المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9100 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

قاعدة « حجية قول ذي اليد »
19-9-2016
توصيات هامة للحد من الإصابة بالطفيليات الخارجية
25-1-2016
المواد الخام للبوتاسيوم
29-9-2016
بروتون proton
24-6-2017
التدرج في تعليم الطفل العمل
11-2-2017
لماذا الانتقال إلى التصوير الرقمي؟
22/11/2022


دعبل بن علي  
  
3895   05:50 مساءاً   التاريخ: 27-7-2016
المؤلف : باقر شريف القرشي
الكتاب أو المصدر : حياة الإمام الرضا (عليه السلام)
الجزء والصفحة : ج‏2،ص117-127.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن موسى الرّضا / قضايا عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-7-2016 3390
التاريخ: 28-7-2016 3203
التاريخ: 28-7-2016 2963
التاريخ: 27-7-2016 3045

دعبل بن علي الخزاعي شاعر الاسلام الذي وهب حياته للّه وناهض أئمة الظلم والجور ونصر أئمة الهدى والحق وجاهد كأعظم ما يكون الجهاد في سبيلهم فتعرض لسخط ملوك العباسيين ونقمتهم فطاردته أجهزتهم ومخابراتهم وبقي صامدا لم يحفل بما عاناه من الاهوال والخطوب لقد كان دعبل لسان الجبهة المعارضة للحكم العباسي الفاسد الذي استأثر بخيرات البلاد وانفقها بسخاء على الدعارة والمجون وترك البلاد تموج بالفقر والحرمان وراح دعبل بأدبه الفياض يهجو اولئك الملوك ويثير سخط العامة عليهم , و نعرض الى ترجمة دعبل واعطاء صورة موجزة عن شخصيته الملهمة.

بالإضافة لما يتمتع به دعبل من المواهب الأدبية التي جعلته في الرعيل الأول‏ من أدباء عصره فقد كان من العلماء فقد روى عن الامام الرضا وأبي جعفر محمد الجواد (عليهما السّلام) اللذين هما من مصادر الفقه عند الامامية كما روى عن جماعة من الاعلام في عصره كان من بينهم ما يلي:

1- الحافظ شعبة بن الحجاج المتوفي 160هـ وبهذا الطريق يروي عنه الحديث في كتب الفريقين كما في أمالي الشيخ (ص 240) وتأريخ ابن عساكر (5/ 228)

2- الحافظ سفيان الثوري المتوفي سنة (161هـ تأريخ ابن عساكر (5/ 228)

3- إمام المالكية مالك بن أنس المتوفي سنة 179هـ

4- أبو سعيد سالم بن نوح البصري المتوفي بعد المائتين.

5- ابو عبد اللّه محمد بن عمرو الواقدي المتوفي سنة 207هـ

6- الخليفة المأمون العباسي المتوفي سنة 218هـ

7- أبو الفضل عبد اللّه بن سعد الزهري البغدادي المتوفي سنة 260هـ

8- محمد بن سلامة يروي عنه بطريقة شيخ الطائفة في أماليه عن الامام امير المؤمنين (عليه السّلام) خطبته (الشقشقية) الشهيرة.

9- سعيد بن سفيان الأسلمي المدني أمالي الشيخ (ص 227)

10- محمد بن اسماعيل.

11- مجاشع بن عمر.

12- موسى بن سهل الراسبي.

كما روى عن دعبل جماعة من مشاهير الرواة كان من بينهم:

1- أبو الحسن علي أخو دعبل.

2- موسى بن حماد اليزيدي.

3- أبو الصلت الهروي المتوفي236هـ

4- هارون بن عبد اللّه المهلبي.

5- علي بن الحكم.

6- عبد اللّه بن سعيد الأشقري.

7- موسى بن عيسى المروزي.

8- ابن النادي احمد بن أبي داود المتوفي 272هـ

9- محمد بن موسى البربري‏ .

و قد كشفت هذه الجهة عن مكانته العلمية وان معارفه لم تقتصر على الأدب والشعر وانما كانت شاملة للحديث والفقه.

و الف دعبل كوكبة من الكتاب دلت على قدراته العلمية كان من بينها:

1- كتاب طبقات الشعراء:

و هو من الكتاب القيامة ومن الأصول المعول عليها في الأدب والتراجم وقد نقل عنه اعلام المؤلفين كابن عساكر والخطيب البغدادي وابن خلكان واليافعي وغيرهم وكان من بين ابوابه ما يلي:

1- أخبار شعراء البصرة.

2- أخبار شعراء الحجاز.

3- أخبار شعراء بغداد.

و غير ذلك من الأبواب التي حفل بها وهو من امهات الكتاب.

2- كتاب الواحدة في مناقب العرب ومثالبها .

3- ديوان شعر:

و قد جمعه الصولي ويحتوي على ثلاث مائة ورقة حسبما نص عليه ابن النديم‏  وليس له وجود في خزائن المخطوطات العربية واكبر الظن انه قد ضاع كبقية المخطوطات العربية التي خسرها العالم العربي والاسلامي.

و قد انبرى- مشكورا- الاستاذ المغفور له عبد الصاحب الدجيلي فبذل جاهدا شاقا في عده سنين إلى جمع ما عثر عليه من شعر دعبل وابرزه إلى عالم النشر بعنوان‏ ديوان دعبل بن علي الخزاعي وقد طبع في النجف الأشرف سنة 1382هـ ويحتوي على مقدمة وافية عرض فيها لحياة دعبل وآثاره وقد اسدى بذلك خدمة للفكر والأدب.

أما شعر دعبل فهو من مناجم الأدب العربي وقد صور بصدق في كثير من مقطوعاته الحياة السياسية والاجتماعية في عصره وما عاناه المسلمون من ضروب الجور وأنواع الظلم من حكام بني العباس الذي كان حكمهم امتدادا للحكم الأموي بل كان في كثير من الأحيان أشد وأقسى من الحكم الأموي.

و وهب دعبل أدبه وفكره للعلويين الذين هم دعاة العدل الاجتماعي في الاسلام والذين ناضلوا كأشد ما يكون النضال لإعلان حقوق الانسان وانقاذ الفقراء والمحرومين من ويلات الحكم الأموي والعباسي وهذه نماذج مما قاله في مدحهم ورثائهم:

مدحه للامام امير المؤمنين:

ألّا انه طهر زكي مطهّر                    سريع إلى الخيرات والبركات‏

غلاما وكهلا خير كهل ويافع‏              و أبسطهم كفا إلى الكربات‏

و أشجعهم قلبا وأصدقهم أخا              و اعظمهم في المجد والقربات‏

أخو المصطفى بل صهره ووصيه‏        من القوم والستار للعورات‏

كهارون من موسى على رغم معشر     سفال لئام شقق الشرات

أخي ووصيي وابن عمي ووارثي‏         و قاضي ديوني من جميع عداتي

وليس في هذا الشعر تكلف وانما هو منسجم مع الواقع وصادق كل الصدق فقد حكى بعض صفات الامام امير المؤمنين (عليه السّلام) والتي منها أنه طهر طاهر كما انه من أندى الناس كفا ومن اشجعهم قلبا فقد خاض أهوال الحروب وهو الأسد الضرغام الذي أباد قوى الشرك والالحاد كما انه من الصق‏ الناس برسول اللّه (صلى الله عليه واله)  فهو أخوه وصهره ووصيه وكان منه بمنزلة هارون من موسى وقد قال في حقه يوم (غدير خم) من كنت مولاه فهذا علي مولاه ولنستمع الى مقطوعة أخرى من شعره في مدح الامام أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقول:

نطق القرآن بفضل آل محمد                  و ولاية لعليه لم تجحد

لولاية المختار من خير الورى‏             بعد النبي الصادق المتودد

إذ جاءه المسكين حال صلاته‏              فامتدّ طوعا بالذراع وباليد

فتناول المسكين منه خاتما                 هبة الكريم الأجود بن الأجود

فاختصه الرحمن في تنزيله‏                من حاز مثل فخاره فليعدد

إن الإله وليكم ورسوله‏                    و المؤمنين فمن يشأ فليجحد

يكن الاله خصيمه فيها غدا                و اللّه ليس بمخلف في الموعد

وواضح هذا الشعر كل الوضوح فقد حكى فضيلة من فضائل الامام امير المؤمنين (عليه السّلام) وهي ان مسكينا قصد جامع الرسول في يثرب فطلب من المسلمين أن يسعفوه فلم يعطه أحد منهم شيئا وكان الامام امير المؤمنين (عليه السّلام) يصلي فأومأ إليه واعطاه خاتمه وهو كل ما يملكه وحينما فرغ الامام من صلاته نزل الوحي على الرسول (صلى الله عليه واله)  وهو يقلد الامام وساما من أغلى الأوسمة التي قلدته بها السماء فقد نزل الوحي بهذه الآية الكريمة: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55] , ودلالة هذه الآية واضحة فقد حصرت الولاية العامة في اللّه تعالى والرسول الاعظم والامام امير المؤمنين الذي ادى الزكاة وهو في حال ركوعه.

و هذه الآية من اوثق الأدلة على امامة الامام امير المؤمنين وانه احق وأولى بخلافة المسلمين من غيره فقد قرن تعالى ولايته بولاية اللّه وولاية رسوله و لنستمع إلى ابيات أخرى قالها في الامام (عليه السّلام):

سقيا لبيعة أحمد ووصيه‏                        أعني الامام ولينا المحسودا

أعني الذي نصر النبي محمدا              قبل البرية ناشئا ووليدا

أعني الذي كشف الكروب ولم يكن‏      في الحرب عند لقائها رعديدا

أعني الموحد قبل كل موحد                لا عابدا وثنا ولا جلمودا

و هو المقيم على فراش محمد               حتى وقاه مكايدا ومكيدا

و هو المقدم عند حومات الندا             ما ليس ينكر طارفا وتليدا

و عرض دعبل في هذه الأبيات إلى نصرة الامام (عليه السّلام) للرسول (صلّى اللّه عليه وآله) فهو المنافح الأول عن كلمة التوحيد وبجهوده وجهاده قام دين الاسلام وقد كشف الكروب عن النبي (صلى الله عليه واله)  في احلك الظروف وأقساها ففي واقعة بدر وأحد والخندق وغيرها كان الامام البطل الأوحد الذي اطاح برؤوس المشركين وسحق جيوشهم ورفع راية التوحيد.

و عرض دعبل إلى مبيت الامام (عليه السّلام) على فراش النبي (صلى الله عليه واله)  ووقايته له بمهجته وقد قام بأروع عملية فدائية في الاسلام فما اعظم أياديه على هذا الدين هذا بعض ما قاله دعبل في مدح الامام امير المؤمنين (عليه السّلام).

و روع المسلمون بكارثة كربلاء التي انتهكت فيها حرمة الرسول (صلى الله عليه واله)  في ابنائه وذريته فقد ابادت جيوش الامويين بوحشية قاسية عترة النبي (صلى الله عليه واله)  واقترفت فيهم افظع الجرائم وقد اهتز لهول هذه الفاجعة الضمير الانساني وقد اندفع دعبل الذي هو علوي الفكر إلى رثاء الامام الحسين (عليه السّلام) فرثاه بذوب روحه في مجموعة من روائع نظمه كان من بينها هذه اللوحات:

أ أسبلت دمع العين بالعبرات‏               و بت تقاسي شدة الزفرات‏

و تبكي على آثار آل محمد          و قد ضاق منك الصدر بالحسرات‏

ألّا فأبكهم حقا وأجر عليهم‏                 عيونا لريب الدهر منسكبات‏

و لا تنس في يوم الطفوف مصابهم‏                بداهية من أعظم النكبات‏

سقى اللّه أجداثا على طف كربلاء                   مرابع أمطار من المزنات‏

و صلى على روح الحسين وجسمه‏                طريحا على النهرين بالفلوات‏

قتيلا بلا جرم ينادي لنصره‏                - فريدا وحيدا- أين أين حماتي‏

أ أنسى- وهذا النهر يطفح- ظامئا                   قتيلا ومظلوما بغير ترات‏

فقل لابن سعد- أبعد اللّه سعده-            ستلقى عذاب النار واللعنات‏

سأقنت طول الدهر ما هبت الصبا                   و أقنت بالآصال والغدوات‏

على معشر ضلوا جميعا وضيعوا                   مقال رسول اللّه بالشبهات‏

لقد رفعوا رأس الحسين على القنا                  و ساقوا نساء حسرا ولهات‏

توفوا عطاشا نازحين وغادروا            مدارس وحي اللّه مندرسات‏

يعز على المختار أن يمكث ابنه‏            طريحا بلا دفن لدى الهبوات‏

و يرفع رأس الرمح رأس حبيبه‏          و يسرى به للشام في الحربات‏

و ينكثه بالعود من لاكت أمه‏               لحمزة كبدا لم يسغ بلهاة

مصائب أجرت عين كل موحد             دماء رماها القلب بالعبرات‏

و مثلث هذه الابيات لوعة الخزاعي وأساه على ما حل بابن الرسول وريحانته من فوادح الخطب والمصائب المذهلة التي تذوب من هولها الجبال فقد قتله البغاة استجابة لرغبات أسيادهم الامويين وتركوا جثمانه الشريف ملقى على صعيد كربلاء لم يواروه واحتزوا رأسه الشريف وجعلوا يطوفون به في الاقطار والامصار تشفيا منه واظهارا لفرحتهم الكبرى بقتله  ولنستمع إلى مقطوعة أخرى من رثائه للامام الحسين (عليه السّلام) يقول:

رأس ابن بنت محمد ووصيه‏                 يا للرجال على قناة يرفع‏

و المسلمون بمنظر وبمسمع‏              لا جازع من ذا ولا متخشع‏

ايقظت اجفانا وكنت لها كرى‏               و انمت عينا لم تكن بك تهجع‏

كحلت بمنظرك العيون عماية              و أصم نعيك كل اذن تسمع‏

ما روضة إلّا تمنت أنها                    لك مضجع ولحظ قبرك موضع‏

لقد نعى دعبل ذهاب الحمية الاسلامية فقد استسلم المسلمون للذل والهوان ومدوا اعناقهم بخنوع لحكومة يزيد التي استهانت بقيمهم ومقدراتهم فرفعت رأس ابن بنت نبيهم على أطراف الأسنة والرماح يطاف به في الاقطار والامصار وذلك بمنظر ومسمع من جميع الاوساط ولم يبد أحد نقمته وسخطه على يزيد وفيما أحسب أن ذلك كان ناجما من العنف والارهاب اللذين سادا على الأمة، فكانت السلطة تأخذ بالظنة والتهمة وتأخذ البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر ومن الطبيعي ان ذلك أوجب انتشار أوبئة الخوف عند المسلمين  هذه بعض مراثي دعبل لسيد الشهداء (عليه السّلام).

لقد نقم دعبل على ملوك عصره العباسيين وهجاهم بأقذع الوان الهجاء ولم يكن بذلك مدفوعا وراء العواطف والأهواء التي لا تمت إلى الحق بصلة فقد جانب اولئك الملوك الحق وسخروا اقتصاد الأمة إلى شهواتهم فانفقوا ملايين الأموال على المغنين والعابثين وجلبوا لقصورهم ما حرم اللّه من الخمر وانواع اللهو في حين أن الأمة كانت تعاني الفقر والحرمان وقد خيم عليها البؤس ولنستمع إلى بعض هجائه.

و لما توفي الامام الرضا (عليه السّلام) سارع المأمون فدفنه إلى جانب أبيه وسئل عن ذلك فقال: ليغفر اللّه لهارون بجواره للامام الرضا ولما سمع دعبل ذلك هزأ وقال:

قبران في طوس خير الناس كلهم‏         و قبر شرهم هذا من العبر

ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا       على الزكي بقرب الرجس من ضرر

هيهات كل امرئ رهن بما كسبت‏                   له يداه فخذ ما شئت أو فذر

و أي هجاء لهارون أقذع وأمر من هذا الهجاء فقد عبر عنه تارة بشر الناس وآخر بالرجس وان قربه من مثوى الامام لا ينتفع به فكل امرئ يعامل بما كسبت يداه ولا عبرة بغير ذلك.

و لما بايع المأمون الامام الرضا (عليه السّلام) بولاية العهد غضب العباسيون وانتفخت اوداجهم فعمدوا إلى ابراهيم بن المهدي شيخ المغنين فبايعوه وانبرى دعبل إلى هجائه فقال:

نعر ابن شكلة بالعراق وأهله‏              فهفا إليه كل أطلس مائق‏

ان كان ابراهيم مضطلعا بها               فلتصلحن من بعده للمخارق‏

و لتصلحن من بعد ذلك لزلزل‏             و لتصلحن من بعده لمخارق‏

أنى يكون وليس ذاك بكائن‏                يرث الخلافة فاسق عن فاسق‏

و أقذع هجاء وأمره هذا الهجاء فان الخلافة لو صلحت لإبراهيم لصلحت لغيره من المغنين كمخارق وزلزل ومارق وبذلك تكون الدولة دولة المغنين وإن من المستحيل أن تتحول الخلافة إلى هذا المستوى السحيق وأن يرث الخلافة فاسق عن فاسق ومن الطريف ان الجند اجتمعوا حول بلاطه يطالبونه برواتبهم ولم يكن عنده شي‏ء من المال فانبرى أحد الظرفاء فخاطب الجند فقال لهم: سوف يخرج ابراهيم ويغني لهذا الجانب بصوت وبغني للجانب الآخر بصوت وهذا هو أرزاقكم وسمع دعبل بذلك فقال:

يا معشر الاجناد لا تقنطوا        خذوا عطاياكم ولا تسخطوا

فسوف يعطيكم معبدية            يلتذ بها الأمرد

و المعبديات لقوادكم‏               لا تدخل الكيس ولا تربط

و هكذا يرزق أجناده‏              خليفة مصحفه الربط

أ رأيتم هذه السخرية؟ وهذا الاستهزاء بشيخ المغنين الذي يرزق أجناده بالغناء الذي لا يدخل الكيس. ولا يربط!؟.

أما هجاء دعبل للمعتصم فكان مرا وقاسيا وكان المعتصم طاغيا ظالما لا عهد له بالرأفة والرحمة وقد صدق دعبل في هجائه له بهذه المقطوعة:

بكى لشتات الدين مكتئب صبّ‏             و فاض بفرط الدمع من عينه غرب‏

و قام إمام لم يكن ذا هداية                 فليس له دين وليس له لب‏

و ما كانت الأنباء تأتي بمثله‏               يملك يوما أو تدين له العرب‏

و لكن كما قالوا الذين تتابعوا              من السلف الماضين إذ عظم الخطب‏

ملوك بني العباس في الكتاب سبعة       و لم تأتنا عن ثامن لهم الكتاب‏

كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة        كرام إذا عدوا وثامنهم كلب‏

و اني لأعلي كلبهم عنك رفعة             لأنك ذو ذنب وليس له ذنب‏

كأنك إذ ملكتنا لشقائنا                       عجوز عليها التاج والعقد والاتب‏

لقد ضاع ملك الناس إذ ساس ملكهم‏      و صيف وأشتات وقد عظم الكرب‏

و مثلت هذه الأبيات محنة المسلمين وشقاءهم بخلافة المعتصم الذي لم يتمتع باي صفة كريمة تؤهله لمركز الخلافة الاسلامية التي هي ظل اللّه في الأرض وقد ظل دعبل في عهده مختفيا يطارده الرعب والفزع فقد أوعز المعتصم إلى شرطته باعتقاله ولكنهم لم يظفروا به ولما هلك المعتصم هجاه بهذه الأبيات:

قد قلت: إذ غيبوه وانصرفوا              في شر قبر لشر مدفون‏

اذهب إلى النار والعذاب فما                خلتك إلّا من الشياطين‏

و ما زلت حتى عقدت بيعة من‏            أضرّ بالمسلمين والدين‏

و لما تولى الواثق عمد دعبل إلى طومار فكتب فيه الأبيات التالية ودفعها الى الحاجب وقال له: قل له هذه أبيات امتدحك بها دعبل وهذه الابيات.

الحمد للّه لا صبر ولا جلد                   و لا عزاء إذا أهل الهوى رقدوا

خليفة مات لم يحزن له أحد                و آخر قام لم يفرح به أحد

فمر هذا ومر الشؤم يتبعه‏                 و قام هذا فقام الويل والنكد

و لما فضها الواثق وقرأها تميز غيظا وغضبا وطلب دعبل بكل ما يقدر عليه من الطلب فلم يظفر به حتى هلك الواثق‏ .

هذه صور من هجائه وهي تمثل اندفاعه نحو الحق ونصرته للمظلومين والمضطهدين في عصره.

لقد كان دعبل من زعماء المعارضة للحكم العباسي في عصره ومن الجناية على الفكر أن يوصم الرجل بأنه خبيث اللسان لم يسلم أحد من الخلفاء من لسانه‏  فان هذا القول رخيص وبعيد عن الواقع لقد هام دعبل في حب أهل البيت الذين اضطهدتهم الحكومات العباسية وجاهدت في ظلمهم وظلم شيعتهم فاندفع دعبل‏  بوحي من عقيدته إلى نصرتهم والذب عنهم والتشهير بخصومهم وليس في ذلك أي نقص عليه وانما هو فخر وشرف له.

و ظل دعبل معظم حياته مجاهدا ومناضلا قد سخر من ملوك عصره الذين استباحوا حرمات اللّه فهجاهم بأمر وأقذع الوان الهجاء وقد طاردته السلطة ورامت تصفيته جسديا ولكنه اختفى وراح يجوب في الاقطار يلاحقه الفزع والخوف وهو القائل في تائيته الخالدة:

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها            و إني لأرجو الأمن بعد وفاتي‏

و قد اعلن بشجاعة فائقة استعداده للموت فقال: لي خمسون سنة أحمل خشبتي- اي خشبة الاعدام- على كتفي ادور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك.

و كانت نهاية دعبل على يد ذئب من ذئاب عصره وهو مالك بن طوق التغلبي فقد طلبه فهرب إلى البصرة وكان واليا عليها اسحاق بن العباس العباسي وقد بلغه هجاء دعبل له فأمر بالقاء القبض عليه فجي‏ء به إليه مخفورا فدعا بالنطع والسيف ليضرب عنقه فانكر دعبل القصيدة التي قيلت في ذمه وان عددا له قالها ونسبها له ليغري بدمه وجعل دعبل يتضرع إليه فأعفاه من القتل إلّا أنه دعا بالعصي والمقارع وانهال عليه ضربا بوحشية قاسية ثم خلى سبيله فهرب الى (الاهواز) .

و سارع مالك بن طوق فبعث رجلا حصيفا مقداما واعطاه سما وأمره باغتيال دعبل واعطاه عوض هذه الجريمة عشرة آلاف درهم وانبرى الرجل مسرعا الى (الأهواز) فجد في طلب دعبل فعثر عليه في قرية من نواحى (السوس) فاغتاله بعد صلاة العتمة فضربه على ظهر قدمه بعكاز له زج مسموم فتسمم بدنه ومات في غده ودفن بتلك القرية وقيل: بل حمل الى (السوس) فدفن فيها وانتهت بذلك حياة هذا المجاهد الذي قارع الباطل بشجاعة وقد رثاه صديقه الشاعر الكبير أبو تمام الطائي بهذه الأبيات:

قد زاد في كلفي وأوقد لوعتي‏             مثوى حبيب يوم مات ودعبل‏

أخوى لا تزل السماء نحيلة                تغشاكما بسماء مزن مسبل‏

جدث على الأهواز يبعد دونه‏              مسرى النعيّ ورمة بالموصل‏

رحم اللّه دعبلا فقد كان علما من اعلام الاسلام وقد استشهد في سبيل المبادئ الكريمة والمثل العليا التي تبناها في جميع ادوار حياته.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.