أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-16
1376
التاريخ: 20-1-2016
1526
التاريخ: 6-11-2017
5181
التاريخ: 20-1-2016
7886
|
عند الحديث عن الكون والطبيعة في النظرة الاسلامية بينا كيف ان الله خلق البيئة وذللها سبحانه وتعالى وسخرها لخدمة الانسان الذي استخلفه فيها حيث يقول عز من قائل:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[الملك: 15] .
وقال تعالى ايضا:{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}[لقمان: 20] .
فالكون وما فيه بعد هذا التسخير يصبح امانة في يد الانسان، وهو من النعم الالهية الكبرى التي وضعها الله تعالى في خدمة هذا المخلوق، وهذا ما يفرض عليه واجبا ومسؤولية كبيرة وهي التعمير والصلاح وهو ما عبر عنه الاسلام في الجانب السلبي بالنهي عن الفساد لان الفساد بمعناه الشامل ضد التعمير والصلاح.
والمعنى الاخر لكلمة (فساد) في اللغة هو اخذ الشيء (ظلما) او الاساءة إلى الموارد (الطبيعية).
والفساد هو كل سلوك بشري يفسد نعم الله ويحيلها من مصدر منفعة وحياة إلى مصدر ضرر وخطورة على الحياة فالفساد اذن سلوك بشري على غير ما امر به الله سبحانه وتعالى، وعلى مقدار تمرد الانسان على حركة الحياة يحدث الفساد والافساد وقد نهى الاسلام عن الفساد والافساد لما فيهما من ضرر كبير(1).
وقد اعطانا القرآن الكريم التوصيف الحقيقي لظلم الانسان وفساده وافساده، وفسوقه عن امر ربه، وبين بوضوح الصور والمظاهر المتعددة له والتي من بينها – وبكل تأكيد- تبديد الموارد الطبيعية وتلويثها، ونذكر بعض الآيات القرآنية التي تنهى عن الفساد في الارض، قال تعالى:{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأعراف: 85] ،وقال تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم: 41] .
وقد يتوهم البعض ان المراد من الفساد المذكور في هذه الآية الكريمة هو الفساد المعنوي من المعاصي والمنكرات وعمل السيئات، وهذا توهم خاطئ لان هذا هو سبب الفساد المذكورة في قوله تعالى في الآية:{بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} ، وانما الفساد هنا هو النتيجة والثمرة السيئة لما كسبت ايدي الناس من المعاصي والمفاسد الاخلاقية.
ولهذا فسروا الفساد في البر والبحر – كما في (روح المعاني) للألوسي(2) – بالجدب والموتان وكثرة الحرق والغرق، واخفاق الصيادين، ومحق البركات من كل شيء وقلة المنافع في الجملة، وكثرة المضار.
او كما ذكر بعض المفسرين : بان الفساد في البر يكون بفقدان منافعه وحدوث مضاره، مثل حبس الاقوات من الزرع والثمار والكلأ، وفي موتان الحيوان المنتفع به، وفي انتقال الوحوش التي تصاد من جراء قحط الارض إلى ارضين اخرى.
وفساد البحر كذلك يظهر في تعطيل منافعه من قلة الحيتان واللؤلؤ والمرجان (فقد كان من اعظم موارد العرب)، وكثرة الزوابع الحائلة عن الاسفار في البحر، ونضوب مياه الانهار وانحباس فيضانها الذي يستقي به الناس...
وقال تعالى:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}[البقرة: 205] .
ويرى العلامة الفليسوف الطباطبائي بحسب ما يفهم من تفسير للآية المتقدة من سورة الروم ان الفساد هو : أي شيء يسيء إلى التطبيق السليم للأنظمة (الطبيعية) في الحياة الدنيا بصرف النظر عما اذا كانت الاساءة مبنية او غير مبنية على أساس خيار جماعة من الناس... والفساد يؤدي إلى اختلال في حياة البشر الهانئة.
اما الآيات التي تلي الآية التي تأتي على ذكر الفساد فأنها تشير إلى الارض والرياح والى (فضل الله) الذي يجزيه للذين:{آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[البقرة: 25]، وفكرة الفساد لا ترتبط بزمان او مكان ولذلك فهي شاملة ودائمة (3).
اما ما ورد في الآية (205) من سورة البقرة فان المراد من الحرث هو محل نماء الزروع والثمار، او هو موضع الزرع والانبات والثمار. والنسل هو نتاج الحيوانات، او هو امتداد الحياة بالإنسان (4).
ويقول السيد الطباطبائي في معرض تفسيره لهذه الآية:{وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ}[البقرة: 205].
ظاهره انه بيان لقوله تعالى : ليفسد فيها أي يفسد فيها باهلاك الحرث والنسل، ولما كان قوام النوع الانساني من حيث الحياة والبقاء بالتغذي والتوليد فهما الركنان القويمان اللذان لا غناء عنهما للنوع في حال :
اما التوليد فظاهر، واما التغذي فإنما يركن الانسان فيه إلى الحيوان والنبات، والحيوان يركن إلى النبات، فالنبات هو الاصل ويستحفظ بالحرث وهو تربية النبات، فلذلك علق الفساد على الحرث والنسل، فالمعنى انه يفسد في الارض بإفناء الانسان وابادة هذا النوع باهلاك الحرث والنسل)(5).
وكان السبب في نزول هذه الآية:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ}[البقرة: 205] .
هو انها نزلت في الاخنس بن شريق الثقفي حليف لبني زهرة، اقبل إلى النبي (صلى الله عليه واله) في المدينة وقال : جئت اريد الاسلام ويعلم الله اني لصادق فاعجب النبي (صلى الله عليه واله) ذلك منه فذلك قوله تعالى : ويشهد الله على ما في قلبه، ثم خرج من عند النبي (صلى الله عليه واله) فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فاحرق الزرع وعقر الحمر. فانزل الله:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ...}[البقرة: 205](6).
ولما كان الفساد في الارض بالكفر او المعصية، او تضيق سبل العيش على الناس او افساد مصالحهم، فقد جاء التحذير عن الافساد في الأرض على ألسنة الأنبياء في قومهم.
فذلك النبي موسى (عليه السلام) يحذر قومه:{وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}[البقرة: 60] .
وينبه النبي صالح (عليه السلام) قومه:{وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}[الشعراء: 151، 152] ،ويهدد شعيب قومه بقوله:{وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}[الأعراف: 86] .
واذا كان الفقه الاسلامي قد حذر ونهى عن الفساد في الارض فانه في مجال تطبيق هذا الحكم وفي المجال العملي قد وضع بإزائه عقوبة يستحقها كل من خالف هذا النظام او حاول التطاول عليه، لأنه جريمة، والجريمة لا بد من وجود عقاب عليها وعلى مرتكبها.
وهذا ما نص عليه ارباب كتاب التفسير في الحديث عن سبب نزول هذه الآية:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[سورة المائدة:33] .
ففي الكافي عن ابي صالح، عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال : قدم على رسول الله (صلى الله عليه واله) قوم من بني ضبّة مرضى فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه واله) : اقيموا عندي فاذا برأتم بعثتكم في سرية، فقالوا : اخرجنا من المدينة، فبعث بهم إلى ابل الصدقة يشربون من ابوالها، ويأكلون من البانها فلما برأوا واشتدوا قتلوا ثلاثة ممن كان من الابل فبلغ رسول الله (صلى الله عليه واله) فبعث اليهم عليا (عليه السلام) واذا هم في وادٍ قد تحيروا ليس يقدرون ان يخرجوا منه قريبا من ارض اليمن فأسرهم وجاء بهم إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) فنزلت هذه الآية:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ.....} ،فجوهر الديانات والشرائع والنواميس التي جاء بها الانبياء والمرسلون هو النهي عن الفساد في الارض.
ذكر القرطبي في تفسيره قولا لابن عباس عند تفسير قوله تعالى:{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}[الأعراف: 56] ، قال : كانت الارض قبل ان يبعث الله شعيبا رسولا يُعمل فيها بالمعاصي، وتستحل فيها المحارم، وتسفك فيها الدماء. قال، فذاك فسادها فلما بعث الله شعيبا، ودعاهم إلى الله صلحت الارض، وكل نبي بعث إلى قومه فهو صلاحهم(7).
وطلب النبي موسى (عليه السلام) الانتفاع من البيئة بالاستسقاء والاكل والشرب مع المحافظة عليها.
قال تعالى:{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}[سورةالبقرة:60] .
فالنهي عن الفساد من القواعد والانظمة التي اتفقت على تحريمها كل الشرائع من اجل توفير الحماية والامن للبيئة والمحافظة على فطرتها، ونقاءها، ووجودها، ونموها، وللانتفاع بها دون اضرار، او افساد، لمظاهرها وخصائصها وتنوعها.
والاسلام جعل الانسان هو المسؤول الاول عن الامن البيئي عند الحديث عن استخلافه في الارض وامره له بالاهتداء بأوامر الله ونواهيه.
وأشارت بعض الآيات القرآنية إلى عدم استحقاق الانسان هذه الميزة والخصيصة الربانية، وانه وفقا لعلم الملائكة فان جنس الانسان اعتمادا على هواه ونزعاته الشخصية من غير ديانة تهذب نفسه، وتضبط تصرفاته فانه يفسد في الارض، ويسفك دماء ما حوله من احياء، طمعا واثرة، او جهلا بأمانة الاستخلاف. قال تعالى:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}[محمد: 22، 23] .
ومما جاء ايضا في مجال تحميل المسؤولية للإنسان قوله تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[الروم: 41] .
_________________
1ـ البيئة من منظور اسلامي – مقال عن الانترنت (م.س).
2ـ ج21 – ص47 – طبعة دار احياء التراث العربي – لبنان – بيروت.
3ـ راجع : الطباطبائي – محمد حسين، الميزان في تفسير القران، ج16، 195، 196، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية – قم المقدسة.
4ـ راجع تفسر في ظلال القرآن – سيد قطب – تفسير هذه الآية من سورة البقرة.
5ـ الطباطبائي – الميزان في تفسير القران، ج2، ص96، م.س.
6ـ نفس المصدر، ج2، ص99.
7ـ القرطبي، محمد بن احمد الانصاري، الجامع لأحكام القران، ج7، ص248.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|