العلاقات العامة في عصر النهضة

أثرت الثقافة العربية الإسلامية الوافدة من إسبانيا على أوروبا. وبدأت تزيح عن كاهلها كابوس العصور الوسطى، ما فيه من تعصب ديني، وضيق أفق، وجهل مطبق. امتاز عصر النهضة الأوروبية بظهور مدارس فلسفية جديدة، اعترفت بقيمة الإنسان، وثارت على احتقاره، فمجدت الإنسانية و أنكرت تعاليم الكنيسة المجحفة بحق الإنسان.

ولا شك في أن الاهتمام بقيمة الأفراد، ورأي الجماعات هو الذي مهد لنهضة العلاقات العامة. وقد استمد المفكرون في عصر النهضة تعاليمهم الإنسانية من ملاحم هومروس وفلسفة أرسطو، فتفتحت العيون، وأخذ الفلاسفة يفكرون تفكراً عقلياً وينبذون التفكر التقليدي المبني على اليقن الديني وحده.

بعد قيام "الثورة البروتستانتية" التي نشهر تعاليمها (كالفن) و(لوثر)  وجدت الكنيسة الكاثوليكية نفسها في مأزق حرج. وبدلاً من أن تقوم بتعديل  موقفها جذرياً راحت تنشد الخلاص من تلك التعاليم الجديدة التي اعتبرت كفراً وخروجاً عل المسيحية، فاهتمّت مسائل النشر والدعاية التي عرفت كمصطلح لأول مرة، وتعني نشر المعلومات الدينية والترويج لها. وكان البابا جريجوري الثالث عشر أول من اهتم بذلك.

اتخذت الدعاية مظاهر شتى، فاستخدمت الكنيسة الكاثوليكية أساليب الترغيب والترهيب والعقاب، وأنشأت مدارس التبشر وغيرها. إلى أن انتهى الأمر بإنشاء معهد لتخريج متخصصين في الدعوة الدينية والتبشر.

اهتم الكرادلة بدراسة العلاقات العامة، وتنظيم شؤونها والتفكر في فنون الدعاية المختلفة. وما كان لذلك الاهتمام أن يكون بدون الثورة البروتستانتية، وتحدي زعمائها لسلطة الكنيسة الكاثوليكية.

لم ينحصر عهد النهضة في المجال الديني فقط، بل إنه شمل المجالين الاقتصادي والعلمي أيضاً. فاستيقظت أوروبا من سباتها دون خوف من الكنيسة التي كانت لا تسمح للفرد إلا بالاستعداد للحياة الأخرى.

وعندما تحول المفكرون من المنهج اللاهوي إلى المنهج التجريبي، انتقل النظام الاقتصادي مثل جمود القطاع الزراعي إلى النشاط التجاري الحر، ومن الحكم الاستبدادي المطلق، إلى ظهور الطبقة الوسطى التي راحت تطالب بالاشتراك في الحكم. أدى ذلك مع ازدهار التجارة وارتفاع مستوى المعيشة إلى ازدياد الاهتمام باتجاهات الأفراد والجماعات، ومحاولة الاستجابة لمطالبهم. وازدادت العناية بالعلاقات العامة في المجال الاقتصادي.

ثم نشبت الثورات القومية التي تطلبت كسب ثقة الناس وتأييدهم، فتسابق الكتاب والمؤلفون، والصحفيون في إصدار الصحف والنشرات لشرح المذاهب المختلفة وتبسيطها وعرضها عرضاً مستساغاً على الناس. ويرى الدكتور "ابراهيم امام" ان نشاطاً كهذا يدخل في نطاق العلاقات العامة من حيث اتصال الهيئات المختلفة من ملكية او برلمانية او غيرها بالجماهير ومحاولة كسب ثقتها وتأييدها.