أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-05-2015
2287
التاريخ: 16-10-2014
5120
التاريخ: 16-10-2014
4069
التاريخ: 16-10-2014
3833
|
أهم ما يؤخذ على تفاسير الصوفية وأهل العرفان ، هو ابتناؤها على الذوق والسليقة والأذواق والسلائق ، بما أنها أحاسيس شخصية ، فإنها تختلف حسب المذاقات ومعطيات الأشخاص ، ولا تتفق مع معيار عام شامل ..
وإن شئت قلت : إنهم يرون مذاقاتهم في فهم النص إلهامات وإشراقات لمعت بها خواطرهم أو سوانح وردت عليهم حسب استعداداتهم في تلقي الفيوضات من الملأ الأعلى ..
والإلهام أو الإلماع ، إدراك شخصي بحت .
وإن شئت قلت : هي تجربة روحية وشخصية لا مستند لا عتبارها سوى عند صاحب التجربة فيما حسب ، ولا دليل على اعتبارها لمن لم يجربها بالذات !
ومن ثم ترى تفاسير أهل الذوق العرفاني قلما تتفق – ولو في تفسير آية واحدة – على نهج سوي وعلى تأويل متوازن لا تعريج فيه .. ولا مبرر له سوى ما نبهنا عليه أنها ليست من التفسير ولا من التأويل ، وإنما هي واردات قلبية وسوانح خطرت لهم بالمناسبة ومع سماع الآية تتلى عليهم ، من باب تداعي المعاني ، لا غير ..
ومن أغرب ما يشهد لهذا التنوع في التذوق ما نجده من القشيري في تفسير البسملة من كل سورة ، فسرها في كل سورة غير تفسيرها في سائر السور.. بناءً منه على أنها آية من كل سورة ، وكل آية هي تجلٍّ لنعت من نعوته تعالى ، ولا تكرار في التجلي ، فيجب أن تكون في كل سورة بمعنى غير معناها في سائر السور ..
إننا نجده يلجأ الى تفسير كل بسملة على نحو ملفت للنظر ، إذ هي تختلف وتتنوع ولا تكاد تتشابه ، ويزداد إعجابنا بالقشيري كلما وجدنا تفسير البسملة يتمشى مع السياق العام للسورة كلها ، فالله والرحمان والرحيم لها دلالات خاصة في سورة القارعة ، ولها دلالات أخرى في سورة النساء ، ولها دلالات خاصة في الأنفال وهكذا ...
ونستنتج من ذلك عدة نتائج :
أولاً : إنه يعتبر البسملة قرآناً وجزءاً من كل سورة بالذات ، وليست – كما يقول البعض – شيئاً يستفتح به التبرك ..
ثانياً : إنه مادام يعتبر البسملة قرآناً ، وما دام يجد لها مقاصد متجددة ، فكأنه لا يؤمن بفكرة التكرار في القرآن ، وفي ذلك يقول : " فلما أعاد الله – سبحانه وتعالى – هذه الآية – أعني بسم الله الرحمان الرحيم – في كل سورة ، ثبت أنها منها أردنا أن نذكر في كل سورة من إشارات هذه الآية كلمات غير مكررة وإشارات غير معادة " (1) .
ثالثاً : إن لدى القشيري قدرة غير عادية ونفساً طويلاً عند استبطان الظاهر ، لأننا نجده أمام أربع كلمات تتكرر بلفظها ومفهومها من بداية القرآن الى نهايته . وإذا هو يصول ويجول في كل مرة وكأنه في بداية الحملة وعلى كامل نشاطه في استبطان الظاهر واستنباط ما خبئ في مطاوي اللفظ واستخراج لئاليه ...
هو عند تفسير البسملة من سورة الحمد يقول :
الباء في {بِسْمِ اللَّهِ} حرف التضمين ، اي باللّه ظهرت الحادثات ، وبه وجدت المخلوقات ، فما من حادث مخلوق ، وحاصل منسوق ، من عين واثر وغبر ، وغير من حجر ومدر ، ونجم وشجر ، ورسـم وطلل ، وحكم وعلل ، الا بالحق وجوده ، والحق ملكه ومن الحق بدؤه ، والى الحق عوده ، فبه وجد من وحد ، وبه جحد من الحد ، وبه عرف من اعترف ، وبه تخلف من اقترف (2) .
لـم نـعـرف حرف التضمين ، ولم نعرف كيف فسر البسملة من هذه السورة بهذه المعاني ، ولكنه في سـائر الـسـور يـفـسرها بمعان أخر ، ولعله يدعي أن هكذا ألهم وأشرق عليه ، انظر الى تفسيره لبسملة سورة البقرة :
الاسم مشتق من السمو والسمة ، فسبيل من يذكر هذا الاسم ان يتسم بظاهره بأنواع المجاهدات ، ويـسـمـو بـهـمـته الى محال المشاهدات ، فمن عَدِم سمة المعاملات على ظاهره ، وفقد سمو الهمة للمواصلات بسرائره ، لم يجد لطائف الذكر عند قالته ، ولا كرائم القرب في صفا حالته (3) .
وفي بسملة سورة آل عمران :
اختلف اهل التحقيق ـ يعني بهم الصوفية واهل التأويل ـ في اسم (اللّه) هل هو مشتق من معنى ام لا؟ فكثير منهم قالوا : انه ليس بمشتق من معنى ، وهو له سبحانه على جهة الاختصاص ، يجري في وضـعـه مـجـرى أسـماء الاعلام في صفة غيره ، فإذا قرع بهذا اللفظ أسماع أهل المعرفة لم تذهب فهومهم ولا علومهم الى معنى غير وجوده سبحانه وحقه . وحق هذه القالة ان تكون مقرونة بشهود القلب ، فاذا قال بلسانه : (اللّه) أو سمع بآذانه شهد بقلبه (اللّه).
و كما لا تدل هذه الكلمة على معنى سوى (اللّه) لا يكون مشهود قائلها الا (اللّه) ، فيقول بلسانه (اللّه) ، ويـعـلم بفؤاده (اللّه) ، ويعرف بقلبه (اللّه) ، ويحب بروحه (اللّه ) ، ويشهد بـسـره (اللّه) ، ويتملق بظاهره بين يدي (اللّه) ، ويتحقق بسره (اللّه) ، ويخلو بأحواله (للّه) و(في اللّه) ، فلا يكون فيه نصيب لغير (اللّه ) واذا اشرف على ان يصير محواً في اللّه ، للّه ، بـاللّه ، تـداركـه الـحق سبحانه برحمته ، فيكاشفه بقوله : (الرحمان الرحيم) استبقاءً لـمـهـجـتـهـم أن تـتـلف ، وإرادة في قلوبهم ان تنقى ، فالتلطف سُنة منه سبحانه ، لئلا يفنى أولياؤه بالكلية (4) .
و في بسملة النساء :
اخـتـلفوا في (الاسم) عما ذا اشتق ، فمنهم من قال : انه مشتق من السمو ، وهو العلو ، ومنهم من قـال : انه مشتق من السمة ، وهي الكية وكلاهما في الاشارة ، فمن قال : انه مشتق من (السمو) فـهـو اسـم من ذكره سمت رتبته ، ومن عرفه سمت حالته ، ومن صحبه سمت همته ، فسمو الرتبة يـوجـب وفـور المثوبات والمبار ، وسمو الحالة يوجب ظهور الانوار في الاسرار ، وسمو الهمة يوجب التحرز عن رق الاغيار.
ومـن قـال : اصـله من (السمة) ، فهو أسم من قصده وسم بسمة العبادة ، ومن صحبه وُسم بسمة الارادة ، ومن احبه وسم بسمة الخواص ، ومن عرفه وسم بسمة الاختصاص . فسمة العبادة توجب هـيـبة النار ان ترمى صاحبها بشررها ، وسمة الإرادة توجب حشمة الجنان أن تطمع في استرقاق صاحبها ، مع شرف خطرها ، وسمة الخواص توجب سقوط العجب من استحقاق القربة للماء والطينة على الجملة ، وسمة الاختصاص توجب امتحاء الحكم عند استيلاء سلطان الحقيقة .
ويـقال : اسم مَن واصله سما عنده عن الأوهام قدره سبحانه ومن فاصله وسم بكى الفرقة قلبه ، وعلى هذه الجملة يدل اسمه (5) .
وفي بسملة المائدة :
سـماع اسم (اللّه) يوجب الهيبة ، والهيبة تتضمن الفناء والغيبة ، وسماع (الرحمان الرحيم) يـوجب الحضور والأوبة ، والحضور يتضمن البقاء والقربة فمن أسمعه (بسم اللّه) أدهشه في كشف جلاله ، ومن اسمعه (الرحمان الرحيم ) عيشه بلطف افضاله (6) .
وهـكـذا عـند كل بسملة يأتي بجمل وعبارات ذات تسجيع متكلف فيه حتى نهاية القرآن ..
يقول في بسملة سورة قريش :
(بـسم) ، الباء في (بسم) تشير الى براءة سر الموحدين عن حسبان الحدثان ، وعن كل شيء مما لـم يكن فكان ، وتشير الى الانقطاع الى اللّه في السراء والضراء والشدة والرخاء . والسين تشير الى سـكونهم في جميع أحوالهم تحت جريان ما يبدو من الغيب ، بشرط مراعاة الادب . والميم تشير الى منة اللّه عليهم بالتوفيق ، لما تحققوا به من معرفته ، وتخلقوا من طاعته (7) .
ولم هذا التغيير في الاتجاه ؟ ولعله الهم اليه الهاما نـعـم هـناك ما يبرر موقف الصوفية من هذه التأويلات ، بانها من تفسير الباطن للقرآن ورا تفسيره الـظـاهري ، مع العلم ان للقرآن ظهرا وبطنا ، ولا يعني التفسير الباطني نفي التفسير الظاهري ، بل هما معا ثابتان جميعا ، ومعه لا موضع للإنكار عليهم .
وله عند تفسير البسملة من سورة الحجر تعاليل تنبؤك عن مباني هذه الطائفة العقائدية ، وأنهم لا يرون الحكمة منشأ للفيض القدسي وأنه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، لا يسال عما يفعل وهم يسألون .. (8) وبذلك يبدو – بوضوح – الوجه في شطحات هذا القوم ، وأنها لا تستقر على منهج مستقيم ..
يقول : سقطت ألف الوصل من كتابة بسم الله ، وليس لإسقاطها علة ، وزيد في شكل الباء من بسم الله ، وليس لزيادتها علة ، ليعلم أن الإثبات والإسقاط بلا علة : فلا يقبل من قبل لاستحقاق علة ، ولا رد من رد لاستيجابه علة !
فإن قيل : العلة في إسقاط الألف من بسم الله كثرة الاستعمال في كتابتها ، أشكل بأن الباء في بسم الله زيد في كتابتها ، وكثرة الاستعمال موجودة .
فإن قيل : العلة في زيادة شكل الباء بركة أفضالها بسم الله ، أشكل بحذف ألف الوصل ، لأن الاتصال فيها موجود ...
فلم يبق إلا أن الإثبات والنفي ليس لهما علة ؛ يرفع من يشاء ويمنع من يشاء (9) .
ويتضح من ذلك أن استنباط الإشارة ليس – كما قلنا – مسألة عشوائية ، إنما هو خاضع لقواعد وأصول ، هم مهدوها من قبل .
وبذلك نراه لا ينثني عن منهجه – في افتراض القول بلا موجب – حتى في سورة براءة ، التي لم تفتتح بالبسملة ، وحسبها من غير سبب معقول لنا .. يقول : " الحق – سبحانه – جرد هذه السورة عن ذكر البسملة ، ليعلم أنه يخص من يشاء وما يشاء بما يشاء ، يفرد من يشاء بما يشاء ، لا لصنعه سبب ، ولا في أفعاله غرض ولا أرب .
ومن قال : إنه لم يذكرها ، لأن السورة مفتتحة بالبراءة من الكفار ، فهو – وإن كان وجهاً في الإشارة – إلا أنه ضعيف ، وفي التحقيق بعيد ، لأنه افتتح سوراً من القرآن بذكر الكفار ، مثل قوله : {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} في سورة البينة . ومثل قوله : {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} في سورة الهمزة ، وقوله : {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} في سورة المسد وقوله : {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} في سورة الكافرون .. فهذه كلها مفاتح السور ، والبسملة مثبتة في أوائلها ، وهي متضمنة ذكر الكفار .. (10)
وبعد أن ينتهي القشيري من بسط مذهبه في كل بسملة على هذا النحو الطريف الممتع يبدأ في تفسير السورة آية آية تفسيراً على نمط أهل الذوق والعرفان .. (11)
ويجدر بنا أن ننبه على أن تفاسير الصوفية ليست على نمط واحد من الاعتبار او السقوط ، بل بين رفـيـع ووضـيـع ، واسـلـم تفاسيرهم ، هو تفسير القشيري نسبياً ، حيث خلوه عن اكثر شطحات الصوفية المعروفة عنهم واسلم منه تفسير الميبدي الموسوم ب (كشف الاسرار وعدة الابرار) على ما سنذكره .
____________________
1- لطائف الإشارات ، ج1 ، ص56 .
2- المصدر نفسه ، ج1 ، ص56 .
3- المصدر نفسه ، ص 64 – 65 .
4- المصدر نفسه ، ص229-230 .
5- المصدر نفسه ، ج3 ، ص5-6 .
6- المصدر نفسه ، ص 91 .
7- المصدر نفسه ، ج4 ، ص239 .
8- بناءً على أن أفعاله تعالى لا تعلل ، كما ذهب إليه الأشعري ..
9- لطائف الإشارات ، ج3 ، ص 262 . وبحق إنه كلام مغلق لا محصل له ظاهراً !
10. المصدر نفسه ، ص5 .
11. راجع : المصدر نفسه (المقدمة) ، ج1 ، ص38-40 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|