أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-11-2015
7647
التاريخ: 29-09-2015
9101
التاريخ: 23-11-2014
10852
التاريخ: 24-09-2014
8517
|
نقرأ في القرآن الكريم : {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (طه/ 121).
وكذلك في قوله تعالى : {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} (طه/ 115).
لقد نسبت الآية الاولى العصيان والغي إلى آدم، والثانية نسبت إليه النسيان وعدم العزم مع أنّ هذا لا يتناسب مع عصمة الأنبياء وبعيد عنهم كلّ البعد.
الجواب :
هنالك أبحاث متنوّعة للمفسّرين منذ قديم الأيّام وإلى الآن حول الإجابة عن هذا السؤال، لقد ذهب بعض المفسرين- ودون الأخذ بنظر الاعتبار الأدلة العقلية والنقلية - إلى أنّ ما صدر من آدم عليه السلام يُعدُّ من الذنوب الكبيرة، إلّا أنّه يرتبط بالفترة التي سبقت نُبوّته. وبعضهم حمل هذه المعصية على كونها من الذنوب الصغيرة ولم يعرها أية اهمية.
وبالرغم من الآيات الواردة والمتعلقة بعصمة الأنبياء والمنزلة الرفيعة التي أولاها اللَّه سبحانه وتعالى لهم، وبالأخص لآدم عليه السلام، حيث جعله خليفتهُ وحجّته، إلّا أنّهم لم يذعنوا لمثل هذه الادلة ولم يسلِّموا لها، بل أخذ كل واحد منهم يبتكر حلًا ويذهب مذهباً للخروج من هذه المعضلة، ومن بين هذه التفاسير يمكن الركون إلى ثلاثة آراء باعتبارها الطريق الامثل لحل هذا الاشكال وهي :
أ) كان نهي آدم نهيّاً إختبارياً- مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ آدم كان قد خلق للعيش في الأرض لا الجنّة، وأنّ فترة وجوده في الجنّة كانت فترة اختبار لا تكليف، إذن فأوامر اللَّه ونواهيه هناك كانت لغرض إعداد آدم، بحيث يتلاءم وحوادث المستقبل فيما يتعلّق بالواجب والحرام.
وبناءً على هذا فقد خالف آدم أمراً إختبارياً فقط لا أمراً واجباً قطعيّاً.
في حديث للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام وفي معرض ردّه على «علي بن محمّد بن الجهم»، الذي يعدّ من متكلّمي ذلك العصر المعروفين، وكان يعتقد بعدم عصمة الأنبياء استناداً إلى بعض ظواهر الآيات القرآنية، قال عليه السلام له : «ويحك يا علي اتّق اللَّه ولا تنسب إلى أنبياء اللَّه الفواحش ولا تتأوّل كتاب اللَّه برأيك فإنّ اللَّه عزّوجلّ يقول : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} ثمّ أضاف قائلًا : أمّا قول اللَّه عزّوجلّ في آدم عليه السلام : «وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى»، فانّ اللَّه عزّوجلّ خلق آدم حجّته في أرضه وخليفته في بلاده، لم يخلقه للجنّة وكانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض، (والجنّة لم تكن دار تكليف بل دار اختبار) لتتمّ مقادير أمر اللَّه عزّوجلّ، فلمّا اهبط إلى الأرض وجعل حجّة اللَّه وخليفته عصم بقوله عزّوجلّ : { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران : 33] » «1».
ب) كان نهي آدم نهياً إرشادياً- يعتقد جمع من المفسرين أنّ أوامر الأنبياء ونواهيهم ومن جملتهم آدم عليه السلام والتي لم تطبّق، كانت ذات جانب إرشادي، مثل أمر الطبيب للمريض بتناول الدواء الفلاني، والاجتناب عن الطعام الفلاني غير المناسب، فمتى ما خالف المريض أمر الطبيب فسيضرّ نفسه، لعدم اكتراثه بإرشاد الطبيب وتعليماته.
فمن الممكن هنا عصيان أمر الطبيب ومخالفته، ولكن من المسلّم أنّ هذا سيكون على حساب صحّة المريض، ولا يعني الإستهانة بمقام الطبيب أبداً، وهكذا فقد قال اللَّه تعالى لآدم : لا تأكل من هذه «الشجرة» وإلّا فستطرد من الجنّة ونعيمها، وتلاقي المشقّة والعذاب : {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى* إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى* وَأَنَّكَ لَاتَظْمَؤُا فِيهَا وَلَا تَضْحَى}. (طه/ 117- 119)
وبناءً على هذا فقد خالف آدم نهياً إرشادياً، لا أمراً إلهيّاً واجباً، فواجه المصاعب، كما أنّ التعبير ب «العصيان» لا يخدش في عصمة آدم أبداً، لو أخذنا بنظر الاعتبار القرائن الموجودة في سائر الآيات.
ومن هنا يتّضح أيضاً تفسير جملة «فغوى» في ذيل نفس هذه الآية، وأنّ المراد منها هو حرمانه من نعيم الجنّة، لا «الغواية» التي تعني التصرّفات المنبثقة عن الإعتقادات الخاطئة، أو الامور التي تحول دون بلوغ الإنسان لمراده، وعلى أيّة حال فلو أنّ آدم لم يخالف هذا النهي الإرشادي لمكث في الجنّة فترة أطول.
ج) كان تركاً للأولى- هذا الجواب له مؤيّدون أكثر ليس هنا فقط، بل في كلّ الموارد التي ينسب فيها الذنب إلى الأنبياء فإنّها تفسّر بهذه الطريقة.
توضيح ذلك : الذنب والمعصية على نوعين : مطلق، ونسبي، والمراد بالقسم الأوّل هو كلّ تلك الذنوب التي تعدّ ذنباً حين صدورها من أي شخص ولا استثناء فيها أبداً، كأكل المال الحرام والظلم والزنا والكذب.
امّا الذنب النسبي فهو ذلك الذنب الذي يعدّ تصرّفاً غير مرغوب فيه قياساً بمقام وشخصية ومعرفة الأشخاص، وما أكثر ما يعد صدور هذا الشيء من الآخرين فضيلة فضلًا عن عدم اعتباره عيباً.
فمثلًا الصلاة المناسبة لشخص امّي لا تليق أبداً بعالم عارف له تاريخ علمي طويل، أو أنّ تبرّعاً متواضعاً من عامل بسيط يكلّفه اجرة يومه لمشروع خيري عام كبناء مدرسة أو مستشفى أو مسجد يعدّ في نفسه عملًا خيّراً بل إيثاراً كبيراً، في حين أنّه لو تبرّع أحد الأثرياء المعروفين بنفس هذا المبلغ، لتعرّض للذمّ والإتّهام بضعف الهمّة والبخل وهذا هو مصداق القول المعروف بين العلماء والفضلاء إنّ : «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين».
وبناءً على هذا فما يصدر من الأنبياء يسمّى عصياناً لعدم لياقته بمنزلتهم الرفيعة وإيمانهم ومعرفتهم، قد يكون عين «الطاعة» حين صدوره عن غيرهم، فأداء الصلاة بقليل من حضور القلب يعدّ للشخص العادي فضيلة بينما يعدّ ذنباً بالنسبة للنبي أو الإمام (ذنب نسبي لا مطلق).
كلّ التعابير حول معصية الأنبياء وذنوبهم سواء فيما يتعلّق بآدم أو بخاتم الأنبياء عليهما السلام، والتي تلاحظ في الآيات والروايات، يمكن أن تكون إشارة إلى نفس هذا المعنى.
كما ويعبّر أحياناً عن هذا المعنى ب «ترك الأولى»، والمراد به ذلك العمل الذي يكون تركه أولى من فعله، هذا العمل الذي يمكن أن يكون من «المكروهات» أو «المباحات» بل وحتّى «المستحبّات» أيضاً، فالطواف المستحبّ مثلًا، ومع كونه عملًا حسناً مقبولًا، لكن تركه والسعي وراء قضاء حاجة المؤمن أولى وأفضل «كما جاء في الروايات».
الآن لو أنّ أحداً لم يقدم على قضاء حاجة المؤمن، وذهب بدل ذلك للطواف حول بيت اللَّه تعالى، فقد ترك الأولى مع إتيانه بعمل مستحبّ بذاته، ولا يليق هذا الشيء بأولياء اللَّه وأنبيائه وأئمّة الهدى عليهم السلام، وتوهّم البعض بأنّ ترك الأولى يطلق على الموارد المكروهة فقط، إلّاأنّ هذا الوهم في غير محلّه بل هو خطأ محض. (فتأمّل).
على أيّة حال فمقولة الذنب النسبي وتحت عنوان ترك الأولى يمكن أن يكون جواباً حسناً لكلّ الأسئلة التي تثار حول الآيات والروايات التي نسب فيها الذنب إلى المعصومين.
الملفت للنظر أنّ التعبير ب «المعصية» فيما يتعلّق ب «ترك المستحبّات» قد ورد في الروايات الإسلامية أيضاً، من جملتها الحديث المعتبر عن الإمام الباقر عليه السلام في حديثه عن النوافل اليومية قال : «إنّما هذا كلّه تطوّع وليس بمفروض إنّ تارك الفريضة كافر وإنّ تارك هذا ليس بكافر ولكنّها معصية» «2».
كما أنّ معنى «العصيان» لغويّاً وكما ذكره الراغب في مفرداته، هو كلّ خروج عن دائرة الطاعة (سواء أكانت هذه الطاعة في الأوامر الوجوبية أو الإستحبابية) «3».
سؤال : يمكن أن يقال هنا : صحيح أنّ للعصيان والذنب مفهوماً واسعاً بحيث يشمل أحياناً ترك المستحبّ والأولى أيضاً، وأنّه يتفاوت بتفاوت الأشخاص، لكن ما هي الحكمة من تكرار اللَّه تعالى التعبير بالمعصية بحقّ أنبيائه المكرّمين في آيات القرآن المجيد؟
جواب هذا السؤال ذكر في حديث لطيف نقله المرحوم الطبرسي في كتاب الإحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام، وهو حديث طويل جاء في فقرة منه أنّ زنديقاً قال : إنّي أجد اللَّه قد شهر هفوات أنبيائه مثل {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (فما الحكمة من هذا؟).
فقال الإمام عليه السلام : «وأمّا هفوات الأنبياء عليهم السلام وما بيّنه اللَّه في كتابه و ... فانّ ذلك من أدلّ الدلائل على حكمة اللَّه عزّوجلّ الباهرة وقدرته القاهرة، لأنّه علم أنّ براهين الأنبياء تكبر في صدور اممهم، وأنّ منهم من يتّخذ بعضهم إلهاً، كالذي كان من النصارى في ابن مريم، فذكرها دلالة على تخلّفهم عن الكمال الذي تفرّد به عزّوجلّ» (ولئلّا يراود فكر الوهيتهم ذهن أحد أبداً) «4».
ثمرة البحث :
ما جاء عن آدم وكذلك سائر الأنبياء من أنّهم ارتكبوا الذنب والمعصية، له ثلاثة أجوبة رئيسية تفي بالمطلوب مجتمعة أو منفردة، ولا منافاة بينها في نفس الوقت، أي أنّ هذه التعابير يمكن أن تُشير إلى ترك الأوامر الإختبارية والإرشادية وكذلك ترك الأولى، هذا بالنسبة لآدم، امّا سائر الأنبياء فيمكن أن تنظر إلى القسمين الأخيرين، أي ترك الأوامر الإرشادية وترك الأولى (تأمّل جيّداً).
_______________________
(1) بحار الأنوار، ج 11، ص 72.
(2) تهذيب الأحكام (طبقاً لما نقله تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 404، ح 165).
(3) مفردات الراغب، مادّة (عصى).
(4) تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 303، ح 173.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|