أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-10-2014
2036
التاريخ: 20-10-2014
1887
التاريخ: 20-10-2014
3047
التاريخ: 20-10-2014
6003
|
اشتد الخلاف بين البلاغين والنحاة، وبين طوائف كل من الفريقين، في فهم الجملة التعجبية، اخبرية هي ام انشائية؟ ورتب النحويون على هذين الاعتبارين احكاما نحوية، منساقين في تيار القياس المنطقي على القواعد التي رسموها لكل من الانشاء والخبر.
صيغ التعجب السماعية
والمتتبع لأساليب القول العربي، يجد فيها ضروبا شتى سماعية تدل على التعجب، منها:
1- الله دره، لله دره فارسا، لله ثوباه، لله انت، سبحان الله، العظمة لله، ونحو ذلك، مما ورد فيه لفظ الجلالة وقصد به التعجب.
2- ومنها : ما ورد بصيغة الامر، كقولهم : اعجبوا لزيد فارسا، انظروا اليه راميا.
3- او بصيغة اسم الفعل، كما في قوله :
** واها لسلمى ثم واها واها (1)**
4- او بصيغة النداء، كقولك : ياله من ظالم. وقول امر القيس :
فيالك من ليل كان نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبلِ
وقول الاخر (2) :
يادين قلبك منها لست ذاكرها الا ترقرق ماء العين او دمعا
ص93
وقولهم : يا شيء مالي، ويا في مالي، وياهي مالي، وياشيّ، ويافي وياهي، وشيء هنا يهمز ولا يهمز. ومنه قوله (3) :
يا شيء مالي من يعمر يفنه مر الزمان عليه والتقليبُ
5- او بصيغة الاستفهام، نحو : (كيف تفكرون بالله) (4)، (القارعة ما القارعة)، وقول الاعشى (5) :
** يا جارتا ما انت جاره **
في تقدير (ما) استفهامية.
6- او بصيغة النفي، كما في قول الاعشى :
فهذه الاساليب كلها سواء اكانت بصيغة الخبر او بصيغة الانشاء، قد نقلت من معناها الاصلي الى افادة معنى التعجب.
وهذه الاساليب كذلك لم يبوب لها في كتب النحو، لأنها سماعية، وانما المبوب لها صيغتان : ما افعله، وافعل به.
ولا يسعنا في هذا البحث الا ان نقصر كلامنا على هاتين الصيغتين ونبدأ بذكر بعض الاحكام التي تتعلق بهما معا، ثم نعقب على ذلك بما يخص كل واحدة منهما.
الاحكام العامة
1- هاتان الصيغتان لا تصاغان الا من فعل مستوف لثمانية شروط :
ص94
ان يكون ثلاثيا، متصرفا، تاما، غير منفي، قابلا معناه للتفاوت، ليس الوصف منه على افعل فعلاء، غير مبني للمفعول، لم يستغن عنه بالمصوغ من غيره، نحو قال من القائلة ؛ فانهم لا يقولون : ما اقيله، استغناء بما اكثر قائله.
فان كان الفعل غير مستوف لهذه الشروط فانه يتوصل الى التعجب منه بنحو ما اشد في الصيغة الاولى، ونحو اشدد في الصيغة الثانية. وذلك ما عدا الجامد وغير القابل للتفاوت، فانه لا يتعجب منهما البتة.
2- لا يجوز تقديم المتعجب منه على صيغتي التعجب، وذلك لعدم تصرفهما. فلا تقول : زيدا ماأحسن، ولا ما زيدا احسن، ولا يزيد احسن.
3- لا يفصل بين فعلي التعجب وبين المتعجب منه بفاصل غير متعلق بهما. فان تعلق بهما جاز الفصل ان كان الفاصل ظرفا، او جارا ومجرورا، نحو : ما احسن اليوم انشادك، ما اصبر على البلاء زيدا. قال عباس بن مرداس :
وقال نبي المسلمين تقدموا واحبب الينا ان تكون المقدما (6)
هذا كله اذا لم يتعلق بالمعمول ضمير يعود على المجرور بالباء، فان تعلق وجب تقديم المجرور على المعمول بلا خلاف، كما يؤخذ من كلام السيوطي في الهمع، فتقول : ما احسن بالرجل ان يصدق. وانشد :
خليلي ما احرى بذى اللب ان يرى صبورا ولكن لا سبيل الى الصبر (7)
ص95
واجاز بعضهم الفصل بالحال (8) ، او المصدر (9)، او النداء (10)، او لولا الامتناعية(11).
4- يشترط في المتعجب منه ان يكون مختصا بالتعريف، او باي نوع من انواع التخصيص.
صيغة ما افعل
اذا قيل : ما احسن زيدا : اختلف النحويون في تخريج كلمة (ما)، فقال بعضهم : انهما موصولة ، وقال اخرون : انها استفهامية مشوبة بتعجب، ومنهم من قال : انها نكرة موصوفة وما بعدها صفة لها. وقال سيبويه : هي نكرة تامة بمعنى شيء.
والذي ارجحه من تلك الاقوال ما ذهب اليه الفراء وابن درستويه : انها استفهامية مضمنة معنى التعجب، وذلك لأمرين : احدهما معنوي، والاخر صناعي.
اما المعنوي فلان ابلغ اساليب التعجب ما كان منقولا عن الاستفهام، تقول : ما هذا المجال، وما ذاك الحسن ! وفي هذا الاسلوب يسال المتعجب عن سبب الحسن، اشارة الى ان للحسن اسبابا كثيرة تستدعي السؤال.
واما الصناعي فلانها وهي بمعنى الاستفهام لا تحتاج الى تقدير محذوف، وبمعنى الموصولة والنكرة الموصوفة تحتاج الى تقدير الخبر، أي شيء عظيم. ولا يخفى ما في ذلك من التكلف.
ص96
وامر اخر يدعم هذا الراي فما ارى، وهو مراعاة التناسق بين هذه الصيغة واختها، أي صيغة افعل به، لتكون كل منهما صيغة انشائية من جهة اللفظ والمعنى معا، او من جهة اللفظ فحسب.
ثم ننتقل الى (افعل) فنجد فيها ايضا خلافا بين البصريين والكوفيين من حيث اسميتها وفعليتها. فذهب الكوفيون الى اسميتها، مستدلين بأدلة منها :
1- ان هذه الكلمة جامدة لا تتصرف ، والجمود خاصة من خواص الاسماء.
2- انه يدخلها التصغير، والتصغير من خواص الاسماء، وانشدوا :
ياما اميلح غزلانا شدن لنا من هؤليائكن الضال والسمر (12)
3- انها تصح عينها في نحو : ما اقومه وما ابيعه، وتصحيح عين مثل هذا من خصائص الاسماء، تقول : هو اقوم وابيع، في التفضيل. وذهب البصريون الى انها فعل ماض، ونقضوا كل ما اورده الكوفيون. وقد سجل الانباري في الانصاف هذا النقض في اسهاب.
ومن بين الادلة التي استمسك بها البصريون :
1- انه تلحق (افعل) نون الوقاية، ونون الوقاية خاصة من خواص الافعال، واما لحاقها ببعض الحروف كان، ولكن، وليت، فهو خلاف الاصل.
2- انه لزم الفتح، ولو كان اسما لارتفع، لأنه خبر لما.
3- انه يعمل النصب في المعارف كما يعمله في النكرات، ولو
ص97
كان اسما لاختص بنصب النكرات خاصة على التمييز، نحو قولك : زيدا اكبر منك سنا.
ومذهب البصريين في هذا القوى حجة ومسايرة لقواعد النحو، فقد استطاع البصريون ان ينقضوا كل ما استدل به الكوفيون، اضف الى ذلك ما يقتضيه اعتبار (ما) قبلها استفهامية من نصب المعمول بعد الفعل.
صيغة افعل به
لا خلاف بين النحويين في فعلية (أفعل) في قولك : احسن يزيد، وانما اختلفوا في هذا الفعل اهو فعل امر لفظا ومعنى، ام هو فعل امر لفظا فقط؟
1- فالذي عليه الفراء – وتبعه الزمخشري وابن كيسان وابن خروف – ان افعل فعل امر حقيقة لفظا ومعنى. وعليه فاذا قال المتكلم : احسن بزيد، يكون قد امر كل واحد بان يجعل زيدا حسنا، وانما يجعله حسنا كذلك بان يصفه بالحسن كيف شئت، فان فيه منه كل ما يمكن ان يكون في شخص حسن، كما قال ابو الطيب (13) :
وقد وجدت مكان القول ذا سعة فان وجدت لسانا قائلا فقل
وقد فهم ابن كيسان وحدة ان الضمير في الفعل راجع الى المصدر المفهوم من فعل التعجب، فالتقدير في احسن : احسن يا حسن يزيد ، أي دم به والزمه.
وعلى مذهب الفراء ومن تبعه : تكون الهمزة للنقل، أي نقل الفعل
ص98
من اللزوم الى التعدي – والباء زائدة في المفعول، او هي للتعدية. ويحتمل ان تكون الهمزة للصيرورة ثم للتصيير، والباء للتعدية لا زائدة واصل اكرم يزيد : اكرم زيد، أي صار ذا كرم، ثم غير الماضي بالأمر وجيء بالباء المعدية الى تصير الفاعل مفعولا، وقيل اكرم يزيد، وصار المعنى : اجعل زيدا صائرا ذا كرم.
2- والذي ذهب الى جمهور البصريين ان هذه الصيغة امر في اللفظ لكنه ماض في المعنى اتى على صيغة الامر مبالغة. فاصل قولك : احسن يزيد، قبل نقله الى افادة انشاء التعجب : احسن زيد : صار زيد ذا حسن، ثم غيرت الصيغة فقبح اسناد صيغة الامر الى الاسم الظاهر، فزيدت الباء في الفاعل ليصير على صورة المفعول، كأمر بزيد. والتزمت زيادتها لذلك، بخلافها في نحو : كفى بالله شهيدا.
وتظهر ثمرة الخلاف بين المذهبين فما اذا اضطر شاعر الى حذف الباء من التعجب منه – أي مع غير ان، لان ذلك جائز في الاختيار – فانه يجب رفع المتعجب منه على مذهب البصريين، ونصبه على المذهب الاخر، كما ذكره الدماميني.
واما بعد فالذي اميل اليه هو المذهب الاول، وذلك لما فيه من بقاء اللفظ على معناه، وبعده عن التأول والتكلف والخيال. كما انه لم يعهد مجيء الامر بمعنى الماضي، وانما المعهود العكس، أي ان يجيء الماضي بمعنى الامر، كقوله : (اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه) ؛ أي ليتق الله.
المراجع :
سيبويه 1 : 27 الانصاف 81-93 ابن يعيش 7 : 142-152 الرضى 2 : 285 – 289 ابن عقيل 2 : 117-125 التصريح 2: 86-94 الاشموني والصبان 3 : 16 – 26 الهمع 2 : 89 – 93.
ص99
________________________
(1) في الخزانة 3 : 338 : (قال العيني وتبعه السيوطي في شرح ابيات المغني : نسبهما الجوهري الى ابي النجم). وانظر العيني 3 : 336.
(2) هو الاحوص. د يوانه 132 والاغاني 4 : 73.
(3) هو نويفع بن نفيع الفقعمي، كما في امالي الزجاجي 81-82 واللسان (مرط). ونسب ايضا الى الجميع بن الطماح، اما لقيط الاسدي، في اللسان (هيأ).
(4) الآية 28 من سورة البقرة.
(5) صدره :
* بانت لتحزننا عقاره *
وانظر العيني 3 : 638.
(6) العيني 3 : 656.
(7) لم ينسب الى قائل معين، وهو من شواهد شروح الالفية. انظر العيني 3 : 662.
(8) اجازه الجري من البصريين، وهشام ما الكوفيين، نحو : ما احسن مجردة هندا. الاشموني 3 : 25.
(9) وذلك نحو قولك : ما احسن احسانا زيدا. وقد اجازه الجرمي. ومنعه الجمهور، لمنعهم ان يكون له مصدر.
(10) ورد في الكلام الفصيح، نحو قول علي كرم الله وجهه في حق عمار بن ياسر حين راه مقتولا : (اعزز على ابا اليقظان ان اراك صريعا مجدلا).
(11) اجازه ابن كيسان في نحو قولك : ما احسن لولا بخله زيدا. ولا حجة له في ذلك :
(12) البيت المرجي، او المجنون، او ذى الرمة، او الحسين بن عبدالله، او كامل الثقفي. الخزانة 1 : 47.
(13) ديوانه 2 : 69.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|