المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

هل التطريد في الحشرات الاجتماعية هو تطريد تزاوج دائما؟
1-3-2021
المصارف وخلق الائتمان
13-12-2018
المُستخْلص Extractant
13-4-2018
مـخطط بـاريتـو
7-4-2021
انواع الضغوط النفسية
31-8-2020
الاحتياجات المائية للبطاطا الحلوة (ري البطاطا الحلوة)
20-4-2021


الطلب والارادة  
  
1380   10:51 صباحاً   التاريخ: 29-8-2016
المؤلف : الشيخ ضياء الدين العراقي
الكتاب أو المصدر : مقالات الاصول
الجزء والصفحة : ج1 ص 210.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-6-2020 1197
التاريخ: 8-8-2016 1194
التاريخ: 30-8-2016 13513
التاريخ: 29-8-2016 1673

الطلب المأخوذ في [حقيقته] هل هو عين الارادة أم غيره؟ كانت هذه الجهة معركة الآراء بين الأعلام، وعمدة من ذهب إلى المغايرة الأشعريون لشبهة حصلت لهم في وحدتهما، وعمدة ما أوقعهم في الوهم زعمهم الفاسد بان العباد مجبورون في أفعالهم، وهو أيضا أساس إنكارهم التحسين والتقبيح في أفعال العباد عقلا، نظرا إلى ان موضوع حكم العقل هو الفعل الاختياري وحيث لا اختيار لهم في أفعالهم فلا مجال لتحسينهم في عملهم عقلا ولا تقبيحهم فيه، بل الله يفعل في حقهم ما يشاء بسلطانه فيعاقب المطيع ويثيب العاصي بلا قبح في نظر العقل في الفعلين ولا حسن في عكسهما لان ذلك كله تحت حيطة سلطته وقدرته فيفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وحينئذ فمن نتائج هذا الزعم والخيال استحالة تعلق الارادة الأزلية بفعل المخلوق الا وهو صادر لأنه إذا أراد [شيئا] أن يقول له كن فيكون، ولازمه حينئذ عدم تصور العاصي في العباد، فمع تحققه وجدانا يكشف عن عدم تعلق الارادة الازلية في مورد الأوامر والنواهي [المتوجهة] إليهم. ولا محيص لهم بالالتزام بمعنى آخر غير الارادة حذرا عن كون الخطابات المزبورة لقلقة لسان، وسمي المعنى الآخر بالطلب. والتزموا أيضا بإمكان تعلقه بالمحال وبغير المقدور، بل وبجواز أمره مع علمه بانتفاء شرط المأمور به كأمر ابراهيم بذبح ولده مع أن الجليل ينهى السكين عن تأثيره في قطع الأوداج وعدم قدرة ابراهيم [على الذبح] المزبور.

وحينئذ ربما يستشكل في تصوير هذا المعنى الأخير المسمى بالطلب بأنه اي شيء قائم بالنفس وكان من أفعال القلوب [القابلة] لان [تكون] مضمون الخطابات ويناسب مع مقام أمر المولى ونهي العالي، وقابلا للتعلق بالمحال ولو لانتفاء شرطه؟.

وحيث [إن هذا المعنى قابل] للتعلق بفعل الغير فيكشف انه لا يكون من سنخ بقية الصفات الوجدانية القائمة بالنفس من الجوع والعطش والشجاعة وأمثالها، إذ لا مناسبة لها مع الأمر والنهي المتعلق بفعل الغير. كما ان قابلية تعلقه بالمحال وبفعل المجبورين لا يناسب شرحه بمثل عنوان البعث والتحريك، إذ مضافا إلى أنه ناش عن نفس الأمر لا أنه مأخوذ في مدلوله، من المعلوم انه يستحيل تعلقهما بالمحال ذاتا لا بمناط التحسين والتقبيح كي يمنع ذلك في أفعاله تعالى في حق عباده. بل ولا مجال لشرح الطلب أيضا بحملة النفس [الحاصلة] بعد تمامية اشتياقه وقدرته، إذ مثل ذلك أيضا يستحيل انفكاكه عن العلم بالقدرة، فمع فرض المجبورية يستحيل تحققه.

وبالجملة ما في ألسنة بعض المعاصرين (1) من تصور مغايرة الطلب مع الارادة بأمثال هذه البيانات أجنبية عن مرام الأشاعرة المؤسسين لهذا الأساس، كما ان انكار بعض آخر بعدم مساعدة الوجدان على وجود معنى آخر قابل للتعلق بفعل الغير العلم والارادة أيضا قابل للمنع، كيف ونرى بالوجدان معنى آخر غيرهما، ويعبر عنه بالبناء الذي هو أيضا من أفعال القلوب وبه قوام التنزيلات عرفا وشرعا وكان تحت الاختيار بلا واسطة في قوله: ابن على الأكثر (2) مثلا قبال العلم والارادة الذين لا يكونان كذلك، بل ومنه أيضا عقد القلب المقابل للجحود القلبي مع العلم بالنبوة مثلا وغيرها، بل هو قابل للتعلق بالمحال. وحينئذ لا مجال لرد الأشعري بالمغايرة بين الطلب والارادة بمثل هذا الوجدان وحينئذ فللأشعري أن يلتزم بأن مفاد الأوامر معنى آخر غير العلم والارادة وانه من سنخ البناء وعقد القلب المزبورين، غاية الأمر يدعي بان هذا السنخ من المعنى - باختلاف أنحاء متعلقاته - يختلف عنوانا فمن حيث تعلقه بقيام شيء ثابت أو بقيامه مقام آخر مع القطع بعدمه يعبر عنه بالبناء التنزيلي، ومن حيث تعلقه بثبوت شيء مع القطع بوجوده يعبر عنه بعقد القلب، ومن حيث تعلقه بإيجاد شيء لا بشيء فارغا عن وجوده يعبر عنه بالطلب. كما أن الأمر في الاشتياق أيضا كذلك، إذ هو من حيث تعلقه بالوجود الثابت يسمى عشقا وبإثبات الوجود يسمى ارادة، ولا ينافي اختلاف هذه العناوين مع وحدة الحقيقة، ومعلوم ان مثل هذا المعنى قابل للتعلق بالمحال وبغير المقدور ومع العلم بانتفاء شرط المأمور به. كما أنه بعد تسليم أساسهم الكاسد لا يبقى دعوى أحد عليهم بأن العقل لا يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفة مجرد هذا البناء القابل للتعلق بالمحال إذ حينئذ أين يبقى للعقل حكم في حق المجبورين الذين هم [مقهورون] في حيطة سلطانه؟ وانما ذلك جاء من جهة توعيده على المخالفة كما أن الثواب على الاطاعة انما هو من قبل وعده على طاعتهم. ولا بأس [بالتوعيد] المذكور ولا الوعيد المزبور على مخالفة هذا البناء المحض المنفك عن الارادة أو موافقته مع انعزال العقل عن الحكم في هذا المقام رأسا.

وحينئذ لا ملزم عليهم ولا شاهد على وجود الارادة والكراهة في مدلول الأوامر والنواهي إلا تخريب أساسهم الفاسد وبيان زعمهم الكاسد فنقول وهو المعين: أولا يكفي في دفع شبههم حكم بداهة الوجدان بالفرق بين حركة المرتعش وحركة المختار؟ وهو الذي عليه عقيدتي.

ولكن مع ذلك في مقام المناظرة معهم لنا أن ندعي شيئا آخر فنقول بان توضيح فساد مرامهم يقتضي رسم مقدمة وهي: ان من المعلوم ان عوارض الشيء قد لا يكون من لوازم وجوده ولا ماهيته، وقد يكون من لوازم ماهيته كالزوجية بالنسبة إلى الأربعة أو وجوده كالحرارة للنار، فما كان من قبيل الأول فلا شبهة في أن جعل الشيء وايجاده لا يقتضي وجود وصفه، بل يحتاج وجود الوصف أيضا إلى جعل آخر. وأما ما كان من قبيل الثاني والثالث فما هو قابل لتعلق الجعل هو الموصوف وأما لازمه [فيتحقق] قهرا بنفس وجود ملزومه واقتضائه بلا احتياج إلى جعل آخر وراء جعل ملزومه، بل بعد جعل الملزوم بالإرادة الأزلية [يوجد] اللازم بنفس اقتضاء الملزوم تبعا له بلا استناده إلى إرادة أزلية اخرى [متعلقة] بذلك اللازم، بل هذا الوجود من لوازم وجود آخر ماهية أو وجودا بلا تعلل وجوده إلا بوجود ملزومه [المنتهي] إلى ارادة أزلية بلا انتهائه إليها زائدا عما عليه ملزومه. وحيث كان الأمر كذلك فنقول: ان مثل القدرة والعلم بالمصلحة وغيرها من الصفات القابلة للانفكاك عن الانسان ربما يحتاج في تحققها إلى إعمال ارادته تعالى ولو بإيجاد أسبابها، ولا يكفي في وجودها مجرد تعلق الجعل بإيجاد الانسان، وأما صفة الاختيار من الممكن كونه من لوازم وجود الانسان بحيث لا يحتاج في جعله إلى أزيد من جعل ملزومه، بل ولا أقل من دعوى كونه من لوازم بعض مراتبه لو لم نقل بكونه من لوازم وجوده على الاطلاق. ولازمه كون الاختيار موجودا بمحض اقتضاء وجود ملزومه بلا كونه معللا بجعل آخر غير جعل ملزومه. وحينئذ ففي ظرف القدرة والعلم بالمصلحة بلا مزاحم إذا توجه اختياره إلى وجود شيء أو عدمه ربما يترتب العمل عليه [بتوسط] إرداته [المنتهية] إلى اختياره.

وحينئذ هذا العمل له مبادئ متعددة من كونه مقدورا وكونه مما علم بمصلحة بلا مزاحم وكونه مما اعمل فيه الاختيار الموجب لتوجه الاشتياق نحوه، فبعضها مستند إلى ارادته الأزلية مثل قدرته وعلمه كوجود العامل وبعضها مستند إلى اقتضاء ذات ملزومه من جهة ما عرفت من كونه من لوازم وجوده ولو في ظرف تحقق القدرة والعلم المزبور، وذلك مثل اختياره المستتبع لاشتياقه وارادته، وحينئذ لهذا العمل الصادر جهتان، بجهة مستند إلى الارادة الأزلية، وبجهة اخرى مستند إلى ذاته بلا تعلله بشيء آخر وراء وجود ملزومه، ولازمه عدم صحة استناد مبادئ وجوده - بقول مطلق - إليه تعالى لفرض توسيط اختياره الذي من لوازم وجود ملزومه بلا تعلق جعل به زائدا على جعل ملزومه، وعدم صحة استناد مباديه إليه أيضا على الاطلاق. فلا يكون مثل هذا العمل مفوضا إلى العبد بقول مطلق ولا [مستندا] إليه تعالى كذلك كي يكون في ايجاده مقهورا، فصح لنا حينئذ أن نقول: لا جبر في البين من جهة الاختيار [المنتهي] اقتضاؤه إلى ذاته، ولا تفويض بملاحظة انتهاء بقية مبادئ وجوده إلى إرادته الأزلية وجعله، وهذا معنى قولهم لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين . ولقد أجاد بعض أعاظم المعاصرين في بيان هذا المعنى: بأن الاختيار من الصفات الذاتية غير المحتاجة إلى جعل غير جعل الملزوم، ولكن التزم بأن الاختيار [يتحقق] في ظرف تحقق الارادة منه بحيث يكون الاختيار واسطة بين العلم والارادة بلا كون العمل [مستندا] إلى الارادة بلا واسطة، بل العمل مستند إلى نفس [الاختيار] بلا واسطة. وفيه: ان انعزال الارادة عن التأثير وكون تمام المؤثر هو [الاختيار] خلاف الوجدان، كيف، ويعتبر في العبادات أن تكون ارادية قربية ولو انعزلت الإرادة عن التأثير فلا معنى لإرادية العبادة، ولا لنشوها [من] قصد القربة، وهو كما ترى. وأصعب من البيان الصادر عن المعاصر المزبور خيال بعض آخر [بانه] لا يكون المراد من الفعل الاختياري إلا مجرد نشوه عن الارادة بلا وجود صفة اخرى في البين. وذلك - مضافا إلى ان دائرة الاختيار ربما [تكون] أوسع من الارادة، إذ ربما يكون الفعل اختياريا ولو بتوسيط اختيارية لازمه ولا يكون إراديا ولو بالواسطة لعدم الملازمة بين ارادة شيء وارادة لازمه، ولذا لا يكون الأمر مقتضيا للنهي عن ضده على منع المقدمية - ان الارادة بعد ما لم [تكن] من لوازم وجوده فلا محيص من كونه مستندا إلى الارادة وجعل مستقل أزلي فقهرا يصير مجبورا في هذه الارادة، فأين يكون له اختيار في تركه؟ وتسميته العمل بمجرد توسط الارادة المجبورة بالاختيارية لا يصحح حقيقة الاختيار وروحه وهذا بخلاف ما لو بنينا بان في البين [صفة] اخرى وهو معنى: له أن يفعل وله أن لا يفعل من قبل نفسه بلا اعمال جعل أزلي في هذه الصفة، ولا يعلل مثله بإرادة ازلية متعلقة بنفسه.

فلا شبهة حينئذ أن العقل ينال من مثله روح الاختيار بحيث ينسب ارادته إليه ولو ببعض مباديه، إذ تعلق الجعل بهذه الارادة حينئذ ليس على الاطلاق كي يصير مجبورا في ارادته، بل إنما يتعلق به في ظرف اعمال اختياره بطرف الوجود أو العدم، ومعلوم ان اعمال اختياره هذا ليس إلا بعين اختياره لا بجعل آخر أزلي. ولئن شئت قلت: إن [صفة] له أن يفعل وله ان لا يفعل . بعدما كان من لوازم وجود الانسان بحيث لا يعلل بأمر خارجي، هذه الصفة بمنزلة الهيولى لفعلية اعماله وتوجهه إلى طرف من الوجود أو العدم، [تحتاج] هذه الفعلية إلى قابلية المحل المعبر عنه بشرط تحققه، ومهما تحقق شرطة [تصير] هذه الهيولى فعلية باقتضاء ذاته لا بمؤثر خارجي وحينئذ فلك أن تجعل مثل هذه الشرائط خصوصا مثل العلم بالمصلحة بلا مزاحم مرجحا لإعمال الاختيار بطرفه بلا كونه مؤثرا فيه، وحينئذ لا يكون هذا الإعمال في طرف وجود المرجح إلا عين اختياره الذي هو من صفات ذاته بلا تعلل وهذا غاية ما لنا من البيان في دفع الشبهة المعروفة وبه التكلان من وسوسة الشيطان في مثل هذا الميدان وحينئذ نرجع إلى المقصد فنقول: انه بعد ما [اتضح] فساد شبهة الجبرية في اختيارية أعمال العباد [ترتفع] أيضا شبهة انعزال العقل عن الحكم باستحقاق العاصي للعقوبة والمطيع للثواب، إذ لا اظن انكارهم التحسين والتقبيح في موضوع الاختيار وان شبهتهم في هذا المصداق دعاهم [إلى] الانكار، كما [نحن أيضا] معترفون بانعزال العقل عن حكمه على فرض تسليم جبرية العباد - العياذ بالله -، وإنما همنا رفع هذه الشبهة. وبعد حكم العقل بالاستحقاقين لا يبقى مجال للالتزام بجعلية الثواب والعقاب. نعم ربما لا يلتفت المكلف في المعاصي مقدار العقوبة والمثوبة ولو من جهة جهله باهتمام الحكيم في مثله، فيرشد الحكيم إليه [تنبها] على مقدار اهتمامه به، فليس ذلك من باب الجعل بلا استحقاق حينئذ. والعجب ممن قال باختيارية العباد وعدم انعزال العقل عن الحكم رأسا ومع ذلك التزم بجعلية الثواب والعقاب في باب الاطاعة والعصيان. وما أوهمه في ذلك إلا ما ورد من الآيات والأخبار في ثواب الاعمال وعقابها، وغفل عن كون ذلك كله ارشادا إلى حكم العقل في أصله، والى بيان مقدار الاهتمام في تحديده كما هو الشأن في أمره بإطاعة أمره والانتهاء عن نهيه فان ذلك كله ليس الا [ارشادا] إلى ما يحكم به العقل بفطرته كما لا يخفى.

ومن البيان المزبور ظهر أيضا بطلان الالتزام بكون مفاد الخطابات أيضا صرف البناء القابل للتعلق بالمحال، [إذ] العقل يأبى من حكمه باستحقاق العبد على صرف البناء المزبور بلا ارادة أصلا للعقوبة أو المثوبة كما أن توهم ان الارادة [تقتضي] عدم العصيان لعدم صلاحية انفكاكه عن المراد أيضا في غاية السخافة وذلك لان متعلق الارادة إذا كان الفعل بتوسط اختيار عبده من قبل نفسه فيستحيل قلب هذه الارادة العمل عن الاختيارية إلى المجبورية في عالم الايجاد لعدم صلاحية الارادة لقلب موضوعه، كيف وهو خلف محض.

وحينئذ إذا بقي [الفعل] بعد الارادة المزبورة على [الاختيارية] فيبقى له حينئذ بعده أيضا هذا الشأن من أنه له ان يفعل وله أن لا يفعل ، ومعلوم ان مثل هذا الشأن ملازم لان يكون له تركه، والا فيلزم أخذ الارادة الأزلية مثل هذا الشأن منه فيخرج اختياره حينئذ عن التوسيط وهو خلف محض، وبذلك البيان ظهرت النكتة الفارقة بين الارادة التكوينية والتشريعية حيث إن الارادة التكوينية إنما [تتعلق] بشيء بنحو يكون سالب الاختيار ولو من جهة سلب مبادئ اختياره من القدرة أو العلم بالمصلحة وغيرها، بخلاف الارادة التشريعية [فانها] إنما [تتعلق] بالفعل الاختياري بوصف اختياريته، ومثل ذلك يستحيل أن يكون سالب مبادئ اختياره، ومع عدم سلبها يبقى اختياره بعد الارادة بحالها، وحينئذ له أن يطيع مولاه وله ان يعصي، غاية الأمر عقله يستقل بحسن اطاعته وقبح معصيته وباستحقاق العقوبة على الثاني والمثوبة على الأول. ولك أن تقول أيضا بان الارادة التكوينية ما هو الحافظ لوجود الشيء على الاطلاق ولو بسلبه مبادئ اختياره على خلافها، والارادة التشريعية ما كان لوجوده من قبل مبادئ اختياره من حفظ قدرته واعلامه بالمصلحة بمثل خطابه واعلامه بإرادته الذي هو موضوع حكم عقله بطاعته من دون كونه سالب اختياره. والى ذلك يشير قوله [تعالى]: { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] وان شأن الخطابات ليس إلا اتمام الحجة وتتميم مبادئ اختيار العبد كما هو ظاهر. وحينئذ فلنا ان نقول: ان مفاد الخطابات ليس إلا الارادة المزبورة لعدم حكم العقل بلزوم الاطاعة إلا في ظرف تحققها من المولى لا من جهة عدم تصور معنى آخر في الوجدان غير الارادة والعلم. كيف! وقد عرفت ما فيه بما لا مزيد عليه.

وحينئذ فلك ان تقول: ان الطلب الذي هو مفاد الخطابات وكان موضوع حكم العقل باستحقاق الثواب والعقاب على الموافقة والمخالفة ليس إلا عين الارادة المسطورة [المسماة] بالتشريعية، وان امكن دعوى أوسعية دائرة الارادة عن الطلب لصحة سلب الطلب عن موارد التكوين فتدبر واستقم وافهم.

________________________

(1) فوائد الاصول 1: 132 و133.

(2) وسائل الشيعة 5: 38. الباب 8 من أبواب الخلل، الحديث 3. (*)

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.