أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-9-2016
366
التاريخ: 11-5-2019
511
التاريخ: 13-6-2019
348
التاريخ: 11-9-2016
270
|
قلنا انّ مشهور فلاسفة المسلمين أنكروا انّ صفتي الحسن والقبح من الصفات الذاتيّة والواقعيّة للأفعال ، وقالوا انّ منشأ اتّصاف بعض الأفعال بالحسن والقبح انّما هو التباني العقلائي وبهذا تكون صفتا الحسن والقبح من الصفات الاعتباريّة والتي ليس وراء اعتبار العقلاء لها واقع.
وبهذا يكون مبنى مشهور الفلاسفة مشابه الى حدّ كبير لمبنى الاشاعرة ، إذ انّ الأشاعرة أيضا يبنون على انّ الحسن والقبح من الصفات الاعتباريّة التي ليس لها واقع وراء اعتبار المعتبر ، غايته انّ المعتبر ـ بصيغة الفاعل ـ بنظر الأشاعرة هو الشارع وأمّا بنظر مشهور الفلاسفة فالمعتبر هم العقلاء.
ولغرض اتّضاح مبنى الحسن والقبح العقلائيّين لا بدّ من بيان المراد من القضايا المشهورة. فنقول :
انّ المراد من المشهورات هو ما تطابقت عليه آراء الناس جميعا إمّا بما هم عقلاء أو بما هم انفعاليّون أو بما هم واقعون تحت تأثير العادات والتقاليد المتوارثة أو لاقتضاء الخلقيّات لذلك أو بسبب التلقين أو غير ذلك ، وتطلق القضايا المشهورة أيضا على القضايا التي تطابقت عليها آراء صنف من الأصناف أو مجتمع من المجتمعات.
وقد صنّفت القضايا المشهورة الى قسمين :
القسم الاول : المشهورات بالمعنى الاعم : ويقصدون منها القضايا التي وقع التطابق عليها بقطع النظر عن منشأ ذلك التطابق والتباني ، فقد يكون منشأ التباني هو انّها قضايا يقينيّة بديهيّة من نحو الاوّليات أو الوجدانيات أو المتواترات وهكذا ، كما قد يكون منشأ التباني والتطابق هو انّها من الآراء المحمودة من نحو الخلقيّات أو التأديبات الصلاحيّة والتي لا تعدو عن كونها متبنيات عقلائيّة ليس لها وراء اعتبار العقلاء واقع.
القسم الثاني : المشهورات بالمعنى الأخصّ ، ويعبّر عنها بالمشهورات الصرفة ـ كما ذكر ذلك المحقّق المظفّر رحمه الله ، والمقصود منها القضايا التي وقع التطابق والتباني عليها من قبل العقلاء دون أن يكون لها وراء تباني العقلاء واقع ، بمعنى انّها ليست من القضايا المدركة بواسطة العقل وانّما هي متبنّيات عقلائيّة أو عرفيّة تقتضيها في بعض الأحيان المصلحة النوعيّة والتي ترتبط بحفظ النظام الاجتماعي ، ويعبّر عن مثل هذه القضايا بالتأديبات الصلاحيّة وبالآراء المحمودة ، كما قد تقتضيها الانفعالات النفسانيّة كالحياء والغيرة ، أو تقتضيها العادات المتوارثة كطبيعة لباس الرجال ، ويعبّرون عن الاولى بالانفعاليّات وعن الثانية بالعادات.
والجامع المشترك بين تمام المشهورات بالمعنى الأخصّ على اختلاف مناشئها انّها ليست قضايا برهانيّة ناشئة عن مدركات العقل وليس لها واقع وراء التباني والتطابق ، فلو اتّفق ان انتفت تلك المناشئ لما كان للعقل إدراك تلك القضايا.
ومع اتّضاح المراد من القضايا المشهورة نقول : انّ مشهور فلاسفة المسلمين ادعوا انّ اتّصاف بعض الأفعال بالحسن والقبح ـ كاتّصاف العدل بالحسن والظلم بالقبح ـ انّما هو من القضايا المشهورة بالمعنى الأخص ، وعليه لا يكون وراء اشتهارها واقع ولا تكون من مدركات العقل العملي ، إلاّ انّهم قالوا انّ الحسن والقبح من القضايا الناشئة عن التأديبات الصلاحيّة والآراء المحمودة والتي تقتضيها المصلحة النوعيّة المرتبطة بحفظ النظام الاجتماعي.
وبتعبير آخر : انّ الحسن والقبح من القضايا التي تطابقت عليها آراء العقلاء بما هم عقلاء لا بما هم انفعاليّون مثلا ولا بما هم واقعون تحت تأثير العادات أو غير ذلك ، بل لأنّهم وجدوا انّ مجموعة من الأفعال تساهم في التحفّظ على النظام أو تصعد به الى مستوى الكمال الاجتماعي ، وانّ هنا مجموعة من الأفعال تنحدر بالمجتمع نحو السقوط وتؤدي الى اختلال نظامه ، فلأنّهم وجدوا ذلك بنوا على حسن الاولى وقبح الاخرى ، ويبقى اتّصاف هذه الأفعال بالحسن والقبح مطردا ما دامت لها هذه النتائج ، أمّا لو اتّفق انتفاء هذه النتائج عنها أو اتّفق تبدّلها الى الضد فإنّ اتّصافها بالحسن والقبح لا يبقى على حاله بل يكون اتّصاف الأفعال بهما تابع لما يترتّب على هذه الأفعال من نتائج.
وهكذا لو قدّر عدم وجود مجتمع فإنّه لا تباني حينئذ من العقلاء ، أو بتعبير آخر : انّ العقل لا يدرك اتّصاف الأفعال بالحسن والقبح لو لم يكن هناك وجود اجتماعي وانّ ادراك العاقل للحسن والقبح في ظرف الوجود الاجتماعي انّما هو باعتبار انسلاكه في اطار النظام الاجتماعي.
فالبناء على حسن العدل وقبح الظلم ليس كالتصديق باستحالة اجتماع النقيضين أو أنّ المعلول لا يتخلّف عن علّته التامّة ، فإنّ التصديق والبناء على هاتين القضيّتين ناشئ عن إدراك العقل ولا صلة للتصديق بهما بالتباني والتطابق العقلائي ، كما لا يرتبط التصديق بهما بما يترتّب عليهما من نتائج ، كما انّ الحكم فيهما لا يتغيّر بتغيّر الظروف ، وما ذلك إلاّ لأنّ وراء إدراكهما واقعا متقرّرا في نفس الأمر.
هذا هو حاصل مبنى مشهور الفلاسفة في الحسن والقبح ، وقد وقع الخلط في كلمات الشيخ المظفر رحمه الله من حيث انّه ادعى انّ الحسن والقبح من مدركات العقل العملي وفسّر ذلك بالقضايا المشهورة والآراء المحمودة ، وأصرّ على انّ الحسن والقبح من القضايا التي تطابقت عليها آراء العقلاء وانّه ليس وراء تطابقهم واقع ، وهذا ما يعني انّها من المشهورات بالمعنى الأخص ولا صلة لها بمدركات العقل العملي ، إذ لا ريب انّ لمدركات العقل العملي واقعا متقررا في نفس الأمر ، ولا يرتبط بالبناء العقلائي الناشئ عن التأديبات الصلاحيّة أو غيرها.
فالصحيح انّ هنا مبنيين مختلفين اختلافا جوهريا ، المبنى الاول هو مبنى مشهور الاصوليّين القائل بأنّ الحسن والقبح من الصفات الواقعيّة الذاتيّة المدركة بواسطة العقل العملي ، والتي لا تخضع لاعتبار العقلاء كما انّها ليست ناشئة عن اعتبار الشارع المقدّس.
والمبنى الآخر هو انّ الحسن والقبح من القضايا المشهورة والآراء المحمودة المتبناة من قبل العقلاء وليس لها وراء تباني العقلاء واقع ، وهذا هو مبنى مشهور الفلاسفة وبعض الاصوليّين كالمحقّق الأصفهاني رحمه الله. ومن هنا يعبّر عن الحسن والقبح بحسب هذا المبنى بالحسن والقبح العقلائيّين ، ووصفهما بالعقليّين تسامح محض.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|