المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

التطور التاريخي لوكالات الإعلان
13-7-2022
سياسة الشيطان والعلم الحديث
5-10-2014
اليوم الأكبر يوم النحر.
28-4-2016
أركان الرياء / الركن الثالث / المراءى لأجله
16-8-2022
ماذا نجني من الحب في الله
25/10/2022
دعهم يتأقلموا مع الموقف بطريقتهم
28-7-2021


حجية الظهور  
  
1970   11:59 صباحاً   التاريخ: 5-9-2016
المؤلف : محمد باقر الصدر
الكتاب أو المصدر : دروس في علم الاصول
الجزء والصفحة : ح3 ص 159 - 177.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / مباحث الحجة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016 1306
التاريخ: 18-8-2016 1064
التاريخ: 18-8-2016 872
التاريخ: 18-8-2016 1965

أقسام الدلالة:

الدليل الشرعي قد يكون مدلوله مرددا بين امرين، او امور، وكلها متكافئة في نسبتها اليه، وهذا هو المجمل، وقد يكون مدلوله متعينا في امر محدد ولا يحتمل مدلولا آخر بدلا عنه، وهذا هو النص، وقد يكون قابلا لاحد مدلولين، ولكن واحدا منهما هو الظاهر عرفا، والمنسبق إلى ذهن الانسان العرفي، وهذا هو الدليل الظاهر.

اما المجمل فيكون حجة في اثبات الجامع بين المحتملات اذا كان له على اجماله اثر قابل للتنجيز ما لم يحصل سبب من الخارج يبطل هذا التنجيز، اما بتعيين المراد من المجمل مباشرة، واما بنفي احد المحتملين، فانه بضمه إلى المجمل يثبت كون المراد منه المحتمل الآخر، واما بمجمل آخر مردد بين محتملين، ويعلم بان المراد بالمجملين معا معنى واحد وليس هناك الا معنى واحد قابل لهما معا فيحملان عليه، واما بقيام دليل على اثبات احد محتملي المجمل فانه وان كان لا يكفي لتعيين المراد من المجمل في حالة عدم التنافي بين المحتملين، ولكنه يوجب سقوط حجية المجمل في اثبات الجامع وعدم تنجزه، لان تنجز الجامع بالمجمل انما هو لقاعدة منجزية العلم الاجمالي، وهذه القاعدة لها اركان اربعة وفي مثل الفرض المذكور يختل ركنها الثالث، كما اوضحنا ذلك في الحلقة السابقة حيث ان احد المحتملين اذا ثبت بدليل فلا يبقى محذور في نفي المحتمل الاخر بالأصل العملي المؤمن.

واما النص فلا شك في لزوم العمل به ولا يحتاج إلى التعبد بحجية الجانب الدلالي منه إذا كان نصا في المدلول التصوري، والمدلول التصديقي معا.

دليل حجية الظهور:

واما الظهر فظهوره حجة وهذه الحجية هي التي تسمى بأصالة الظهور، ويمكن الاستدلال عليها بوجوه: الوجه الاول: الاستدلال بالسنة المستكشفة من سيرة المتشرعين من الصحابة، واصحاب الائمة عليهم السلام حيث كان عملهم على الاستناد إلى ظواهر الادلة الشرعية في تعيين مفادها، وقد تقدم في الحلقة السابقة توضيح الطريق لأثبات هذه السيرة.

الوجه الثاني: الاستدلال بالسيرة العقلائية على العمل بظواهر الكلام، وثبوت هذه السيرة عقلائيا مما لا شك فيه لانه محسوس بالوجدان، ويعلم بعدم كونها سيرة حادثة بعد عصر المعصومين إذ لم يعهد لها بديل في مجتمع من المجتمعات، ومع عدم الردع الكاشف عن التقرير والامضاء شرعا تكون هذه السيرة دليلا على حجية الظهور.

الوجه الثالث: التمسك بما دل على لزوم التمسك بالكتاب والسنة، والعمل بهما بتقريب ان العمل بظاهر الآية، او الحديث مصداق عرفا لما هو المأمور به في تلك الادلة فيكون واجبا، ومرجع هذا الوجوب إلى الحجية.

وبين هذه الوجوه فوارق. فالوجه الثالث مثلا بحاجة إلى تمامية دليل على حجية الظهور، ولو في الجملة دونهما لان مرجعه إلى الاستدلال بظهور الاحاديث الآمرة بالتمسك واطلاقها، فلابد من فرض حجية هذا الظهور في الرتبة السابقة. كما ان الوجهين الاولين يجب ان لا يدخل في تتميمهما التمسك بظهور حال المولى لإثبات الامضاء، لان الكلام الآن في حجيته، كما اشرنا إلى ذلك في الحلقة السابقة.

وقد يلاحظ على الوجه الاول ان سيرة المتشرعة وان كان من المعلوم انعقادها في ايام النبي صلى الله عليه وآله والائمة على العمل بظواهر الدليل الشرعي، ولكن الشواهد التاريخية انما تثبت ذلك على سبيل الاجمال ولا يمكن التأكد من استقرار سيرتهم على العمل بالظواهر في جميع الموارد، فهناك حالات تكون حجية الظهور اخفي من غيرها كحالة احتمال اتصال الظهور بقرينة متصلة فقد بني المشهور على حجية الظهور في هذه الحالة خلافا لما اخترناه في حلقة سابقة. وهنا نقول ان مدرك الحجية اذا كان هو سيرة المتشرعة المعاصرين للمعصومين فكيف نستطيع ان نتأكد انها جرت فعلا على العمل بالظهور في هذه الحالة بالذات، واما اذا كان مدرك الحجية السيرة العقلائية، فيمكن للقائلين بالحجية ان يدعوا شمول الوجدان العقلائي لهذه الحالة ايضا.

وقد يلاحظ على الوجه الثاني وهو الاستدلال بالسيرة العقلائية امران: احدهما: انه قاصر عن الشمول لموارد وجود امارة معتبرة عقلائيا على خلاف الظهور ولو لم تكن معتبرة شرعا، كالقياس مثلا - لو قيل بان العقلاء يعتمدون عليه في رفع اليد عن الظهور - فلا يمكن اثبات حجية الظهور المبتلى بهذه الامارة على الخلاف بالسيرة العقلائية اذ لا سيرة من العقلاء على العمل بمثل هذا الظهور فعلا - اللهم - الا اذا استفيد من دليل اسقاطها عن الحجية تنزيلها منزلة العدم بلحاظ تمام الاثار.

ولكن الصحيح ان هذا الكلام انما يتجه لو قيل بان الامضاء يتحدد بحدود العمل الصامت للعقلاء. غير انك عرفت في الحلقة السابقة ان الامضاء يتجه إلى النكتة المرتكزة التي هي اساس العمل وهي في المقام الحجية الاقتضائية للظهور مطلقا. وكل حجة كذلك لا يرفع اليد عنها الا بحجة، والمفروض عدم حجية الامارة على الخلاف شرعا فيتعين العمل بالظهور.

والامر الآخر الذي يلاحظ على الوجه الاول ان السيرة العقلائية انما انعقدت على العمل بالظهور، واتخاذه اساسا لاكتشاف المراد في المتكلم الاعتيادي الذي يندر اعتماده على القرائن المنفصلة عادة والشارع ليس من هذا القبيل فان اعتماده على القرائن المنفصلة يعتبر حالة متعارفة ولا توجد حالات مشابهة في العرف لحالة الشارع ليلاحظ موقف العقلاء منها. وهذا الاعتراض انما قد يتجه اذا كان دليل الامضاء متطابقا في الموضوع مع السيرة العقلائية. فكما ان السيرة العقلائية موضوعها المتكلم الاعتيادي الذي يندر اعتماده على القرائن المنفصلة، كذلك دليل الامضاء، ولكن دليل الامضاء اوسع من ذلك لان السيرة العقلائية وان كانت مختصة بالمتكلم الاعتيادي الا انها تقتضي الجري على طبقها في كلمات الشارع ايضا اما للعادة، او لعدم الاطلاع إلى فترة من الزمن على خروج الشارع في اعتماده على القرائن المنفصلة عن الحالة الاعتيادية، وهذا يشكل خطرا على الاغراض الشرعية يحتم الردع لو لم يكن الشارع موافقا على الاخذ بظواهر كلامه.

ومن هنا يكشف عدم الردع عن اقرار الشارع لحجية الظهور في الكلام الصادر منه.

تشخيص موضوع الحجية:

ظهور الكلام في المعنى الحقيقي قسمان - كما تقدم - تصوري، وتصديقي.

والظهور التصوري كثيرا ما لا ينثلم حتى في حالة قيام القرينة المتصلة على الخلاف.

فاذا قال المولى: (اذهب إلى البحر، وخذ العلم منه) كانت الجملة قرينة على ان المراد بالبحر معنى آخر غير معناه الحقيقي وعلى الرغم من وجود القرينة فان الظهور التصوري لكلمة البحر في معناها الحقيقي لا يزول، وانا يزول الظهور التصديقي في ارادة المتكلم لذلك المعنى الحقيقي، ومن هنا صح القول بأن الظهور التصوري للفظ في معنى الحقيقي محفوظ حتى مع القرينة المتصلة على الخلاف. وان الظهور التصديقي له في ذلك منوط بعدم القرينة المتصلة غير انه محفوظ حتى مع ورود القرينة المنفصلة فان القرينة المنفصلة لا تحول دون تكون اصل الظهور التصديقي للكلام في ارادة المعنى الحقيقي وانما تسقطه عن الحجية، كما مر بنا في حلقة سابقة.

وعلى ضوء التمييز بين الظهور التصوري، والظهور التصديقي وبعد الفراغ عن حجية الظهور عقلائيا، وعن سقوطها مع ورود القرينة لابد من البحث عن تحديد موضوع هذه الحجية، وكيفية تطبيقها على موضوعها وبهذا الصدد نواجه عدة محتملات بدوا: المحتمل الاول: ان يكون موضوع الحجية هو الظهور التصوري مع عدم العلم بالقرينة على الخلاف متصلة، او منفصلة.

المحتمل الثاني: ان يكون موضوع الحجية هو الظهور التصديقي مع عدم صدور القرينة المنفصلة.

المحتمل الثالث: ان يكون موضوع الحجية هو الظهور التصديقي الذي لا يعلم بوجود قرينة منفصلة على خلافه.

والفارق بين هذا وسابقه ان عدم القرينة واقعا دخيل في موضوع الحجية على الاحتمال الثاني، وليس دخيلا على الاحتمال الثالث بل يكفي عدم العلم بالقرينة.

وتختلف هذه الاحتمالات في كيفية تطبيق الحجية على موضوعها، فانه على الاحتمال الاول تطبق حجية الظهور على موضوعها ابتداء حتى في حالة احتمال القرينة المتصلة فضلا عن المنفصلة لان موضوعها هو الظهور التصوري بحسب الفرض، وهذا لا يتزعزع بالقرينة المتصلة المحتملة، فضلا عن المنفصلة، كما عرفت فلا تحتاج اذن الا إلى اصالة الظهور، واما على الاحتمال الثاني فانما يمكن الرجوع إلى اصالة الظهور مباشرة مع الجزم بعدم القرينة، ولا يمكن الرجوع اليها كذلك مع احتمال القرينة المتصلة لان موضوع الحجية على هذا الاحتمال - الظهور التصديقي - وهو غير محرز مع احتمال القرينة المتصلة على الخلاف فلو قيل بحجية الظهور في هذه الحالة لكان اللازم اولا افتراض اصل عقلائي ينفي القرينة المتصلة لكي ينقح موضوع اصالة الظهور بأصالة عدم القرينة.

وكذلك لا يمكن الرجوع إلى اصالة الظهور مباشرة - على الاحتمال الثاني - مع احتمال القرينة المنفصلة لان المفروض انه قد أخذ عدمها في موضوع حجية الظهور، فمع الشك فيها لا تحرز حجية الظهور بل يحتاج إلى اصالة عدم القرينة اولا لتنقيح موضوع الحجية في اصالة الظهور. واما الاحتمال الثالث فهو كالاحتمال الثاني، في عدم امكان الرجوع إلى اصالة الظهور مباشرة، مع احتمال القرينة المتصلة لان موضوع الحجية وهو الظهور التصديقي غير محرز مع هذا الاحتمال، الا ان الاحتمال الثالث يختلف عن سابقه في امكان الرجوع إلى اصالة الظهور مباشرة مع احتمال القرينة المنفصلة. لان موضوع الحجية - على الاحتمال الثالث - محرز حتى مع هذا الاحتمال بينما لم يكن محرزا معه على الاحتمال الثاني.

والتحقيق في تمحيص هذه الاحتمالات، ان الاحتمال الاول ساقط لان المقصود من حجية الظهور، تعيين مراد المتكلم بظهور كلامه وهي انما تناط عقلائيا بالحيثية الكاشفة عن هذا المقصود إذ ليس مبنى العقلاء في الحجية على التعبد المحض، وما يكشف عن المراد ليس هو الظهور التصوري، بل التصديقي فإناطة الحجية بغير حيثية الكشف بلا موجب عقلائيا فيتعين ان يكون موضوع الحجية هو الظهور التصديقي.

كما ان الاحتمال الثاني ساقط ايضا، باعتبار انه يفترض الحاجة في مورد الشك في القرينة المنفصلة إلى اجراء اصالة عدم القرينة اولا، ثم اصالة الظهور مع ان نفي القرينة المنفصلة عند احتمالها لا مبرر له عقلائيا، الا كاشفية الظهور التصديقي عن ارادة مفاده وان ما قاله يريده، وهي كاشفية مساوقة لنفي القرينة المنفصلة. وحيث ان الاصول العقلائية تعبر عن حيثيات من الكشف المعتبرة عقلائيا وليست مجرد تعبدات بحتة فلا معنى حينئذ لافتراض اصالة القرينة، ثم اصالة الظهور بل يرجع إلى اصالة الظهور مباشرة، لان كاشفيته هي المناط في نفي القرينة المنفصلة، لا انها مترتبة على نفي القرينة بأصل سابق.

وهكذا يتعين الاحتمال الثالث، وعليه فان علم بعدم القرينة مطلقا، او بعدم القرينة المتصلة خاصة مع الشك في المنفصلة رجعنا إلى اصالة الظهور ابتداء وان شك في القرينة المتصلة، فهناك ثلاث صور: الصورة الاولى: ان يكون الشك في وجودها لاحتمال غفلة السامع عنها. وفي هذه الحالة تجري اصالة عدم الغفلة لأنها على خلاف العادة، وظهور الحال وبها تنفي القرينة، وبالتالي ينقح الظهور الذي هو موضوع الحجية. ونسمي اصالة عدم الغفلة في هذه الصورة بأصالة عدم القرينة لأنه بها تنتفي القرينة.

الصورة الثانية: ان يكون الشك في وجودها لاحتمال اسقاط الناقل لها. وفي هذه الحالة يمكن نفيها بشهادة الراوي المفهومة من كلامه، ولو ضمنا بانه استوعب في نقله تمام ما له دخل في افادة المرام، وبذلك يحرز موضوع اصالة الظهور.

الصورة الثالثة: ان يكون الشك في وجودها غير ناشئ من احتمال الغفلة، ولا من الاسقاط المذكور فلا يمكن الرجوع إلى اصالة الظهور ابتداء للشك في موضوعها وهو الظهور التصديقي، ولا يمكن تنقيح موضوعها باجراء اصالة عدم القرينة لانه لا توجد حيثية كاشفة عقلائيا عن عدم القرينة المحتملة لكي يعتبرها العقلاء، ويبنون على اصالة عدم القرينة، وبهذا نعرف ان احتمال القرينة المتصلة في مثل هذه الحالة يوجب الاجمال.

بما ذكرناه اتضح ان اصالة الظهور، واصالة عدم القرينة كل منهما اصل عقلائي في مورده، فالاول يجري في كل مورد احرزنا فيه الظهور التصديقي وجدانا، او بأصل عقلائي آخر، والثاني يجري في كل مورد شك فيه في القرينة المتصلة لاحتمال الغفلة، ولا يرجع احد الاصلين إلى الآخر خلافا للشيخ الانصاري (رحمه الله) حيث ارجع اصالة الظهور، إلى اصالة عدم القرينة، ولصاحب الكفاية (رحمه الله) حيث ارجع اصالة عدم القرينة إلى اصالة الظهور.

الظهور الذاتي والظهور الموضوعي:

الظهور سواء كان تصوريا، او تصديقيا تارة يراد به الظهور في ذهن انسان معين وهذا هو الظهور الذاتي، واخرى يراد به الظهور بموجب علاقات اللغة، واساليب التعبير العام، وهذا هو الظهور الموضوعي.

والاول يتأثر بالعوامل والظروف الشخصية للذهن التي تختلف من فرد إلى آخر تبعا إلى أنسه الذهني، وعلاقاته بخلاف الثاني الذي له واقع محدد يتمثل في كل ذهن يتحرك بموجب علاقات اللغة، واساليب التعبير العام، وما هو موضوع الحجية الظهور الموضوعي لان هذه الحجية قائمة على اساس ان ظاهر حال كل متكلم ارادة المعنى الظاهر من اللفظ ومن الواضح ان ظاهر حاله باعتباره انسانا عرفيا ارادة ما هو المعنى الظاهر موضوعيا لا ما هو الظاهر نتيجة لملابسات شخصية في ذهن هذا السامع او ذاك.

واما الظهور الذاتي وهو ما قد يعبر عنه بالتبادر، او الانسباق فيمكن ان يقال بانه امارة عقلائية على تعيين الظهور الموضوعي فكل انسان اذا انسبق إلى ذهنه معنى مخصوص من كلام ولم يجد بالفحص شيئا محددا شخصيا يمكن ان يفسر ذلك الانسباق فيعتبر هذا الانسباق دليلا على الظهور الموضوعي. وبهذا ينبغي ان يميز بين التبادر على مستوى الظهور الذاتي، والتبادر على مستوى الظهور الموضوعي.

فالاول: كاشف عن الظهور الموضوعي وبالتالي عن الوضع.

والثاني: كاشف إني تكويني - مع عدم القرينة - عن الوضع.

الظهور الموضوعي في عصر النص:

لا شك في ان ظواهر اللغة والكرم تتطور، وتتغير على مر الزمن بفعل مؤثرات مختلفة لغوية، وفكرية، واجتماعية. فقد يكون ما هو المعنى الظاهر في عصر صدور الحديث مخالفا للمعنى الظاهر في عصر السماع الذي يراد العمل فيه بذلك الحديث، وموضوع حجية الظهور في عصر صدور الكلام لا في عصر السماع المغاير له لأنها حجية عقلائية قائمة على اساس حيثية الكشف والظهور الحالي.

 

ومن الواضح ان ظاهر حال المتكلم ارادة ما هو المعنى الظاهر فعلا في زمان صدور الكلام منه وعليه فنحن بالتبادر نثبت - بطريق الان - الظهور الذاتي، وبالظهور الذاتي نثبت الظهور الموضوعي في عصر السماع ويبقى علينا ان نثبت ان الظهور الموضوعي في عصر السماع، مطابق للظهور الموضوعي في عصر الكلام الذي هو موضوع الحجية وهذا ما نثبته بأصل عقلائي يطلق عليه اصالة عدم النقل وقد نسميه بأصالة الثبات في اللغة، وهذا الاصل العقلائي يقوم على اساس ما يخيل لأبناء العرف، نتيجة للتجارب الشخصية - من استقرار اللغة وثباتها، فان الثبات النسبي، والتطور البطيء للغة يوحي للأفراد الاعتياديين بفكرة عدم تغيرها وتطابق ظواهرها على مر الزمن، وهذا الايحاء وان كان خادعا، ولكنه على اي حال ايحاء عام استقر بموجبه البناء العقلائي على الغاء احتمال التغيير في الظهور باعتباره حالة استثنائية نادرة تنفي بالأصل، وبإمضاء الشارع للبناء المذكور نثبت شرعية اصالة عدم النقل، او اصالة الثبات، ولا يعني الامضاء تصويب الشارع للإيحاء المذكور، وانما يعني من الناحية التشريعية جعله احتمال التطابق حجة ما لم يقم دليل على خلافه.

ولا شك ايضا في ان المتشرعة الذين عاصروا المعصومين خلال اجيال عديدة طيلة قرنين ونصف من الزمان، كانت سيرتهم على العمل بأصالة عدم النقل، وعلى الاستناد في اواسط هذه الفترة واواخرها إلى ما يرونه من ظواهر الكلام الصادر في بدايات تلك الفترة مع انها كانت فترة حافلة بمختلف المؤثرات، والتجديدات الاجتماعية، والفكرية التي قد يتغير الظهور بموجبها.

ولكن اصالة عدم النقل لا تجري فيما إذا علم بأصل التغير في الظهور او الوضع، وشك في تاريخه لعدم انعقاد البناء العقلائي في هذه الحالة على افتراض عدم النقل في الفترة المشكوكة، والسر في ذلك ان البناء ات العقلائية انما تقوم على اساس حيثيات كشف عامة نوعية فحينما يلغى احتمال النقل عرفا يستند العقلاء في تبرير ذلك إلى ان النقل حالة استثنائية في حياة اللغة بحسب نظرهم، واما حيث تثبت هذه الحالة الاستثنائية فلا تبقى حيثية كشف مبررة للبناء على نفي احتمال تقدمها.

بل لا يخلو التمسك بأصالة عدم النقل من اشكال في الموارد التي علم فيها بوجود ظروف معينة بالإمكان ان تكون سببا في تغير مدلول الكلمة، وانما المتيقن منها عقلائيا حالات الاحتمال الساذج للتغير والنقل.

التفصيلات في الحجية:

توجد عدة اقوال تتجه إلى التفصيل في حجية الظهور وقد اشرنا إلى احدها في الحلقة السابقة - ونذكر فيما يلي اثنين من تلك الاقوال.

القول الاول: التفصيل بين المقصود بالإفهام وغيره. فالمقصود بالإفهام يعتبر الظهور حجة بالنسبة اليه لان احتمال القرينة المتصلة على الخلاف بالنسبة اليه لا موجب له - مع عدم احساسه بها - الا احتمال غفلته عنها فينفي ذلك بأصالة عدم الغفلة باعتبارها اصلا عقلائيا، واما غيره فاحتماله للقرينة لا ينحصر منشؤه بذلك بل له منشأ آخر وهو احتمال اعتماد المتكلم على قرينة، ثم التواطؤ عليها بصورة خاصة بينه وبين المقصود بالإفهام خاصة، وهذا الاحتمال لا تجدي اصالة عدم الغفلة لنفيه فلا يكون الظهور حجة في حقه.

وقد اعترض على ذلك جملة من المحققين بان اصالة عدم القرينة اصل عقلائي برأسه، يجري لنفي احتمال القرينة في الحالة المذكورة، وليس مردها إلى اصالة عدم الغفلة ليتعذر اجراؤها في حق غير المقصود بالأفهام الذي يحتمل تواطؤ المتكلم مع من يقصد افهامه على القرينة. والتحقيق ان هذا المقدار من البيان لا يكفي لان الاصل العقلائي لا بد ان يستند إلى حيثية كشف نوعية، لئلا يكون اصلا تعبديا على خلاف المرتكزات العقلائية، متوفة لنفي احتمال القرينة المتصلة الناشئ من احتمال غفلة السامع عنها.

فإذا اريد نفي احتمال القرينة المتصلة الناشئ من سائر المناشيء ايضا بأصل عقلائي فلا بد من ابراز حيثية كشف نوعية تنفي ذلك، وعلى هذا الاساس ينبغي ان نفتش عن منشئ احتمال ارادة خلاف الظاهر عموما، وملاحظة مدى امكان نفي كل واحد منها بحيثية كشف نوعية مصححة لإجراء اصل عقلائي مقتض لذلك.

ومن هنا نقول: ان شك الشخص غير المقصود بالإفهام في ارادة المتكلم للمعنى الظاهر ينشأ من أحد أمور:

الاول: احتمال كون المتكلم متسترا بمقصوده، وغير مريد لتفهيمه بكلامه.

الثاني: احتمال كونه معتمدا على قرينة منفصلة.

الثالث: احتمال كونه معتمدا على قرينة متصلة غفل عنها السامع.

الرابع: احتمال كونه معتمدا على قرينة ذات دلالة خاصة متفق عليها بين المتكلم، وشخص آخر كان نظر المتكلم اليه.

الخامس: احتمال وجود قرينة متصلة التفت اليها السامع، ولكنه لم ينقلها الينا ولو من اجل انها كانت متمثلة في لحن الخطاب، او قسمات وجه المتكلم، ونحو ذلك مما لا يعتبر لفظا.

والفرق بين المقصود بالإفهام وغيره. ان المقصود بالإفهام لا يوجد الاحتمال الاول بشأنه، وكذلك الاحتمال الرابع، كما ان الاحتمال الخامس غير موجود في شأن السامع المحيط بالمشهد سواء كان مقصودا بالإفهام، او لا. وحجية الظهور في حق غير السامع ممن لم يقصد افهامه تتوقف على وجود حيثيات كشف مبررة عقلائية لإلغاء الاحتمالات الخمسة بشأنه وهي موجودة فعلا بالبيان التالي: اما الاحتمال الاول فينفي بظهور حال المتكلم في كونه في مقام تفهيم مراده بكلامه. واما الاحتمال الثاني فينفي بظهور حاله في ان ما يقوله يريده، اي انه في مقام تفهيم مراده بشخص كلامه.

واما الاحتمال الثالث فينفي بأصالة عدم الغفلة. واما الاحتمال الرابع وهو ما ابرزه المفصل فينفي بظهور حال المتكلم العرفي في استعمال الادوات العرفية للتفهيم، والجري وفق أساليب التعبير العام. واما الاحتمال الخامس فينفي بشهادة الناقل - ولو ضمنا - بعدم حذف ماله دخل من القرائن الخاصة في فهم المراد.

القول الثاني: وتوضيحه ان ظهور الكلام يقتضي بطبعه حصول الظن - على الاقل - بان مراد المتكلم هو المعنى الظاهر لانه امارة ظنية كاشفة عن ذلك، فاذا لم تحصل امارة ظنية على خلاف ذلك اثر الظهور فيما يقتضيه، وحصل الظن الفعلي بالمراد وإذا حصلت امارة ظنية على الخلاف وقع التزاحم بين الامارتين، فقد لا يحصل حينئذ ظن فعلي بإرادة المعنى الظاهر، بل قد يحصل الظن على خلاف الظهور تأثرا بالأمارة الظنية المزاحمة. وعلى هذا فقد يستثنى من حجية الظهور حالة الظن الفعلي بعدم ارادة المعنى الظاهر، بل قد يقال بان حجية الظهور اساسا مختصة بصورة حصول الظن الفعلي على وفق الظهور. ويمكن تبرير هذا القول بان حجية الظهور ليست حكما تعبديا وانما هي على اساس كاشفية الظهور، فلا معنى لثبوتها في فرض عدم تأثير الظهور في الكشف الظني الفعلي على وفقه.

وقد اعترض الاعلام على هذا التفصيل بان مدرك الحجية بناء العقلاء، والعقلاء لا يفرقون بين حالات الظن بالوفاق وغيرها، بل يعملون بالظهور فيها جميعا، وهذا يكشف عن الحجية المطلقة. وهذا الاعتراض من الاعلام قيد يبدو غير صحيح بمراجعة حال الناس، فانا نجد ان التاجر لا يعمل بظهور كلام تاجر آخر في تحديد الاسعار، إذا ظن بانه لا يريد ما هو ظاهر كلامه، وان المشتري لا يعتمد على ظهور كلام البائع في تحديد وزن السلعة إذا ظن بانه يريد غير ما هو ظاهر كلامه وهكذا.

ومن هنا عمق المحقق النائيني (رحمه الله) اعتراض الاعلام إذ ميز بين العمل بالظهور في مجال الاغراض التكوينية الشخصية، والعمل به في مجال الامتثال، وتنظيم علاقات الآمرين بالمأمورين.

ففي المجال الاول لا يكتفي بالظهور لمجرد اقتضائه النوعي ما لم يؤثر هذا الاقتضاء في درجة معتد بها من الكشف الفعلي، وفي المجال الثاني يكتفي بالكشف النوعي الاقتضائي للظهور تنجيزا، وتعذيرا، ولو لم يحصل ظن فعلي بالوفاق، او حصل ظن فعلي بالخلاف. والامثلة المشار اليها تدخل في المجال الاول لا الثاني وهذا الكلام وان كان صحيحا، وتعميقا لاعتراض الاعلام، ولكنه لا يبرز نكتة الفرق بين المجالين، ولا يحل الشبهة التي يستند اليها التفصيل على النحو الذي شرحناه آنفا.

فالتحقيق الذي يفي بذلك ان يقال ان ملاك حجية الظهور هو كشفه، ولكن لا كشفه عند المكلف، بل كشفه في نظر المولى، بمعنى ان المولى حينما يلحظ ظواهر كلامه فتارة يلحظها بنظرة تفصيلية فيستطيع بذلك ان يميز بصورة جازمة ما اريد به ظاهره عن غيره لانه الاعرف بمراده، واخرى يلحظها بنظرة اجمالية، فيرى ان الغالب هو ارادة المعنى الظاهر، وذلك يجعل الغلبة كاشفا ظنيا عند المولى عن ارادة المعنى الظاهر بالنسبة إلى كل كلام صادر منه حينما يلحظه بنحو الاجمال، وهذا الكشف هو ملاك الحجية لوضوح ان حجية الامارة حكم ظاهري وارد لحفظ الاغراض الواقعية الاكثر اهمية، وهذه الاهمية قد اكتسبتها الاغراض الواقعية التي تحفظها الامارة المعتبرة بلحاظ قوة الاحتمال، كما تقدم في محله.

ومن الواضح ان قوة الاحتمال المؤثرة في اهتمام المولى انما هي قوة احتماله، لا قوة احتمال المكلف.

فمن هنا تناط الحجية بحيثية الكشف الملحوظة للمولى وهي الظهور لا بالظن الفعلي لدى المكلف، وعلى هذا الاساس اختلف مجال الاغراض التكوينية عن مجال علاقات الآمرين بالمأمورين، إذ المناط في المجال الاول كاشفيته الظهور لدي نفس العامل به فقد يكون منوطا بحصول الظن له، والمناط في المجال الثاني مقدار كشفه لدي الآمر الموجب لشدة اهتمامه الداعية إلى جعل الحجية.

الخلط بين الظهور والحجية:

اتضح مما تقدم ان مرتبة الظهور التصوري متقومة بالوضع، ومرتبة الظهور التصديقي بلحاظ الدلالة التصديقية الاولى، الدلالة التصديقية الثانية متقومة بعدم القرينة المتصلة لان ظاهر حال المتكلم انه يفيد مراده بشخص كلامه، فاذا كانت القرينة متصلة دخلت في شخص الكلام ولم يكن ارادة ما تقتضيه منافيا للظهور الحالي. واما عدم القرينة المنفصلة فلا دخل له في اصل الظهور وليس مقوما له، وانما هو شرط في استمرار الحجية بالنسبة اليه. ومن هنا يتضح وجه الخلط في كلمات جملة من الاكابر الموهمة، لوجود ثلاث رتب من الظهور كلها سابقة على الحجية ككلام المحقق النائيني رحمه الله.

الاولى: مرتبة الظهور التصوري.

الثانية: مرتبة الظهور التصديقي على نحو يسوغ لنا التأكيد على انه قال كذا وفقا لهذا الظهور.

الثالثة: مرتبة الظهور التصديقي الكاشف عن مراده الواقعي على نحو يسوغ لنا التأكيد على انه اراد كذا وفقا لهذه المرتبة من الظهور.

والاولى لا تتقوم بعدم القرينة، والثانية تتقوم بعدم القرينة المتصلة، والثالثة تتقوم بعدم القرينة مطلقا ولو منفصلة. والحجية حكم مترتب على المرتبة الثالثة من الظهور فمتى وردت القرينة المنفصلة - فضلا عن المتصلة - هدمت المرتبة الثالثة من الظهور، ورفعت بذلك موضوع الحجية.

وهذا الكلام لا يمكن قبوله بظاهره، فانه وان كان على حق في جعل الظهور التصديقي موضوعا للحجية كما تقدم. غير ان الظهور التصديقي للكلام في ارادة المعنى الحقيقي استعمالا جديا ليس متقوما بعدم القرينة المنفصلة، بل بعدم القرينة المتصلة فقط لان هذا الظهور منشؤه ظهور حال المتكلم في التطابق بين المدلول التصوري لكرمه، والمدلول التصديقي، والتطابق بين المدلول التصديقي الاول، والمدلول التصديقي الثاني. والمنظور في هذين التطابقين شخص الكلام بكل ما يتضمنه من خصوصيات، فإذا اكتمل شخص الكلام، وتحدد مدلوله التصوري والمعنى المستعمل فيه، تنجز ظهور حال المتكلم في ان ما قاله، وما استعمل فيه اللغظ هو المراد جدا ومجئ القرينة المنفصلة تكذيب لهذا الظهور الحالي لا انه يعني نفيه موضوعا، ولهذا كان الاعتماد على القرينة المنفصلة خلاف الاصل العقلائي لان ذلك على خلاف الظهور الحالي، ولو كان الاعتماد عليها وورودها يوجب نفي المرتبة التي هي موضوع الحجية من الظهور لما كان ذلك على خلاف الطبع ولكان حاله حال الاعتماد على القرائن المتصلة التي تمنع عن انعقاد الظهور التصديقي على طبق المدلول التصوري.

الظهور الحالي:

وكما ان الظهور اللفظي حجة، كذلك ظهور الحال، ولو لم يتجسد في لفظ ايضا، فكلما كان للحال مدلول عرفي ينسبق اليه ذهن الملاحظ اجتماعيا اخذ به غير ان اثبات الحجية لهذه الظواهر غير اللفظية لا يمكن ان يكون بسيرة المتشرعة وقيامها فعلا في عصر المعصومين على العمل في مقام استنباط الاحكام بظواهر الافعال، والاحوال غير اللفظية لان طريق اثبات قيامها في الظواهر اللفظية قد لا يمكن تطبيقه في المقام لعدم شيوع ووفرة هذه الظواهر الحالية المجردة عن الالفاظ لتنتزع السيرة من الحالات المتعددة، كما لا يمكن ان يكون اثبات الحجية لها بالأدلة اللفظية الآمرة بالتمسك بالكتاب واحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) والائمة (عليه السلام)، كما هو واضح لعدم كونها كتابا، ولا حديثا، وانما الدليل هو السيرة العقلائية على ان لا يدخل في اثبات امضائها التمسك بظهور حال المولى، وسكوته في التقرير والامضاء لان الكلام في حجية هذا الظهور.

الظهور التضمني:

إذا كان للكلام ظهور في مطلب، فظهوره في ذلك المطلب بكامله ظهور استقلالي، وله ظهور ضمني في كل جزء من اجزاء ذلك المطلب. ومثال ذلك اداة العموم في قولنا: " اكرم كل من في البيت " ونفرض ان في البيت مائة شخص فلأداة العموم ظهور في الشمول للمائة باعتبار دلالتها على الاستيعاب، ولها ظهور ضمني في الشمول لكل واحد من وحدات هذه المائة، ولا شك في حجية كل ظواهرها الضمنية. ولكن إذا ورد مخصص منفصل دل على عدم وجوب بعض افراد العام، ولنفرض ان هذا البعض يشمل عشرة من المائة فهذا يعني ان بعض الظواهر الضمنية سوف تسقط عن الحجية لمجيء المخصص.

والسؤال هنا هو ان الظواهر الضمنية الاخرى التي تشمل التسعين الباقين، هل تبقى على الحجية أو لا؟ فان قيل بالأول كان معناه ان الظهور التضمني غير تابع للظهور الاستقلالي في الحجية، وان قيل بالثاني كان معناه التبعية، كما تكون الدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية في الحجية. والاثر العملي بين القولين انه على الاول نتمسك بالعام لإثبات الحكم لتمام من لم يشملهم التخصيص، وعلى الثاني تسقط حجية الظواهر التضمنية جميعا ولا يبقي دليل حينئذ على ان الحكم هل يشمل تمام الباقي أو لا؟ وقد ذهب بعض الاصوليين إلى سقوط الظواهر، والدلالات التضمنية جميعا عن الحجية، وذلك لان ظهور الكلام في الشمول لكل واحد من المائة في المثال المذكور، انما هو باعتبار نكتة واحدة وهي الظهور التصديقي لأداة العموم في انها مستعملة في معناها الحقيقي وهو الاستيعاب.

وبعد ان علمنا ان الاداة لم تستعمل في الاستيعاب بدليل ورود المخصص، واخراج عشرة من المائة نستكشف ان المتكلم خالف ظهور حاله، واستعمل اللفظ في المعنى المجازي وبهذا تسقط كل الظواهر الضمنية عن الحجية لأنها كانت تعتمد على هذا الظهور الحالي الذي علم بطلانه، وفي هذه الحالة يتساوى افتراض ان تكون الاداة في المثال مستعملة في التسعين أو في تسعة وثمانين لان كلا منهما مجاز، وأي فرق بين مجاز ومجاز؟ وقد اجاب على ذلك جملة من المحققين كصاحب الكفاية - رحمه الله - بان المخصص المنفصل لا يكشف عن مخالفة المتكلم لظهور حاله في استعمال الاداة في معناها الحقيقي، وانما يكشف فقط عن عدم تعلق ارادته الجدية بإكرام الافراد الذين تناولهم المخصص، فبالإمكان الحفاظ على هذا الظهور وهو ما كنا نسميه بالظهور التصديقي الاول فيما تقدم، ونتصرف في الظهور التصديقي الثاني وهو ظهور حال المتكلم في ان كل ما قاله، وابرزه باللفظ مراد له جدا، فان هذا الظهور لو خلي وطبعه يثبت ان كل ما يدخل في نطاق المعنى المستعمل فيه فهو مراد جدا.

غير ان المخصص يكشف عن ان بعض الافراد ليسوا كذلك فكل فرد كشف المخصص عن عدم شمول الارادة الجدية لهم نرفع اليد عن الظهور التصديقي الثاني بالنسبة اليه، وكل فرد لم يكشف المخصص عن ذلك فيه نتمسك بالظهور التصديقي الثاني، لإثبات حكم العام له. وفي بادئ الامر قد يخطر في ذهن الملاحظ ان هذا الجواب ليس صحيحا لأنه لم يصنع شيئا سوى انه نقل التبعيض في الحجية من مرحلة الظهور التصديقي الاول، إلى مرحلة الظهور التصديقي الثاني. فاذا كان الظهور التضمني غير تابع للظهور الاستقلالي في الحجية فلماذا لا نعمل على التبعيض في مرحلة الظهور التصديقي الاول؟ واذا كان تابعا له كذل فكيف نعمله في مرحلة الظهور التصديقي الثاني، ونلتزم بحجية بعض متضمناته دون بعض.

وردنا على هذه الملاحظة ان فذلكة الجواب، ونكتة نقل التبعيض من مرحلة إلى مرحلة هى ان الظواهر الضمنية في مرحلة الظهور التصديقي الاول مترابطة، ولها نكتة واحدة، فان ثبت بطلان تلك النكتة لم يسلم شئ من تلك الظواهر الضمنية، والنكتة هي ظهور حال المتكلم في انه يستعمل اللفظ استعمالا حقيقيا، فان هذا هو الذي يجعلنا نستظهر ان هذا الفرد من المائة داخل في نطاق الاستعمال، وذاك داخل وهكذا.

فاذا علمنا بان اللفظ قد استعمل مجازا، وان المتكلم قد خالف ظهوره الحالي المذكور فلا موجب بعد ذلك لافتراض ان هذا الفرد او ذاك داخل في نطاق الاستعمال، وهذا خلافا للظواهر الضمنية في مرحلة الظهور التصديقي الثاني، فان نكتة كل واحدة منها مستقلة عن نكتة الباقي فان كل جزء من اجزاء مدلول الكلام - اي المعنى المستعمل فيه - ظاهر في الجدية، فاذا علمنا بطلان هذا الظهور في بعض اجزاء الكلام فلا يسوغ ذلك رفع اليد عن ظهور الاجزاء الاخرى من مدلول الكلام في الجدية، وهكذا يثبت ان العام حجة في الباقي. ومن الجدير بالذكر الاشارة إلى ان الإستشكال في حجية العام في تمام الباقي بعد التخصيص - على النحو المتقدم - انما اثير في المخصصات المنفصلة دون المتصلة، نظرا إلى انه في حالات المخصص المتصل، كما في " اكرم كل من في البيت الا العشرة " تكون الاداة مستعملة في استيعاب افراد مدخولها حقيقة غير ان المخصص المتصل يساهم في تعيين هذا المدخول وتحديده فلا تجوز ليقال اي فرق بين مجاز ومجاز.

وعلى اي حال فبالنسبة إلى الصيغة الاساسية للمسألة المطروحة، وهي حجية الظهور التضمني، اتضح ان الظواهر التضمنية اذا كانت جميعا بنكتة واحدة، وعلم ببطلان تلك النكتة سقطت عن الحجية كلها، واذا كانت استقلالية في نكاتها، لم يسقط بعضها عن الحجية بسبب سقوط البعض الآخر.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.