أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-10-2014
2218
التاريخ: 2023-03-30
1233
التاريخ: 2024-09-05
348
التاريخ: 2024-05-28
766
|
- نقرأ في قوله تعالى : {الَّذِينَ انْ مَّكَّنَّاهُم فِى الأَرضِ اقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ} (الحجّ/ 41).
انَّ تعبير (مَكَّنَّاهُم فِى الأَرضِ) يُشير إلى القدرة المعطاة للمؤمنين في الأرض ، لكن هذا التعبير نفسه قد استُخْدِمَ مراراً في القرآن الكريم معبّراً عن قدرة الحكم ، كما نطالع في آيتين من سورة يوسف : {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأَرضِ} (يوسف/ 56).
وفيما يخصّ ذا القرنين تقول الآية : {انَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأَرضِ وَآتَينَاهُ مِن كُلِّ شَىءٍ سَبَباً} (الكهف/ 84).
وطبقاً لما تعنيه الآية الشريفة الاولى فإنّ المعنى يكون هكذا : إنَّ أولياء اللَّه إن اعطُوا زمام الامور والحكم فإنّهم سيقيمون الصلوة ، وهي من جهة ، مظهر في مظاهر التقرّب والوصول إلى اللَّه تعالى ، ومن جهة اخرى ، فإنّهم سيعبّدون الطريق المؤدي إلى العدالة الاجتماعية ، وأبرز مظاهر هذا الطريق أداء الزكاة ، بالإضافة إلى ذلك فإنّهم سيعملون على اشاعة الفضائل الإنسانية والقضاء على المنكرات بواسطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع بأبعادهِ المختلفة.
على هذا ، فلو افترضنا أنّ كلمة (مكنّا) تعني أيَّ نوع من القدرة سيتمّ معنى الآية ضمن التعبير الذي قلناه سابقاً ، ذلك أنّ الحكومة هي أبرز انموذجٍ للقدرة.
وقد ذكر العلّامة الطباطبائي في ذيل هذه الآية
فهل يمكن الوصول إلى هذه القدرة من دون استلام الحكم (1)؟
وقد ورد هذا المعنى في تفسير القرطبي بشكل أوضح حيث يفسّر جملة {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ} بالامراء وأصحاب الحكومة (2).
وطبيعي أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المذكور في هذه الآية وكما ورد ذلك في مختلف البحوث الفقهية ، يلزم لتنفيذه مراحل عِدّة ، واحدى هذه المراحل يختصّ بالحكومة وتشكيلها.
2- ورد في القرآن الكريم ما يتعلّق بحكومة الصالحين حيث تقول الآية : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِى الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِنَنَّ لَهُم دِيِنَهُمُ الَّذِى ارتَضَى لَهُم وَلَيُبدِّ لَنَّهُم مِّن بَعدِ خَوفِهِم أمناً يَعبُدُونَنِى لَا يُشرِكُونَ بِى شَيئاً} (النور/ 55).
وفي هذه الآية وبعد أن وعد اللَّه المؤمنين الصالحين باستخلافهم وتسليمهم مقاليد الحكم ، عقَّب قوله ببعض العبارات وهي في الواقع أهداف هذه الحكومة ، أوّلها : التمكين والقدرة للدين الإلهي وتحكّمه على المجتمع ، والاخرى : إزالة حالة اللا أمن وتبديله إلى الأمن والاستقرار الاجتماعي الكامل والعبادات الخالية من كل أنواع الشّرك ، وعلى هذا فإنَّ أهداف الحكومة طبقاً لذلك هي كما يلي :
1- سيادة الدّين والقوانين الإلهيّة على كلّ المجتمع.
2- نشر الأمن والاستقرار الكاملين في كلّ مكان.
3- إخلاص العبادة للَّه وحده وإزالة كلّ آثار الشرك والوثنية.
والواقع أنّ الهدف الأصلي لكلّ ذلك هو كمال الإنسان والسيّر نحو اللَّه سبحانه ، وأنّ الأمن والاستقرار وتحكيم القوانين الإلهيّة إنّما هي مقدمة للوصول إلى ذلك.
3- ونقرأ خطاب اللَّه لنبيّه داود عليه السلام : {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلنَاكَ خَلِيفةً فِى الأَرْضِ فَاحْكُم بَينَ النَّاسِ بِالحَقِّ} (ص/ 26).
وتبيّن هذه الآية بوضوح النتيجة المرجوّة للخلافة والحكومة في الارض وهي احقاق الحقوق ، أو ما يُعَرفُ بالحدّ من الاعتداء والتعدّي على حقوق الآخرين وأخذ حق الضعفاء والمحرومين من الأقوياء والمترفين.
وبديهيٌّ أنّ هدف حكومة النبي داود عليه السلام وأنبياء بني اسرائيل الآخرين لم يكن هذا فحسب ، بل إنّه أحد الأهداف لايّة حكومة في ايّ مكان وزمان.
و صحيحٌ أنّ عبارة (الحكم) الواردة في القرآن الكريم تعني أغلبها (القضاء) ولكن وبعد ملاحظة أنّ الشطر الأول من الآية يتحدّث عن الخلافة في الأرض ، يتّضح أنّ أيّ نوع من الحكم بالعدل مشمول في مضمون الآية ككل ، مضافاً إلى ذلك فانَّ القضاء هو شأن آخر من شؤون الحكومة ، وقد ورد ما يشبه هذا المعنى في سورة النساء حيث يقول تعالى : {انَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُم ان تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمَتُم بَينَ النَّاسِ انْ تَحكُمُوا بِالعَدلِ} (النساء/ 58).
ولقد ورد في روايات كثيرة في تفسير هذه الآية صراحة أنّ المقصود من هذه الامانة هو مقام الولاية والتي يُؤدّيها كلُّ إمام إلى الإمام الذي يليه ، وإن كان المعنى العام لها يشمل باقي أنواع الأمانات كذلك ، (3) وبالأخص ما ورد في بعض الروايات من أنّ المخاطب في الآية هم الحكّام والامراء ، (4) ويدلّ ذلك على أنّ المراد بالحكومة العادلة في الآية المذكورة ليس القضاء فحسب ، بل يشمل كلّ نوع من أنواع الحكم العادل.
4- إنّ جميع الآيات والرّوايات التي تذكر هدف بعثة الأنبياء على أنّه تعليم وتربية وتزكية النفوس واقامة القسط بين الناس ورفع الأغلال وتحطيم القيود ، فإنّها في الواقع تبيّن أهداف تشكيل الحكومات الإلهيّة ، لأنَّ هذه الحكومات هي مقدمة ووسيلة لضمان أهداف بعثة الأنبياء ، وعلى هذا يمكن تلخيص أهداف الحكومات الإلهيّة بالنقاط التالية :
1- تعليم وتربية أفراد المجتمع في المجالات العلمية والأخلاقية.
2- ضمان الحرّيات الإنسانية ، ورفض كل أنواع العبودية واستعمار الإنسان لأخيه الإنسان سواءً في المجالات الفكرية أو السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية.
3- إقامة العدل والحقّ وضمان العدالة الاجتماعية في كلّ الطبقات الاجتماعية.
4- استتباب الأمن الاجتماعي بوصفه مقدمة للوصول إلى الأهداف الأخرى.
5- تركيز المباديء الخاصة بالعبودية للَّه والسّير إليه تعالى والكمال الإنساني والوصول إلى منزلة القُرب من اللَّه والتي هي غاية الغايات ومنتهى الرّغبات.
ونختم هذا البحث بكلامٍ لأمير المؤمنين علي عليه السلام والذي ورد في أوّل عهده إلى مالك الأشتر ، حيث يرسم له بوضوح أهداف الحكومة الإسلامية اذ يقول : (هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبدُ اللَّهِ عَلِىٌّ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ، مَالِكَ بنَ الحَارِثِ الاشْتَرَ فِي عَهدِهِ إِلَيهِ حِينَ وَلَاه مِصْرَ ، جِبَايَةَ خَرَاجِهَا ، وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا وَ استِصلَاحَ اهلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلَادِهَا) (5).
وهكذا فإنّ عمارة البلاد واستصلاح أهلها وجهاد عدّوها وتعزيز بيت المال كلّ ذلك يعني دعامة لإنجاز تلك الامور ، وهي أهداف هذه الحكومة ، ولكن كما أشرنا سابقاً فإنّ هذه الأهداف هي بمثابة اسس المرحلة الاولى ، أمّا الأهداف النهائية والاصلية فهي التعليم والتربية وتهذيب النفوس والسير إلى اللَّه سبحانه.
______________________________
(1) تفسير الميزان ، ج 14 ، ص 386.
(2) تفسير القرطبي ، ج 7 ، ص 4465.
(3) تفسير نور الثقلين ، ج 1 ، ص 495 و 496؛ تفسير العيّاشي ، ج 1 ، ص 249؛ بحار الأنوار ، ج 23 ، ص 274 فما فوق.
(4) تفسير البرهان ، ج 1 ، ص 380 (أنّه خاطب بها الحكام).
(5) نهج البلاغة ، الرسالة 53.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|