أقرأ أيضاً
التاريخ: 5/11/2022
1344
التاريخ: 11-10-2014
2078
التاريخ: 11-10-2014
2069
التاريخ: 6-12-2015
4230
|
الفلسفة الاولى : بناء الذات فردياً
إنَّ مثل هذا التحول يحتاج قبل كل شيء إلى العناصر الإنسانية المستعدة والأمينة لكي يكون بوسع القائمين به تحمّل أعباء تلك الإصلاحات الواسعة في العالم، ويحتاج ذلك بالدرجة الاولى إلى رفع مستوى التفكير والوعي والاستعداد الروحي والفكري للمساهمة في تطبيق ذلك البرنامج العظيم، إنّ النظرات الضيقة والمحدودة، والأفكار المنحرفة، والحسد، والنزاعات الصبيانية وغير العقلائية، وبشكل عام كل نوع من النفاق والتشتت لا ينسجم مع مكانة «المنتظرين الواقعيين».
والملاحظة المهمّة هي أنّ المنتظر الحقيقي ليس بوسعه أن يتخذ دور المتفرّج أمام هذا البرنامج المهم اطلاقاً، ولابدّ أن ينخرط من الآن في صفوف الثوريين.
إنّ الإيمان بنتائج وعاقبة هذا التحول لا يسمحان له بأنّ يكون في خندق المعارضين اطلاقاً، كما أنّ الانضمام لخندق المؤيدين أيضاً لا يحتاج فقط إلى امتلاك «اعمال نظيفة»، وروحٍ أنظف، والتحلّي «بالشهامة» و «الوعي»، إذ إنّ ذلك وحده لا يكفي.
فلو كنت شخصاً فاسداً وغير مستقيم كيف بوسعي أن أعدّ الأيّام في انتظار نظامٍ ليس فيه للفاسدين وغير الصالحين أي دور أو أثر، بل سيكونون مطرودين وغير مرغوب فيهم.
ألا يكفي هذا الانتظار لتصفية الروح والفكر، وغسل الجسم والروح من الدرن والنجاسات؟
إنّ الجيش الذي يعيش الانتظار لخوض جهاد التحرير لابدّ وأن يكون في حالة الانذار القصوى، والاستعداد الكامل، ويعمل جاهداً للحصول على السلاح اللائق بساحة القتال هذه، ويبني المواضع اللازمة، ويرفع المستوى القتالي لمنتسبيه، ويقوي معنوية أفراده، ويعمل على ابقاء شعلة الحب والشوق لمثل هذه المنازلة حيّة في قلوب جنوده، والجيش الذي لا يتحلى بمثل هذا الاستعداد لا يمكن أن يعيش حالة الانتظار مطلقاً، وإن ادّعى ذلك فإنّما يكذب.
إنّ انتظار مصلحٍ عالمي بمعنى الاستعداد الفكري والأخلاقي، المادي والمعنوي الكامل، إنّما هو من أجل إصلاح العالم اجمع، تأملوا كم أنّ هذا التهيؤ والاستعداد يُعدّ بنّاءً.
إنّ إصلاح جميع أرجاء الأرض وإنهاء كل أنواع المظالم والاضطرابات ليس مزاحاً، ولا يمكن أن يكون عملًا بسيطاً، فالاستعداد والتهيؤ لمثل هذا الهدف العظيم يجب أن يكون متناسباً مع حجمه، أي : يجب أن يكون بسعته وعمقه!
ومن أجل تحقيق هذه الثورة، لابدّ من رجال عظماء جداً يمتازون بالتصميم العالي والاقتدار الرفيع ولا يقبلون الهزيمة، طاهرين وبعيدي النظر وبشكل استثنائي، وعلى استعداد كامل، ويمتلكون نظرة ثاقبة للأمور.
ويستلزم البناء الذاتي لمثل هذا الهدف استخدام اعمق البرامج الأخلاقية والفكرية والاجتماعية، هذا هو معنى الانتظار الواقعي، فهل يتسنى لاحدٍ الادّعاء بأنّ مثل هذا الانتظار ليس بنّاءً؟
الفلسفة الثانية : أعمال الرعاية الاجتماعية
المنتظرون الصادقون مكلفون في نفس الوقت بأن لا يركّزوا اهتمامهم بأنفسهم فحسب، بل بمراقبة أحوال بعضهم البعض، وأن يبادروا في إصلاح الآخرين وإصلاح أنفسهم، لأنّ البرنامج العظيم والثقيل الذي ينتظرونه ليس برنامجاً فردياً، بل إنّه برنامج ينبغي أن تساهم فيه جميع عناصر الثورة، ولابدّ أن يكون طابع العمل طابعاً جماعياً وجماهيرياً، ولابدّ أن تتناغم الجهود والمساعي، وينبغي أن يكون عمق الانسجام وسعته بعظمة ذلك البرنامج الثوري العالمي الذي يعيشون انتظاره.
وفي هكذا ميدان واسع للمنازلة الجماعية، ليس بوسع أي فردٍ أن يبقى غافلًا عن أحوال الآخرين، بل إنّه مكلّف بإصلاح أي نقطة ضعف في أي مكانٍ يراها، وأن يرمم أي موضعٍ متضرر، وأن يقوي كل جزء ضعيف، لأنّه بدون الاشتراك الفعّال والمنسجم لكل المناضلين فإنّ تطبيق مثل هذا البرنامج يعدُ امراً مستحيلًا.
وبناءً على هذا فإنّ المنتظرين الواقعيين واضافة لسعيهم في إصلاح أنفسهم، مكلفون أيضاً بإصلاح الآخرين.
هذا هو الأثر البنّاء الآخر لانتظار قيام مصلحٍ عالمي، وهذه هي فلسفة كل تلك الفضائل المعدّة للمنتظرين الحقيقيين.
الفلسفة الثالثة : المنتظرون الحقيقيون لا يذوبون في فساد المحيط
الأثر المهم الآخر الذي يمتاز به انتظار المهدي هو عدم الذوبان في مفاسد المحيط، وعدم الاستسلام أمام الانحرافات والفساد.
وتوضيح ذلك : إنّه عندما يشيع الفساد ويجر الأكثرية نحو التلوث، فإنّ الأفراد الطاهرين
يواجهون أحياناً مأزقاً نفسياً حاداً لا مخرج منه، مأزقاً مغلقاً نابعاً من اليأس من الإصلاحات.
إنّهم يعتقدون أحياناً بأنّ الأمر قد خرج من أيديهم ولا أمل بالإصلاح قط، والسعي من أجل المحافظة والابقاء على الطهارة يعد عبثاً، ومن الممكن أن يجرهم هذا اليأس والاحباط نحو الفساد والتأقلم مع المحيط تدريجياً، بحيث لا يتمكنون معه من المحافظة على أنفسهم بصورة أقلية صالحة أمام الأكثرية الطالحة، وينظرون إلى مسألة عدم التأقلم مع الجماعة كباعثٍ على الفضيحة!
والشيء الوحيد الذي يمكن أن يبعث فيهم «الأمل» ويدعوهم إلى المقاومة والمحافظة على النفس، ولا يدعهم يذوبون في المحيط الفاسد هو الأمل بالإصلاح النهائي، في هذه الصورة فقط سوف لن يرفعوا أيديهم عن بذل المساعي والجهود للمحافظة على طهارتهم وإصلاح الآخرين.
وإن كنّا نلاحظ في القوانين الإسلامية أنّ اليأس من غفران الذنوب يعدّ من الذنوب الكبيرة، ومن الممكن أن يتعجب الجاهلون أنّه لماذا يعد اليأس من رحمة اللَّه على هذا القدر من الأهميّة، بل حتى أنّه أهم من كثير من الذنوب، إنّ فلسفة هذه المسألة تكمن في حقيقة مفادها هو أنّ المذنب الآيس من الرحمة لا يرى أي مبررٍ للتفكير بالتكفير عن ذنبه، أو على الأقل الاعراض عن الاستمرار بارتكاب الذنب، ومنطقه يرتكز على أنّ الماء قد تجاوز هامتي سواء بمتر أو مائة متر! أنا المفضوح في الدنيا فلن ابالي بهموم الدنيا! ولا لون بعد السواد أشد منه، سأدخل جهنم لا محالة، أنا الذي اشتريت ذلك لنفسي، فممّ الخوف إذن؟! وأمثال هذا المنطق ...
أمّا عندما تفتح أمامه نافذة أمل، الأمل بعفو اللَّه، الأمل بتغيير الوضع الموجود، ستتولد نقطة عطفٍ في حياته تدعوه إلى التوقف عن مسيرة الذنوب والعودة نحو الطهارة والإصلاح.
ولهذا السبب يمكن اعتبار الأمل على أنّه عامل تربوي مؤثر في أوضاع الفاسدين دائماً، وكذلك الصالحون المبتلون بالأوساط الفاسدة، لا يسعهم المحافظة على أنفسهم بدون الأمل.
والنتيجة إنّ انتظار ظهور مصلحٍ يزداد الأمل بظهوره كلما إزدادت الدنيا فساداً، له أثر نفسي متزايد لدى المعتقدين، ويصونهم أمام أمواج الفساد المتلاطمة؛ إنّهم لا يعرفون اليأس بمجرّد انتشار رقعة فساد المحيط، بل بمقتضى «اقتراب موعد الوصل* يزداد لهيب الشوق والوله» فإنّهم يرون موعد الوصل والوصول إلى الهدف الذي هو نصب أعينهم، وتزداد حدّة المنازلة مع الفساد أو المحافظة على النفس بكل شوق واستماتة.
من مجموع الأبحاث الماضية نستخلص النتيجة التالية : إنّ الأثر التخديري للانتظار يقع في حالة واحدة بأن يصبح مفهومه المسخ أو التحريف- كما حرّفه إلى هذا المفهوم جمعٌ من المعارضين، ومسخه جمعٌ من المؤيدين- أمّا لو تُرجم إلى مفهومه الواقعي في المجتمع والفرد فيتحوّل إلى عاملٍ مهم للتربية وبناء الذات والتحرك والأمل.
ومن جملة الأسانيد الواضحة التي تؤيد هذا الموضوع ما جاء في آخر هذه الآية {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الارْضِ ....} (النور/ 55).
ونقل عن أئمّة الإسلام الكرام المقصود بهذه الآية «هو القائِمُ وأصحابُهُ» (1).
ونقرأ في حديث آخر : (نَزَلت في المهدي).
وفي هذه الآية اشير إلى المهدي عليه السلام وأصحابه بأنّهم «الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»، وبناءً على ذلك فإنّ تحقق هذه الثورة العالمية بدون الإيمان الراسخ الذي لا يداخله أي نوع من الضعف والتخاذل، وبدون الأعمال الصالحة التي تفتح الطريق أمام إصلاح العالم يعدّ أمراً غير ممكن البتة، وعلى الذين ينتظرون مثل هذا البرنامج أن يرفعوا مستوى وعيهم وإيمانهم، وأن يجتهدوا في إصلاح اعمالهم.
ويمكن لهؤلاء الأفراد أن يمنحوا أنفسهم أمل الاشتراك في حكومته فقط، وليس الذين يتعاونون مع الظلم والاضطهاد، وليس البعيدون عن الإيمان والعمل الصالح، ولا الأفراد الجبناء والأذلاء الذين يخشون كل شيء وحتى يخافون من ظلهم بسبب ضعف إيمانهم.
ولا الأفراد المتقاعسون والكسالى والعاطلون الذين يقفون مكتوفي الأيدي أمام مفاسد محيطهم ومجتمعهم مفضلين السكوت دون أن يكون لهم أدنى سعيٍ أو جهدٍ على طريق مواجهة معالم الفساد.
هذا هو الأثر البنّاء لقيام المهدي عليه السلام في المجتمع الإسلامي.
اللّهم! نوّر أبصارنا بجمال طلعته البهيّة، واجعلنا من أنصاره المخلصين وجنوده المضحّين!
____________________
(1) بحار الأنوار، ج 13، ص 14.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|