فإنها دار بالبلاء محفوفة ، و بالفناء معروفة ، و بالغدر موصوفة ، فكل ما فيها إلى زوال ، و هي بين أهلها دول و سجال ، لا تدوم أحوالها ، و لا يسلم من شرها نزالها ، بينا أهلها منها في رخاء و سرور إذا هم منها في بلاء و غرور أحوال مختلفة ، و تارات متصرمة ، العيش فيها مذموم ، و الرخاء فيها لا يدوم ، و إنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ، ترميهم بسهامها ، و تفنيهم بحمامها.
واعلموا عباد اللّه انكم و ما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ، ممن كان أطول منكم أعمارا ، و أشد منكم بطشا ، وأعمر ديارا و أبعد آثارا ، فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تقلبها ، وأجسادهم بالية ، وديارهم على عروشها خاوية ، و آثارهم عافية استبدلوا بالقصور المشيدة و السرر و النمارق الممهدة الصخور و الأحجار المسندة في القبور اللاطئة الملحدة فمحلها مقترب ، و ساكنها مغترب ، بين أهل عمارة موحشين ، و أهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران ، و لا يتواصلون تواصل الجيران الإخوان ، على ما بينهم من قرب الجوار و دنو الدار، و كيف يكون بينهم تواصل ، و قد طحنهم بكلكله البلاء ، و أكلتهم الجنادل والثرى و أصبحوا بعد الحياة أمواتا ، و بعد نضارة العيش رفاتا ، فجع بهم الأحباب و سكنوا تحت التراب ، و ظعنوا فليس لهم إياب ، هيهات هيهات! {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون : 100].
فكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى و الوحدة في دار المثوى ، وارتهنتم في ذلك المضجع ، و ضمكم ذلك المستودع ، و كيف بكم لو عاينتم الأمور، و بعثرت القبور، و حصل ما في الصدور، و أوقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل، فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب ، و هتكت عنكم الحجب و الأستار، فظهرت منكم العيوب و الأسرار، هنالك.
{تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [غافر: 17] .
وقال أيضا (عليه السّلام) في بعض خطبه : «أوصيكم بتقوى اللّه و الترك للدنيا التاركة لكم ، و إن كنتم لا تحبون تركها ، المبلية أجسامكم و أنتم تريدون تجديدها ، فإنما مثلكم و مثلها كمثل قوم في سفر سلكوا طريقا و كأنهم قد قطعوه ، و أفضوا إلى علم ، فكأنهم قد بلغوه ، و كم عسى أن يجري المجرى حتى ينتهي إلى الغاية ، و كم عسى أن يبقى من له يوم في الدنيا ، و طالب حثيث يطلبه حتى يفارقها ، فلا تجزعوا لبؤسها و ضرائها فإنه إلى انقطاع ، و لا تفرحوا بمتاعها و نعمائها فإنه إلى زوال ، عجبت لطالب الدنيا و الموت يطلبه ، و غافل و ليس بمغفول عنه».
وقال السجاد (عليه السّلام) : «إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة ، و إن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ، و لكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدنيا ، ألا و كونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة ، ألا إن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطا و التراب فراشا و الماء طيبا ، و قرضوا من الدنيا تقريضا ، ألا و من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ، و من أشفق من النار رجع عن المحرمات ، و من زهد في الدنيا هانت عليه المصائب ، ألا إن للّه عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين ، و كمن رأى أهل النار في النار معذبين ، شرورهم مأمونة و قلوبهم محزونة ، أنفسهم عفيفة ، و حوائجهم خفيفة ، صبروا أياما قليلة ، فصاروا بعقبى راحة طويلة ، أما الليل فصافون أقدامهم ، تجري دموعهم على خدودهم ، و هم يجأرون إلى ربهم ، يسعون في فكاك رقابهم ، و أما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء كأنهم القداح ، قد براهم الخوف من العبادة ، ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى ، و ما بالقوم من مرض ، أم خولطوا ، فقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر النار و ما فيها».
وقال (عليه السّلام) «ما من عمل بعد معرفة اللّه - عز و جل - و معرفة رسوله (صلّى اللّه عليه و آله) أفضل من بغض الدنيا ، فإن ذلك لشعبا كثيرة ، و للمعاصي شعبا فأول ما عصى اللّه به الكبر معصية إبليس حين أبى و استكبر و كان من الكافرين ثم الحرص ، و هي معصية آدم و حواء حين قال اللّه - عز و جل – لهما : {فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأعراف : 19].
فأخذا ما لا حاجة بهما إليه ، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة و ذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه.
ثم الحسد ، و هو معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله ، فتشعب من ذلك حب النساء و حب الدنيا ، و حب الرئاسة ، و حب الراحة ، و حب الكلام ، و حب العلو و الثروة ، فصرن سبع خصال ، فاجتمعن كلهن في حب الدنيا.
فقال الأنبياء و العلماء بعد معرفة ذلك : حب الدنيا رأس كل خطيئة ، و الدنيا دنياءان : دنيا بلاغ و دنيا ملعونة».
وقال الباقر (عليه السّلام) لجابر : «يا جابر! إنه من دخل قلبه صافي خالص دين اللّه شغل قلبه عما سواه يا جابر! ما الدنيا و ما عسى أن تكون الدنيا؟! هل هي إلا طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها؟ يا جابر! إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ، و لم يأمنوا قدومهم الآخرة , يا جابر! الآخرة دار قرار، و الدنيا دار فناء و زوال ، و لكن أهل الدنيا أهل غفلة ، و كان المؤمنون هم الفقهاء أهل فكرة و عبرة ، لم يصمهم عن ذكر اللّه - جل اسمه - ما سمعوا بآذانهم ، و لم يعمهم عن ذكر اللّه ما رأوا من الزينة بأعينهم ففازوا بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم» .
وقال الصادق (عليه السّلام) : «مثل الدنيا كمثل ماء البحر، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله».
وقال : فيما ناجى اللّه - عز و جل - به موسى : «يا موسى! لا تركن إلى الدنيا ركون الظالمين و ركون من اتخذها أبا و أما يا موسى! لو وكلتك إلى نفسك لتنظر لها إذن لغلب عليك حب الدنيا و زهرتها يا موسى! نافس في الخير أهله و استبقهم إليه ، فإن الخير كاسمه ، و اترك من الدنيا ما بك الغنى عنه ولا تنظر عينك إلى كل مفتون بها و موكل إلى نفسه ، و اعلم أن كل فتنة بدؤها حب الدنيا ، و لا تغبط أحدا بكثرة المال فإن مع كثرة المال تكثر الذنوب لواجب الحقوق و لا تغبطن أحدا برضى الناس عنه , حتى يتعلم أن اللّه راض عنه ، و لا تغبطن مخلوقا بطاعة الناس له ، فإن طاعة الناس له و اتباعهم إياه على غير الحق هلاك له و لمن تبعه».
وأوحى اللّه – تعالى - إلى موسى و هارون لما أرسلهما إلى فرعون : «لو شئت أن أزينكما بزينة من الدنيا ، يعرف فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عما أوتيتما لفعلت ، ولكني أرغب لكما عن ذلك و أزوى ذلك عنكما و كذلك أفعل بأوليائي ، إني لأزويهم عن نعيمها ، كما يزوى الراعي الشفيق غنمه عن مواقع الهلكة ، و إني لأجنبهم عيش سلوتها ، كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مواقع الغرة ، و ما ذلك لهوانهم علي ، و لكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا ، إنما يتزين لي أوليائي : بالذل و الخشوع و الخوف و التقوى».
وقال الكاظم (عليه السّلام) : «قال أبو ذر (رحمه اللّه) : جزى اللّه الدنيا عن مذمة بقدر رغيفين من الشعير، أتغدى بأحدهما و أتعشى بالآخر، و بعد شملتي الصوف ، أتزر بأحداهما و أتردى بالأخرى».
وقال لقمان لابنه : «يا بني! بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا ، و لا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعا.
و قال له : «يا بني! إن الدنيا بحر عميق ، قد غرق فيها ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى اللّه - عز و جل - و حشوها الإيمان ، و شراعها التوكل على اللّه ، لعلك ناج و ما أراك ناجيا».
وقال : «يا بني! إن الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا و لم يبق من جمعوا له ، و إنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل و وعدت عليه أجرا ، فأوف عملك و استوف أجرك ، و لا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتى سمنت ، فكان حتفها عند سمنها ، و لكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها و تركتها ، و لم ترجع إليها آخر الدهر، أخر بها و لا تعمر، فإنك لم تؤمر بعمارتها ، و اعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي اللّه - عز و جل - عن أربع : شبابك فيما أبليته ، و عمرك فيما أفنيته ، و مالك مما اكتسبته.
وفيما أنفقته ، فتأهب لذلك ، و أعد له جوابا ، و لا تأس على ما فاتك من الدنيا فإن قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه ، و كثيرها لا يؤمن بلاؤه ، فخذ حذرك و جد في أمرك ، و اكشف الغطاء عن وجهك ، و تعرض لمعروف ربك ، و جدد التوبة في قلبك ، واكمش في فراغك قبل أن يقصد قصدك ، و يقضى قضاؤك ، و يحال بينك و بين ما تريد».
وقال بعض الحكماء : «الدنيا دار خراب ، و أخرب منها قلب من يعمرها و الجنة دار عمران وأعمر منها قلب من يعمرها» , و قال بعضهم : «الدنيا لمن تركها ، و الآخرة لمن طلبها».
وقال بعضهم : «إنك لن تصبح في شيء من الدنيا إلا و قد كان له أهل قبلك ، و يكون له أهل بعدك ، و ليس لك من الدنيا إلا عشاء ليلة و غداء يوم ، فلا تهلك نفسك في أكلة ، و صم الدنيا وأفطر على الآخرة ، فإن رأس مال الدنيا الهوى ، و ربحها النار».
وقال بعض أكابر الزهاد : «الدنيا تخلق الأبدان و تجدد الآمال ، و تقرب المنية ، و تبعد الأمنية و من ظفر بها تعب ، و من فاتته نصب» ، و قال بعضهم : «ما في الدنيا شيء يسرك إلا و قد التزق به شيء يسؤوك».
و قال آخر: «لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاث : إنه لم يشبع مما جمع ، و لم يدرك ما أمل ، و لم يحسن الزاد لما قدم عليه» و قال حكيم : كانت الدنيا و لم أكن فيها ، و تذهب و لا أكون فيها ، فكيف أسكن إليها؟ فإن عيشها نكد ، و صفوها كدر، و أهلها منها على وجل ، إما بنعمة زائلة ، أو بلية نازلة ، أو منية قاضية».
وقال بعض العرفاء : «الدنيا حانوت الشيطان ، فلا تسرق من حانوته شيئا ، فيجيء في طلبك و يأخذك».
وقال بعضهم : «لو كانت الدنيا من ذهب يفنى و الآخرة من خزف يبقى ، لكان ينبغي أن يختار العاقل خزفا يبقى على ذهب يفنى ، فكيف و الآخرة ذهب يبقى و الدنيا أدون من خزف يفنى؟»
وقد ورد : «أن العبد إذا كان معظما للدنيا ، يوقف يوم القيامة ، و يقال : هذا عظم ما حقره اللّه».
وروى : «أنه لما بعث النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) أتت إبليس جنوده ، فقالوا : قد بعث نبي و أخرجت أمة ، قال : يحبون الدنيا؟ , قالوا : نعم! قال : إن كانوا يحبونها ما أبالي ألا يعبدوا الأوثان ، و أنا أغدو عليهم و أروح بثلاثة : أخذ المال من غير حقه ، وإنفاقه في غير حقه ، و إمساكه عن حقه ، و الشر كله لهذا تبع».
وروى : «أنه أوحى اللّه تعالى إلى بعض أنبيائه احذر مقتك ، فتسقط من عيني ، فاصب عليك الدنيا صبا».
وقال بعض الصحابة : «ما أصبح أحد من الناس في الدنيا إلا و هو ضيف ، و ما له عارية فالضيف مرتحل ، و العارية مردودة».
وقال بعضهم : «إن اللّه جعل الدنيا ثلاثة أجزاء : جزء للمؤمن ، و جزء للمنافق ، و جزء للكافر.
فالمؤمن يتزود ، و المنافق يتزين ، و الكافر يتمتع».
وقيل : «من أقبل على الدنيا أحرقته نيرانها حتى يصير رمادا ، و من أقبل على الآخرة صفته نيرانها فصار سبيكة ذهب ينتفع بها ، و من أقبل على اللّه سبحانه ، أحرقته نيران التوحيد فصار جوهرا لا حد لقيمته».
وقيل أيضا : «العقلاء ثلاثة : من ترك الدنيا قبل أن تتركه ، و بني قبره قبل أن يدخله و أرضى خالقه قبل أن يلقاه».
و سأل بعض الأمراء رجلا بلغ عمره مائتي سنة عن الدنيا ، فقال : «سنيات بلاء و سنيات رخاء ، يوم فيوم ، و ليلة فليلة ، يولد ولد ، و يهلك هالك ، فلو لا المولود باد الخلق ، ولو لا الهالك لضاقت الدنيا بمن فيها» ، فقال له الأمير: سل ما شئت ، قال : «أريد منك أن ترد علي ما مضى من عمري ، و تدفع عني ما حضر من أجلي» ، قال : لا أملك ذلك ، قال : «فلا حاجة لي إليك».
والأخبار و الآثار في ذم الدنيا و حبها ، و في سرعة زوالها وعدم الاعتبار بها ، و في هلاك من يطلبها و يرغب إليها ، و في ضديتها للآخرة ، أكثر من أن تحصى.
وما ورد في ذلك من كلام أئمتنا الراشدين ، (لا) سيما عن مولانا أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليهم أجمعين إلى يوم الدين) فيه بلاغ لقوم زاهدين.
ومن تأمل في خطب علي (عليه السّلام) و مواعظه كما في نهج البلاغة و غيره - يظهر له خساسة الدنيا و رذالتها , و قضية السؤال و الجواب بين روح الأمين و نوح في كيفية سرعة زوال الدنيا مشهورة ، و حكاية مرور روح اللّه على قرية هلك أهلها من حب الدنيا معروفة و لعظم آفة الدنيا و حقارتها و مهانتها عند اللّه ، لم يرضها لأحد من أوليائه و حذرهم عن غوائلها فتزهدوا فيها و أكلوا منها قصدا ، و قدموا فضلا أخذوا منها ما يكفي ، و تركوا ما يلهي ، لبسوا من الثياب ما ستر العورة ، و أكلوا من الطعام ما سد الجوع ، نظروا إلى الدنيا بعين أنها فانية وإلى الآخرة أنها باقية ، فتزودوا منها كزاد الراكب ، فخربوا الدنيا و عمروا بها الآخرة ، و نظروا إلى الآخرة بقلوبهم فعلموا أنهم سينظرون إليها بأعينهم فارتحلوا إليها بقلوبهم لما علموا أنهم سيرتحلون إليها بأبدانهم صبروا قليلا و نعموا طويلا.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|