أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-09-2015
5732
التاريخ: 8-7-2016
5857
التاريخ: 27-09-2015
13998
التاريخ: 27-11-2015
5632
|
إحدى مسؤوليات الحكومة الإسلاميّة المهمّة فيما يرتبط بمسألة التّربية والتّعليم هو تأسيس المكتبات العامة ، وذلك لأنّ أكثر النّاس غير قادرين على شراء كتب مختلفة وعديدة ، في حين أنّهم يطلبون العلم ويريدون المعرفة ، وحتى لو كانوا قادرين على ذلك ، فإنّه لا يلزم أن تُجَمّد أموال طائلة في المنازل ، فالأفضل أن يتمّ تأسيس مكتبات عامة ليتم استغلال الثروات في أمور أخرى ، ولكي يتمكن الفقير والغني ومتوسط الحال والصغير والكبير من اقتناء الكتب المختلفة ومطالعتها ، سواءً الكتب الدينيّة أو العلميّة أو الأدبيّة أو التّاريخية والسياسية.
وفلسفة تشكيل المكتبات معروفة من قدم الدهر ، ولهذا نجد أن مكتبات عديدة قد اسست منذ آلاف السّنين في نقاط مختلفة من هذا العالم وإن كان بعضها بسيطاً وابتدائياً.
وفي المجتمع الإسلامي ، وللتأكيد الكبير الذي ورد في التعاليم الإسلامية على مسألة العلم والمعرفة نجد أنّ المكتبات العظيمة كانت قد اسست منذ القرن الثّاني للهجرة في البلاد الإسلاميّة ، حتّى أظهر المؤرخون غير المسلمين إعجابهم وتقديرهم لمثل تلك المكتبات.
ولجرجي زيدان ، المؤرخ المسيحي الشّهير ، بحث مفصل حول مكتبات بغداد والأندلس ومصر وسائر نقاط العالم الإسلامي ، الأمر الذي يُبيِّن انفتاح المسلمين العلمي العظيم في القرون الأولى للإسلام.
ومن جملة المكتبات العظيمة المهمّة التي يذكرها هي مكتبة بيت الحكمة في بغداد ، والتي يُحتمل وبشكل قوي أنّ هارون الرّشيد هو الّذي أسسها ، والتي جُمِعَ فيها كل الكتب المؤلفة في الطّبّ والعلوم الاخرى ، وكذا العلوم الإسلاميّة المدوّنة (1).
وقد قام كثير من رجال بغداد بتأسيس مكتبات أخرى تبعاً لمكتبة بيت الحكمة ، جمعوا فيها آلاف الكتب المختلفة.
ولقد كان المأمون العبّاسي ، من السّباقين في تأسيس المكتبات في الدّول الإسلاميّة ، وكان بعض حكام الأندلس قد اقتدوا به في هذا المجال.
ومن جملة من اهتم بهذا الأمر «المستنصر العبّاسي» في القرن الرّابع للهجرة ، حيث أسس مكتبة عظيمة في «قُرطبة» جمع فيها الكتب من أنحاء العالم ، وكان قد كلَّفَ جماعة من التّجار بالترحال والسّفر إلى نقاط الدنيا وشراء الكتب العلمية لتلك المكتبة ، حتى أنّ البعض قال إنّ عدد الكتب الموجودة في تلك المكتبة بلغ «أربعمائة ألف كتاب» (2).
وهذا العدد كبير جدّاً بعد الأخذ بنظر الاعتبار أنّ كل الكتب حينذاك كانت مخطوطة ، وكانت كتابة الكتاب الواحد تستغرق أسابيع أو أشهر أو سنين.
وقد اقتدى به كثير من ملوك «الأندلس» فأسسوا مكتبات عديدة في سائر البلاد ، حتى قيل إنّ «غرناطة» كانت تضم سبعين مكتبة عامة ضخمة ، وكل ذلك إنّما هو لأجل الرغبة الشديدة واللهفة لطلب العلم والمعرفة عند النّاس ، حتى صار جمع الكتب وتأسيس المكتبات من علامات العظمة والشخصية ، فحتى الرؤوساء والملوك الذين لم يكونوا من أهل المطالعة ، كانوا يحاولون تأسيس مكتبة معتبرة خاصة في منازلهم!!
وفي زمن «الفاطميين في مصر» تأسست مكتبات كبيرة أيضاً ، كانوا يسمون بعضها «خزانة الكتب» ويصرفون أموالًا طائلة في جمع الكتب حتى أنّهم كانوا أحياناً يجمعون عدّة نسخ من الكتاب وبخطوط مختلفة وزخرفة متنوعة ، حتى ذكر التاريخ أنّ المكتبة التي أسسها «يعقوب بن كلس» كانت تضم 3400 نسخة مختلفة من «القرآن المجيد» و 1200
نسخة من «تاريخ الطبري» وقيل أن عدد الكتب في تلك المكتبة بلغ 000/ 600/ 1 كتاب منها 6500 نسخة في النّجوم والهندسة والفلسفة (3).
يقول «ول ديورانت» في كتابه «تاريخ الحضارة» : كانت مكتبات الخلفاء الفاطميين تضم مئات الكتب المزينة بالنقوش من جملتها (2400) نسخة من القرآن ، وكان في «مكتبة الخليفة» في القاهرة 000/ 100 كتاب في عهد الخليفة «الحاكم بأمر اللَّه» و 000/ 200 كتاب في عهد الخليفة «المستنصر» (4).
ومتى ما قارنا بين هذه الأعداد وبين أعداد الكتب في المكتبات اليوم في كثير من البلدان ، نلاحظ تفاوتاً واضحاً بينها ، مع أنّ أمر طبع ونشر الكتب اليوم أسهل بكثير من ذلك الوقت خصوصاً مع تطور وسائل الطّباعة الكبير ، حيث لم يكن في السّابق إلّا الكتب المخطوطة ، وهذا التفاوت في الأعداد والأرقام مسألة مهمّة لابدّ من دراستها ، ونختم هذا الحديث بعبارة أخرى للمؤرخ الشّهير «ول ديورانت» حيث يقول : كانت أغلب المساجد تشتمل على مكتبة ، وكان في أكثر المدن أيضاً توجد مكتبة عامة تحتوي على عدد كبير من الكتب ، تفتح أبوابها لطلّاب العلم ... وكان فهرست مكتبة «الريّ» فقط عشرة مجلدات ، وكان روّاد مكتبة «البصرة» يحصلون على مخصصات وإعانات مالية!
وكان «ياقوت الحموي» الجغرافي الشهير قد قضى ثلاث سنوات في مكتبة «مرو» و «خوارزم» لجمع المعلومات لكتابه «معجم البلدان» ، وعندما خرَّب المغول «بغداد» كان في بغداد ستة وثلاثون مكتبة عامة ، غير المكتبات الخاصة العديدة ، إذ كان المتعارف أن يكون لكل من الأغنياء مكتبة تضم عدداً من الكتب!
ولقد دعى «أمير بخارى» طبيباً معروفاً إلى بلاطه ، فلم يستجب الطبيب لدعوته واعتذر بأنّه يحتاج إلى أربعمائة بعير! لحمل كتبه ، وعندما توفي «الواقدي» ترك ستمائة صندوق مملوءة بالكتب ، يلزم لحمل كل منها رجلين.
وكان لبعض الأعاظم مثل «الصاحب بن عبّاد» كتبٌ بعدد كتب كل مكتبات أوربا! ولم يكن في أي بلد من بلدان العالم- إلّا الصين أيّام «مينك هوانك»- شوق وشغف بجمع الكتب نظير ما كان عند المسلمين في الفترة ما بين القرن الثامن وحتى القرن الحادي عشر الميلادي (الثاني- الخامس الهجري) وقد وصلت الحياة الثّقافيّة للمسلمين إلى أوجها في تلك الفترة (5).
لقد كانت الدوّل الإسلاميّة مهداً للعلم والحضارة والثقافة في القرون الوسطى وفي أكثر القرون حيث كان الأوربيون يعيشون في أحلك فترات تاريخهم المظلم.
ولكي لا نبتعد عن صلب الموضوع ، نقول : إنّ الهدف هو أن يتضح مدى تأثير تعاليم الإسلام في تطور التّربية والتّعليم وتأسيس المكتبات وانتشار العلم والمعرفة ، ومن هنا تتضح لنا خطورة مسؤولية الحكومة الإسلاميّة في هذا الأمر المهم.
______________________________
(1) تأريخ الحضارة ، جرجي زيدان ، ج 3 ، ص 228.
(2) تاريخ الحضارة ، جرجي زيدان ، ج 3 ، ص 228.
(3) تاريخ الحضارة «ول ديورانت» ، ج 3 ، ص 231.
(4) المصدر السابق ، ج 4 ، ص 367.
(5) قصّة الحضارة ، ول ديورانت ، ج 4 ، ص 304.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|