أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-6-2016
4587
التاريخ: 12-3-2017
3053
التاريخ: 26-8-2019
2207
التاريخ: 12/9/2022
1386
|
لتعريف ديمومة النص القانوني سنقوم بتقسيم هذا االموضوع على (أولا وثانيا ) ، إذ سنعرف ديمومة النص القانوني لغة في أولا من هذا الموضوع ، ونعرفها اصطلاحا في ثانيا منه وكما يلي : -
أولا : تعريف ديمومة النص القانوني لغة .
لتعريف ديمومة النص القانوني لغة سنقوم بتعريف مصطلح ( الديمومة ) في النقطة رقم (1) ، ونقوم بتعريف النص في النقطة رقم (2) وكما يلي :-
1- تعريف الديمومة لغة .
الديمومة في اللغة العربية مشتقة من الفعل الثلاثي ( دام ) وهو ما يدل على الاستمرارية والبقاء وللديمومة معان عدة في اللغة العربية ، منها " دام الشيء : اذا امتد عليه الزمان " (1) ، ومنها ما جاء في القرآن الكريم وفي مواضع عدة وكلمات متعددة للدلالة على معان متعددة ايضا لكنها متقاربة من جهة النتيجة ، قال تعالى : { مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أَكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا ۚ تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا ۖ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ } (2) وقوله تعالى { الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (3) وأيضا قال تعالى { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَالٌ لِّمَا يُرِيدُ } (4) ، يتبين لنا من خلال الآيات السابقة اختلاف الكلمات التي وردت فيها لكنها جميعا تدل على معنى الدوام والاستمرار .
وقد يُستفاد معنى الديمومة من خلال تدخل الإرادة في الشيء ، والتي بدونها لا يتحقق هذا الدوام والاستمرار كما جاء في قوله تعالى : { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنُهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنُهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (5) ، ومعنى الآية ان من اهل الكتاب اذا إنتمنتهم لا يؤدون الأمانة الا ( ما دمت ( عليهم قائما ، أي انه يجب للإيفاء بالأمانة من قبلهم تدخل صاحب هذه الأمانة بالملازمة والتذكير والالحاح او أي عمل او وسيلة اخرى يتخذها لجعل (المؤتَمَن) بالفتحة على التاء يؤدي الأمانة في موعدها أو حين المطالبة (6) .
وقد يستفاد المعنى ( معنى الديمومة ) تلقائيا بدون تدخل الإرادة وقد جاء هذا المعنى قوله تعالى : { وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءٌ غَيْرَ مَجْذُوذٍ } (7) أي ان السعداء خالدين في الجنة ( ما دامت السموات والأرض ) ودوام السماوات والأرض لا دخل لإرادة السعداء فيها كما وصفهم القرآن الكريم .
كما جاء في لسان العرب لابن منظور الدياميم: المفاوز ومفازة ديمومة أي دائمة البعد . وفي حديث جهيش ابن اوس : وديمومة سردح ؛ هي الصحراء البعيدة ، وهي فعلولة من الدوام ، أي بعيدة الارجاء يدوم السير فيها ، وحكى أبو حنيفة عن الفراء : ما زالت السماء ديما ديما أي دائمة المطر ) (8) .
وجاء أيضا في المنجد (دام) - دوما ودواما وديمومة : ثبت وامتد واستمر ، دومت السماء ، مطرت ديمة . الشيء : بله بمعنى انه داوَمَ على بله لئلا يببَس . ديمت السماء : مطرت ديمة . دوام الشيء : طلب دوامه تأني فيه . الداماء البحر لدوام ماءه) (9) .
كما جاء في مختار الصحاح دام) الشيء ويدام (دوما) و (دواما) و(ديمومة) و(دام) الشيء سكن و (الدوامة ) بالضم والتشديد فلكة يرميها الصبي بخيط فتدوم على الاراض أي تدور . و(الدوم ) شجر المقل . و(المدام) و(المدامة) الخمر . واستدام) الرجل الامر اذا تأنى به وانتظر . و(المداومة) على الأمر المواظبة عليه . وقولهم : ما (دام) معناه الدوام لان ما اسم موصول بدام ولا يستعمل الا ظرفا كما تستعمل المصادر ظروفا تقول ك لا اجلس ما دمت قائما أي دوام قيامك كما تقول وردتُ مَقدَمَ الحاج (10) .
2- تعريف النص القانوني لغة .
جاء في لسان العرب (النص) : رَفعُكَ الشيء . نص الحديث ينصه نصاً : رَفَعَه . وكل ما قد أظهر فقد نص . وقال عمرو بن دينار : ما رأيت رجلا أنص للحديث من الزهري أي أرفع له وأسند . يقال : نص الحديث الى فلان أي رفعه ، وكذلك نصصته اليه . ونصت الظبية جيدها رفعته . ونص المتاع نصا : جعل بعضه فوق بعض . ونص الدابة ينصها نصا رفعها في السير ، وكذلك الناقة . قال أبو عبيد : النص التحريك حتى تستخرج من الناقة اقصى سيرها ؛ وانشد : وتقطع الخرق بسير نص . والنص والنصيص : السير الشديد والحث ، ولهذا قيل : نصصت الشيء رفعته ، ومنه منصة العروس . واصل النص اقصى الشيء وغايته ، ثم سمي ضرب من السير سريع . ابن الأعرابي : النص الإسناد الى الرئيس الأكبر ، والنص التوقيف ، والنص التعيين على شيء ما ، ونص الامر شدته . ونص الرجل نصا اذ سأله عن شيء حتى يستقصي ما عنده . ونص كل شيء منتهاه . قال الازهري النص أصله منتهى الأشياء ومبلغ أقصاها ، ومنه قيل : نصصت الرجل اذا استقصيت مسألته عن الشيء حتى تستخرج كل ما عنده ، وكذلك النص في السير انما هو اقصى ما تقدر عليه الدابة ، قال : فنص الحقاق انما هو الادراك ، وقال المبرد : نص الحقاق منتهى بلوغ العقل ، أي اذا بلغت من سنها المبلغ الذي يصلح ان تحاقق وتخاصم عن نفسها ، وهو الحقاق ، فعصبتها أولى بها من أمها . وروي عن كعب انه قال : يقول الجبار احذروني فاني لا اناص عبدا الا عذبته أي لا استقصي عليه في السؤال والحساب ، وهي مفاعلة منه ، الا عذبته . ونصص الرجل غريمه اذا استقصى عليه . وفي حديث هرقل : ينصهم أي يستخرج رأيهم ويظهره ؛ ومنهم قول الفقهاء : نص القرآن ونص السنة أي ما دل ظاهر لفضهما عليه من الاحكام . شمر النصنصة والنضنضة الحركة . وكل شيء قلقلته فقد نصنصته) (11) .
كما جاء في المنجد ( نص الشيء: رفعه واظهره، والحديث : رفعه واسنده، والمتاع جعل بعضه فوق بعض ، والعروس : اقعدها على المنصة ، وفلان : بالغ في النص ، وناص مناصة غريمه : ناقشه والح عليه في الطلب . تناص القوم : ازدحموا . إنتص الشيء : ارتفع استوى واستقام نصوص : الكلام المنصوص ، ومن الكلام : هو ما لا يحتمل الا معناً واحدا أو لا يحتمل التأويل ، ومن كل شيء منتهاه ، المنصوص : المنصوص عليه : المعين) (12) .
وأيضا جاء في مختار الصحاح ( نص ( الشيء رفعه وبابه ردّ ومنه (منصة) العروس بكسر الميم . و (نص) الحديث الى فلان رفعه اليه . و (نص) كل شيء منتهاه . وفي حديث علي رضى الله تعالى عنه ( اذا بلغ النساء نص الحاق ) يعني منتهى بلوغ العقل . ونصنص الشيء حركه . وفي حديث ابي بكر رضى الله عنه حين دخل عليه عُمَرُ رضي الله عنه وهو ينصنص لسانه ويقول : هذا اوردني الموارد . قال ابو عبيد : هو بالصاد لا غير . قال : وفيه لغة اخرى ليست في الحديث : نضنض بالضاد المعجمة) (13) ، كما عرفه الجرحاني على انه ( النص ما ازداد وضوحا على الظاهر بمعنى في المتكلم وهو سوق الكلام لأجل ذلك المعنى كما يقال احسنوا الى فلان الذي يفرح بفرحي ويغم بغمي كان نصا في بيان محبته ) وأيضا عرفه بانه ( النص ما لا يحتمل الا معنى واحدا قبل ما لا يحتمل التأويل) (14) .
ثانيا : تعريف ديمومة النص القانوني اصطلاحا
سنعرض لتعريف مصطلح ( الديمومة ) اصطلاحا في النقطة رقم (1) من هذا الفرع ، ونعرف ( النص القانوني ) في المعنى الاصطلاحي في النقطة رقم (2) وكما يلي :-
1 -تعريف الديمومة اصطلاحا
حسب اطلاعنا في الفقه القانوني لم نجد تعريفا صريحا للديمومة ، ووجدنا مظهر من مظاهرها في عناوين اخرى ، كالثبات والاستقرار القانوني ، وفي خصائص القواعد القانونية ، وروح القانون ، وان المنطق السليم للأمور يسحب الذهن الى فهمها كحالة إيجابية تكتنف النص القانوني وتحيط به وتحفظه من الخطأ وتجعله مسايرا للظروف والمستجدات وما قد يطرأ على الحياة من أمور تحتاج الى حل قانوني سليم ، لذا سنحاول هنا ان نستجمع كل شيء إيجابي يتعلق بالنص القانوني ويمكن ان يرتبط بفكرة الديمومة .
ان من خصائص القاعدة القانونية هي العمومية والتجريد ) وترتبط هذه الخصيصة بفكرة الديمومة للنص القانوني ، إذ ان القاعدة القانونية ( النص القانوني ( لا تخاطب أشخاصا بذواتهم وانما تكون موجهة الى الافراد وتخاطبهم بصفاتهم ، وأيضا فان القاعدة القانونية لا تواجه فرضا معينا بالذات وانما تحدد الشروط العامة اللازم توافرها لتطبيقها ، فالنص القانوني يوجد حلاً لكل حالة تنطبق عليها شروط محددة يتضمنها هذا النص القانوني ، وان سبب نشوء النص القانوني لا يرتبط بشخص معين او بواقعة معينة وانما تكون لكل الأشخاص والوقائع التي من الممكن حصولها في المستقبل وتنضوي تحت شروط هذا النص القانوني ، ولذلك فان القانون يتسم بالدوام (15) .
والديمومة هنا ، لا نعني بها الديمومة الأبدية للنصوص القانونية ، اذ انه من غير المتصور ان القانون وهو عبارة عن جهد انساني محدود أن يُلم بكل الأمور ويضع التصورات والحلول لكافة ما يطرأ في الحياة الإنسانية من اعمال قانونية او وقائع مادية ، وانما المقصود بالديمومة هو ان تحيط النصوص القانونية المحدودة - قدر الإمكان - بكافة الحالات التي وضعت من اجلها وتلك التي من الممكن ان تحصل في المستقبل بما يحقق الاستقرار القانوني في المجتمع (16) .
ولتحقيق ديمومة النص القانوني على النحو سالف الذكر ؛ لابد من ان تصاغ هذه النصوص على نحو متقن وسليم لتحقيق الغاية التي أرادها المشرع من وراء هذه النصوص القانونية ، وكلما كانت صياغة النصوص القانونية دقيقة كانت صالحة للتطبيق في الواقع العملي من دون ان تثير صعوبات بسبب الغموض او النقص او عدم الوضوح ، إذ ان النص القانوني بما يحتويه من قاعدة عامة مجردة هو عبارة مادة أولية وجوهر وموضوع لهذه القاعدة وتأتي الصياغة التشريعية لتعبر عن مضمون هذه القاعدة القانونية وتعطيها الشكل الخارجي المطلوب (17) .
إن للصياغة القانونية تأثيرا مباشرا على ديمومة النص القانوني ، اذ ان هنالك نوعين من الصياغة للقواعد القانونية ، صاغة جامدة (18) ، تتضمن حلا ثابتا لحالة معينة تسلب من القاضي سلطته التقديرية عند تطبيقها ، ويكون هذا الحل دائما هو نفسه كل ما توافرت شروط انطباق هذه القاعدة بغض النظر عن ظروف وملابسات كل حالة على حدة ، وصياغة مرنة (19) ، تضع معيارا عاما يتيح ويوفر للقاضي سلطة تقديرية عند تطبيق القاعدة القانونية مراعيا الظروف الخاصة بكل قضية تعرض عليه (20) .
ولا تخفى الأهمية البالغة في استخدام المهارات والاساليب اللغوية في صياغة النص القانوني وبيان مراد المشرع منه ، إذ لا يجب ان تكون لغة النص القانوني موجهة للمختصين بالعلوم القانونية فقط ، وانما تكون لغة واضحة وسهلة وتكون قدر الإمكان مفهومة من قبل عامة الناس ولكن ليس على حساب الدقة ، كونها قواعد قانونية عامة موجهة للجمهور تفرض عليهم التزامات او تمنحهم حقوقا ومن ثم يجب ان تكون لغة النص القانوني بعيدة عن الابهام والغموض وان لا تكون عصية على الفهم ؛ لأنه في حالة العكس سيصل النص الى المخاطب به غامضا مشوبا بالعيب مما يؤدي اما الى عدم فهمه أو فهمه على نحو خاطئ ، وفي كلتا الحالتين سيؤدي ذلك الى اضطراب المصالح وعدم استقرار المعاملات وهو ما ينافي ديمومة النص القانوني (21) .
ومن مظاهر ديمومة النص القانوني هو تحقيق النظام والاستقرار في المجتمع ، إذ تتصف القواعد القانونية بالعمومية لتطبق على الافراد كافة عند تحقق شروط تطبيقها وبذلك تتحقق المساواة بين الناس ، ويمنع ذلك من تطبيق القانون على فئة من الناس دون غيرها ، بما يضمن للنص القانوني القبول بين الناس ودوام تطبيقه (22) ، إذ ان القوة الحقيقية للنص القانوني لا تأتي من خلق المشرع للقواعد القانونية ، وانما تأتي من استمداد المشرع المادة الأولية وموضوع التشريع من عادات وتقاليد الافراد والمعتقدات الحميدة السائدة والمثل العليا الموجودة بين الناس وأيضا من الحاجات العملية والضرورات الاقتصادية ، وان ما يفعله المشرع هو وضع كل هذه الاهتمامات في قواعد قانونية تتكون من الفاظ من تعبيره ، بالإضافة إلى إعطاء هذه التعابير التشريعية ( النصوص القانونية ) قوة ملزمة ورسمية، ومن هنا فان التشريع يختلف عن المصادر الأخرى للقانون وذلك لكونه مصدر للفظ والمعنى وليس للمعنى فقط (23) ، ولا يقتصر تطبيق النص القانوني على سلوك الافراد وانما يسري ويطبق على اعمال السلطات العامة أي انها تخضع لأحكام القانون ، لذا فان سيادة القانون تستلزم خضوع الجميع له حكاما ومحكومين ، فيطبق على أي عمل او تصرف تقوم به السلطة العامة داخل حدود اقليمها (24) ، ناهيك عن خضوع حتى السلطة القضائية لأحكام القانون (25) وبذلك يستشعر الافراد الأمان ويطمأنوا ويبادروا الى تطبيق القواعد القانونية ذاتيا مما يسهم في ديمومة النص القانوني .
وتعد جودة النص القانوني وديمومته احدى مستلزمات مصطلح ( الامن القانوني ) ، ومعناه ان يتاح للأفراد معرفة حقوقهم وواجباتهم بموجب القانون على نحو من الدقة ، ويمكنهم التصرف على أساس ذلك بمختلف التصرفات القانونية دون خوف من وقوع نتائج مبهمة نتيجة هذه التصرفات القانونية في المستقبل (26) ، فالقانون ينظم حقوق وواجبات الافراد وحتى حرياتهم وهم يتصرفون على أساس ذلك ، واذا كان لابد من تعديل او تغيير بالقواعد القانونية او تحديثها فلا يجوز ان يكون ذلك فجائيا او من السرعة إذ يكون فخا للأفراد على حساب احترام التوقعات والآمال المشروعة (27) ، وكل ذلك يأتي من الجودة التشريعية للنص القانوني الذي يحمي الأفراد من الاثار السلبية التي قد تعتري النصوص القانونية ومن التعديلات المتكررة للقانون، إذ ان ( الامن القانوني ) يتكون من مبادئ متعددة منها : مبدأ المساواة ، وضوح القاعدة القانونية ، عدم تناقض النصوص القانونية ، الطابع التوقعي للقانون، احترام الحقوق المكتسبة ، احترام المراكز القانونية ، عدم رجعية القوانين ، احترام مبدأ الثقة المشروعة (28) ، إذ تعد ديمومة النص القانوني كأحد ركائز ( مبدأ الامن القانوني ) .
وتجدر الإشارة الى انه لابد من مراعاة مبدأ تدرج القواعد القانونية لضمان ديمومة النص القانوني ، اذ ان هناك أنواعا مختلفة للتشريع والنصوص القانونية وتتدرج من جهة قيمتها القانونية باختلاف السلطة التي تضعه وأيضا باختلاف الموضوعات التي يتناولها ، فيأتي في قمة الهرم التشريعي القانون الأساسي ( الدستور )ومن ثم التشريع العادي ومن ثم الأنظمة والتعليمات ( التشريع الفرعي ) ، وهنا نكون امام قيمة قانونية هامة مفادها ان التشريع الأعلى مرتبة يمكن له الغاء ما دونه من تشريعات (29 ) ، وفي المقابل فان التشريع الأدنى لا يجوز له مخالفة التشريع الأعلى بالإلغاء او تعطيل التنفيذ او التعديل أو الإضافة (30) ، وان لذلك أهمية منطقية وعملية إذ ان التشريع يتضمن القواعد الأساسية دون ان الولوج الى التفصيلات الجزئية التي تكون السلطة التنفيذية اقدر على الإحاطة بها تبعا لتغير الظروف والوقت تتمكن من معالجتا بما تمتلكه من صلاحيات اصدار الأنظمة والاوامر والتعليمات ، وان ذلك أيضا يخفف من أعباء السلطة التشريعية ومنى ثم يضمن ذلك للقانون العادي القدر من الاستقرار (31) ، نتيجة لذلك فان تدرج القواعد القانونية وهو ما يُعبر عنه بـ ( المشروعية ) وهو استناد التصرفات القانونية الى القانون واحترام السلطات كافة للقانون أيضا يعزز الثقة بالدولة ومؤسساتها ويسهم بتحقيق دولة القانون والتي من خلالها ونتيجة لها فان لديمومة النص القانوني مكان نافذ فيها (32) .
2- تعريف النص القانوني اصطلاحا
قلما نجد تعريفا دقيقا للنص القانوني في الدراسات والمؤلفات القانونية ويُستعاض عن بحث وتعريف النص القانوني ودراسته بتعريف ( القاعدة القانونية ) وبيان خصائصها ومقوماتها واوجه الشبه والاختلاف بينها وبين القواعد الأخرى كقواعد الاخلاق وقواعد العدالة ، والحديث عن النص القانوني وخصائصه انما هو حديث عن القاعدة القانونية التي تُصاغ على هيأة نصوص قانونية تتضمن قواعد عامة ومجردة (33) . يوجد للنص القانوني مفهومان ، الأول مفهوم واسع ، والآخر مفهوم ضيق، فأما المفهوم الواسع للنص القانوني فنعني به القاعدة القانونية بغض النظر عن قيمتها القانونية ، وأيضا القرارات القضائية الصادرة عن مختلف المحاكم ، وأيضا كافة النصوص القانونية الأخرى سواء اكانت الاكاديمية منها ام استشارات قانونية او نصوص معاهدات وما الى ذلك من النصوص القانونية ، واما المفهوم الضيق فنعني به النصوص التشريعية الصادرة عن السلطة المختصة بالتشريع ، وهي محور دراستنا هذه (34) .
ويقصد بالنص القانوني عند القانونيين بـ ( المادة ) التي يتكون من مجموعها قانون معين ، وكل نص قانوني ( مادة ) تحتوي على حكم واحد في الأقل ، ومن ثم فان المادة هي اصغر وحدة قانونية ترد في تشريع معين والقانون انما هو مجموعة من المواد تصاغ في نصوص محددة (35) .
ولا شك في ان كل نظام قانوني انما هو نتاج فكر معين وفلسفة متبناة من قبل مشرع ما ، ويُفترض بان النص القانوني قد وضع من قبل المشرع بتمعن واتقان وهو يمثل حقا ما أراده المشرع من تكليف للأفراد (36) ، وان هذا النص القانوني هو القالب اللغوي الذي تقدم من خلاله القاعدة القانونية ، فالقاعدة القانونية هي فكرة منظمة لوضع معين والنص هو اللغة التي تخرج من خلالها هذه الفكرة الى عالم الوجود القانوني الخارجي ، فاللغة هي أداة التعبير عن الفكرة القانونية كما تكونت لدى المشرع (37) .
والنص القانوني يتميز عن غيره من النصوص الأخرى كالنص الأدبي والعلمي ، بما يحتويه من خطاب قانوني موجه من قبل السلطة الى الأفراد يتضمن أوامر ونواهي، ويمتاز بالدقة والوضوح ويكون قصد المشرع فيه محددا خاليا من المشاعر والعواطف والاحاسيس (38) ، ولان القانون يستخدم اللغة كوسيلة للتعبير على نحو سليم فان هذه الوسيلة تخضع لعدة إجراءات تضمن سلامتها وسلامة النص القانوني وتكون لغة مباشرة وملزمة بعيدة عن الخيال والابداع الادبي الذي نجده في الاعمال الأدبية ، إذ تضع المفاهيم مباشرة بين يدي المتلقي بطريقة سلسة كما انها ليست لغة جامدة وانما هي لغة تتأثر بالظروف المحيطة (39) .
ولا يشترط بالنص القانوني ان يكون محددا بحجم معين، فقد يطول أو يقصر حسب المبررات والحاجة التي دعت الى انشائه والفكرة التي يحملها هذا النص والتي يُراد منه ايصالها (40) ، وقد يتضمن ( النص القانوني ) قاعدة قانونية كاملة او اكثر ، ويمكن ان تُستخلص القاعدة القانونية في أكثر من نص واحد بشرط وجود الترابط فيما بين هذه النصوص في الفكرة والموضوع (41) ، ومن الممكن ان يأتي النص بقاعدة قانونية تحتوي على فرض فقط او تحتوي على حكم فقط او مجرد واقعة مادية تستوجب الإشارة اليها كنص الفقرة واحد من المادة 34 من القانون المدني العراقي ( تبدأ شخصية الانسان بتمام ولادته حيا وتنتهي بموته ) ، كما يمكن استخلاص القاعدة القانونية صراحة من عبارة النص القانوني كما يمكن استخلاصها ضمنا من سياق ودلالة هذا النص القانوني ، لذا فانه يتبين لنا بان النص القانوني قد يحتوي على اكثر من قاعدة قانونية فهو يحتويها ويضمها بين طياته (42) .
ويجب الرجوع للنص القانوني ( التشريع ) عند الحاجة الى تطبيق حكم القانون على الاعمال والوقائع القانونية ، كونه المصدر الرسمي للقانون والذي يحتل مرتبة الصدارة من بين المصادر الرسمية الأخرى للقانون لاسيما في القانون المدني (43) ، وقد اشارت الى ذلك التسلسل المادة رقم واحد من القانون المدني العراقي (44) ، والنص القانوني يتم وضعه ليحكم الاعمال والتصرفات القانونية والوقائع في المستقبل كاصل عام ، فلا تنصرف آثاره الى الماضي ، ولكن قد يحكم ويطبق على ما تم في الماضي كإستثناء فيما لو تطلبت المصلحة العامة ذلك وهو ما يسمى بمبدأ ) عدم رجعية القوانين (45) .
لذا ومن خلال كل ما تقدم يمكن ان نعرف ( ديمومة النص القانوني ) على انها : ( صلاحية النص القانوني المصاغ بحرفية واتقان بشكل يستوعب كل الحالات المراد تنظيمها ولمدة غير محدودة ) .
ولذا فان المقصود بديمومة النص القانوني هي اجادة المشرع لصياغة النص التشريعي بالطريقة التقنية والفنية السليمة ، والتي من خلالها تبرز براعته في قراءة وتصور الحالة أو الحالات التي تحتاج الى حل قانوني ما ، مع اجادته في وضع الحل القانوني لها والذي لم يتزعزع او يتأثر بمرور الزمان .
______________
1- الراغب الأصفهاني ، مفردات الفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي ، ط 2 ، منشورات طليعة النور ، مدينة قم ، 2016 ، ص 322
2- الآية 35 ، سورة الرعد .
3- الآية 23 ، سورة المعارج .
4- الآية 107 ، سورة هود .
5- الآية 75 ، سورة آل عمران .
6- محمد علي الصابوني ، صفوة التفاسير ، ج 1، ط 1 ، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة ، 1997 ، ص - 193 – 192
7- الآية 108 ، سورة هود .
8- ابن منظور ، معجم لسان العرب ، الجزء الأول ، ط 1 ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت - لبنان ، 2005 ، ص 1352
9- لويس معلوف ، المنجد في اللغة والأعلام ، ط 39 ، دار المشرق ، بيروت - لبنان 2002 ، ص 230 .
10- محمد بن ابي بكر عبد القادر الرازي ، مختار الصحاح ، دار المشرق ، کویت ، 1982 ، ص 216 .
11- ابن منظور، مرجع السابق . ، ص 3930 .
12- لويس معلوف، مرجع سابق، ص 810 - 811 .
13- محمد بن ابي بكر عبد القادر الرازي، مرجع سابق، ص 662 - 663 .
14- علي الجرحاني ، كتاب التعريفات ، بدون سنة طبع ، ولا مكان طبع ، ص 310 .
15- الدكتور رمضان محمد أبو السعود والدكتور محمد حسين منصور ، المدخل الى القانون ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت - لبنان ، 2003، ص 15
16- الدكتور حسن كيره ، المدخل الى القانون، القسم الأول ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، بدون سنة طبع ،، ص 22-23
17- الدكتور رافد خلف هاشم والدكتور عثمان سلمان غيلان، التشريع بين الصناعة والصياغة، الطبعة الأولى ، دار الكتب والوثائق ، بغداد ، 2009 ، ص 34 - 35
18- مثال ذلك المادة رقم ( 106) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل .
19- مثال ذلك المادة رقم (146) من القانون المدني العراقي .
20- الدكتور احمد شوقي محمد عبد الرحمن ، المدخل للعلوم القانونية ، النظرية العامة للقانون، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2005 ، ص 182 – 187 .
21- الدكتور ليث كمال نصراوين ، متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة واثرها على الإصلاح القانوني ، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية ، العدد الثاني، الجزء الأول ، السنة الخامسة ، 2017 ، ص 415 - 416 .
22- الدكتور سعيد عبد الكريم مبارك ، أصول القانون ، الطبعة الأولى ، مكتبة يادكار ، بدون مكان طبع ، 2017 ، ص 23
23- الدكتور عبد الرزاق السنهوري، علم أصول القانون، بدون طبعة ، مطبعة فتح الله الياس ، مصر ، 1936 ، ص 76
24- الدكتور محمد حسين قاسم، المدخل لدراسة القانون (القاعدة القانونية - نظرية الحق ) ، الجزء الأول ، الطبعة الأولى ، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت - لبنان ، ص 45
25- فقد نصت المادة (19) فقرة أولا من دستور جمهورية العراق لعام 2005 على انه ( القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون ) .
26- الدكتور سعيد بن علي بن حسن المعمري والدكتور رضوان احمد الحاف، مبدأ الامن القانوني ومقومات الجودة التشريعية ، بحث منشور في مجلة البحوث القانونية والاقتصادية ، العدد 79 ، 2022 ، ص 15 .
27- الدكتور احمد براك ، مبدأ الامن القانوني مقال منشور على الموقع الالكتروني التالي /http://www.ahmadbarak.ps/Category/StudyDetails ، تاريخ الزيارة /2023/2 ، وقت الزيارة ، 8:30 صباحا
28- منشورات مجلس النواب المغربي ، سلسلة الأوراق البحثية الموجزة العدد 2020/01 ، جودة التشريع ودورها في تحقيق الأمن القانوني ، دار ابي رقراق للطباعة والنشر ، 2020 ، ص 25 .
29- الدكتور محمد حسین قاسم، مرجع سابق، ص 179
30- الدكتور همام محمد محمود ، المدخل الى القانون، نظرية القانون ، بدون طبعة ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2001 ، ص 280
31- الدكتور احمد شوقي محمد عبد الرحمن ، مرجع سابق، ص 81 .
32- الدكتور محمد طه حسين ، ماهية مبدأي الشرعية والمشروعية ومصادرهما ، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية ، جامعة بغداد ، العدد الأول ، 2019 ، ص 123 .
33- الدكتور سعيد احمد بيومي ، لغة القانون في ضوء علم لغة النص ، ط 1 ، دار شتات للنشر والبرمجيات ، القاهرة ، 2010 ، ص 26 .
34- الدكتور ميلود بن حوحو ، منهجية تحليل النصوص القانونية ، ط 1 ، المركز الديمقراطي العربي ، برلين ، 2021 ، ص 15
35- الدكتور علي احمد حسن ، قواعد صياغة النص التشريعي ، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية ، العدد الأول ، جامعة بغداد ، 2019 ، ص 40 – 41
36- مجيد سعيد مكي شيحان، القواعد المنطقية واستخداماتها في قراءة النص القانوني ، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الآداب ، جامعة الكوفة ، 2015 ، ص 67
37- الدكتور مصطفى العوجي ، القاعدة القانونية في القانون المدني ، ط 2 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بدون مكان طبع ، 2010 ، ص 54
38- مرنیز نورية، تعليمية النص القانوني ، مذكرة ماستر لاستكمال متطلبات شهادة الماستر في الدراسات اللغوية ، جامعة عبد الحميد بن باديس - مستغانم ، كلية الأدب العربي والفنون ، قسم الدراسات اللغوية ، الجزائر ، 2018 ، ص 21 .
39- الدكتورة نجاة سعدون والدكتور جمال بوتشاشة ، البناء اللغوي للنص القانوني ما بين العربية والفرنسية في ظل لغة الاختصاص ، بحث منشور في مجلة الأثر ، معهد الترجمة ، جامعة الجزائر ، العدد 28 ، 2017 ، ص 41 - 43 .
40- الدكتور ميلود بن حوحو ، مرجع سابق ، ص 15
41- الدكتور سعيد احمد بيومي، مرجع سابق ، ص 28 – 29
42- الدكتور علي احمد حسن ، مرجع سابق، ص 42 - 43 .
43- الدكتور عبد الودود يحيى ، محاضرات في المدخل لدراسة القانون ، ط 1 ، دار العادل للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2021 ، ص 67 - 70 .
44- إذ نصت هذه المادة على (1) - تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها. 2 – فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكمت المحكمة بمقتضى العرف فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون التقيد بمذهب معين فإذا لم يوجد فبمقتضى قواعد العدالة. 3 – وتسترشد المحاكم في كل ذلك بالاحكام التي أقرها القضاء والفقه في العراق ثم في البلاد الأخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية).
45- الدكتور سعيد احمد بيومي، مرجع سابق ، ص 30 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|