المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

 Resonance Electronic Effects on Acid/Base Strength
12-7-2016
لا للضرب على القفا
18-6-2019
Reaction of Oxides
22-10-2018
Kazimierz Urbanik
18-3-2018
الحب الحقيقي
25-09-2014
الصمام الثنائي المفرغ
31-8-2021


اختبار ذبح البقرة  
  
349   03:03 مساءً   التاريخ: 2024-09-01
المؤلف : الشيخ عبدالله الجوادي الطبري الآملي
الكتاب أو المصدر : تسنيم في تفسير القران
الجزء والصفحة : ج5 ص189 - 208
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة النبي موسى وهارون وقومهم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-08 358
التاريخ: 2024-08-07 374
التاريخ: 27-1-2023 1204
التاريخ: 2023-05-19 1497

يقول تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 67-74]

من أجل أن يزيل الله سبحانه وتعالى ما أُشرب في قلوب البعض من بني إسرائيل في حادثة عبادة العجل مما لا يُستساغ من المحبة والقداسة تجاه البقرة، ولكي يثبت أيضاً أنَّ ذبح البقرة ليس أنه لا يولد مشكلة فحسب بل إنه قد يكون حلّالاً للمشاكل أيضاً، فإنه في حادثة القتل المشبوه لشخص من بني إسرائيل يقع اختيار الباري (عز وجل) على البقرة للتعريف بالقاتل وكشف خفايا تلك الجريمة.

لكنّ بني إسرائيل الباحثين عن الذرائع، وبسبب ما يعانونه من ضحالة المعرفة وضعف روح التسليم في مقابل أوامر الحق تعالى، توهموا أنَّ موسى الكليم (عليه السلام) إنما يهزأ بهم. في حين أنه (عليه السلام) كان رجلاً عاقلاً وما كان ليرتكب أثناء أدائه للرسالة الإلهية أي معصية، حتى الاستهزاء؛ لذا قال تنزيهاً لنفسه: {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: 67] فقالوا بوقاحة وتكبر وبأسلوب ينم عن المطالبة ولا يتلاءم مع روح التوحيد: أطلب من ربك أن يبين لنا سمات هذه البقرة. إنَّ استخدامهم لتعبير: {مَا هِيَ} [البقرة: 68] يحكي تعجبهم الشديد؛ إذ لم يعهد في ذلك الحين أن ميتاً يحيى بذبح بقرة؛ وكأنَّ حقيقة البقرة التي تتسم بمثل هذه الخصوصيات العجيبة تختلف عن حقيقة سائر الأبقار.

وبالنظر إلى أن اسم البقرة وماهيتها كليهما كان معلوماً، فقد أريد من عبارة: ما هي خصوصيات البقرة من حيث السن، واللون، ومقدار الخدمة، وكيفية كونها ذلولاً منقادة، وبالنظر إلى أهمية السن في الحيوان فقد بين في البدء سن البقرة، فلونها، ومن ثم عدم كونها ذلولاً. بطبيعة الحال إنَّ ما أمر بذبحه ابتداء كان مطلق البقرة، بيد أن تهاون بني إسرائيل، وتباطؤهم في الامتثال، وتذرعهم بالذرائع، وعنادهم كان السبب وراء طرح خصوصيات جديدة وتقييد الحكم الإبتدائي المطلق ببضعة قيود.

ومن حيث إنّ موسى (عليه السلام) قد قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] فإنَّ الله هو الذي يجب أن يحدد جميع ما أمروا به من خصوصيات؛ ومن هنا فإن موسى (عليه السلام) قد أسند الأجوبة على الاستفسارات الثلاثة لبني إسرائيل إلى الباري سبحانه وتعالى مما ينطوي على إعمال كمال المساعدة في الإجابة على طلبهم حيث قالوا: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا} [البقرة: 68] في إثر التساؤلات المكررة والمتعددة لبني إسرائيل التي لم تكن إلا ذريعة لرفع التكليف عنهم، وبغية سلبهم أي شكل من أشكال الذرائع يقول الله سبحانه وتعالى في تبيينه لخصوصيات البقرة الانثى: لا هي طاعنة في السن غير قادرة على العمل بحيث لا تحمل ولا تلد بسبب الكبر، ولا هي فتية لم تبلغ مرحلة العمل والإنجاب. كما ولابد أن يكون لون تلك البقرة أصفر نقياً تسر الناظرين إذا نظروا إليها، ويجب أن لا تتصف بالليونة والذلة وأن لا تنقاد وتنصاع لأي عمل يناط بها، لا حرث الأرض ولا سقي الزرع. بالطبع لابد أن تكون أقوى من الحيوان السليم وأن تكون منزهة عن كل عيب إلى درجة لا يتسنى العثور على أي نقص فيها، بل أن تكون ـ حتى من ناحية اللون ـ خالية من أي بقعة مغايرة.

بعد تعيين لون البقرة قال بنو إسرائيل: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة: 70] لقد تشابهت علينا سمات البقر، فإذا كان ادعاؤهم بالتشابه صحيحاً حقيقة ولم تكن البقرة التي أمروا بذبحها معلومة لديهم بوضوح فإنهم معذورون في تكرار السؤال من ناحية، وإنه من الممكن أن يكون مدلول جملة: {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة: 70] الاهتداء إلى متعلق التكليف الإلهي، أي أنّ البقرة المعينة من ناحية ثانية. طبعاً من المحتمل أيضاً أن يكون المراد هو الاهتداء إلى تشخيص القاتل، أو الاهتداء إلى فهم الحكمة من وراء هذا العمل، أو الاهتداء إلى الصراط المستقيم وامتثال الأمر الإلهي وأن تعلق الإرادة والمشيئة الفعلية لله سبحانه بذلك أمر ممكن، ولا محذور من إيراد التعبير: «إن شاء الله بخصوصه» كذلك فإنه على فرض صحة الادعاء المذكور، فإنهم لا وزر عليهم في تعبيرهم: {الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة: 71] إلّا أنَّ ظاهر هذا التعبير يوحي وكأن موسى (عليه السلام) كان قد أمسك عن بيان الحق حتى تلك اللحظة، وهذا التعبير غير المؤدب هو من مؤشرات النزعة الحسية لدى بني إسرائيل ومجانبتهم للعقل.

وعلى الرغم من إقرار بني إسرائيل بحقانية الأمر بالذبح فإنهم حتى اللحظة الأخيرة ما كانوا راغبين بالعمل وفقاً للتكليف الإلهي، لكن يبدو انهم أكرهوا على تنفيذه بعدما استنفدوا كل الذرائع فذبحوا البقرة على أي حال، في حين لم يكن تنفيذهم للأمر منظوراً ومتوقعاً وكانوا بعيدين كل البعد عن اسباب عدم مبادرتهم إلى ذبح البقرة هو خشيتهم من إنكشاف السر الخفي لجريمة القتل وكذلك عدم تصديقهم بالعلاقة بين عملية الذبح والعثور على القاتل.

بشكل أو بآخر فإن جميع بني إسرائيل كانت لهم يد في تلك الجريمة ولم يكن الشخص أو الأشخاص المباشرون لها سوى نواب وممثلين عن هؤلاء القوم، لا أن شخصاً غريباً قتله وألقى الجسد في أراضي قبيلتهم؛ من هذا المنطلق كان الجميع يصرون على كتمان هذه الجريمة والمؤامرة الجماعية. كما أنه كان ليهود عصر نزول القرآن شبه قلبي خاص بأسلافهم وكانوا راضين بفعلهم.

لكن النزاع نشب بين القتلة وأخذ كل يدرأ التهمة عن نفسه وينسبها إلى غيره محملاً إياه وزرها. وبعملية التدارؤ هذه ودفع كل واحد منهم التهمة عن نفسه قرروا كتمان الأمر؛ غافلين عن قدرة الله عز وجل على إفشاء الجريمة.

فأمر الله تعالى أن يضربوا القتيل المتنازع عليه ببعض بدن البقرة المذبوحة كي تعود له الحياة ويعرفهم بالقاتل. فبعد عملية ذبح البقرة وضرب القتيل بجزء من بدن هذا الحيوان الميت عادت الحياة لهذا القتيل عبر إحياء حقيقي، وبهذه الطريقة تم تفنيد جميع الاحتمالات التي من شأنها أن تقدح بإعجازية قصة البقرة المعروفة.

إن إفشاء جريمة القتل ـ التي كان بنو إسرائيل يصرون إصرار مبرماً على كتمانها ـ فيه إنذار لكل المجرمين والعاصين من أن إفشاء السرائر وانكشاف المكتومات وافتضاح المستورات أمر ممكن حتى في عالم الدنيا. أما الهدف من وراء اتخاذ هذا الأسلوب ـ أي عودة الحياة بإرادة الله (عز وجل) عبر ضرب ميت بميت آخر من أجل الفصل في الخصومة وتشخيص القاتل ـ فقد كان إقامة البرهان على المعاد، وقدرة الله (عز وجل) على إحياء الموتى، وإفشاء الأسرار يوم القيامة، بالإضافة إلى انطوائه على إظهار التوحيد الربوبي والقدرة الإلهية. الناس من ذوي النزعة الحسية وبسبب يمتلكونه من علم المعرفة المرتكز على تلك النزعة فإنهم لن يتنبهوا إلى الحق ويتذكروه إلا في العيش في حيّز المعجزة ومنطقة الآية الحسية، ولدى الخروج من هذه المنطقة تنتابهم الغفلة ويبتلون في نهاية المطاف بقسوة القلب. وللخلاص من هذا المصير فإنه لابد من العبور - بالتعقل - من الآيات والمعجزات المحسوسة إلى المعارف والحقائق المعقولة، والانتقال من الحوادث المحسوسة إلى العبرة والدرس الدائمي المعقول. بنو إسرائيل ـ وعوضاً عن الاعتبار بما شاهدوه بالحواس، والانتقال من التحجر والجهل إلى التنبه والعقل، والوقوف على عظمة الله سبحانه وتعالى وقدرته في إحياء الموتى ـ فإنهم قد اكتفوا بحل النزاع والفصل في الخلاف ولم يرتحلوا إلى التوحيد والمعاد فاصيبوا لذلك بقسوة القلب. وجراء التمرد والطغيان والعصيان فقد هبطت قلوبهم في سيرها النزولي وسقوطها إلى ما دون الحيوانية والنباتية والجمادية لتصبح أقسى حتى من الحجر الذي يعد مثالاً للقساوة والتصلب. بل إن نهراً من الماء يعد رمزاً للطراوة واللطافة ـ قد يتدفق ويجري من بعض الحجارة الصلبة نتيجة لانفجار يحصل في باطنها؛ كما أن بعض أنواع الصخور تنشق فتسيل منها عين من الماء؛ في حين أن بعض الصخور الأخرى تخر وتهبط من خشية الله (عز وجل) وكل هذه الأنواع الثلاثة مرهونة بالخوف الممدوح من الله (عز وجل). لكن قلوب بني إسرائيل، وبسبب الإعراض عن الحق بعد مشاهدة كل تلك الآيات والبينات، فإنها تعاني من قسوة تقف معها أمام أي نفوذ إليها حتى إن مشاهدة الآيات والمعجزات لن تكون عديمة التأثير فيها فحسب بل إنها ستزيد من صلابتها وقسوتها لتمسي بذلك أدنى وأخس من الصخرة الصماء.

الخلاصة:

في إثر مقتل شخص من بني إسرائيل أمر الله (عز وجل): أن اذبحوا بقرة واضربوا جسد القتيل ببعض أعضاء البقرة المذبوحة كي يعود إلى الحياة ويعرف بالقاتل، لكن لما كان القرآن كتاب هداية لا كتاب قصة فإنه في بعض الأحيان لا يتقيد بالترتيب الزمني للوقائع التاريخية؛ كما أنه لا يشير إلى الكثير من الخصوصيات الأخرى التي لا تنطوي على عبرة وليس لها دور في الهداية. طبعاً هناك احتمال آخر لذلك سوف يرد ذكره في طيات التفسير.

قال نبي الله موسی (عليه السلام) لبني إسرائيل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] إلا أنَّ هؤلاء القوم وبدلاً من الامتثال لأمره (عليه السلام) من غير تردد ومناقشة قالوا له متذرعين بانعدام الصلة بين التعرف على قاتل مجهول وذبح البقرة: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} [البقرة: 67] فقال موسى رداً على تعبيرهم غير المستساغ هذا: {قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: 67] وذلك لأن الاستهزاء وغيره من الخطايا إنما تنشأ من الجهالة وإذ أنني بفضل الله تعالى لست من الجاهلين فإنني مصون من جميع المعاصي. فهذا الأمر مستمد من الوحي ولو أنكم تأملتم بعض الشيء لاتضحت العلاقة بين ذبح البقرة والتعرف على القاتل المجهول.

لكن بني إسرائيل العنودين الباحثين عن الذرائع أجابوا موسى (عليه السلام) بأسلوب ينقصه الأدب: ادع لنا ربك يبين لنا كم عمر هذه البقرة. فقال: لا مسنة ولا فتية بل هي بين بين: {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68]، ثم قال: {فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ} [البقرة: 68] فعاد بنو إسرائيل إلى القول عن عناد: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا} [البقرة: 69] فأجابهم موسى (عليه السلام): اذبحوا بقرة صفراء، على أن يكون صفارها خالصاً لا يميل إلى أي لون آخر بحيث إنها تسر الناظرين».

فأصر بنو إسرائيل على لجاجتهم وقالوا: أطلب من ربك أن يوضح لنا أكثر حقيقة هذه البقرة؛ إذ قد التبس علينا أمرها {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } [البقرة: 70]

فأجابهم كليم الله (عليه السلام): إنها بقرة لا هي ذلول بالنسبة إلى حرث تسقي الزرع؛ إنها سالمة من كل عيب، ومن حيث اللون الأرض، ولا هي أيضاً فلونها واحد لا تشوبه أي شائبة.

عند ذاك أذعن بنو إسرائيل؛ على أنهم حتى في مقام إظهار القبول فقد قالوا بأسلوب يخلو من الأدب: {الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة: 71] فعثروا على بقرة بالمواصفات المذكورة وذبحوها.

ثم أمروا أن يضربوا جسد القتيل ببعض من البقرة المذبوحة كي يعود إلى الحياة ويعرف الناس بقاتله. فعوضاً عن أن يحل هذا النزاع بالأسلوب المتعارف وعبر القضاء في المحكمة، فقد اختتم بالمعجزة؛ المعجزة التي هي من الآيات والبينات الإلهية والتي من شأنها ـ مضافاً إلى إنهائها للنزاع الحقوقي والفقهي ـ أن تشكل دليلاً على قدرة الله (عز وجل) على إحياء الموتى يوم القيامة، أي على مسألة كلامية أيضاً. من هذا المنطلق فقد قال عز من قائل  متابعاً: {كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 73] وتعودون عن غيكم وعصيانكم.

الأعم الأغلب من بني إسرائيل لم يكونوا من أهل التعقل كي يخرجوا باستنباط عقلاني من مشاهدة المعجزة والبينة، بل كانوا مبتلين بالحس، فما داموا قابعين في نطاق الحس فهم يتذكرون المباحث الحسية ويتنبهون إليها وبمجرد خروجهم من هذه المنطقة تنتابهم الغفلة فينتهي بهم الأمر إلى الجهل العلمي والجهالة العملية وقسوة القلب؛ التي كانت أشد من قسوة الحجر وصلابته. ومن هنا يقول عز من قائل في ختام هذه القصة: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة:74] بعد تلك الحادثة لتصبح مثل الحجارة أو أشد قسوة! وذلك لأن بعض الحجارة يتفجر فتجري منه الأنهار، والقسم الآخر منها وإن كان تشققه ليس في حد «الانفجار» إلا أنه يحصل في حد «الانشقاق» ويقطر منه ماء أقل (ليس في حد النهر)، كما أن قسماً آخر من الصخور يهبط من أعلى الجبل إلى الأسفل من خشية الله (عز وجل)، في حين أن قلوبكم لا تتأثر ولا ينفذ إليها شيء ولا تترتب عليها فائدة، وهي تعيش في غفلة وقسوة محضة. فاعلموا أن الله (عز وجل) ليس بغافل عن أعمالكم.

معاني مفردات الاية:

«بقرة»: تستعمل كلمة «البقر» حيناً للدلالة على «جنس خاص» من الحيوان في مقابل جنس آخر؛ مثل: {وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: 144] {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] وتارة للإشارة إلى «صنف خاص» من جنس البقر في مقابل صنف آخر؛ كما في محط البحث؛ لأن المقصود من البقرة هو صنف خاص منها، أي البقرة الأنثى، وليس الذكر و«التاء» هنا للتأنيث وليست للوحدة (من قبيل تمر وتمرة)، وإن الأمارة على تأنيثها لا تكمن في استخدام ضمائر التأنيث في العبارات: «ما هي»، و«ما لونها»، و«تسر» كي يجاب على ذلك: إنَّ هذا تأنيث الضمير والفعل هو باعتبار لفظ «البقرة»، بل هي باعتبار صفتي «فارض» و«بكر» حيث إنهما ظاهرتان في البقرة الأنثى؛ لأن التي تلد هي الأنثى. وهذه البقرة الأنثى إما أن تكون قد تجاوزت سن الإنجاب بسبب الكبر أو أنها لم تصل إلى سن الإنجاب بعد، فالأولى تسمى إنها (فارض) والثانية إنها بكر (باكر) وتذكير فارض نظير تذكير كلمة «حامل» و«طالق» وأمثالهما حيث هي من الأوصاف الخاصة. والتذكير والتأنيث يتحقق تارة بإضافة أو حذف «التاء» فقط مع حفظ أصل الكلمة وطوراً بتغيير أصل الكلمة؛ نحو: بقرة وثور، ناقة وجمل، امرأة ورجل.

«هزواً»: «هزواً» من «هزأ يهزأ» هي بمعنى السخرية والاستهزاء عند مشاهير أهل اللغة والتفسير [1]. ومن جهة الوزن والهيئة وقبول الوجوه الأربعة فهي تشبه كفواً (بضم الوسط أو سكونه وفي كلتا الصورتين بالهمزة ومن دونها).

لكن الراغب الأصفهاني من بين أهل اللغة قد عد أصلها مزحاً في خفية مدعياً أنه في الآيات التي جاءت فيها كلمات من قبيل «هزوا»  و«لعباً» وفي كل الموارد التي أتت فيها بصورة مصدر بعد فعل الاتخاذ (كما في الآية محط البحث) فقد كانت بمعنى المزح، اللهم إلا إذا تعدى الفعل «هزئ» بحرف الباء (هزئت به) فيكون بمعنى الاستهزاء [2] . وعلى هذا الأساس فإن جملة: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} [البقرة: 67] هي بمعنى: «أتمزح معنا؟»، وليست بمعنى: «أتسخر بنا؟»، إلا أن المستفاد من سياق الكثير من الآيات معنى السخرية هذا؛ نظير: {لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 57]، {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} [المائدة: 58]، {وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} [الكهف: 106]

«ما هي»: السؤال هنا عن خصوصيات البقرة بتعبير ما هي وليس «ما الشارحة» ولا «ما الحقيقية»؛ وذلك لأن كلاً من اسم البقرة وماهيتها كانا معلومين؛ كما أن المعنى المصطلح في المنطق لعبارة «ما هي» ليس مطروحاً هنا أساساً، بل المراد هو خصوصية السن واللون ومقدار الخدمة وكيفية كونها ذلولاً سهلة الانقياد، وبالنظر إلى أهمية السن في الحيوان، فقد تم في البداية تبيين مسألة الفارض والبكر ومن ثم انتقل الحديث إلى اللون وعدم كونها ذلولاً.

{لَا فَارِضٌ} [البقرة: 68]: أبو الفتوح الرازي فسر جملة: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ} [البقرة: 68] بأنها لا هرمة للغاية ولا فتية جداً؛ كما روى عن مجاهد وأبي عبيدة أنهما قالا: إن الفارض هي التي وصل بها الهرم إلى حيث لا تحمل ولا تلد [3]. كما أن منهج الصادقين أيضاً في ذيل الآية مدار البحث فسر الفارض بأنها «المسنة العاجزة عن العمل» والبكر بأنها «الفتية التي لم تبلغ سن العمل بعد» [4].

وهذا المعنى ينسجم أيضاً مع الأصل اللغوي لهذه الكلمة؛ لأنه إذا كانت مفردة «فارض» من «فرض الحيوان فراضة: أي كبر وأسن» فالأمر واضح، وإذا كان من «فرض يفرض فرضاً وفروضاً» بمعنى القطع والفصل، فإنه يقال لأنثى الحيوان المسنة إنها فارض من حيث انقطاعها عن الحمل والولادة [5]، أو من باب أنها قطعت سنها وبلغت آخرها [6]، أو من حيث إنها تقطع الأرض وتفرضها (أي تشقها) [7] أو لأنها تفرض (تشق) ما تحمل من الأعمال الشاقة وتنجزها [8].

و«البكر» أيضاً هي من «بكر يبكر بكوراً» أي الخروج في أول النهار قبل شروق الشمس، ويقال «بكر» لأول كل شيء ومنه الولد الأول، و«البكرة» هي أول النهار. أما المراد من هذه المفردة في الآية فهي البقرة التي لم تبلغ سن الحمل والإنجاب [9].

تتضح مما قيل الملاحظة في كلام صاحب مقاييس اللغة؛ إذ أنه لم يفلح في تبيين التناسب بين لفظة فارض وأصلها اللغوي، ومع أنه اعتبر أن أصل «الفرض» هو التأثير بالشيء بحر أو شق أو غيره إلا أنه ذهب إلى شذوذ تفسير «الفارض» بمعنى «المسنة» [10]، كما لا يخلو تحقيق بعض المعاصرين في هذا المجال من تأمل أيضاً حيث عد الأصل الواحد لهذه «التقدير المعين واللازم» وادعى جريان هذا المعنى في جميع مشتقات هذه المادة ومن جملتها كلمة «الفارض» في الآية: «لا فارض ولا بكر؛ وذلك لأن المراد من الفارض هو الحيوان الذي لا يكون في مستهل عمره، بل قد بلغ مراحل من عمره يقدر اموره فيها نتيجة التجربة والعمل ويكون محط تنظيم وتنفيذ برنامج عملي [11]. والإشكال الذي يشوب البيان المذكور هو أن التقدير والتنظيم وتنفيذ برنامج عملي إنما يتعلق بالحيوانات ذات السن المتوسط ولم يرد من كلمة «الفارض» هذه المرحلة السنية، بل إن مقتضى سياق الآية وما تستلزمه قرينة التقابل بين الفارض والبكر هو أن تلك المفردة هي بمعنى «المسنة العاجزة عن العمل».

«لا بكر»: جاءت مفردة البكر بمعنى القطع وإن ما روي عن ضربات أمير المؤمنين (عليه السلام) : «كانت ضربات علي بن أبي طالب (عليه السلام) أبكاراً؛ كان إذا اعتلى قد، وإذا اعترض قط» [12] فهو ناظر إلى كون ضرباته اللا قاطعة فإذا أهوى بالسيف عمودياً كان يقد خصمه من الأعلى إلى نصفين طولاً وإذا ضرب به افقياً نصف خصمه إلى نصفين من وسطه عرضاً.

تنويه: نفي طرفي الشيء يكون ـ تارة ـ لإثبات حده المعتدل والمتوسط، كما في: «لا شرقية ولا غربية ، ونظير ولا فارض ولا بكر وسائر الموارد التي يفتقر فيها الطرفان ـ نتيجة الإفراط والتفريط ـ إلى مزايا الحد المعتدل، وحيناً لإثبات عذاب خاص أو رذيلة معينة، لا لإثبات الحد المعتدل؛ نحو: {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ} [الواقعة: 42-44]، ونظير: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} [النساء: 143] وطوراً لتقديم مبحث جديد، فقصة البقرة المذبوحة هي ـ بلحاظ الفارض والبكر ـ من النمط الأول أما من جهة نفي الحرث والسقي فهي ليست من النمط الثاني، بل هي تثبت وصفاً ممتازاً آخر مما يمكن أن يكون من القسم الثالث؛ وذلك لأن نفي الحرث والسقي يرجع إلى نفي وصف جامع هو عنوان الذلول، وليس نفياً لخصلتي الإفراط والتفريط وسلباً لصفتين متقابلتين.

«عوان»: «العوان» من عان (الإنسان أو الحيوان) يعون عوناً، أي توسط في السن فلا هو صغير ولا كبير، كما وتستعمل أيضاً لمطلق التوسط بين شيئين [13]، وإن جملة: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] (بملاحظة أن المشار إليه في ذلك هو «الفارض» و«البكر» [14]) تعني أنه متوسط بين الفارض والبكر.

{فَاقِعٌ} [البقرة: 69]: «الفاقع» من «فقع يفقع فقعاً وفقوعاً» هو بمعنى الصافي الخالص المتجانس، ويستعمل غالباً مع اللون الأصفر، فيقال: «أصفر فاقع». ومن أجل إفهام كون لون ما نقياً خالصاً محضاً هناك وصف خاص؛ فيقال للأصفر والصفرة الخالصة إنه: «أصفر فاقع»، وللأبيض: «أبيض ناصع»، وللأسود: «أسود حالك»، وللأحمر: «أحمر قان»، وللأخضر: «أخضر ناضر» [15]

{ذَلُولٌ} [البقرة: 71]: «الذلول» هي الدابة التي باتت سهلة القياد ذليلة جراء العمل المتواصل وحرث الأرض وسقي المزارع.

قد يقال إن عنوان «الذلول» لا يتضمن معنى الذلة والمهانة وإن بين «الذلول» و«الذليل» فارقاً، و «الذلول» (من ذل، يذل، ذلاً وذلة ومذلة) هو بمعنى المنقاد الخاضع؛ «ذلت الدابة»، أي لانت وخضعت بعد تصعب وشماس. وجمعها ذلل، خلافاً للفظة «الذليل» التي جمعها «أذلة»؛ ومن هذا المنطلق فقد جاء في الدعاء في طلب السحاب الخاضع المفيد الكثير المطر: «اللهم اسقنا ذلل السحاب» [16]، كما وجاء بخصوص الأرض الجاهزة لأي انتفاع بشري: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: 15] ... وجاء فيما يتعلق بنحل العسل وسلوك السبل السهلة المعدة الممهدة ما نصه: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا} [النحل: 69] [17]، على خلاف الذليل الذي يحكي معنى الضعيف الخانع الخسيس وغالباً ـ أو دائماً ـ ما تستخدم هذه اللفظة للإنسان؛ لأن المهانة والمسكنة والخسة عادة ـ أو دائماً ـ ما تتصور في الإنسان والموجودات المفكرة.

يستفاد من مفردات الراغب أنه إذا كان الفعل «ذل يذل» بمعنى الخاضع والمنقاد فإن مصدره «ذل» وصفته المشبهة «ذلول» (وجمعها «ذلل»)؛ لذا فإنه يقال: «ذلت الدابة ذلاً ذلول». أما إذا كان بمعنى المهانة والخسة والضعف وإنه مقهور، فإن مصدرها «ذلة» و«مذلة» وصفتها المشبهة «ذليل» (وجمعها «أذلة»). لكنه لا يستبعد احتمال استعمال «أذلة» في الموارد التي يراد منها الانقياد والليونة الصرفة، وليس المهانة والخنوع؛ كما في قوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة: 54]؛ وذلك لأن المحبين لله والمحبوبين عنده تعالى يمتازون بالليونة والانقياد للمؤمنين وليس بالذلة والمهانة.

«مسلمة»: هذه المفردة هي مبالغة من «سالمة»؛ نظير صحيح ومصحاح، أو مريض وممراض. والمبالغة في الصحة أو المرض تشمل كل مراحل القوة والفعل والانفعال، فالمصحاح مثلاً يعني الإنسان أو الحيوان السليم الذي لا يمرض بسهولة ويصمد بوجه المرض مهما أمكن ويتمتع بمزاج بالغ السلامة والقوة؛ كما أن الممراض هو أضعف من المريض وهو يطلق على ذي المزاج الضعيف جداً والذي يمرض بسهولة. إذن فإن «مسلمة» هي الدابة التي تكون أقوى من السالمة، والمصونة من كل عيب مما لا يتسنى ـ أساساً ـ العثور على عيب فيها.

تنويه: ذهب البعض إلى أن كلمة: «مسلمة شاملة للتكوين والتشريع وقالوا: إن البقرة المشار إليها مبرأة من العيب التكويني كما أنها مصونة من العيب الفقهي والشرعي؛ مثل الحرمة والغصبية [18] .

{لَا شِيَةَ فِيهَا} [البقرة: 71]: يتضح مما سبق بيانه أن جملة: «لا شية فيها» هي توضيح وتأكيد لكلمة: *مسلمة؛ أي حتى من جهة اللون فإنه لا سبيل لانتقاص هذه البقرة فلونها متجانس خالص ولا تشاهد فيها ولو بقعة واحدة من لون مغاير. الأصل في «شية» هو «الوشي»؛ مثلما أن الأصل في «الوعد». فالوشي يعني الوشم ومنه يطلق لفظ «الواشي» على الشخص الواشم، وهو من «وشى يشي وشيا ووشاية». و«وشيت الشيء وشيا» تستعمل عندما يترك في شيء كاللباس أثر يغاير لونه لونه الغالب فيه [19]. من هذا المنطلق فإن «شية» هي بمعنى العلامة والسواد في اللون الأبيض أو البياض في السواد وكل ما خالف لونه لون أرضية القماش أو أي جسم آخر، كما ويقال أيضاً: «وثي الثوب وشيا وشبية» أي زينه بنقش أو كتابة.

ويقال لنمام ساسة السوء إنه «واش»؛ لأنه يسعى من خلال خلط الأكاذيب وتزويق الخبر إلى عرض وشايته على نحو أفضل، وكما قيل بخصوص بعض الأشعار إن «أحسنه أكذبه»، فإنه يقال لوشاية النمامين بالسوء: إن أفضل النمامين هو من كان كذبه وتزويره وتلبيسه وتدليسه الخبري أكثر.

فالشية هي الوشي، لكنه تصاغ من صورة هذه الكلمة «شبية» (لا من مادتها) «أفعل» الوصفية (لا التفضيلية)؛ مثل: «ثور أشيه» نظیر «فرس أبلق»، و«كبش أخرج»، و«تيس أبرق»، و«غراب أبقع». في جميع هذه الموارد يتصف بهذه الصفات الحيوان الذي يكون في لونه بلقة، إلا أن البلقة في الأشيه ليست من الشية؛ لأن مادتهما مختلفة [20]

فالحاصل إن ولا شية فيها تعني إنها على جانب من السلامة من العيوب بحيث تكون خالية، حتى من جهة اللون، من أي اختلاط أو بقعة. وقال جماعة من المفسرين توضيحاً لهذه الجملة: حتى قرنها وظلفها لابد أن يكون أصفر اللون) [21]

«ادار أتم»: «ادار أتم» هي من الأصل «درء» وهو بمعنى الدفع [22] وأصلها «تدار أتم» (بدلت التاء إلى دال وأدغمت في دال فاء الفعل وأدخلت همزة الوصل على أول الكلمة). التدافع هو دفع كل واحد من الأشخاص شيئاً عن نفسه وإلقاؤه على مسؤولية الآخر ومن الممكن أن تكون بمعنى مطلق التخاصم والعداء بين الناس (وليس بمعنى التدافع)؛ لأن كلاً الطرفين في التخاصم يدفع الجناية أو الجرم عن نفسه وينسبه إلى الآخر [23]

«فيها»: الضمير في كلمة: «فيها يرجع إما إلى النفس المقتولة، أو إلى «القتلة» المفهومة من الفعل «قتلتم»، أو إلى «التهمة» المستفادة من الكلام [24].

{اضْرِبُوهُ} [البقرة: 73] الضمير في «اضربوه» يعود إلى «النفس» في جملة: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا} [البقرة: 72]، أما الوجه في تذكيره (مع أن «النفس» مؤنثة) فهو على اعتبار كون المقتول رجلاً، أو على اعتبار إطلاق عنوان «الشخص» أو «القتيل» عليه [25]، أما اعتبار كون النفس رجلاً أو شخصاً أو قتيلاً وعدم ملاحظة كون النفس ذاتها مؤنثة فلعله من باب أن تأنيث الضمير (اضربوها ببعضها) لن يوضح فيما إذا كان المضروب هو القتيل أم البقرة، وفيما إذا كان المراد من «بعضها» هو بعض المقتول أم بعض البقرة.

وبعد إحصاء آلاء الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل والكفران الذي مارسوه تجاهها، تأتي هذه الآيات الثمانية لتروي قصة تشتمل على نعمة أخرى من جانب الله (عز وجل) وكفران آخر من جانب بني إسرائيل؛ وهي قصة الأمر بذبح بقرة من أجل العثور على قاتل؛ وهي تلك القصة التي من أجلها سميت سورة «البقرة» بهذا الاسم.

 


[1] راجع لسان العرب، ج 1، ص 183، «هزأ»؛ وراجع مجمع البیان، ج 1 - 2، ص 273

[2] المفردات في غريب القرآن، ص841، (هزا).

[3] راجع تفسير روض الجنان وروح الجنان، ج2، ص10.

[4] تفسير منهج الصادقین، ج 1، ص293

[5] راجع تفسير أبي السعود، ج 1، ص 134 ـ 135؛ وروح المعاني، ج 1، ص 452 ـ 453.

[6] راجع تفسير أبي السعود، ج 1، ص 134 ـ 135؛ وروح المعاني، ج 1، ص 452 ـ 453.

[7] راجع المفردات في غريب القرآن، ص 631، «فرض».

[8] راجع المفردات في غريب القرآن، ص 631، «فرض».

[9] المفردات في غريب القرآن، ص 140، «بکر».

[10] معجم مقاییس اللغة، ج 4، ص 489.

[11] التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج9، ص59، «فرض».

[12] مجمع البیان، ج 1 - 2، ص268.

[13] المفردات في غريب القرآن، ص598، «عون».

[14] تفسير أبي السعود، ج 1، ص135.

[15] روح المعاني، ج 1، ص456.

[16] نهج البلاغة، الحكمة 472.

[17] سورة النحل، الآية 69؛ راجع المفردات في غريب القرآن، ص 330 - 331، «ذلل».

[18] روح المعاني، ج 1، ص 460.

[19] المفردات في غريب القرآن، و ص872، «وشی».

[20] روح المعاني، ج 1، ص 460.

[21] تفسير منهج الصادقین، ج 1، ص296 (وهو بالفارسية)؛ وتفسير أبي السعود، ج 1، ص136؛ تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، ج 1، ص 311.

[22] قاعدة الدرء المعروفة في باب الحدود: «إدرأوا الحدود بالشبهات» (من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 74؛ ووسائل الشيعة، ج 28، ص 47) هي بمعنى: ادفعوا الحدود بالشبهات.

[23] تفسير أبي السعود، ج1، ص137.

[24] راجع روح المعاني، ج 1، ص 462.

[25] راجع تفسير أبي السعود، ج 1، ص 137.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .