شكلت هذه المنطقة المتجانسة حضارياً الى حد بعيد الاهمية الأولى في عملية التمازج الحضاري بين الثقافة الاسلامية الشرقية والثقافة الأوروبية. فإسبانيا كانت ملتقى شعوب مختلفة حدثت فيها عملية امتزاج اجتماعي واسعة النطاق. كما كانت ملتقى اللغتين العربية واللاتينية. وقام عرب اسبانيا بدور عظيم في جميع المجالات الثقافية والعلمية والادبية وكان من نوابغهم ابن باجه وابن رشد وابن طفیل وابن عربي والبكري والادريسي وابن جبير ثم ابن زهر وغيرهم من الذين بلغت علومهم من الدقة بحيث اقبل على مؤلفاتهم طلاب العلم من كل انحاء اوروبا. «فالشيء الذي لا يمكن نكرانه هو أن عرب اسبانيا خلقوا مدنية زاهرة واتقنوا تنظيم الحياة الاقتصادية في الوقت الذي كانت تنوء اغلب اصقاع اوروبا تحت نير الشقاء والاغلال مادية كانت ام روحية. اجل فقد لعب عرب اسبانية دوراً خطيراً [عظيا] في تقدم الفن والفلسفة والشعر حتى ارتفع تأثيرها الى اعلى قنن الفكر المسيحي في القرن الثالث عشر بظهور توما الاكويني ودانتي» (1).  اشتهرت المدن الاسبانية الثلاث طليطلة وقرطبة واشبيلية (2) بعد سقوطها بيد الاوروبيين بازدهار حركة الترجمة من العربية الى اللاتينية. وقد تم للأوروبيين فعلاً ترجمة الجزء الأكبر من تراث العرب في القرن الثالث عشر بواسطة مدارس الترجمة التي اقامها حكام واساقفة هذه المدن. وقد نسب الى جيرار الكريموني (1114 - 1178) من مدينة طليطلة بترجمة ثمانين مؤلفاً في جميع حقول العلم والمعرفة. وهكذا تكون استفادة الغرب الحضارية من سقوط طليطلة قد فاقت استفادتهم منها كموقع جغرافي او ككسب حربي وسياسي. (ومن طليطلة) المدينة ذات العقيدة الثلاثية) انتشر التيار العظيم في مراكز الفكر العربي من جنوب فرنسا ووصل الى دير كلوني وعن طريقه وصل الى اقليم، اللورين والمانيا وانجلترا وكل اوروبا الغربية. وكان العرب قد اضافوا الى التقدم الانساني اهم اسهام في العصر الوسيط (3).

..........................................

1- تواند جون تراث الاسلام بإشراف سير توماس ارنولد. عربه وعلق على حواشيه جرجيس فتح الله. دار الطليعة بيروت الطبعة الثانية 1972 ص22.

2- سقطت على التوالي في سنوات 1085، 1236، 1248.

3- جاك ريسلر: الحضارة العربية ترجمة غنيم عبدون مراجعة احمد فؤاد الاهواني. الدار المصرية للتأليف والترجمة 1955 ص 227.