أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-4-2016
3294
التاريخ: 10-4-2016
3173
التاريخ: 2024-01-23
1732
التاريخ: 30-3-2019
2737
|
انتهت المدّة التي عيّنها الفريقان للتحكيم وقد استردّ معاوية فيها قواه العسكرية التي فقدها أيام صفّين فأرسل إلى الإمام يطلب منه الوفاء في التحكيم وإنّما سارع إلى ذلك لعلمه بما مني به جيش الإمام من التفكّك والانحلال والتخاذل كما كان على يقين لا يخامره شكّ أنّ التحكيم سيكون من صالحه لأنّ المنتخب له من قبل العراقيّين الأشعري وهو من الدّ أعداء الإمام ومن الحاقدين عليه وأنّه لا ينتخب الإمام , وعلى أي حال فقد أشخص العراقيّون الخامل الغبي الأشعري (أخزاه الله) ومعه أربعمائة شخص من أصحابه كان من بينهم حبر الامّة عبد الله بن عباس يقيم فيهم الصلاة وكذلك الشخص الماكر ابن العاص ومعه أربعمائة شخص من أهل الشام والتقوا بدومة الجندل أو في أذرح وكان ابن العاص قد أفرد للأشعري مكانا خاصّا وجعل يقدّم له أطائب الطعام والشراب حتى استنبطه وأرشاه ولم يفتح معه الحديث ثلاثة أيام حتى صار العوبة بيده يوجّهه حيث ما شاء وأخذ يضفي عليه النعوت الحسنة والألقاب الكريمة وكان من بنود حديثه معه , قال : يا أبا موسى إنّك شيخ أصحاب محمّد (صلى الله عليه واله) وذو فضلها وذو سابقتها وقد ترى ما وقعت فيه هذه الامّة من الفتنة العمياء التي لا بقاء معها فهل لك أن تكون ميمون هذه الامّة فيحقن الله بك دماءها؟ فإنّه يقول في نفس واحدة : {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] فكيف بمن أحيا هذا الخلق كلّه؟ إيه يا ابن العاص! متى كان الأشعري الضالّ المضلّ شيخ صحابة رسول الله (صلى الله عليه واله) ؟ ومتى كان من ذوي الفضائل والسوابق في الإسلام؟ قاتل الله السياسة! فقد بنيت على المكر والخداع والتضليل وليس لها أيّة صلة بالحقّ والواقع.
وعلى أي حال فقد انخدع هذا القزم الحقير بهذا التكريم والتعظيم وطفق يسأل ابن العاص عن طرق الاصلاح التي يحقن بها الدماء فقال له : تخلع أنت عليّ بن أبي طالب وأخلع أنا معاوية بن أبي سفيان ونختار لهذه الامّة رجلا لم يحضر في شيء من الفتنة ولم يغمس يده فيها , وكان ابن العاص عالما بانحرافه عن الإمام ويعني بالشخص الذي لم يحضر الفتنة هو عبد الله بن عمر وكان الأشعري يميل إليه فقال له : من هو؟ قال : عبد الله بن عمر.
وسرّ الأشعري بذلك وانبرى يطلب منه العهود والمواثيق على الالتزام بما قاله قائلا : كيف لي بالوثيقة منك؟ قال : يا أبا موسى ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب خذ من العهود والمواثيق حتى ترضى ؛ ولم يترك ابن العاص يمينا إلاّ أقسم بهو ما قيمة الأيمان والمواثيق عند ابن العاص؟ وهو الذي نشأ نشأة جاهلية؟ وعلى أي حال فقد انخدع الأشعري بمقالة ابن العاص فأجابه بالرضا والقبول وعيّنا وقتا يذيعان فيه ما اتّفقا عليه.
وأقبلت الساعة الرهيبة التي تنتظرها الجماهير بفارغ الصبر واتّجه الماكر ابن العاص والغبي الأشعري نحو منصّة الخطابة ليعلنا للناس ما اتّفقا عليه فقال ابن العاص لأبي موسى : قم فاخطب الناس يا أبا موسى! قم أنت فاخطبهم , وراح الماكر يخدع الأشعري ويضفي عليه الألقاب الكريمة ويبالغ في تعظيمه قائلا : سبحان الله! أنا أتقدّم عليك وأنت شيخ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله) والله! لا فعلت ذلك أبدا .
وغرّت هذه الكلمات المعسولة التي ألقاها ابن العاص مشاعر الأشعري وعواطفه وراح يطلب منه الوفاء بما عاهده عليه فراح يقسم له بالله تعالى على الوفاء بما قال وما أرخص القسم الكاذب عند ابن العاص الذي لا يرجو لله وقارا! فأقسم له بكلّ يمين بتنفيذ ما قاله ولم يخف على حبر الامّة زيف يمين ابن العاص فالتفت إلى الأشعري يحذّره من مكيدة ابن العاص قائلا له : ويحك! والله! إنّي لأظنّه قد خدعك إن كنتما قد اتّفقتما على أمر فقدّمه قبلك فليتكلّم ثمّ تكلّم أنت بعده فإنّ عمرا رجل غدّار ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه فإذا قمت للناس خالفك , ولم يحفل الغبي بكلام ابن عباس وراح يشتدّ كأنّه الكلب نحو منصّة الخطابة فلمّا استوى عليها قال : أيّها الناس إنّا قد نظرنا في أمرنا فرأينا أقرب ما يحضرنا من الأمن والصلاح ولمّ الشعث وحقن الدماء وجمع الالفة , خلعنا عليّا ومعاوية! فقد خلعت عليّا كما خلعت عمامتي هذه وأهوى إلى عمامته فخلعها واستخلفنا رجلا صحب رسول الله (صلى الله عليه واله) بنفسه وصحب أبوه النبيّ فبرز في سابقته وهو عبد الله بن عمر .
افّ لك يا زمان! وتعسا لك يا دهر! هذا الصعلوك الغبي يتحكّم في رقاب المسلمين؟ ويعزل وصيّ رسول الله (صلى الله عليه واله) وباب مدينة علمه وأبا سبطيه والبائت على فراشه وحاميه من كيد الطغاة القرشيّين والمجاهد الأوّل في الإسلام الذي ليس مثله في نصرته وحمايته للنبيّ (صلى الله عليه واله) ؟ إنّ الذي خلع الإمام (عليه السلام) وجعل الأشعري يتحكّم في مصير المسلمين إنّما هم أعضاء السقيفة والشورى والحكم في ذلك لا يحتاج إلى الدليل فهو واضح وضوح الشمس , وعلى أي حال فقد عزل الأشعري الإمام أمير المؤمنين عملاق هذه الامّة ورائد العدالة الكبرى في الأرض الذي طوّق الدنيا بمواهبه وعبقرياته ورشّح لخلافة المسلمين عبد الله بن عمر الذي لا يحسن طلاق زوجته على حدّ تعبير أبيه ؛ حقّا إنّها من مهازل الزمن التي تمثّلت في ذلك العصر الذي أخمدت فيه أضواء الفكر وأفلت تعاليم القرآن ومهما يكن الأمر فقد انبرى الماكر الخبيث ابن العاص إلى منصّة الخطابة فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس إنّ أبا موسى عبد الله بن قيس خلع عليّا وأخرجه من هذا الأمر الذي يطلب وهو أعلم به ألا وأنّي خلعت عليّا معه وأثبتّ معاوية عليّ وعليكم وإنّ أبا موسى قد كتب في الصحيفة أنّ عثمان قتل مظلوما شهيدا وأنّ لوليّه أن يطلب بدمه حيث كان وقد صحب معاوية رسول الله (صلى الله عليه واله) وصحب أبوه النبيّ (صلى الله عليه واله) ؛ ثمّ أخذ يضفي على معاوية بن هند صفات المتّقين التي لم يتّصف إلاّ بضدّها والتفت إلى الجماهير فقال لهم : هو الخليفة علينا وله طاعتنا وبيعتنا على الطلب بدم عثمان , واشتدّ الأشعري وهو يلهث نحو ابن العاص بعد ما غدر به ونكث عهده قائلا له : ما لك؟ عليك لعنة الله ما أنت إلاّ كمثل الكلب {إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 176] فزجره ابن العاص قائلا : لكنّك مثل الحمار يحمل أسفارا .
لقد صدق كلّ منهما في وصف صاحبه فقد مالا عن الحقّ واقترفا كلّ ما حرّم الله تعالى من إثم وغدر, لقد جرّ هذا التحكيم الظالم للامّة الكثير من المصاعب والفتن وألقاها في شرّ عظيم .
فقد ماج الجيش العراقي الذي أجبر الإمام على التحكيم في الفتن وأيقن بالخيبة والخسران وانهزم الأشعري نحو مكّة يصحب معه العار والخزي له ولذرّيته ولمن رشّحه للتحكيم فقد غدر بالمسلمين غدرة منكرة وألقاهم في شرّ عظيم .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|