أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-6-2016
2755
التاريخ: 19-5-2016
4718
التاريخ: 8-25-2019
2024
التاريخ: 2023-07-06
1174
|
لقد ذهب بعض الفقهاء إلى نفي أن يكون الشكل عنصراً جوهرياً في التصرف القانوني الشكلي في القوانين الحديثة، فالإرادة تمثل العنصر الوحيد والجوهري في التصرف القانوني، أما الشكل فلا يعدو ان يكون ثوبا للإرادة تظهر فيه إلى الواقع، فما يمكن التعويل عليه في صحة التصرف هو وجود إرادة سليمة وخالية من العيوب. وقد تمثلت هذه الآراء في محاولة جانب من الفقهين العربي والأجنبي لنفي جوهرية الشكل، ولعل اشهر أصحاب هذه الآراء هو الكاتب المصري ابو عافية والكاتب الفرنسي دولابورت. وسنستعرض ما قال به كل منهما تباعاً فيما يأتي:
أولاً: محاولة الدكتور أبو عافية لنفي جوهرية الشكل
يرى الدكتور محمود أبو عافية أن الإرادة هي العنصر الجوهري الوحيد في التصرف القانوني وهذا نقيض ما كان عليه الأمر في القانون الروماني، فقد تغير جوهر التصرف من أساسه فالعنصر المادي الوحيد في التصرف قد استبدل به عنصر معنوي هو الآخر عنصر وحيد(1).كما ذهب الى ان الأشكال في القانون الحديث إنما هي بأجمعها من النوع الغائي فهي لا تقرر الا في الحدود التي يمكن فيها ان تتحقق أغراض معينة يرمي إليها المشرع، وذلك لان المشرع الحديث اذا خرج على قاعدة الرضائية ورسم شكلا معينا للتصرف القانوني فانه يقصد بذلك تحقيق غرض عملي معين له أهمية خاصة في حالة استثنائية او مستحيلة التحقق بغير اتباع الشكل المرسوم(2). ولا يقر الدكتور أبو عافية التمييز السائد في الفقه بين شكل للانعقاد واخر للإثبات، ويرى ((أن القانون الحديث لا يعرف الشكل الجوهري أو المنشئ إطلاقاً لسبب واحد: هو أن نقطة البداية في النظرية الحديثة للتصرف القانوني هي مبدا سلطان الإرادة، وهذا المبدأ لا يتماشى مطلقاً مع فكرة الشكل الجوهري))، ويرى أن الشكل المطلوب للانعقاد ليس له وظيفة إنشائية تمس جوهر التصرف، فهذا النوع من الشكل هو الاخر، كالشكل للاثبات، ذو وظيفة إقرارية مظهرية بحتة(3). فالشكل في القانون الحديث للإثبات دائماً إيا كان جزاء تخلفه وايا كان الغرض العملي الذي يرمي إليه(4). ويقدم الدكتور أبو عافية ثلاث حجج لاثبات ان الشكل ليس بعنصر جوهري في التصرف القانوني الشكلي ومن ثم ليس له وظيفة إنشائية. وسنعرض لهذه الحجج مع بيان ما وجه لها من نقد:
1. يستند الدكتور (أبو عافية) إلى التشريع: فيراه تضمن من النصوص القانونية ما يمكن اعتباره خروجا على منطق البطلان المطلق عند تقرير جزاء تخلف الشكل، إذ يسمح المشرع بإجازة التصرف الباطل لتخلف الشكل وتصحيحه بطريق التنفيذ الاختياري كما هو الشان في المادتين (1311 ، 1340)(5). من التقنين المدني الفرنسي، والمادة (363)(6). من مشروع القانون المدني المصري، أو أن يسمح بإمكان تغطية عيب الشكل بالقيام به قبل تقرير البطلان كما هو بالنسبة إلى عقد شركة التضامن وشركة التوصية(7). أو أن يجعل البطلان المترتب على تخلف الشكل لا يسري في مواجهة الكافة. ويستنتج أبو عافية من هذا كله عدم جوهرية الشكل، وذلك لان العقد يمكن ان يرتب آثارا معينة حتى في غياب الشكل، ولو كان الأخير عنصراً جوهرياً لما كان هنالك من وجود للتصرف ولما ترتب أي اثر(8). ولكن هذه الحجة لا تصمد أمام ما وجه إليها من نقد، فالمادة (1311) مدني فرنسي تتعلق بالبطلان النسبي وليس بالبطلان المطلق، إذ أن العيب الذي يلحق تصرف ناقص الأهلية سواء كان ناشئاً عن نقص في الركن المعنوي أو الركن المادي لا يمنع وجود العقد(9).هذا إلى جانب أن الإجراءات التي تفرضها هذه المادة لا تعد شكلا بالمعنى الصحيح، فهذه الأشكال لاتمنع الإرادة من تحقيق الآثار المقصودة منها، والقانون لايرفض كل اثر لهذه الإرادة إذا تخلف أي من هذه أشكال(10).ولذلك يجب ان تستبعد هذه المادة من إطار البحث. أما بالنسبة الى المادة (1340) فلا يمكن الاستناد إليها لنفي جوهرية الشكل في الهبة، فالنص السابق يتعلق بحالة استثنائية لا يجوز النظر إليها بصورة منعزلة عن النصوص القانونية الأخرى التي يمكن من خلالها تحديد طبيعة الشكل في الهبة، فالمادة (1339) من هذا القانون تنص على ((إن الواهب لا يمكنه إجازة الهبة الباطلة شكلا بأي تصرف لاحق ويجب إعادته في الشكل القانوني))، وهذه المادة تشير بوضوح إلى جوهرية الشكل، إذ إن الهبة بين الأحياء تظل باطلة ولا تقبل التصحيح بالإجازة في غياب الشكل(11). ولا يغير من طبيعة الشكل هذه أن يجيز القانون للورثة تنفيذ هبة صادرة من مورثهم لم تستوف الشكل الرسمي، فتنفيذ الهبة من قبل الورثة لا يعد إجازة للبطلان المترتب على تخلف الشكل(12). إلى جانب أن تنفيذ الهبة من قبل الورثة لا يعد هبة صادرة من قبلهم بل أن المشرع منحهم فرصة احترام إرادة مورثهم بتنفيذ هذه الهبة وهم عالمون بعيبها بحيث يمكنهم الاحتجاج به لو أرادوا(13). كما يجب استبعاد الحجة المتعلقة بشركات التضامن والتوصية، فهذه الشركات تخضع لإجراءات شهر وليس لشكل بمعناه الدقيق، إذ أن تلك الإجراءات لا تعد صورة من صور الشكل(14).
2. يستمد د. "أبو عافية" حجته الثانية هذه من موقف القضاء القائم على التمييز بين الأشكال بحسب الغرض من الشكل، فتارة يحترم الشكل ويرتب البطلان على عدم استيفائه، وأخرى لا يحترم فيها هذا الشكل، والفيصل في ذلك هو الغرض المبتغى منه الأمر الذي يؤدي إلى نفي القول بان الشكل عنصر جوهري في التصرف. وهو يجد هذه التفرقة في قرارات القضاء، فحينما يتعلق الأمر بحماية الغير نجد القضاء يقرر صحة الوعد الرضائي بالعقد الشكلي على الرغم من غياب الشكل المقرر في العقد الرسمي والحلول الاتفاقي المنصوص عليه في المادة (1250/2)(15). مدني فرنسي. ولكن عندما يتعلق الأمر بحماية المتعاقد نفسه فان القضاء يقرر بطلان الوعد إذا لم يحترم الشكل المقرر في العقد الأصلي كما هو الشأن في الهبة. الا أن هذه الحجة مردودة كذلك فلقد سبق أن بينا أن موقف القضاء الفرنسي غير سليم ولا يتماشى مع النصوص القانونية، وكان موضع نقد غالبية الفقه ولا يؤدي إلى نفي جوهرية الشكل. إضافة إلى انه يجب استبعاد أحكام القضاء الخاصة بالحلول الاتفاقي المنصوص عليها في المادة (1250/2)، وذلك انه ليس تصرفا شكلياً(16).
3. يرى الدكتور أبو عافية أن الشكل لا يعد عنصرا جوهرياً في الأحوال التي يرتب المشرع جزاء البطلان على تخلف الشكل حيث يقول ((فجوهرية الشكل خدعة مستورة في حالة عدم استكمال الشكل المطلوب، لان انعدام الإرادة قانوناً في هذه الحالة يعطي للشكل في ظاهر الأمر أهمية أكبر من مجرد أداة إثبات. أما في حالة استكمال الشكل حينئذ يبتدى حل المشكلة في يسر وسهولة، ففي هذه الحالة تختفي تماما جوهرية الشكل ولا يترتب عليها أي اثر، إذ لا يبحث عن جوهر التصرف الا في الإرادة. فإذا كان هذا هو الشأن في حالة استكمال الشكل فان الأمر لا يختلف في حالة تخلفه، فالبطلان المطلق لا يتقرر لان الشكل عنصر جوهري في التصرف، كما يبدو في الظاهر، إنما البطلان جزاء تحكمي اختاره المشرع لضمان احترام الإجراء المطلوب))(17). ودعماً لهذه الحجة ينتقد أبو عافية منطق النظرية التقليدية بقوله ((ونحن لا نعرف في القانون الخاص الحديث كله مبدا أمعن في الخطأ من هذا المبدأ على قلة المنازعة فيه، إذ وفقا له يكون البطلان نتيجة منطقية لجوهرية الشكل، وبناء عليه لا حاجة للنص على البطلان صراحة، ولكن عندما يتساءل الفقه السائد عن الحالة التي يعتبر فيها الشكل جوهريا ينسى نقطة بدايته ويقرر ان الشكل يعتبر كذلك إذا كان جزاءه البطلان المنصوص عليه صراحة أو ضمناً على الأقل من الصيغة التي يستعملها المشرع. وهكذا تقع النظرية التقليدية في حلقة مفرغة: جوهرية الشكل يترتب عليها البطلان بغير حاجة إلى نص، والبطلان المنصوص عليه صراحة أو ضمنا هو الذي يمنح الشكل صفة الجوهرية، فكلا العنصريين إذن سبب للآخر ونتيجة له وفي ذلك استحالة منطقية))(18). إلا أن هذه الحجة لا تستقيم مع المبادئ القانونية الراسخة، فقد انطلق الدكتور (أبو عافية) من نقطة بداية غير صحيحة، حيث استند في رأيه إلى أن الإرادة هي العنصر الوحيد في التصرف القانوني، وهو بذلك يكون قد صعب الأمر على نفسه فالأمر يكون منطقيا عند الإقرار بالطبيعة المركبة للتصرف القانوني، أي إذا ما عد الشكل واحدا من عنصرين للتصرف القانوني. فالإرادة يجب ان يعبر عنها حتى يمكن أن تنتج آثارها في الواقع، والقانون في بعض الحالات يحدد للإرادة الثوب الذي تظهر فيه ويقيم قرينة غير قابلة لاثبات العكس مضمونها: أن التعبير لا يوجد مالم يفرغ في الشكل الذي يحدده المشرع، فإذا تخلف هذا الشكل كان معنى ذلك أن النية لم يعبر عنها، ولذلك يشترط لصحة التصرف القانوني أن يكون كلا العنصرين موجودا وصحيحا. ولكن صحة أحدهما لا تستتبعها بالضرورة صحة العنصر الآخر، فقد تتوافر الإرادة الا أن الشكل يتخلف مما يؤدي إلى بطلان التصرف، وهذه النتيجة لا تتجافى مع مبدا سلطان الإرادة. وقد يتوافر الشكل ولكن الإرادة تكون غير سليمة الأمر الذي يؤدي إلى بطلان التصرف(19). لذلك لا يمكن النظر إلى البطلان على انه جزاء تحكمي اختاره المشرع، فجوهرية الشكل مصحوبة بهذا الجزاء تصبح مبدا راسخا لا يرد عليه مأخذ، فالبطلان يعد الجزاء الطبيعي الذي ينطبق على الموقف وذلك لان الإرادة غير المعبر عنها منعدمة، وبطلان التصرف في حالة عدم استكمال الشكل هو بالأحرى نتيجة حتمية تفرضها طبيعة العنصر الناقص في التصرف(20).وإضافة إلى ذلك فالقول بان جزاء تخلف الشكل هو جزاء تحكمي يفرضه المشرع إنما لا ينفي الطبيعة الجوهرية للشكل وذلك لان أي شرط من شروط التصرف لا يكون كذلك ما لم ينص عليه المشرع، فشرط المشروعية يصل تدخل المشرع فيه إلى حد التحكم، ومع ذلك فهو لا ينفي جوهرية هذا الشرط. لذلك يكون لعناصر التصرف القانوني القيمة القانونية نفسها، ولا يجوز ان يفرق في الأثر بين تخلف شرط الشكل وبين تخلف أي شرط آخر من الوجهة المنطقية الفنية(21). وأخيراً يورد الدكتور "أبو عافية" نظامين لتأييد رايه، يتعلق الأول منها الشكل الاتفاقي، حيث يرى أن هذه المكنة لا يمكن تصورها إلا مع وجود مبدا سلطان الإرادة(22). وقد ناقشنا هذه المسالة تفصيلاً فيما تقدم وانتهينا إلى أن الشكل الإتفاقي لا يعد شكلا بمعناه الدقيق. أما النظام الثاني فيكمن في قدرة المشرع على تنويع جزاء تخلف الشكل برغبته(23). إلا أن هذه الحجة لا تستقيم في نظرنا مع الحقيقة، وذلك لان جزاء تخلف الشكل هو البطلان المطلق، فالجزاء واحد وليس هناك تنوع في الجزاء، أما الجزاءات الأخرى كعدم سريان التصرف فهي ليست جزاءات مقررة للشكل بمفهومه القانوني، وانما هي جزاءات مقررة لتخلف إجراءات معينة كإجراءات الإشهار. ونجد من جانبنا محاولة الأستاذ أبو عافية غير موفقة في تحديد دور الشكل في القانون الحديث، فقد استند إلى حجج تدل على عدم وضوح مفهوم الشكل لديه، فنحن نراه تارة يبني حججه على إجراءات هي في ذاتها خارجة عن مفهوم الشكل ولها تكييف قانوني مستقل عنه كإجراءات الشهر والشكل الاتفاقي، ونجده تارة أخرى يستند إلى الجزاء ليقرر أن هذا الجزاء هو الذي يحدد طبيعة الشكل لدى الفقه، في حين أن تكييف الشكل يبنى على كونه أحد عناصر التصرف القانوني، فإذا ما تخلف هذا الشكل كان جزاؤه الجزاء الذي يترتب على تخلف عناصر التصرف ويتمثل في البطلان. ويبدو أن سبب هذا المفهوم غير الصحيح للشكل هو نقطة البداية التي انطلق منها الأستاذ "أبو عافية" إذ كانت نقطة بدايته غير صحيحة والمقدمات غير الصحيحة تقود إلى نتائج غير صحيحة، فهو قد استند إلى مبدا سلطان الإرادة الذي يتمحور بدوره حول الإرادة ودورها الكبير في التصرف القانوني، ويتركز في كونها العنصر الجوهري في التصرف وهو ما جاء على نقيض ما يقضي به القانون الروماني. وقد اغفل الأستاذ، فيما نرى، انه حتى إذا ما كنا في إطار النظرية التقليدية فان الإرادة الكامنة لا يمكن التعويل عليها ولا يكون لها اثر في الواقع، الأمر الذي يستلزم وجود تعبير عنها، ومن ثم فالتعبير عنصر مهم في التصرف القانوني وذلك لان انعدام التعبير يعني انعدام الإرادة، فإذا ما حدد القانون شكلاً معين للتصرف تعين أن يعبر عن الإرادة في ذلك الشكل، ومن هذه الناحية يعد الشكل عنصراً جوهرياً في التصرف، ومن ثم يؤدي انعدام الشكل إلى انعدام الإرادة . كما أن الشكل بمعناه الدقيق لا يتعارض مع مبدا سلطان الإرادة وان كان قيداً على مبدأ الرضائية(24). فمن أهداف الشكل انه يوفر الحماية لارادة المتعاقد ويضمن سلامة هذه الإرادة بان تكون قد اتجهت واعية ومدركة لخطورة التصرف المراد. ومن كل ذلك نجد أن محاولة الأستاذ "أبو عافية" لا يمكن التعويل عليها لنفي جوهرية الشكل.
يذهب "دولابورت" في نفي جوهرية الشكل إلى القول بان الشكل يتمتع في القوانين القديمة بقيمة ذاتية مستقلة خلافا لما عليه الحال في القانون الحديث حيث يرتبط الشكل بغايات معينة يسعى إلى تحقيقها ولا يتمتع بأي قيمة ذاتية مستقلة عن تلك الغايات(25). ويستند في إثبات ذلك إلى الحجج الآتية:
1. إن الشكل لا يتضمن بذاته جزاءا خاصا به
فالجزاء يتقرر تبعا للمصالح والغايات التي تهدف القاعدة الرئيسة إلى حمايتها، والتي قرر الشكل من اجل وضعها موضع التنفيذ، فليس هناك أي مصالح خاصة بالشكل، ولذلك فليس صحيحا ان يقال بان البطلان المطلق هو جزاء تخلف الشكل وذلك لان في مثل هذا القول تجاهلا لمعطيات القانون الوضعي(26). فهناك دائماً خروج على منطق البطلان المطلق إذ من ناحية يكون الادعاء بعيب الشكل مقصورا على أشخاص معينين دون غيرهم وهذا هو الشان بالنسبة إلى الأشكال التي تهدف إلى تنوير الرضا كما هو الحال في بيع المحل التجاري. ومن ناحية أخرى يمكن إجازة التصرف الباطل شكلا كما هو الشان في الهبة. واخيراً فان مدة تقادم دعوى البطلان لعيب الشكل تختلف بحسب المصلحة المحمية، فعندما يكون البطلان مستندا إلى مصلحة عامة فانه يخضع للتقادم الثلاثيني، وعندما يكون مستندا إلى مصلحة خاصة فانه يخضع لتقادم اقصر(27). إلا أن هذه الحجة لا تقوم على أساس سليم إذ أن من الصحيح القول بان الشكل يهدف إلى تحقيق غايات أو مصالح معينة، وهذا شان القاعدة القانونية، وذلك لأنها إذا لم تهدف إلى تحقيق مصلحة معينة كانت هذه القاعدة عبثاً يتنزه عنه المشرع. ولكن يلزم القول هنا بأنه لا يمكن الفصل بين الشكل والمصالح التي يرمي إلى تحقيقها، فالوسيلة التي من خلالها تتحقق تلك المصالح هي الشكل ومن ثم يكون لهذا الشكل قيمة ذاتية بناء على كونه أداة يترتب على وجودها ضمان حماية المصالح التي يتبناها المشرع، في حين أن تخلف هذا الشكل يعني ان تصبح تلك المصالح معرضة للخطر. ومن هنا نجد أن ضمان توفر الشكل يدفع المشرع إلى اعتبار هذا الشكل عنصرا في التصرف القانوني الشكلي يترتب على غيابه بطلان التصرف، وهذا يعني ان الجزاء يتعلق بالشكل وليس بالمصالح التي يرمي إلى حمايتها. والى جانب ذلك فان ما يقدمه دولابورت من أسانيد لاثبات هذه الحجة تكون هي بذاتها كفيلة بهدمها وذلك لان بيع المحل التجاري لا يعد من التصرفات الشكلية، فهو عقد رضائي يتم بمجرد التراضي بين طرفيه، وهذا ما أكدته المادة الأولى من التشريع الفرنسي لسنة 1909، إما ما تطلبته هذه المادة من كتابة العقد فانه لا يقصد منه أن تكون الكتابة لازمة لانعقاد العقد وانما فقط من اجل المحافظة على ثبوت حق الامتياز للبائع لان هذا الحق لا يثبت الا إذا كان عقد البيع مكتوباً، ولم يغبر تشريع 29/12/1935 المعدل لسنة 1909 من طبيعة العقد الرضائية، فقد فرض هذا التشريع على بائع المحل التجاري أن يقدم بيانات تتضمن اسم بائع المتجر السابق، وتاريخ تملك المحل التجاري من قبل البائع، والثمن الذي اشترى به البائع، إلى جانب بيانات اخرى، ولكن الغرض من فرض تقديم هذه البيانات هو حماية المشتري ليكون على بينة من المسائل الضرورية التي تخص المحل التجاري الذي ينوي شراءه. ويترتب على إهمال البائع لهذه البيانات بطلان البيع الا انه بطلان نسبي مقرر لمصلحة المشتري الذي يستطيع التمسك به فقط ولمدة سنة واحدة فقط ومن ثم فانه ليس للبائع التمسك بهذا البطلان(28).أما بالنسبة لتنفيذ الهبة الباطلة لعيب في الشكل فانه لايعد إجازة للبطلان الناشئ عن تخلف الشكل(29).
2. أن عيب الشكل أو عدم مراعاته لا يؤدي إلى بطلان التصرف ما دامت الغاية من الشكل قد تحققت
ولإثبات ذلك يقول دولابورت بان هناك قضاءاً ثابتاُ يقرر أن بطلان بيع المحل التجاري بناء على طلب المشتري وبسبب تخلف البيانات الإلزامية المنصوص عليها في القانون الفرنسي الصادر في 29/12/1935 وإعمالاً للمادة (12) من هذا القانون إنما يكون مجرد أمر جوازي متروك للقاضي الذي يستطيع استبعاده إذا ثبت له أن المشتري كان في حقيقة الأمر يعلم بالعناصر التي يتضمنها البيان الناقص، ومن ثم فان رضاءه لم يكن مصيباً، فهذه البيانات الإلزامية تهدف إلى ضمان سلامة رضاء المشتري حول قيمة المحل التجاري، فإذا كان هذا الهدف قد تحقق وعلم المشتري من طريق آخر بعناصر المحل فان إرادة المشرع تكون قد تحققت ، لذلك فان النطق بالبطلان لعيب الشكل يكون غير سليم(30). وهذه الحجة لا تصمد في الحقيقة أمام النقد فقد مر بنا أن بيع المحل التجاري لا يعد من التصرفات الشكلية، والى جانب ذلك فان المشرع عندما يفرض شكلاً معيناً بهدف تحقيق مصلحة أو غاية معينة فلا شك انه قد افترض أن هذه الغاية لا يمكن تحقيقها الا من خلال استيفاء ذلك الشكل، هذا فضلاً عن أن من غير الممكن تجاوز الشكل الذي يفرضه المشرع حتى ولو تحققت الغاية منه بوسيلة أخرى(31).
3. إن الشكل يمكن أن يستبدل به شكل آخر
وتدليلا على ذلك يقول "دولابورت" بان المشرع يعطي أحيانا للأفراد الخيار بين اكثر من شكل كما هو الشان في الوصية. وان القضاء قد انشأ شكلية بديلة أو معادلة إذ اقر في بعض الحالات أن الأشكال القانونية يمكن ان تستبدل بها أشكال أخرى تقوم بذات الدور ويكون هذا بصفة خاصة في الهبة، فالقضاء قد أجاز صحة الهبات التي لم تستوف الشكل الرسمي المنصوص عليه في المادة (931) من القانون المدني الفرنسي(32). وهذه الحلول تؤكد العلاقة التبعية بين الشكل والمبادئ التي تستخدم لتحقيقها، فعندما تكون هناك أشكال عديدة مقدمة ليختار منها الأفراد فان هذا يشير إلى انه لا توجد لأي منها قيمة ذاتية، فالمشرع لا يعطي أي دلالة خاصة لهذا الشكل أو ذاك وإنما يرغب في احترام مبادئ معينة مشيرا إلى الإجراءات التي يمكن تحققها دون تفضيل بينها ((فالواقع يوجد تعادل بين مختلف الإجراءات التي تسمح بالوصول إلى نفس النتائج))(33).وهذه الحجة أيضا تلحق بالحجتين السابقتين، ، وحاولنا أن نبين عدم صحة موقف القضاء الفرنسي. ولذلك لا يكون موقف دولابورت قد استند إلى أسس صحيحة، فالمفهوم غير الصحيح للشكل، والاستثناءات التي بنى عليها رأيه إنما قادته إلى هذه النتائج غير الصحيحة، فالشكل عنصر جوهري في التصرف القانوني ولا سبيل إلى إنكار هذه الصفة مطلقا.
________________________
[1]- انظر د. محمود أبو عافية: التصرف القانوني المجرد، القاهرة، 1948، فقرة (18) ص76.
2- انظر د. محمود أبو عافية: المرجع السابق، فقرة (11)، ص – ص (54-55).
3- انظر د. محمود أبو عافية: المرجع السابق، فقرة (13) ص58
4- انظر د. محمود أبو عافية: المرجع السابق، فقرة (19) ص79
5- إذ تقرر المادة (1340) مدني- فرنسي ان إجازة ورثة الواهب للبطلان الناتج عن عيب الشكل أو أي عيب آخر أو تنفيذهم الاختياري للهبة يعد بمثابة تنازل من جانبهم على الاحتجاج به. كما تقرر المادة (1311) مدني – فرنسي أنه من غير المقبول التمسك بتعهدات القاصر سواء كانت هذه التعهدات باطلة من حيث الشكل أو الموضوع.
6- فقد كانت المادة (363) من مشروع القانون المدني المصري تنص على انه ((إذا قام الواهب أو ورثته مختارين تنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل انقلبت الهبة صحيحة)). وقد تم حذف هذه المادة بدعوى أن ورودها في هذه الصيغة يعد خطا ولا حاجة لإيرادها في صيغة صحيحة لان حكمها يمكن استخلاصه من القواعد العامة)). انظر مجموعة الأعمال التحضيرية، جـ 4، ص254.
7- فقد قضت المادة (52) من قانون التجارة المصري الملغي بان البطلان لعدم الشهر يزول إذا تمت إجراءات الشهر، بشرط ان تتم قبل الحكم بالبطلان.
8- انظر: د. محمود أبو عافية: المرجع السابق، فقرة (15)، ص64.
9- انظر د. وليم قلادة: المرجع السابق، فقرة (24)، ص84
(10) Chevallier (Jean); La Volonte source d’obligation dans le projet du cod civil egyption revise, AL–Quanoun Walikticade, an 12. P 232.
1[1]- انظر د. وليم قلادة: المرجع السابق، فقرة (24)، ص84
2[1]- انظر ص202-209 مما يأتي من هذه الدراسة
3[1]- انظر د. وليم قلادة: المرجع السابق، فقرة (24)، ص84 ، وانظر في تفصيل ذلك ص وما بعدها من هذه الدراسة.
4[1]- انظر ص96 وما بعدها مما يأتي من هذه الدراسة .
5[1]- فقد نصت المادة (1250/2) مدني – فرنسي على انه ((طالما أن المدين اقترض مبلغاً بقصد تسديد دينه او احلال المقرض في حقوق دائنه ولكي يكون هذا الحلول مقبولا فيجب أن يتم عقد القرض ومخالصته أمام كاتب العدل، كما أن عقد القرض يتم إعلانه كما يتم الأمر ذاته بالنسبة للمبلغ المقترض بغية التسديد والوفاء. وفي المخالصة يتم إعلان الوفاء والتسديد الذي يتم بالنقود من قبل الدائن الجديد وان هذا الحلول يتم دون أن يكون لإرادة الدائن دور في ذلك)).
6[1]- انظر Guerriero: Op. Cit, p45.
7[1]-ا نظر د. محمود ابو عافية: المرجع السابق، فقرة (18)، ص77.
8[1]- د. محمود ابو عافية: المرجع السابق، فقرة (19)، ص79.
9[1]- انظر ص54 وما بعدها مما ياتي من هذه الدراسة.
20- انظر د. وليم قلادة: المرجع السابق، فقرة (19)، ص66..
[1]2- انظر د. جميل الشرقاوي: المرجع السابق، فقرة (109)، ص312.
22- انظر د. محمود أبو عافية: المرجع السابق، فقرة (20)، ص81.
23- انظر د. محمود أبو عافية: المرجع السابق، فقرة، (20)، ص81.
24- انظر ص186 مما يأتي من هذه الدراسة.
25-Deloporte (Vincent) : Recherche sur la form des actes juridiques en droit international prive, Paris. 1974. No 41, p 85 نقلا عن د. ياسر الصيرفي: المرجع السابق، ص148.
26- انظر د. ياسر الصيرفي: المرجع السابق، ص149 محيلا إلى دولابورت، المرجع نفسه، رقم 17، ص25.
27- انظر د. ياسر الصيرفي: المرجع السابق، ص 149- ص150 محيلا إلى دولابورت، المرجع نفسه، رقم (46،47)، ص ص (93-94).
28- HEMARD (Jean) : Dalloz Encyclopedi juridique Reportoire De Dorit Commercial Jurisprudence General, 2emed, Dalloz, paris, 1973, No 289 p. 23.
29- وهو ما سيكون موضع تفصيل في الباب الثاني من هذه الدراسة، انظر المطلب الثاني من المبحث الثاني من الفصل الثاني.
30- انظر دولابورت: المرجع السابق، رقم (47،53)، ص (94،102) نقلاً عن د. ياسر الصيرفي: المرجع السابق، ص150.
[1]3- انظر ما سبق . ص19-25
32- دولابورت: المرجع السابق، فقرة(62،63)، ص ص119-120، نقلا عن د.ياسر الصيرفي: المرجع السابق،ص150
33- المرجع نفسه، فقرة (42)، ص 86، نقلاً عن د. ياسر الصيرفي: المرجع السابق، ص151.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|