من شعر رفيق ابن جابر
المؤلف:
أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر:
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة:
ص:371-376
2025-12-11
46
من شعر رفيق ابن جابر
وأما رفيقه شارح بديعيته فقد ذكرنا في غير هذا الموضع بعض حاله وكلامه، ولنزد هنا ما تيسر، فنقول: من نظمه:
لما عدا في الناس عقرب صدغها ... كفت أذاه من الورى بالبرقع
والصبح تحت خمارها متستر ... عنا متى شاءت تقول له اطلع وقال:
تجنت فجن في الهوى كل عاقل ... رآها وأحوال المحب جنون
وما وعدت إلا عدت في مطالها ... كذلك وعد الغانيات يكون وقال:
لا تجدوا في الهوى على كلف ... نظيره في الغرام لن تجدوا
لهفان ما يشتيك إلى أحد ... ظمآن غير الدموع لا يرد وقال:
رب ليل قطعته بالجزيره ... فتذكرت أهلنا بالجزيره
قصر الأنس ما تطاول منه ... وكذا أزمن السرور يسيره قال: والجزيرة الأولى المراد بها حمص المحيط بها النهر المسمى بالعاصي، والثانية جزيرة الأندلس.
وله أيضا:
وما لي والتزين يوم عيد ... وجيد صبابتي بالدمع حالي
وقد أرسلت أشهبها بريدا ... وبعد كميتها ينبي بحالي والمراد بالأشهب الدمع الذي لا يشوبه شيء؛ وبالكميت الدمع المشوب بالدم، قال رحمه الله في شرح البديعية وقد ذكر العقيق بعد كلام ما نصه قلت: وكان هذا الوادي ذا قصور متحفة، وحدائق ملتفة، وبنيان مشيد، ونخل طلعه نضيد، وجنات ترتي أكلها كل حين وسواق تجري به بماء معين، ثم لعبت به أيدي السنين، وغيرت معالمه فصار عبرة للناظرين، فلم يبق من معاهده إلا آثار تشهد بحسنه، ونضرة نعيم تدل على ما سلف من نضارة غصنه؛ وقد خرجنا إلى هذا الوادي أيام مجاورتنا بالمدينة الشريفة، وهو يتدفق بمائه، ويعارض بجوهر حبابه أنجم سمائه، وقد سالت شعابه، وفاض عبابه، والناس تفرقوا في جهاته، وافترشوا غض نباته، والشيح قد توشح بالندى، والأنس قد راح به وغدا، والأصيل مذهب الرداء، والبيداء مخضرة الأنداء، وبحافته آثار قصور، ليس لها في الحسن قصور، قد بليت وحسنها جديد، وخربت وربعها بالأنس مشيد.
ومن بديع نظمه قوله:
مهلا فما شيم الوفا منقادة ... لمن ابتغى من نيلها أوطارا
رتب المعالي لا تنال بحيلة ... يوما ولو جهد الفتى أو طارا
وقوله رحمه الله تعالى:
على وادي العقيق سكبت دمعي ... بلا عين فيبدو كالعقيق
فكم غصن وريق منه يحكي ... قوام رشا شهي فم وريق وقال:
سألتك بالله يا من غدا ... يصرف بالقلب أفعاله
تدارك محبا بدرياق وصل ... فإن عبادك أفعى له وقال:
لا تأمننه على القلو ... ب فمنه أصل غرامها
فلحاظه هن التي ... رمت الورى بسهامها
ومن فوائده رحمه الله تعالى في شرح البديعية ما نصه: ومن غريب ما في لدى أن أبا علي حكى في تذكرته عن المفضل أنها أتت بمعنى هل وأنشد:
لدى من شباب يسترى بمشيب ... وكيف شباب المرء بعد ذهاب (1) رجع - وقال رحمه الله تعالى يتشوق إلى حمراء غرناطة:
ذابت على الحمراء حمر مدامعي ... والقلب فيما بين ذلك ذائب
طال المدى بي عنهم ولربما ... قد عاد من بعد الإطالة غائب وقال:
ما هب من نحو السبيكة بارق ... إلا غدا شوشقي لقلبي شابكا
والله ما اخترت الفراق لربعها ... لكن قضاء الله أوجب ذلكا وقال:
منازل سلمى إن خلت فلطالما ... بها عمرت في القلب مني منازل
رسائل شوقي كل يوم تزورها ... وما ضيعت عند الكرام الرسائل (2) وقال:
بجور الوداع لنا موقف ... أذاب الفؤاد لأجل الوداع
فما أنا أنسى غداة النوى ... وحادي الركائب للبين داعي
قال: وجور الوداع موضع بظاهر غرناطة، عادة من سافر أن يودع هناك.
وقال:
ناولته وردة فاحمر من خجل ... وقال: وجهي يغنيني عن الزهر
الخد ورد، وعيني نرجس، وعلى ... خدي عذار كريحان على نهر وقال رحمه الله تعالى في التشريع:
يا راحلا يبغي زيارة طيبة ... نلت المنى بزيارة الأخيار
حي العقيق إذا وصلت وصف لنا ... وادي منبأ طايب الأخبار
وإذا وقفت لدى المعرف داعيا ... زال العنا وظفرت بالأوطار وقال:
يا أولا في المرسلين وآخرا ... الله خصك بالكمال ليرضيك
من قبل آدم قد جعلت نبيه ... قدما فقدمك الإله ليعليك
أوحى إليك لكي تكون حبيبه ... ويتم نعمته عليك ويهديك وقال:
صيرتني في هواك اليوم مشتهرا ... لا قيس ليلى ولا غيلان في الأول
زعمت أن غرامي فيك مكتسب ... لا والذي خلق الإنسان من عجل وقال:
لا تعاد الناس في أوطانهم ... قلما يرعى غريب الوطن
وإذا ما شئت عيشا بينهم ... خالق الناس بخلق حسن وقال:
نسختي اليوم في المحبة أصل ... فعليها اعتماد كل عميد
نقلوا مرسل المدامع منها ... وصحيح الهوى بغير مزيد
قد رواها قبلي جميل وقيس ... حين هاما بكل لحظ وجيد
ومن فوائده: أنه لما أنشد في طراز الحلة قول سعد الدين محمد بن عربي في ابن مالك:
إن الإمام جمال الدين فضله ... إلى آخره قال ما ملخصه: ولما أورده الصفدي في فض الختام قال: هذا في غاية الحسن لو كان الكتاب المذكور يسمى الفوائد وإنما هو تسهيل الفوائد فذكر المضاف إليه دون المضاف، وهي تورية ناقصة، قلت: ابن مالك له كتابان: أحدهما الفوائد صنعه أولا ثم صنع تسهيل الفوائد بعده، وكأنه سهل فيه كتاب الفوائد، وكنت وقفت على هذا الكتاب المسمى بالفوائد ببلدنا غرناطة، فلما وصلنا إلى هذه البلاد بحثنا عنه فلم نجده، وتمادى الأمر على ذلك إلى سنة 760، فوجدناه في حلب، وهو الآن عندنا، وهو عزيز الوجود، ولذلك خفي على القاضي صلاح الدين؛ انتهى وبعضه بالمعنى.
وقال أبو جعفر أحمد المترجم به: كتبت إلى صاحبنا الشيخ بدر الدين خليل الناسخ:
مددت النوى وقصرت اللقا ... أرتضى بهبذا وأ، ت الخليل
وتترك أحمد ذا وحشة ... لديك وأنت له ابن جليل وقال:
قد كان لي أنس بطيب حديثكم ... والآن صار حديثكم برسول
ولقد مددت من النوى مقصوره ... إن الخليل يراه غير جميل
وله رحمه الله تعالى:
ما للنوى مدت وأنت خليلنا ... ولقبل قد قصرت برغم الكاشح
أتبعت في ذا مذهبا لا يرتضى ... أبدا وليس الرأي فيه بصالح
وله:
ولما رأى الحساد منك التفاتة ... إلى جانب اللهو الذي كان مرفوضا
أضافوا إلى علياك كل نقيصة ... حقيق لدينا بالإضافة مخفوضا وله:
حسنك ما بين الورى شائع ... قد عرف الآن بلام العذار
فجاء منه متبدا للهوى ... خبره الآس مع الجلنار
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ق: ذهيب.
(2) ق: الوسائل.
الاكثر قراءة في العصر الاندلسي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة