أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-5-2019
3593
التاريخ: 16-6-2019
2453
التاريخ: 2024-08-13
285
التاريخ: 17-3-2016
4017
|
لم يطل سلطان أبي بكر فقد ألمّت به الأمراض بعد مضي ما يزيد على سنتين من حكمه وقد صمّم على تقليد زميله عمر بن الخطاب شؤون الخلافة إلاّ أنّ ذلك لاقى معارضة الكثيرين من الصحابة فقد انبرى إليه طلحة قائلاً : ماذا تقول لربّك وقد ولّيت علينا فظّاً غليظاً تفرق منه النفوس وتنفضّ منه القلوب ؟ وسكت أبو بكر فاندفع طلحة يوالي إنكاره عليه قائلاً : يا خليفة رسول الله إنّا كنّا لا نحتمل شراسته وأنت حيّ تأخذ على يديه فكيف يكون حالنا معه وأنت ميّت وهو الخليفة ؟ وبادر أكثر المهاجرين والأنصار إلى أبي بكر يعلنون كراهيتهم لخلافة عمر فقد قالوا له : نراك استخلفت علينا عمر وقد عرفته وعلمت بوائقه فينا وأنت بين أظهرنا فكيف إذا وليت عنّا وأنت لاق الله عزّ وجلّ فسائلك فما أنت قائل؟
فأجابهم أبو بكر : لئن سألني الله لأقولنّ : استخلفت عليهم خيرهم في نفسي .
وكان الأجدر به فيما يقول المحققون أن يستجيب لعواطف الأكثرية الساحقة من المسلمين فلا يولي عليهم أحداً إلاّ بعد أخذ رضاهم واتفاق الكلمة عليه أو يستشير أهل الحلّ والعقد عملاً بقاعدة الشورى إلاّ أنه استجاب لعواطفه الخاصة المترعة بالحبّ لعمر وقد طلب من معقيب الدوسي ان يخبره عن رأي المسلمين في ذلك فقال له : ما يقول الناس في استخلافي عمر؟
ـ كرهه قوم ورضيه آخرون.
ـ الذين كرهوه أكثر أم الذين رضوه؟
ـ بل الذين كرهوه .
ومع علمه بأن أكثرية الشعب كانت ناقمة عليه في هذا الأمر فكيف فرضه عليهم ولم يمنحهم الحرية في انتخاب مَن شاؤوا لرئاسة الحكم؟! وعلى أيّ حال فقد لازم عمر أبا بكر في مرضه لا يفارقه ؛ خوفاً من التأثير عليه وكان يعزّز مقالته ورأيه في انتخابه له قائلاً : أيها الناس اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله (صلى الله عليه واله) , وطلب أبو بكر من عثمان بن عفان أن يكتب للناس عهده في عمر وكتب عثمان ما أملاه عليه وهذا نصّه : هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة آخر عهده في الدنيا نازحاً عنها وأوّل عهده بالآخرة داخلاً فيها إنّي استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن تروه عدل فيكم فذلك ظنّي به ورجائي فيه وإن بدّل وغيّر فالخير أردت ولا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون , ووقّع أبو بكر الكتاب فتناوله عمر وانطلق به يهرول إلى الجامع ليقرأه على الناس فانبرى إليه رجل وقد أنكر عليه ما هو فيه قائلاً : ما في الكتاب يا أبا حفص؟ فنفى عمر علمه بما فيه إلاّ أنّه أكّد التزامه بما جاء فيه قائلاً : لا أدري ولكنّي أوّل مَن سمع وأطاع ؛ فرمقه الرجل وقد علم واقعه قائلاً : ولكنّي والله أدري ما فيه أمّرته عام أوّل وأمّرك العام ؛ وانبرى عمر إلى الجامع فقرأه على الناس وبذلك تمّ له الأمر بسهولة من دون منازع إلاّ أنّ ذلك قد ترك أعمق الأسى في نفس الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فراح بعد سنين يدلي بما انطوت عليه نفسه من الشجون يقول (عليه السّلام) في خطبته الشقشقية : فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجاً أرى تراثي نهباً حتى مضى الأوّل لسبيله فأدلى بها إلى فلان ـ يعني عمر ـ بعده ؛ ثمّ تمثّل بقول الأعشى :
شتّان ما يومي على كُورِها ويومُ حيّانَ أخي جابرِ
فيا عجباً! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشدّ ما تشطرا ضرعيها , وكشفت هذه الكلمات عن مدى أحزانه وآلامه على ضياع حقّه الذي تناهبته الرجال فقد وضعوه في تيم مرّة وفي عدي تارةً اُخرى وتناسوا جهاده المشرق في نصرة الإسلام وما له من المكانة القريبة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) , وعلى أيّ حال فقد تناهبت الأمراض جسم أبي بكر ودفعته إلى النهاية المحتومة التي ينتهي إليها كل إنسان وقد راح يبدي ندمه وأساه على ما فرّط تجاه حبيبة رسول الله وبضعته قائلاً : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة ولو أنهم أغلقوه على الحرب ؛ كما أنه ودّ لو سأل رسول الله عن ميراث العمّة وبنت الأخ وثقل حاله فدخلت عليه بنته عائشة تعوده فلمّا رأته يعالج سكرات الموت أخذت تتمثّل بقول الشاعر :
لعمركَ ما يُغني الثراءُ عن الفتى إذا حشرجتْ يوماً وضاق بها الصدرُ
فغضب أبو بكر وقال لها : ولكن قولي : {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19] , ولم يلبث قليلاً حتّى وافاه الأجل المحتوم وانبرى صاحبه عمر إلى القيام بشؤون جنازته فغسّله وصلّى عليه وواراه في بيت النبي (صلّى الله عليه وآله) وألصق لحده بلحده. ويذهب النقّاد من الشيعة إلى أنّ هذا البيت إن كان من تركة النبي (صلّى الله عليه وآله) فإنه لم يؤثر عنه أنه وهبه لعائشة فلا بدّ أن يكون خاضعاً لقواعد الميراث حسبما تراه العترة الطاهرة في تركة النبي (صلّى الله عليه وآله) وعلى هذا الرأي فلا يحلّ دفنه فيه إلاّ بعد الإذن منها ولا موضوعية لإذن عائشة ؛ لأنها إنما ترث من البناء لا من الأرض حسب ما ذكره الفقهاء في ميراث الزوجة ؛ وإن كان البيت خاضعاً لعملية التأميم حسبما يرويه أبو بكر عن النبي (صلّى الله عليه وآله) من أنّ الأنبياء لا يورّثون أي شيء من متع الدنيا وإنما يورّثون الكتاب والحكمة وما تركوه فهو صدقة لعموم المسلمين فلا بدّ إذاً من إرضاء جماعة المسلمين في دفنه فيه ولم يتحقق كل ذلك بصورة مؤكدة ؛ وعلى أيّ حال فقد انتهت خلافة أبي بكر القصيرة الأمد وقد حفلت بأحداث رهيبة وكان من أخطرها ـ فيما يقول المحققون ـ معاملة العترة الطاهرة كأشخاص عاديِّين قد جرّد عنها إطار التقديس والتعظيم الذي أضفاه النبي (صلّى الله عليه وآله) عليها , وقد مُنيت بكثير من الضيم والجهد فقد كانت ترى أنها أحقّ بمقام النبي (صلّى الله عليه وآله) وأولى بمكانته من غيرها وقد أدّى نزاعها مع أبي بكر إلى شيوع الاختلاف وإذاعة الفتنة والفرقة بين المسلمين كما أدّى إلى إمعان الحكومات التي تلت حكومة الخلفاء إلى ظلمهم واستعمال البطش والقسوة معهم ولعلّ أقسى ما عانوه من الكوارث هي فاجعة كربلاء التي لم ترعَ فيها أيّ حقّ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في عترته وأبنائه.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|