أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-15
806
التاريخ: 2024-05-27
796
التاريخ: 11-1-2017
1617
التاريخ: 2024-07-24
367
|
من الطبيعي أن يخشى الإنسان المرض، ويسعى من أجل ذلك للمحافظة على نفسه منه، ويستعمل لذلك التعاويذ التي كانت من أهم الصناعات الرائجة في مصر القديمة، وبخاصة في العهد المتأخر من تاريخ البلاد، وقد كانت تُصنع من الخشب والبرنز ومن الفخار المطلي، ومن الهمتيت، ومن الكرنالين، ومن اليشب، ومن حجر الفلدسبات، ومن أحجار أخرى نصف كريمة. وقد كان بعضها خشن الصنع، وفي متناول الفقراء من المصريين، وكان البعض الآخر يُعد من القطع الفنية الدقيقة التي كانت وقفًا على الأغنياء وعِلية القوم. وقد كانت كل هذه التعاويذ — مع ذلك — مفعمة في ظن القوم بقوة سحرية، وكانت كل واحدة منها تقوم بأداء دور معلوم، وبعضها يمثل علامات هيروغليفية تدل على صفات معنوية: كالحياة، والقوة، والسعادة، والبقاء، والثبات، والجمال … الخ. وهذه نعوت كان يستحب التمتع بها بنوع خاص. وبعضها تماثيل إلهية؛ وذلك لأن الآلهة في الواقع تملك قوة سحرية بالغة. وكان من المعتقد أن أشكالها تحتفظ ببعض هذه القوة الخارقة للطبيعة. وقد كان القوم يضعون هذه التعاويذ في القلائد والأساور وغيرها.
وأحيانًا يقوم حبل بسيط معقود سبع مرات — وبه لوحتان صغيرتان مكتوب عليهما صيغ سحرية — مقام قلادة من التعاويذ التي كانت تُوجد حول الجسم سائلًا واقيًا يحفظ المرضى — بدون شك — من الحوادث، بيد أنها لم تكن تمنعها. وعندما يحل بالإنسان الأذى كان الملجأ إلى القضاء عليه هو السحر.
وكثيرًا ما كان يختلط الطب بالسحر لما نلحظه من أن الدواء لم يكن يعدو بعض أوصاف سحرية. وكان «بيت الحياة» — يعني المدرسة — كلية للطب ومدرسة للسحرة في آنٍ واحد، كما كانت كتب الطب — ولا سيما في العهد المتأخر — تكاد تكون مجرد مجموعات ووصفات سحرية، وكان المرض غالبًا ما يُنسب إلى تأثير أشباح مؤذية؛ ولذلك كان المعتقد أن المريض يمكن أن يبرأ ويبتعد عنه شبح المرض بوساطة بعض الصيغ السحرية. وقد وضح هذا الاعتقاد بصورة ظاهرة في كتاب يرجع عهده إلى الدولة الوسطى جُمع فيه صيغ منوعة الغرض؛ منها وقاية الطفل من أخطار تحيط به، وكان الساحر يخاطب الأشباح المؤذية ويعمل على طردها بالرجاء مرة، وبالتهديد أخرى.
وكثيرًا ما كان الإنسان يخاف انتقام الموتى، هذا الخوف الذي كان سببًا في تلك الخطابات الغريبة التي كانت تُكتب للموتى في عهد الدولة الوسطى وتُوضع معهم في القبور. (راجع Gradeier, Letters to the Dead).
وفيما عدا المرض كان يوجد خطر آخر يخشاه المصريون ويخافونه ويتهددهم في كل يوم؛ إذ كان يعرضهم للموت. وأعني بذلك الثعابين والعقارب والتماسيح. وقد كان السحر سلاحًا فعالًا لدرء هذا الخطر على الدوام، فيلجأ المصريون إلى الآلهة — عن طيب خاطر — لمقاومة هذا الخطر، لما كانوا يعتقدون من أن هؤلاء الآلهة حين عاشوا على الأرض كانوا عرضة لمثلها، فينبغي أن تأخذهم الرأفة بهؤلاء التعساء الذين حاق بهم الألم الذي ذاقوا مرارته من قبل.
ويتمثل أمامنا تأثير الأساطير الإلهية في الصيغ السحرية تدريجًا كلما أوغل الإنسان في العصر المتأخر من تاريخ البلاد. ويظهر ذلك التأثير بشكل واضح في متون نقوش اللوحات التي يطلق عليها «لوحات «حور» على التماسيح «(A. Z. 6 1868. P. 99–106).
وهناك فرق كبير بطبيعة الحال بين صيغ الأهرام الدينية القصيرة، وبين المتون الطويلة التي دُونت في العصر المتأخر على هذه اللوحات؛ وهذا دليل على تطور السحر. ففي الأزمان القديمة — كما يقول «موريه» — كانت القوة السحرية في الصيغة نفسها، وهي التي تسبب الشفاء. ولكن لم يعد للصيغة — فيما بعد — قيمة إلا أن تجذب بصورة سحرية حماية بعض الآلهة الذين كانوا يقومون بالدور الأصلي في المعجزة. وعلى ذلك فلم يكن إصدار الأوامر إليهم شيئًا مستساغًا؛ بل كان يحل محله الرجاء والتضرع بدلًا من التهديد. وهذا التطور يماثل ما رأيناه في الديانة الشعبية التي تحدثنا عنها فيما سبق (مصر القديمة ج6). فقد رأينا أن الورع الشخصي قد سار في تقدم مطرد في عهد الدولة الحديثة؛ إذ نشاهد الإنسان قد أخذ يشعر بالتواكل على الإله باطراد، ونتج عن ذلك أن توجه إليه في ثقة، وتضرع إليه في كل الأحوال.
لقد كان لعواطف القلب دائمًا عند الرجل أهمية بالغة، ولقد برهنت حوادث عاطفية عدة على أن الحب قوة خفية متقلبة لا يمكن السيطرة عليها. والمظنون أن السحرة قد تفاخروا فيما بينهم في هذا المضمار الذي اختفت فيه المجهودات الإنسانية المحضة. والطرق التي استعملوها لم تكن طرقًا مبتكرة؛ فجرعة الساحر الخاصة بالحب، وأحلام العشق، وتماثيل الشمع؛ هي في الواقع جزء من السحر العالمي. وسنتكلم عنها بشيء من الاختصار، فمن الجائز أنه كان يوجد عدد عظيم من جرعات شراب الحب، غير أن كل ساحر قد اعتقد أنه لا بد أن يكون لديه وصفته الخاصة به. ويمكننا أن نؤكد — على حسب بعض المعلومات التي وصلت إلينا حتى الآن — أن الخيال كان يلعب دورًا كبيرًا في تركيب الجرعات التي يتناولها المحب أو المحبوب، فنجد أن مما يصعب فهمه مثلًا: لماذا كان لدم بنصر اليد اليسرى، أو دم القراد المأخوذ من كلب أسود تأثير حسن جدًّا على المرأة التي يريد الإنسان أن يستميل قلبها؟! فإذا كانت هذه المرأة قد أحبت رجلًا آخر تعين على المرء قبل أن يستهويها لنفسه أن ينتزعها ممن تحب أولًا؛ ولهذا كان الساحر يستعمل تماثيل الشمع، فيجري أعمالًا سحرية على تماثيل صغيرة صُورت في شكل المنافس. فإذا حدث من مفعولها الشقاق والانفصال بين العاشقين صنعت — حينئذ — جرعة مزيج للحب، أو كُتبت بعض صيغ سحرية تحدث عند المرأة أحلامًا غرامية يظهر فيها العاشق في صورة خلابة تخضع المحبوبة لسلطانه، وتجعلها تهيم به. على أننا لا نعلم عن مقدار تأثير تلك الحيل سوى أنها كانت عظيمة الانتشار، عريقة في القدم في المتون المعروفة باسم «كتاب الطريقين» الذي تحدثنا عنه طويلًا في الجزء الثالث من مصر القديمة، فقد ذُكر فيه أن مجرد تلاوة صيغة بسيطة كان كافيًا لكي تقع المرأة في هوى قارئها.
وقد استعمل السحر من جهة أخرى لإشباع مطامع الشخص وطموحه، فالواقع أن الإنسان يجد أعمق لذة في حياته في إشباع مطامعه، وأحسن متعة في الوصول إلى مركز مرموق في المجتمع، ويعمل على الحرص عليه عندما يناله، ويجد في هذه الرغبة حافزًا عظيمًا لتنمية نشاطه، وسببًا من الأسباب الهامة للحياة الرغيدة. ولكن من المؤسف له أن ما يتصف به من صفات محمودة قد لا يكون موضع التقدير ممن يحيطون به، على أنه لا يوجد من يوقن بخروجه منتصرًا من معركة الحياة القاسية، فيتغلب على مطامع مناهضيه الذين يكونون أحيانًا أقوياء. وليس الأمر في هذا الصراع خاصًّا بالتغلب على الشياطين الخفية، أو على حيوانات خطيرة، بل على صراع إنسان من البشر يعده — خطأ أو صوابًا —عدوًّا له. وفي مثل هذه الحالة يقدم السحر للرجل الذي يظن نفسه مضطهدًا مساعدة قوية عن طريق عمل تمثال سحري صغير من الشمع يلجأ إليه الإنسان في مثل هذه الأحوال. وهذه الطريقة السحرية تعتمد على القانون الذي يقول بأن بين الصورة وبين الإنسان الذي تمثله نوعًا من الاتصال النفسي Sympathy، وكان على الساحر — لكي يسيطر على العدو — أن يصنع له تمثالًا خشنًا من الشمع أو من الطين، ومن ثم يمكنه أن يتلو عليه بعض تعاويذ تجعله في حالة خضوع تام، وكان يكتب على هذه الصورة كذلك اسم العدو المفروض أنها تمثله، كما يكتب اسمي والديه حتى لا يكون هناك خطأ في الشخص المقصود. كان الاسم حقًّا يلعب دورًا هامًّا في السحر، فقد كان — كما يظن — يشمل شخصية الرجل، وفي مقدوره في حالات خاصة أن يحل بنفسه محل صورة سحرية. وكان الساحر رجلًا عالمًا بأسماء الرجال الذين يريد أن يصل إليهم، كما كان يعرف بخاصة الاسم الحقيقي لكل إله من الآلهة (راجع قصة هلاك الإنسانية في كتاب الأدب المصري القديم ج1) وفي هذا يكمن سر قوته وبطشه. ومهما يكن من أمر فإننا نجد — إذا رجعنا إلى الصور السحرية — أن استعمالها كان شائعًا في مصر القديمة عند جميع طبقات الشعب، ولم يكن الملك نفسه يترفع عن استعانتها على أعدائه، ففي «متحف برلين» كمية من الاستراكا المصنوعة من الفخار الأحمر كُتب عليها صيغ لعنات على كل أعداء ملك لم يُسمَّ، غير أن شواهد الأحوال تدل على أنه عاش في عهد الأسرة الثانية عشرة، وقد ذُكرت أسماء أعدائه الذين لم يكونوا من المصريين فحسب، بل كانوا من الآسيويين واللوبيين أيضًأ (Sethe, Achtung). ولدينا كذلك من عهد الدولة الوسطى صيغ لعنة أخرى كُتبت بالمداد الأحمر على أشكال خشنة تمثل أسرى ركوعًا وأذرعتهم موثقة من خلاف، وتُعد هذه الأشكال أحدث — قليلًا — من استراكا «برلين»، وهي محفوظة بمتحفي «القاهرة» و«بروكسل» «ببلجيكا»، وقد نُقشت كلها على نمط الكتابات التي على استراكا «برلين» وهي تمدنا — كالاستراكا — بمعلومات عن أجناس البشر، وبمعلومات أخرى جغرافية، وتظهر لنا إلى أي حد تطور فن صناعة الأشكال السحرية في هذا العهد.
ويبدو أن الساحر كان يتلو على هذه الأشكال صيغًا تجعل هؤلاء الأعداء عاجزين، لا حول لهم ولا قوة، وتُدفن بعد ذلك وفق شعيرة خاصة.
وقد وُجد بعض هذه الصور أحيانًا في توابيت صغيرة مصنوعة من الخشب. وكان الملك بموت أعدائه السحري يعتقد أنه قد تخلص من الخطر الدائم الذي كان يحيط به بسببهم. وقد بقيت هذه الطريقة مستعملة حتى نهاية التاريخ المصري. وفي العهد المتأخر كذلك كانت تُصنع صور تمثل أعداء الملك، ولكيلا تكون مؤذية كانت تُختم أعضاؤها ثم تُساق إلى العذاب بعد أن يُكتب اسم المعذب بكل عناية على البردية التي يُغطى بها الشكل، ويكتب عليها اسم والديه.
وقد كان المظنون أن المصري — كما يعتقد هو — محاط بقوًى سحرية؛ ولذلك كان ميالًا — بطبيعة الحال — إلى الاعتقاد في الخرافات، وقد حفظ لنا الأدب المصري البرهان على ذلك؛ إذ وصل إلينا تقويمات عن أيام السعد وأيام النحس في حياة القوم، لأن أيام السنة كانت تنقسم ثلاثة أقسام: الأيام السعيدة، وأيام النحس، والأيام المتوسطة بين السعد والنحس. على أن الخبرة في ذلك لم يكن للإرادة دخل فيها، وإنما كانت مبنية على حسب حوادث الأساطير الإلهية الهامة التي وُضعت طبقًا لترتيب تواريخها.
وكان على المصريين أن يرجعوا إلى هذا التقويم كلما أرادوا أن يقوموا بعمل، أو يقدموا على تجارة.
والتقويمات التي وصلت إلينا من العهد الفرعوني من أيام السعد وأيام النحس تنحصر فيما يأتي:
(1) ورقة من عهد الدولة الوسطى تُعرف «بورقة اللاهون» غير أن التقويم الموجود بها ينحصر في شهر واحد، وليس بها أي تفصيل (راجع Hieratic Papyri from Kahun pl. 25).
(2) ورقة «ساليه» الرابعة: وعلى الرغم من أنها تنقص عدة أشهر من الأول ومن الآخر، وأنها محشوة بالأغلاط فإنها كانت — حتى زمن قريب جدًّا — المصدر الهام الذي يُعتمد عليه في هذا النوع من الوثائق (راجع Budge, Hieratic Papyri In the British Museum 2nd series pls. 88–111).
(3) عُثر على بعض الاستراكا في «الدير البحري» ذُكر عليها بعض أيام من التقويم الكامل؛ مما يدل على أن للكاتب فائدة خاصة في هذه الأيام (راجع M. Malinine, Nouveaux Fragments du Calendier Egyptien des Jours Fastes et Jours Nefastes In Melanges Maspers 1, p. 879–898).
(4) استراكون رقم (4615): بمتحف «تورين»: وتذكر أعياد النصف الأول من الشهر الأول من السنة.
وقد بقيت معلوماتنا عن هذا التقويم ناقصة إلى أن كشف عن ورقة جديدة تامة لهذا التقويم يقوم بحلها وشرحها الآن «الدكتور عبد المحسن بكير» وقد كتب عنها ملخصًا نقتبس بعضه فيما يلي (A. S. XLVIII p. 426).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف يشارك في معرض الكتاب الشامل بجامعة البصرة
|
|
|