الحسين بن محمد التجيبي

هو الحسين بن محمد بن الحسين بن حي التجيبي القرطبي، اشتهر باسم ابن حي، وسمي القرطبي لانه من اهل قرطبة، لا نعرف بالضبط متى ولد، ولكنه توفي في اليمن سنة 456هـ، ويؤكد ذلك كل من صاد بن احمد الاندلسي في كتابه (طبقات الأمم) وعمر رضا كحالة في كتابه (معجم المؤلفين-المجلد الرابع) وياقوت الحموي في كتابه (معجم الادباء-المجلد العاشر) وغيرهم.

صعبت الحياة على الحسين التجيبي في الاندلس، فاضطر الى الخروج منها الى مصر وذلك سنة 442هـ، واستقر فيها ردحا من الزمن يعلم كل من علمي الفلك والرياضيات هناك، ولكنه ما لبث ان غادر القاهرة الى اليمن وبقي فيها حتى انتقل الى جوار ربه سبحانه وتعالى.

يعتبر الحسين بن محمد التجيبي من ادباء الحضارة العربية والإسلامية المتفوقين، فقد اشتهر بين معاصريه بمقدرة نادرة النظير على التعبير نثرا وشعرا، فكان من أصحاب المكانة المتميزة بين الشعراء الذين عاصروه، لذا وضعه بعض المؤرخين للعلوم في قائمة كبار الادباء والاوائل.

ينقل ياقوت الحموي في كتابه انف الذكر نموذجا من شعره:

تحفظ من لسانك فهو عضو                 اشد عليك من وقع السنان

فلا والله ما في الخلق خلق                     احق بطول سجن من لسان

كان الحسين التجيبي حذرا كثيرا من اخطار اللسان، لانه يعرف تمام المعرفة ان الرصاصة يمكن ان تقتل واحدا، بينما الكلمة يمكن لها ان تقتل ملايين، وذلك مصداق لقول الشاعر:

جراحات السنان لها التئام                ولا يلتأم ما جرح اللسان

لذا يجب على طلاب العلم ان يراقبوا السنتهم اكثر من ان يراقبوا اعداءهم.

اما مكانة الحسين بن محمد التجيبي في علم الفلك فهو من العلماء المرموقين في هذا الميدان، فقد تمكن من دراسة حركات الكواكب واستخراج تقويم ذات أهمية عظيمة، له في علم الهيئة آراء واستنباطات تدل على طول باعه، ويظهر ذلك في زيجه الذي الفه على مذهب (السند هند) وسماه (زيج مختصر على طريقة السند هند).

اهتم الحسين التجيبي اهتماما بالغا في علم الهندسة لعلاقتها الوطيدة بعلم الفلك، فركز على دراسة أصول الهندسة لاقليدس فنبغ في هذا الفن من فنون العلوم الرياضية، ونال شهرة عظيمة في هذا المجال، لذا اعتبر من علماء العرب والمسلمين في علم الهندسة.

للحسين بن محمد التجيبي صولة وجولة في علم الحساب، فقد تفنن في هذا الحقل، ونظم شعرا فيه، ويذكر ياقوت الحموي في كتابه المذكور أعلاه هذه الابيات:

تأمل صورة العدد        فمن نظر اليه هدى

كما الاعداد راجعه        وان كثرت الى الاحد

كذاك الخلق مراجعهم      لرب واحد صمد

درس الحسين التجيبي علم الحساب والهندسة والفلك علي ابي عبد الله بن عمر بن محمد المعروف بابن برغوث الرياضي الفلكي الشهير المتوفي سنة 444هـ، والذي كان يعتبر من جهابذة علم الفلك في الاندلس دون منازع، حقا انه كان مدرسة متنقلة، فالكثير من رواد الفكر في كل من الفلك والرياضيات اخذوا على يده هذين العلمين.

احتضن امير اليمن الصليحي صاحب الترجمة، الحسين بن محمد التجيبي وقربه منه لعلمه وادبه ولحضور بديهته وتوقد ذهنه، فصار الحسين التجيبي من المسؤولين عن سير أمور الدولة هناك.

يذكر صاعد بن احمد الاندلسي في كتابه المذكور سابقا ان الحسين التجيبي رحل من القاهرة الى اليمن، واتصل بأميرها الصليحي القائم بالدعوة للمنتصر بالله معد بن الظاهر علي، فحظي الأمير به، وارسله ببعثه الى امير المؤمنين القائم بأمر الله الخليفة العباسي في هيئة فخمة، فقابله الخليفة في بغداد احسن استقبال.

وخلاصة القول: جمع الحسين بن محمد التجيبي بين العلوم الرياضية والفلكية والأدبية، فهو بحق من كبار ادباء الحضارة العربية والإسلامية، ومن علماء الفلك المرموقين الذين تشهد لهم ارصادهم لحركات الكواكب، كما انه حصل على نتائج علمية في حقل علم الفلك لم يسبقه احد عليها.

كانت علاقة الحسين التجيبي بأمير اليمن في ذلك الوقت علاقة ود واحترام، لذا استفاد منها عالمنا الجليل، بان طلب منه ان تبنى المدارس والمراصد والمكتبات في اليمن، فكان من العلماء الواعين الذين يرون ان اوعية العلم لا تقدر بثمن.

نعم لم نعثر على مصنفات الحسين التجيبي، الا انني وجدت نتفا عنه في كتابة كل من ياقوت الحموي وصاعد الاندلسي اللذين تطرقت لهما آنفا، لذا استطعت ان اكتب هذه السيرة المختصرة عنه، ارجو ان تكون محركا للباحثين في علم الفلك ان يقدموا لنا دراسة تحليلية ومتكاملة حول زيجه (مختصر على طريقة السند هند) وبعض قصائده الرائعة.