أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-03
307
التاريخ: 2023-12-27
1015
التاريخ: 2023-09-16
1436
التاريخ: 2024-02-07
1045
|
بعد أن غرس «سيتي الأول» الخوف من مصر في قلوب قبائل «شاسو» مما أمَّن له الطريق ذهابًا وإيابًا من مصر إلى فلسطين، بدأ المرحلة الثانية من مراحل حملته على ثوار فلسطين وعصاتها، وتحدثنا نقوش الكرنك وقوائم البلاد المقهورة التي خلفها لنا هذا الفرعون على أنه بعد أن اخترق جبال «الكرمل» استولى على مدن «باهيريا» و«بيت شائيل» و«حماة» و«رحوبو» و«ينعم»، وقد رأينا المدينة الأخيرة مصوَّرة تحوطها غابة، واللوحة التي عثر عليها «فشر» توضح لنا في بيان بعض تفاصيل هامة عن هذه المواقع السالفة الذكر، وهذه اللوحة تُعد أحدث الآثار القليلة التي تمدنا ببعض معلومات حقيقية عن حملة حربية بالمعنى الصحيح في تلك الأزمان السحيقة في القدم، فتحدثنا هذه الوثيقة أولًا أن الرأس المحرِّك لهذه الاضطرابات أمير بلدة «حماة» إذ قد استولى على مدينة «بيت شائيل»، وانضم إلى ولاية «باهيريا»، وأخذ في إثارة القلاقل في الأقاليم المجاورة، ومن أجل ذلك عقد «سيتي الأول» العزم على القيام بضربة حاسمة يحصل بها على انتصار سريع فاصل يقضي به على الثورة قضاء مبرمًا؛ ولذلك أرسل فيالقه الثلاثة التي سُميت بالتوالي بأسماء الآلهة: «آمون» و«رع» و«ستخ»؛ ليقوموا بالهجوم في وقت واحد على المدن الثلاث الثائرة، وبعد حرب دامت يومًا واحدًا انتصر الجيش المصري انتصارًا باهرًا، وهاك متن اللوحة، فاستمع لما جاء فيه: «السنة الأولى (1)،الشهر الثالث من فصل الصيف، اليوم العاشر من الشهر من عهد حور الملك الثور القوي المشرق في طيبة … ملك الوجه القبلي والوجه البحري، من ماعت رع بن رع سيتي مرنبتاح معطي الحياة … وأن افتخارات أقوامهم عظيمة، وكل الأجانب تقول إنا نهاجم (؟) الممالك، ورؤساؤهم يقولون إلى أي قدر نحن مسوقون (؟) فإنهم آمنون من جهة ذلك، ولكن أصحاب الألباب اليقظة يقولون: ليتهم يعون في قلوبهم قوة والده آمون الذي يقرر له — أي الفرعون — القوة والظفر.» وبعد هذه المقدمة المهشمة يأتي الجزء الخاص بالحرب، وهو: لقد حضر هذا اليوم إنسان ليخبر جلالته أن العدو الخاسئ الذي كان في بلدة «حماة» قد جمع لنفسه نفرًا عظيمًا، وهو يهاجم بلدة «بيسان»، واتحد مع أهل بلدة «بلا»، ولم يسمح لأمير «رحوب» أن يخرج من مدينته، وقد أرسل جلالته الجيش الأول ﻟ «آمون» المسمى «عظيم الأقواس» إلى بلدة «حماة»، والجيش الثاني ﻟ «رع» المسمى «الغني الشجاعة» إلى بلدة «بيسان»، والجيش الأول للإله «ستخ» المسمى «المنتصر الأقواس» إلى بلدة «ينعم»، وحدث أنهم في يوم واحد خضعوا لقوة جلالته ملك الوجه القبلي والوجه البحري «من ماعت رع» ابن الشمس «سيتي مرنبتاح» معطي الحياة. وهذا المتن يوضح بجلاء أن تقدم الجيش المصري في سهل «إسدرالون Easdraelon « قد أعقب مباشرة اقتحام «كنعان» بوصفه معبرًا عن جزء من أغراض الحملة نفسها، ومن المحتمل كذلك أن حصن «مجدو» الذي يشرف على المنفذ الشمالي لسهل «كنعان» الساحلي لم يعترض مرور الجيش المصري، وليست لدينا معلومات عن حروف وقعت هناك، ومن الواضح إذن أن قلعة «بيسان» التي يعزو تأسيسها إلى «تحتمس الثالث» قد ساعدت المصريين، كما فعلت مدينة «رحوب» الصغيرة، وهذه الحقيقة تكشف لنا أحد أمرين: إما أن النفوذ المصري في فلسطين لم يكن قد ضاع كله في عهد الفوضى الخارجية التي كانت ضاربة أطنابها في عهد «إخناتون»، كما هو المفروض، وإما أن الحملة التي أرسلت في عهد «توت عنخ آمون»، وإن لم تكن ذات أثر فعال من جهة نتائجها المادية — لأنه كان لزامًا على «سيتي» أن يقوم بحروب على «الشاسو» عند حدود فلسطين الجنوبية — قد تركت أثرًا أدبيًّا لا يمكن إغفاله، ولو من جهة تحذير بعض الرؤساء الفلسطينيين بأن قوة مصر كانت توحي من جديد بأنها ستكون عملًا يحسب حسابه في المستقبل. ويدل هذا المتن — فضلًا عن ذلك — على أن السير نحو «بيسان»، و«حماة»، و«ينعم» كانت قد وضعت خططه لتنفيذ في وقت واحد؛ وإنه لمن المهم جدًّا أن يتاح لنا معرفة القاعدة التي بدأ منها «سيتي» الزحف بجيوشه، فهل يا ترى كانت بلدة «مجدو»؟ وتظهر بلدة «حماة» — التي نحن بصددها الآن — على معظم المصورات الجغرافية على الشاطئ الغربي من «بحيرة الجليل»، وإن كان الأثري «رو» يقول: إن موضعها يبعد بعض الشيء نحو الجنوب؛ فتقع عند مدخل وادي «اليرموك»، ويجب بهذه المناسبة ألا نخلط هذه المدينة بالمدينة الأخرى التي تحمل نفس هذا الاسم، وهي التي تقع على نهر «الأرنت» على مسافة ثلاثة وأربعين ميلًا في انحدار النهر من «قادش«. ولم يُذكر أي شيء في متن «بيسان» عن أية محاولة مباشرة لخلاص «رحوب» التي يحتمل أنها تقع جنوبي «بيسان» الواقعة في وادي «جزريل» القريبة من نهر الأردن، وقد تم إنقاذ «رحوب» بطبيعة الحال بتخليص «بيسان»، والهجوم على «حماة»، يضاف إلى ذلك أنه لم يذكر لنا أي هجوم على «بلا» (بحر) الواقعة في الجنوب الشرقي من «بيسان» على الجهة المقابلة من نهر الأردن، ولكن مما لا شك فيه أنها كانت قد أخضعت قبل عودة «سيتي» إلى أرض الوطن؛ لأن اسمها جاء ضمن قائمة الأماكن التي فتحها «سيتي»، وهي التي ذُكرت في نقوش قاعدة تمثال «بولهول» الذي عُثر عليه في معبده الجنازي «بالقرنة«(2)، وقد أقام لوحة عند «تل الشهاب» في «حوران» على مسافة اثنين وعشرين ميلًا شرقي بحر الجليل (3). ولا بد أن الميناءين البحريين: «عكا» و«صيدا» كان قد استولى عليهما الجيش المصري في مرحلة من مراحل الحملة الأولى هذه قبل الحوادث التي ذكرناها الآن، كما نعرف ذلك من نقوش «بولهول» السالف الذكر، هذا ويعد الاستيلاء على «ينعم»، وبلدة «جادر» الواقعة في «لبنان»، وإخضاع رؤساء لبنان آخر ما وصلت إليه هذه الحملة من الفتوح (4). ومما يلفت النظر في نقوش لوحة «بيسان» هذه أنه أصبح في استطاعتنا أن نعلم شيئًا عن قوة جيش «سيتي» وقتئذ الذي كان تحت إمرته، فقد اتضح لنا بصفة مؤكدة أن أقسام الجيش المصري قد سميت بأسماء أعظم الآلهة المصريين، وذلك يؤكد لنا أن هذا النظام كان قائمًا قبل ذلك؛ فقد ذكر لنا «كارتر» (راجع Carter Tut Ankhamon II, p. 31) تصوير الآلهة «آمون» و«رع» و«بتاح» الذين نُقشت أسماؤهم على بوق عُثر عليه في مقبرة «توت عنخ آمون» مع ذكر أقسام الجيش التي سميت بأسماء هؤلاء الآلهة، يضاف إلى ذلك أن متن «بيسان» قد ذكر لنا في صراحة أنه قد أُخذت الفيالق الأولى من كل جيش من جيوش هؤلاء الآلهة؛ مما يدل على أن باقي الفيالق كانت لا بد في معسكرات الاحتياطي بمصر. ولا يبعد أن هذا النظام، وهذه المسميات كانت موجودة في عهد الفرعون العظيم «تحتمس الثالث» الذي كان يقلده «سيتي الأول» في كل خطواته، وأنظمته الحربية كما ذكرنا. وبعد أن تم ﻟ «سيتي» النصر انتهز فرصة وجوده في بلاد «لبنان» فأخذ في قطع الأخشاب اللازمة لبناء المعابد في مصر، ولدينا منظر على جدران معبد الكرنك نرى فيه صورة قطع الأخشاب، ونشاهد فيه الفرعون يصحبه أحد رجال دولته العظام، والمتن الذي يصف هذا المشهد يقول (5):
الإشراف على رؤساء لبنان الذين يقطعون خشب الصنوبر لبناء السفينة العظيمة الخاصة بُعيد بداية النهر، وكذلك لصنع خشب الأعلام العظيمة للإله «آمون» … لبناء … بحياة بهجة … مثل رع كل يوم … محبوب الآلهتين: مجدد الولادة … أقوى الناس قوسًا … وسرور … وأنه يراهم سيده … وقلبه مطمئن جاعلًا حدود مصر … ليملأ المخازن …» وباقي المتن قد فُقد، ولا بد أنه كان يقص علينا فيه كلام الفرعون الذي أجابه الضابط المصور في المنظر قائلًا: ما قاله حامل المروحة على يمين الفرعون جوابًا للإله الطيب، إنه سينجز على حسب كل ما قلته يا حور، يا محي الأرضين، إنك منتو (إله الحرب) كل مملكة: وعندما يراك رؤساء «رتنو» يسري خوفك في أعضائهم، وقد أجاب أمراء لبنان قائلين في مديح سيد الأرضين، وللتعظيم من قوته! إنك ترى مثل والدك «رع»، وإن في النظر إليك الحياة. وبعد أن تم ﻟ «سيتي الأول» النصر وتزود بالأخشاب اللازمة لسفينة الإله، ولإقامة معابده، عاد إلى أرض الكنانة، ودخلها دخول الفرعون الظافر الفاتح، على أنه لم يفُته أن يصور لنا هذا النصر المبين على الأعداء من «الشاسو»، وقد انتهز المفتن هذه الفرصة ليمثل ذلك بصورة خلابة، فانتظر اقترابه من قلعة «ثارو»، ورسم لنا مشهدًا رائعًا يرى فيه الفرعون واقفًا في عربته، وهو يسوق جواديه، قابضًا على الغل الذي كبل فيه الأسرى، وقد سيق منهم ثلاث مجاميع أمام جواديه، ومجموعة رابعة كان أفرادها يتعثرون في سيرهم خلف عربته. وكان يرافق الفرعون في أثناء ذلك أمير يحمل قوسًا، كما كان يحمل رمز حامل المروحة على يمين الفرعون، وكتب فوقه المتن التالي:
مصاحبة الأمير الوراثي العظيم الدعاء … وكاتب الفرعون الحقيقي ومحبوبه … وابن الملك من صلبه ومحبوبه … للفرعون في سيره في بلاد «رتنو».
ويظن الأستاذ «برستد» أن هذا الأمير المذكور في هذا النقش كان أخًا أكبر ﻟ «رعمسيس الثاني» الذي أصبح الوارث لعرش مصر بعد وفاته؛ وأنه قد أمر بمحو اسمه من نقوش الكرنك، ولكن هذا موضع سنتناوله بالبحث والدرس في مكان آخر. وعندما اقترب «سيتي» من معقل «القنطرة» المحصنة التي عندها تعبر القناة التي تفصل «ثارو»، وأرض الكنانة عن الصحراء قابله وفد من جموع رعاياه كان يغمرهم الفرح والغبطة بنصر سيدهم، وقد قُسموا طائفتين؛ الأولى: تحوي كهنة محلقين رءوسهم، وحاملين طاقات أزهار، والثانية: تشمل الأشراف، ووجهاء الموظفين، وكلهم رافعون أذرعتهم فرحًا وتضرعًا، وقد فسرت لنا النقوش هذا المشهد، فاستمع لما جاء فيها:
الكهنة والموظفون من شمالي البلاد وجنوبها أتوا ليحتفلوا بالإله الطيب عند عودته من بلاد «رتنو»، ومعه أسرى كثيرون جدًّا، ولم يُرَ مثل ذلك من قبل منذ زمن الإله، وهم يقولون في مدح جلالته وفي تعظيم قوته: «مرحبا بمقدمك من الممالك التي أخضعتها، وإنك لمنتصر، وأعداؤك تحت قدميك، وإن مدة حكمك ملكًا هي مثل «رع» في السماء، في حين أنك تسر قلبك بانتصارك على أهل الأقواس التسعة، وعندما وضع «رع» حدودك كانت ذراعاه تحميانك من خلف، وسيفك كان في وسط كل أرض، وقد سقط رؤساؤها بنصالها. ولا غرابة في أن نرى المصريين مبتهجين فرحين بما أوتوا من نصر عظيم، فقد مرت السنون تلو السنين الطوال قبل أن يشاهد المصريون عودة جيوشهم مظفرة من آسيا، وعلى رأسها الفرعون يحمل غنائم الحروب وأسلابها، ولا بد أنهم لما رأوا نتائج تلك الحملة الأولى المظفرة استبشروا بما سيعقبها من انتصارات باهرة في المستقبل القريب. ولا يبعد أن «سيتي» عندما سمع وقع أقدام خيله في ردهة قلعة «ثارو» تذكر تلك الأيام الخوالي عندما كان قائدًا لهذه القلعة يصرف أعمالها اليومية، ولم يكن يدور بخلده وقتئذ أنه سيكون يومًا ما فرعونًا يحفل به الشعب بمثل هذا الحفل الرائع في هذه البقعة بعينها! وقد جرى «سيتي» — كما قلنا — على نهج سلفه العظيم «تحتمس الثالث» في كل شيء، فنسب انتصاراته لإلهه «آمون رع» رب «طيبة»، وعلى ذلك ولَّى وجهه شطر هذه المدينة المقدسة يضع تحت قدميه كل أسلابه وغنائمه، كما تصور لنا ذلك نقوش الكرنك؛ حيث نجد الإله «آمون» يخاطب الفرعون قائلًا: «يا بني المحبوب، يا رب الأرضين، يا «من ماعت رع»، لقد وهبتك النصر على كل البلاد، وجعلتك تحكم أمراءها حتى يأتوا إليك مجتمعين سويًّا، محملة ظهورهم (بالجزية) خوفًا منك «. أما الأسرى فكانوا طائفتين: وُصفت طائفة منهم بأنهم رؤساء الأقاليم الذين لم يعرفوا مصر، وهم الذين حملهم جلالته معه أسرى من انتصاراته في بلاد «رتنو» الخاسئة، ويقولون معظِّمين جلالته ومهللين بانتصاراته: «مرحبًا بك، ما أعظم اسمك! وما أجل قوتك! إن الممالك تبتهج بأنها رعاياك، وأولئك الذين يتعدون حدودك يغلون بحياة حضرتك، نحن لا نعرف مصر، ولم تطأ أقدام آبائنا أرضها، امنحنا النفس الذي تهبه «. أما الطائفة الأخرى من الأسرى؛ فهم من بلاد «رتنو السفلى»، ويقول المتن التابع لهم: «الأسرى الذين جاء بهم جلالته من بلاد «شاسو» وهم الذين أخضعهم جلالته في السنة الأولى من عهد مجدِّد الولادة «سيتي الأول« «. هذا فضلًا عن أننا نشاهد مناظر أخرى ممثلة للأسرى؛ حيث نجد السوريين بدلًا من «الشاسو»، ولا بد أن هذا المنظر يشير إلى الجزء الثاني من حملة السنة الأولى، والحوادث التي وُضعت على لوحة «بيسان»، وتنتهي مناظر هذه الحملة بذبح الأسرى أمام الإله «آمون»؛ اعترافًا من الفرعون بأن قوته قد وهبها إياه الإله، وهذا المنظر له نظائر كثيرة من أقدم العهود، ويرجع عهد الاحتفال بذبح الأسرى إلى الأسرة الأولى؛ حيث نجد الملك «دن» ممثلًا على لوحة من العاج، وهو يقتل عدوًّا شرقيًّا راكعًا أمامه، وفي يد الفرعون مقمعة من الحجر يضرب بها العدو، وقد بقي هذا التقليد مرعيًّا في كل عهود ملوك الأسرات الفرعونية، ولا نزاع في أن الأسرى كانوا على ما يظهر يُذبحون في بادئ الأمر فعلًا حتى أصبح هذا العمل الوحشي في العهود المتحضرة، وبخاصة في عهد الدولة الحديثة، مجرَّد احتفال رمزي؛ فنجد مثلًا على البوابة السابعة في الكرنك «تحتمس الثالث» مصورًا في الوضع التقليدي على وشك ذبح طائفة من الأسرى يبلغ عددهم نحو الثلاثين، وهو قابض على نواصيهم (6)، في حين نجد في أماكن أخرى رؤساء الأسرى يُعاملون معاملة كريمة، فيظهرون في المناظر بدون أغلال في حضرة الفرعون جالبين معهم الجزية. والآن يتساءل الإنسان: هل عاد «سيتي الأول» لارتكاب هذه الفعلة الشنعاء ثانية فقتل أسراه، على الرغم من أنها عادة قد لَفَظَها الزمن رغبة في إحياء تقليد قديم؟ هذا ما لا يمكن الإجابة عنه. وقد وجدنا مع هذا المنظر قائمة بأسماء البلاد والممالك التي فتحها هذا الفرعون، غير أنه لا يمكن الاعتماد على صحة ما جاء في مثل هذه القوائم؛ لأنها كانت مرتبكة، وتقليدية يتناقلها الملوك بعضهم عن بعض، ولكن لدينا قائمة من عهده عن فتوحه قد يُعتمد عليها إلى حد ما، نقشها على قاعدة تمثال «بو الهول» الذي عُثر عليه في معبده الجنازي بالقرنة (7)،نقش عليه ما يأتي: (1–9) قبائل الأقواس التسعة، (10) بلاد خيتا، (11) «بلاد نهرين»، (12) «ارسا»، (13) «عكة»، (14) «سميرا»، (15) «بحرا»، (16) «بيت شائيل»، (17) «ينعم»، (18) «كمهم»، (19) «أولوزا» (: أناراثا)، (20) «كمد»، (21) «صيدا»، (22) «أوثو»، (23) «بت عنتا»، (24) «قراميم» إلخ. ومما تجدر ملاحظته هنا أن المتن الذي يفسر منظر التضحية قد نُقل معظمه من متون أخرى، فمثلًا: نجد أن الكلام الذي فاه به الإله «آمون» للملك أساسه ما جاء على لوحة «أمنحتب الثالث» التي على مبانيه (8)،وهذه اللوحة كان قد طُمس ما عليها من نقوش «إخناتون»، وقد أعادها إلى ما كانت عليه «سيتي الأول»، والظاهر أنه كان مرتاحًا لما جاء عليها حتى إنه استعمل متنها مع بعض تغيير طفيف، وقد نقل «رعمسيس الثالث«(9) فيما بعد رواية «سيتي الأول»، واستعملها لنفسه في نقوشه التي تركها لنا على جدران معبد مدينة «هابو»، وهاك المتن كما جاء على نقوش «سيتي الأول« : كلام آمون رع رب «طيبة»: يا بني الذي من صلبي، يا محبوبي، ويا رب الأرضين «من ماعت رع»، رب القوة في كل مملكة، إني والدك، وإني أنا الذي أجعل الرعب منك في أرض «رتنو» العليا والسفلى، وقبائل النوبة قد ذبحوا تحت قدميك، وإني آتي إليك برؤساء الممالك الجنوبية لتتسلم الجزية من كل منتجات ممالكهم الجيدة، ولتسرع … وإني أُولي وجهي قِبل الشمال، وآتي بأعجوبة لك … متصديًا العصاة في أوكارهم ببأس شديد. وإني آتي إليك بممالك لا تعرف مصر حاملين جزيتهم من فضة وذهب ولازورد، وكل حجر كريم غالٍ من أرض الإله. وإني أُولي وجهي قِبل المشرق وآتي بأعجوبة لك؛ فأغلهم جميعًا لك مجتمعين في قبضتك، وإني أجمع كل ممالك «بنت» سويًّا، وكل جزيتهم من بلسم وقرفة وكل الأخشاب الزكية الرائحة من أرض الإله ناشرًا شذاها أمامك، وأمام صلِّك. وإني أولي وجهي قبل المغرب، وآتي بأعجوبة لك، فأقضي على أرض «تحنو» لك، فهم يأتون منحنين أمامك وراكعين، وهم على خوف منك، ورؤساء … يقدمون لك الحمد. وإني أولي وجهي قبل السماء، وآتي بأعجوبة لك؛ فآلهة السماء يبتهلون لك عندما يولد «رع» كل صباح، وإنك تنمو مثل «رع» عندما يأتي بالظهيرة. وإني أولي وجهي قبل الأرض، وآتي بأعجوبة لك؛ فإني أقدر لك النصر على كل مملكة، والآلهة يفرحون بك في معابدهم، وأنك ستبقى طول الأبدية ملكًا على عرش «جب». أما الجزء التالي من خطاب آمون ﻟ «سيتي» فمأخوذ من أنشودة النصر الكبرى التي أنشدها ﻟ «تحتمس الثالث» (راجع مصر القديمة الجزء الرابع)، ويلاحظ أنه قد عمل فيها بعض التغييرات، فيقول:
لقد جعلتهم ينظرون إلى جلالتك باعتبارك رب الإشعاع حتى أضاءت وجوههم مثل صورتي. ولقد جعلتهم يرون جلالتي مرتديًا شعارك الملكي عندما تقبض على أسلحة الحرب في العربة. ولقد جعلتهم يرون جلالتك كالنجم السائر الذي ينشر لهيب النار، ويخرج نداه.
ولقد جعلتهم يرون جلالتك كالثور الفتي ثابت القلب، ومتأهب القرن لا يقاوم.
ولقد جعلتهم يرون جلالتك كالتمساح المفزع على الشاطئ، فلا يمكن الاقتراب منه.
ولقد جعلتهم يرون جلالتك كلهيب النار، ومثل «سخمت» نفسها في وقت عاصفتها.
ولقد جعلتهم يرون جلالتك مثل … عظيم في القوة، لا يقاوَم في السماء، ولا في الأرض، خذ السيف يأيها الملك العظيم، يا من تضرب مقمعته الأقواس التسعة. هذه أمثلة من النقوش التي تركها لنا «سيتي الأول» بعد عودته من حملته الأولى، ولا شك في أن المطَّلع يرى أنه قد حاول في كل مراحلها، وفي كل متونها تقليد عاهل مصر العظيم «تحتمس الثالث».
الحملة الثانية: أما حملة «سيتي الثانية» في آسيا فإن نقوشها قد فُقدت إذا كان ما دوِّن عنها هو الجزء الأعلى من النقوش التي كانت على يسار سجل مناظر معبد الكرنك، غير أن ما ادعاه «سيتي» في نقوش تمثال «بو الهول» «بالقرنة»، وهو الاستيلاء على «سميرا» و«أولازا» يجيز لنا أن نظن أن الجزء الضائع من هذه المناظر قد مثل عليه على أقل تقدير جزء من بلاد «آمور» الساحلية التي كانت تعد «سميرا» أهم ميناء فيها، وهذا يعادل المرحلة الثالثة من خطط تحتمس الثالث، وهو ما سار على هديه «سيتي الأول «. أما المرحلة الرابعة في حروب «سيتي الأول»، فكان الغرض منها إخضاع «قادش» الواقعة على نهر «الأرنت»، وتعد المنفذ لسهل بلاد سوريا الشمالية، وهذا ما بقي لنا مدونًا على الجزء الأعلى من سجل الكرنك (10)، وقد كشف بزارد Pizard في بلدة «قادش» هذه عن الجزء الأعلى من لوحة ﻟ «سيتي الأول» أقامها في هذه الجهة؛ فبرهن (11) بذلك على أن هذا الفرعون قد تملك هذه المدينة، وبهذا حُلَّ الجدل الذي دار بين «أدوردمير» و«برستد «(12) بأن «قادش» المقصودة هنا، والتي على سجل الكرنك هي «قادش» التي في منطقة الجليل. ويظهر من النقوش التي على منظر الكرنك الخاصة بقلعة «قادش»، والتي جاء فيها الهجوم الذي قام به الفرعون لتخريب أرض «قادش»، وأرض «آمور»، أن الاستيلاء على «قادش»، وفتح بلاد «آمور» قد حدث في مرحلتين من حملة واحدة، على أن ظهور منظر الاستيلاء على «قادش» مصورًا على نهاية الجدار الذي عليه مناظر حروب «سيتي» بالكرنك؛ أي بعيدًا بقدر المستطاع عن الباب الأوسط، يدل دلالة واضحة على أن هذه كانت أبعد نقطة وصل إليها الجيش المصري في هذه الحملة (13) ،أما الجزء الأول منها فقد فُقد الآن، وعلى ذلك فمن المحتمل أن «آمور» لا تشير هنا إلى الساحل الشمالي السوري، وأن موضوع فتحها كان مدونًا على ما يظهر على الجزء الواقع على يسار المدخل، بل المقصود بها هنا الجزء الداخلي من إقليم «آمور» حتى البلاد الواقعة جنوبي «قادش»، ومن المحتمل أنها كانت تمتد جنوبًا في الداخل حتى مدينة «دمشق» التي كانت قد خضعت على ما يظهر للنفوذ الآموري في أثناء الثورة التي قامت في عهد «إخناتون«(14). ومن الجائز أن الفرعون «سيتي» كان يشير في هذه الحملة إلى بلاد «تخس» عندما وضعها ضمن القائمة التي دوَّن عليها فتوحه، وهي التي نقشها على تمثال «بو الهول» الذي عثر عليه في معبده الجنازي «بالقرنة»، ولا تبعد حدودها الجنوبية كثيرًا عن «دمشق«.ويعتقد الأستاذ «مير» أن هذه الحملة قد جاءت بعد الحروب التي شنها «سيتي» على بلاد «خيتا»، وفضلًا عن خطئه في تحقيق موضع مدينة «قادش» نفسها، فإن رأيه يتعارض مع الاعتبارات الاستراتيجية التي ذكرناها فيما سبق، وليس لدينا مصادر تدلنا على أن حدود إمبراطورية «خيتا» كانت تقع جنوبي بلدة «قادش»، وهي التي كانت في عهد «رعمسيس الثاني» حصنه الحصين في الجنوب للدفاع عن أملاكه. ويلاحظ كذلك أنه حتى عهد «إخناتون» كان الوادي — من «قادش» إلى الجنوب يُعرف وقتئذ باسم «عمقي»، وهو الوادي الذي يُطلق عليه الآن البقاع — ضمن النفوذ المصري، كما يدل على ذلك لوحات سجل بلاد «خيتا» التي جاء فيها ذكر حادثة الملكة المصرية التي سُميت فيها «دخ آمون»، وما جرى لها مع «شوبيليو ليوما» ملك «خيتا»، وقد تحدثنا عن ذلك من قبل (راجع مصر القديمة الجزء الخامس).
..........................................
1- راجع: Moret: Revue de l’Egypte Ancienne (1928) pp. 20 ff.
2- راجع: L. D., III, 131 a, Br. A. R., III, § 114.
3- راجع: Hall Ancient Hist. of the Near East 6th. P. 356.
4- راجع: Wresz Atlas II, pls. 34 ff.
5- راجع: Br. A. R., III, § 94.
6- راجع: Capart Thebes p. 46. Fig. 26.
7- راجع: L. D., III, pl. 13 a; Muller. Asien Und Europa p. 191–195.
8- راجع: Br. A. R., II, §§ 891-892.
9- راجع: Br. A. R., IV, § 137.
10- راجع: Wresz op. cit. II, Pl. 53.
11- راجع: Syria III, p. 108 ff.
12- راجع: Br. A R. III, p. 71; Ed. Meyer Gesch III, p. 451; Gardiner Onomastica I, p. 141.
13- راجع: Br. A. R. III, § 8, J. E. A. VI, p. 99.
14- راجع: Hall. Anc. Hist. 346.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|