أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-07
770
التاريخ: 15-10-2021
2766
التاريخ: 27-11-2019
4101
التاريخ: 8-3-2016
2247
|
كمات الضوء
قد يبدو البحث الفيزيائي مؤيداً تماماً لما كان متوقعاً من قبل على يد فلاسفة اليونان تبعاً للمذهب المادي رغم وجود أوجه خلاف في التعبير . فمثلا لا تستخدم كلمة (ذرة) اليوم إشارة للبنية غير قابلة للانقسام وإنما نستخدمها عندما نشير لبنية مكونة من أجزاء أصغر . إننا لا نقارن ما نطلق عليه (ذرات) وإنما إلكترونات وبروتونات ونيوترونات ، على عكس ذرات الإغريق ، بيد أن مجال الأبحاث بما تبدو عليه من وضوح زيد عليه دراسات جديدة معقدة لم تكن متوقعة الى جانب سخرية تطور الأحداث إذ سبق اكتشاف هذه الحقائق الجديدة المحيرة الدليل الفعلي على حقيقة الذرات . ففي عام 1900 توصل ماكس بلانك Max Plank الى الاكتشاف الذي وجه الأبحاث الذرية الى مسارات جديدة فتحت آفاقاً أخرى هائلة أمام الفيزيائيين بشأن أعمالهم النظرية والتجريبية . وهكذا احتشدت أهم الإنجازات في مجال فيزياء الذرة بنهاية القرن : وعندئذ ظهر النقد المبني على الوضعية بشا، الأفكار الذرية وقتها . بادئ ذي بدء أوضح إرنست ماخ Ernst Mach أن الفرض الذري حقيقة كان يفتقر الى الدليل الى جانب أنه لم يكن ضرورياً بالمرة وقتئذ . ومع ذلك قدمت الأدلة العملية على حقيقة الذرات بعد عام 1900 بوقت قصير . وكان بلانك قد اهتدى الى اكتشافه الذي لم يكن معناه الحقيقي مفهوماً إلا منذ أعوم قلائل ومنه تحققنا تدريجياً من أن الذرات تختلف كلية عن صورتها لدى قدامى الفلاسفة .
تختلف النظرية الموجية للضوء Wave theory عن النظرية الجسيمية corpuscular theory لنيوتن القائلة بأن الضوء سيال من دقائق صغيرة (جسيمات corpuscles) من الضوء في أن الأولى تطرح قضية مفادها أن طاقة الضوء يمكن تجزئتها بصورة متصلة مستمرة الى أية مقادير ، وكانت هذه القضية تبدو مؤيدة بخبرات بدائية مثل الانقسامية المطلقة للمادة . فمقدار الطاقة الضوئية القادمة من نجم الشعري اليمانية Sirius يضيء في جواره عشرة آلاف كيلو متر مربع ويضيء سنتيمتراً مربعاً واحداً من سطح الأرض يتوزع هو نفسه على تسعمائة سنتيمتر مربع من سطح كوكب نبتون Neptune . ويعد هذا التوزيع منتظماً في حدود قدرة العين البشرية على تمييز إشعاع هذا النجم . ويرجع سبب لألأة النجوم الثوابت الى آثار الاضطراب في جو الأرض بعكس المشاهد فوق القمر إذ يرى سطوع brilliancy النجوم منتظماً .
تقضي النظرية الموجبة للضوء بانتشار الضوء خلال الفضاء بصورة متصلة ولذا يمكن لامتداد الطاقة الضوئية الاستمرار بلا حدود .
بيد أن هناك نتائج تجريبية تعارض هذه الفكرة ، ففي حالة (الظاهرة الكهروضوئية photoelectric effect) يمكن تفسير اطراداتها – لينارد Lenard ، أينشتاين Einstein) باختصار كالآتي : عندما يسقط الضوء فوق البنفسجي Ultra violet قصير الموجة بدرجة كافية على سطح معدني ، ينشأ عن ذلك انبعاث مستمر من الإلكترونات من المعدن المستضيء ، ويلاحظ عند انخفاض شدة الضوء intensity انخفاض في عدد الإلكترونات المنبعثة كل ثانية مع ثبات سرعة كل من هذه الإلكترونات . فإذا صحت النظرية الموجية للضوء كان علينا أن نستنتج أن الإلكترونات المنفصلة من المعدن تقل طاقتها بتقليل شدة الضوء – تماماً كما يقل انفصال غصون الأشجار بانخفاض قوة الرياح ، ولكن الحقيقة أن عدد الإلكترونات السريعة لا يزداد شدة الضوء طالما ظل الطول الموجي ثابتاً .
ويمكن فهم ذلك إذا جمعت الإلكترونات المنفردة قبل انطلاقها مقداراً محدداً من طاقة موجات الضوء . ولكن ذلك يتحقق في حالة شدة الضوء الضعيفة جداً إذا مضت فترة زمنية محددة قبل أن تستطيع الإلكترونات بدء الانبعاث ، بيد أن الواقع هو خلاف ذلك ، فمن خلال تجارب هامة تستغرق الإلكترونات عدة ساعات كي تحصل الإلكترونات على الطاقة اللازمة للانبعاث من مصدر ضوئي منخفض الشدة ، وحتى تحت هذه الظروف لا يمضي سوى كسر ضئيل من الثانية بين بدء الاستضاءة وبدء انبعاث الإلكترونات . إننا لا نعتقد أن شيئاً ما غير مفهوم قد طرأ على النظرية الموجية للضوء في هذا الصدد ، ولكن يبدو أن نيوتن كان على حق الى حد ما ، فالضوء فوق البنفسجي الساقط يمكن مقارنته بالبرد المنهمر وتتركز طاقته في جسيمات حبيبية تفوق الحصر .
أمكن أيضاً تحديد القانون الدقيق بشأن تركيز هذه الطاقة في الظاهرة الكهروضوئية . ففي ظل هذه النظرية يحتوي شعاع الضوء أحادي اللون (ذو طول موجي واحد تبعاً للنظرية الموجية) فقط على (كلمات ضوء light quanta) متماثلة وفي كل منها مقدار من الطاقة يتناسب مع الطول الموجي ، أو بمعنى آخر مع تردد الاهتزازات (عدد الاهتزازات في الثانية frequency) ، والنسبة بين طاقة الكم وتردد الاهتزازة مقدار ثابت لكل الكمات الضوئية ويرمز له بالرمز h (بلانك) ، هذا المقدار الشهير المتحكم في علم الفيزياء الحديثة كله يطلق عليه اسم كم الفعل لبلانك Planck quantum of action ويساوي 6.6 × 10-27 إرج ثانية وله أبعاد الفعل action (طاقة × زمن) . وبطبيعة الحال لم يكن نيوتن على وعي بهذه العلاقة بين طاقة جسيمات الضوء والتردد – ولم يكن ليتسنى له اكتشافها لأنها لا تتفق مع نظرية في الضوء تبدو من داخلها غير قابلة للجدل ، بل تقدم بدلاً من ذلك علاقة بين نظريتين للضوء على طرفي نقيض ، النظرية الموجية من ناحية والنظرية الجسيمية من ناحية أخرى .
ويمكن أيضا التحقق من وجود كمات الضوء هذه في الإشعاع ذاته ، ليس بصورة ملموسة واضحة وإنما نتيجة لاعتبارات وخبرات عميقة وهامة . فمثلاً إذا حفظ ترموس أسود الجدران عند درجة حرارة ثابتة فسوف يمتلأ بإشعاع كهرومغناطيسي لأن الجدران السوداء تبث على الدوام إشعاعاً محدداً – أي إشعاعاً حرارياً فقط عند درجات الحرارة الأقل ، ومعه أيضاً ضوءاً مرئياً visible light عند درجات الحرارة الأعلى كما في حالة الحديد المتوهج . ويتم امتصاص الإشعاع المستمر الصادر من جدران الترموس مرة أخرى عندما يصل الى الجدران المحيطة ، ولكن مقداراً محدداً من طاقة الإشعاع يظل موجوداً دائماً ، أما المشكلة التي حلها بلانك باكتشافه كم الفعل فهي : ما هو توزيع الشدة intensity distribution في الإشعاع [يطلق عليه عادة (إشعاع الجسم الأسود black body radiation) ] الذي يمتلأ به فراغ الوعاء ؟ وما هي نسب الإشعاع دون الأحمر infra red والأحمر والأصفر والبنفسجي وفوق البنفسجي المحتواة فيه وكيف تتوزع شدة كل منها على الأطوال الموجية للطيف عندما يتم تحليل هذا الإشعاع بمنظار الطيف spectroscopically؟
تناول كثير من الباحثين قبل بلانك هذه المشكلة عملياً ونظرياً ولكن الدراسات النظرية أدت الى عقبة مشهورة ، وتبين أن النظرية (الحركية kinetic) للحرارة وضعت حلاً محدداً لهذه المشكلة .
إذا كان صحيحاً أهم مبادئ الفيزياء والتفسير الحركي للظواهر الحرارية فلابد من قانون محدد ينطبق على التحليل الطيفي spectral resolution لإشعاع الجسم الأسود ، وهو ما يطلق عليه قانون رالي – جينز للإشعاع Rayleigh Jeans radiation – يعتمد اشتقاقه نظرياً على اعتبارات تسمح بمقارنة الطاقات المتوسطة لمختلف موجات الضوء في حفرة سوداء (جسم أسود) black cavity مع الطاقات المتوسطة في الذرات المستقلة بالغازات أو الجوامد solids .
كما أنه تأيد فعلاً في منطقة الضوء دون الأحمر في طيف إشعاع الجسم الأسود (وعلى وجه الدقة ، تلك هي الحقائق : قانون رالي جينز للإشعاع صحيح عند درجة حرارة ثابتة في إشعاع الجسم الأسود – أي درجة حرارة جدران الوعاء – لمنطقة من الطيف بين أطول وأقصر الأطوال الموجية ، وكلما ارتفعت درجة الحرارة كلما زاد نطاق صحة قانون رالي جينز في اتجاه الموجات الأقصر) . ومن هذا التأييد العملي لقانون رالي – جينز بالنسبة لمنطقة الضوء دون الأحمر من طيف إشعاع الجسم الأسود برزت إمكانية أخرى لتعيين عدد لوشميت ، فمن قياسات إشعاع الجسم الأسود يمكن الحدس بالمدى الشاسع الذي يجب أن يبلغه متوسطة طاقة حركة الذرات عند درجات حرارة محددة .
ومع ذلك ، فليس قانون رالي – جينبدائع الزهور : في الواقع صحيحاً بصورة مطلقة ، فكلما اتجهنا من أطول الموجات الى أقصرها كلما انخفضت درجة الدقة لهذا القانون حتى يصبح الفرق خطيراً عند الأطوال الموجية القصيرة جداً ، وعندئذ تكون النتائج خاطئة بدرجة عالية ، إذ أنه تبعاً لهذا القانون ، ينبغي أن تزداد طاقة الموجات القصيرة جداً لدرجة أن إجمالي إشعاع الجسم الاسود من أول الموجات الطويلة جداً حتى اللامتناهية القصر يصير لا متناهيا في الكبر ، وإذا اعتبرنا ذلك دليلاً على خطأ قانون رالي – جينز (بشأن الموجات القصار) بصورة قاطعة – لا يوجد إشعاع أسود حقيقي ، ويمكن اعتبار إشعاع الحقرة cavity radiation فقط إشعاعاً أسود جزئياً (بالنسبة للموجات الأطول) – فلابد من أخذ البديل في الاعتبار . وحيث أن الجدران السوداء ترسل طاقة الإشعاع في الحفرة بدون حدود فإن طاقة منطقة الطيف التي يوجد بها إشعاع الجسم الأسود سوف تزداد مع الوقت ويتراكم المزيد والمزيد من الإشعاع في منطقة الموجة القصيرة . وتتعارض هذه النتائج مع خبرتنا ، فلابد إذن أن تكون خاطئة بالضرورة تلك النظريات المؤدية الى قانون رالي – جينز ، وهو أمر جد خطير بالنسبة لأي نظرية فيزيائية ، إذ لا توجد فروض خاصة يحتاج إليها هذا القانون الذي ثبت الآن خطؤه ، مما يدعو لإعادة النظر في أهم الافتراضات والأفكار الأولية لهذه النظرية الفيزيائية .
اضطر بلانك مكتشف القانون الحقيقي لإشعاع الجسم الأسود للتفكير في اعتبارات أخرى جديدة غريبة كي يتمكن من تقديم تفسير لقانونه .
هذه الافكار الجديدة – رغم أنه بداية كان يبحث عن صياغة لها بكل حذر وحيطة ممكنة – لم تكن تعني سوى انتهاك جذري انتهاك جذري للنظرية الموجية للضوء ، كما أن كمات الضوء الناتجة بالتجربة في الظاهرة الكهروضوئية كانت أمراً ضرورياً على أساس مشاهدات بلانك .
ببساطة تامة يعد تصور كمات الضوء حلاً لمشاكل قانون رالي – جينز إذ تمتنع الزيادة المطردة في الشدة عند الموجة القصيرة في نهاية الطيف إذا عزونا الطاقة العالية لكمات الضوء المناظرة للموجات القصيرة (عالية التردد) .
قدمت ابحاث ظاهرة كومبتون Compton effect إثباتاً هاماً لنظرية الكم في الضوء light quantum theory . تبعاً لنظرية ماكسويل في الضوء ، عندما تنتشر موجة ضوئية عبر إلكترونات حرة free electrons غير مقيدة فإن هذه لابد أن تتذبذب ذبذبات دورية بالحث بسبب القوى الكهربائية المتغيرة دورياً ، وبالتالي فإن كلاً من هذه الإلكترونات المتذبذبة وكأنها هوائي antenna صغير لإرسال موجات راديو ، يبث إشعاعاً كهرومغناطيسياً جديداً في كل اتجاه .
ويشار الى ذلك بتعبير " استطارة (تشتت) scattering " الاشعاع الساقط فوق الالكترونات ، اي ينحرف جزء من طاقة الإشعاع الابتدائي عن اتجاهه الأصلي وينتشر في جميع الاتجاهات حول " مركز الاستطالة " . وبدراسة هذه العملية بالتجربة باستخدام ضوء ذي كمات غنية جدا بالطاقة ( يلزم استخدام اشعة سينية لإمكان ملاحظة الظاهرة ) فان النتائج تتجاوز حدود النظرية الموجية للضوء مما يثبت بوضوح مرة اخرى وجود كمات الضوء ، اذ تلاحظ زيادة في الطول الموجي للضوء المستطير ( المشتت ) . ( وتبعا للقضية المشروحة عالية ، فان الاشعاع المستطير يجب ان يكون بنفس تردد الاشعاع الابتدائي بالضبط ، اذ يتم تحديد تردد الاشعاع المستطير بمعلومية تردد الهوائي اي الالكترون الذي يتذبذب بنفس الايقاع rhythm مع الموجة الابتدائية الحاثة له ) . يؤدي زيادة الطول الموجي للإشعاع المستطير ( الذي اكتشفه كومبتون ) باطراده الكمي الى التعرف على العملية الفيزيائية التي يعمل في اطارها وثبت صحة ذلك فيما بعد بتجارب اخرى اضافية بأجهزة متطورة من غرفة ولسون السحابية وانبوبة العد counting tube ( جايجر ) وغيرها . وبات مؤكدا اليوم ان تصادمت كمات الضوء مع الالكترونات هي اساس ظاهرة كومبتون ، والتفسير الوحيد لهذه الظاهرة هو : اصطدام كم ضوئي واحد بإلكترون يؤدي الى انزياح الالكترون في حركته وانحراف كم الضوء عن مساره الاصلي . ويستمر التصادم طبقا لقوانين التصادم المرن elastic impact ، اي ثبوت الطاقة الكلية لكلا الجسمين قبل وبعد التصادم ، وكذا طبقا لمبدأ مركز الثقل أو " مبدأ تساوي الفعل وردة الفعل " وهو مبدأ صحيح .
هذا المبدأ الاخير ( الذي يطلق عليه مبدأ مركز الثقل أو مبدأ حفظ كمية الحركة momentum ) يعادل في اهميته للفيزياء الحديثة مبدأ بقاء الطاقة Principle of conservation of energy فكلاهما صيغ اولا في اطار علم الميكانيكا mechanics . ويبرز معنى " مبدأ مركز الثقل center of gravity principle " من وصف اثره كالتالي : عجلة مركز الثقل المشترك لعدة اجسام لا يمكن ان تنشأ عن فعل ميكانيكي عكسي لهذه الاجسام . فمثالا ، الشمس والكواكب بكل الافعال المتبادلة بينها ، دائما يظل مركز ثقل النظام ( المنطبق تقريبا مع مركز ثقل الشمس ) في حركة منتظمة في خط مستقيم بالنسبة للنجوم الثوابت . أو ، عند اطلاق قذيفة ممن مدفع ، فان القوة المؤثرة عليها هي نفسها القوة المؤثرة على المدفع ولكن في الاتجاه المضاد.
ومن هذا النص ( المعادل للنص الاخر ) ينشأ التعبير " الفعل يساوي رد الفعل " .
واكثر من ذلك فان النظرية النسبية بنتائجها الضرورية لفهم اطرادات ظاهرة كومبتون على نحو كمي اثبتت ان مبدأ حفظ كمية الحركة وثيق الصلة بمبدأ حفظ الطاقة .
وبهذا فان اصطدام كم ضوء مع الكترون يخضع لقانون حفظ الطاقة وقانون حفظ كمية الحركة . فاذا عمل اتجاه حركة احد كمات الضوء المستطيرة امكن بدقة حساب اتجاه حركة الالكترون المصطدم بهذا الكم الضوئي . ولقد اثبتت التجربة ان كل الكترون تعرض لتصادم يقابله كم ضوئي مستطير ( كومبتون – سيمون Simon ، بوتي Bothe – جايجر ).
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|