نظراً لأهمية تمييز جريمة الضرب المفضي إلى الموت سوف نتناول ضمن هذه النقطة تمييز جريمة الضرب المفضي إلى الموت عن جريمة القتل العمد، ومن ثم تمييزها عن جريمة القتل الخطأ وفقاً للآتي:
أولاً: تمييز جريمة الضرب المفضي إلى الموت عن جريمة القتل العمد
القتل والضرب المفضي إلى الموت جريمتان يفصلهما القصد والظروف وان إجراءات المحكمة كفيلة بتحديد الوصف القانوني لأي منهما (1) .
يرى جانب من الفقه العراقي أن الجرائم الماسة بحياة الإنسان وسلامة بدنه نص عليها قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 بمواد عدة، كما أنه من بين هذه الجرائم ما نصت عليه المادة (405) التي تطرقت الى القتل العمد وفيها تكون العقوبة أما السجن المؤبد أو المؤقت مبينة قد تكون هناك ظروف مشددة مدرجة في المادة (406) وإذا ما توافرت إحداها فأن العقوبة يمكن أن تصل إلى الإعدام ألا إن جريمة الضرب المفضي إلى الموت قد وردت في المادة (410) وعقوبتها تتراوح بين 15-20 سنة حسب الظروف المحيطة بها (2).
بالإضافة إلى ذلك لم يميز الكثيرون من المتخصصين بين القتل العمد وبين جريمة الضرب المفضي الى الموت، لأن كليهما يؤدي الى إزهاق الروح وبين أن الذي يفرق بين الجريمتين هو قصد ونية الجاني من الاعتداء وهو ما يطلق عليه القصد الجنائي، وتتميز جريمة القتل العمد والشروع فيها بنية خاصة وهي القتل وإزهاق الروح، بمعنى أن تتجه إرادة الجاني إلى قتل المجني عليه، وتختلف جريمة القتل العمد عن جريمة الضرب المفضي إلى الموت بأن في الأخيرة لا يقصد الجاني بالاعتداء على المجني عليه بالضرب أو الجرح إلى إزهاق روحه، ولكن أدى هذا الاعتداء إلى الموت وفي هذه الحالة يعاقب الجاني بالسجن من ثلاث سنوات إلى سبع سنوات، وتكون العقوبة السجن أو السجن المشدد الذي قد يصل إلى خمسة عشر سنة أذا ارتكبت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابي. (3)
ثانياً: تمييز جريمة الضرب المفضي إلى الموت عن جريمة القتل الخطأ
أن ما يميز جريمة الضرب المفضي إلى الموت عن جريمة القتل الخطأ هو أن الجاني في جريمة الضرب المفضي إلى الموت يأتي بالفعل الإجرامي ويقصد إلى الاعتداء على سلامة جسم المجني عليه لكنه يؤدي إلى نتيجة أبعد من ذلك وهي إزهاق روحـه أما في جريمة القتل الخطأ فإن الجاني لا تنصرف إرادته إلى المساس بحياة المجني عليه ولا بسلامة جسده ومع ذلك يترتب على فعله المشوب بالخطأ نتيجة يعاقب عليها القانون وهي الوفاة. (4)
فالخطأ الواجب توافره في جريمة القتل غير المقصود هو الخطأ الناتج أمام عن أهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة، كما أن مسألة إثباته تقع على عاتق المدعي، أما بالنسبة للمدعى عليه فيمكن أن يثبت بأن الخطأ ناتج عن قوة قاهرة أو عن خطأ المجنى عليه باعتباره هو السبب الوحيد لإحداث الضرر (5).
في سياق ذلك، قضت محكمة الدرجة الأولى في لبنان بإن جرمي التسبب بالوفــاة والإيذاء وفقاً للمادتين 564 و 565 من قانون العقوبات لا تفترضان نية جرمية لدى الجاني، غير أنهما تفترض خطأ من الجاني يتمثل بالإهمال وقلة الاحتراز وعدم مراعاة القوانين والأنظمة. (6)
كما أنه من نافلة القول أن الخطأ قد يكون بفعل سلبي كما قد يكون بفعل إيجابي، بينما في جريمة الضرب المفضي إلى الموت لا يمكن أن يكون الخطأ إلا بفعل إيجابي.
خلاصة القول، أن تكييف جريمة الضرب المفضي إلى الموت يرتبط بالطريقة الوحشية عند ارتكاب الجريمة، مهما بلغت غايات المجرم وهدفه نحو ازهاق روح المجنى عليه فلا يجوز تعذيبه أو إيلامه بالضرب والتعذيب.
فالقضاء عندما اعتبر جريمة الضرب المفضي إلى الموت جريمة مخلة بالشرف أخذ بعين الاعتبار أسلوب الجاني بالقتل، بما معنـا طالمـا الجـانـي قـاداً علـى قـتـل الضحية وإرادته متجه نحو أزهاق روحة، فليس من الاخلاق أن يعمد إلى تعذيبه والتفنن بقتله.
____________
1- بكر الصالحي، التفريق بين جريمة الضرب والقتل العمد، المركز الإعلامي للسلطة القضائية، متوفر على الرابط الإلكتروني: www.iraqia.i96 تاريخ الزيارة 2022/2/10.
2- بكر الصالحي، التفريق بين جريمة الضرب والقتل العمد، المرجع سابق.
3- بكر الصالحي، التفريق بين جريمة الضرب والقتل العمد، المرجع سابق.
4- مصطفى الجوهري، القتل العمد دراسة تحليليه تأصيلية، دار النهضة العربية القاهرة، 1994، ص 57
5- حسني محمد سليمان، قانون العقوبات القسم الخاص، الطبعة الأولى، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2020 ، ص 251.
6- حكم محكمة الدرجة الأولى في لبنان المتن، رقم 4540 تاريخ 1973/7/26، مجلة العدل في لبنان، لسنة 1974، ص 486.