أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-21
515
التاريخ: 13-11-2018
747
التاريخ: 16-12-2018
756
التاريخ: 14-12-2018
1066
|
لقد فتح اكتشاف جيه جيه طومسون للإلكترون في عام 1897 الطريق لشروح جديدة، بجميع أنواعها، في الفيزياء، فضلًا عن خطوط جديدة تمامًا من التجارب العملية. كما كان طومسون من أوائل الذين ناقشوا الطريقة التي تترتَّب بها الإلكترونات في الذرات، على الرغم من أن نظريته لم تكن ناجحةً جدًّا؛ إذ لم يكن العلماء يعرفون ما يكفي عن عدد الإلكترونات التي توجد في أي ذرة معينة. وكما رأينا، فإن أول نظرية جوهرية من هذا النوع تُعزَى إلى نيلز بور، الذي أدخَلَ أيضًا فكرةَ كمِّ الطاقة إلى عالَم الذرة وإلى مهمة الترتيبات الإلكترونية. وقد نجح بور في نشر مجموعة من التوزيعات الإلكترونية لكثير من الذرات المعروفة، ولكن هذا تحقَّق فقط بعد مراجعته للسلوكيات الكيميائية والطيفية التي قام آخَرون بتجميعها على مدى سنين كثيرة.
ولكن ماذا كان يفعل الكيميائيون في تلك الآونة؟ وكيف تقارن محاولاتهم للتعامُل مع الإلكترونات بمحاولات بور وغيره من فيزيائيي الكم؟ بدْءُ هذا الاستقصاءِ يتطلَّب الرجوع زمنيًّا إلى عام 1902 بعد اكتشاف الإلكترون بقليل؛ إذ كان العالِم الكيميائي الأمريكي جي إن لويس يعمل في الفلبين في تلك الآونة، ورسم رسمًا تخطيطيًّا — مبيَّنًا في شكل 7-2 — وما زالت نسخته الأصلية محفوظة حتى يومنا هذا. وفي هذا الرسم افترَضَ أن الإلكترونات تُوجَد عند أركان شكل مكعَّب، وأنه كلما تنقلنا خلال الجدول الدوري، العنصر الواحد تلو الآخَر، يضاف إلكترون إلى كل ركن. وقد يبدو اختيار لويس للشكل المكعب غريبًا في عصرنا الحديث؛ إذ من المعروف الآن أن الإلكترونات تدور في مدارات حول النواة، ولكن نموذج لويس يُعتبَر شيئًا جيدًا من وجهة نظر مهمة ترتبط بالجدول الدوري؛ فرقمُ ثمانية يمثِّل عدد العناصر التي يجب أن يعبرها المرء في الجدول الدوري قبل أن يحدث تكرارٌ لخواص العناصر.
ومن ثَمَّ كان لويس يفترض أن صفة الدورية الكيميائية وخواص العناصر المتفردة محكومةٌ بعدد الإلكترونات في المكعب الخارجي الذي يحيط بنواة الذرة، وكل ما يُعَدُّ خطأً في هذا النموذج هو اعتبارُ الإلكترونات ثابتةً في أماكنها، لكن اختيار شكل المكعب أمر طبيعي وذكي يعكس حقيقةَ أن الدورية الكيميائية مبنِيَّة على أساس مسافات فاصلة تتألَّف من ثمانية عناصر.
في نفس هذا المخطَّط الشهير رسم لويس شكلًا يبيِّن كيفيةَ اتحاد ذرتَي الصوديوم والكلور لتكوين مركب كلوريد الصوديوم، بعد انتقال إلكترون من ذرة الصوديوم إلى ذرة الكلور، وذلك لكي يحتلَّ مكانَ الإلكترون الثامن المفقود في المكعب الخارجي من ذرة الكلور. وقد انتظر بعدها لويس لمدة أربعة عشر عامًا قبل أن ينشر هذه الأفكار، فضلًا عن توسيعها لتشمل صورة أخرى من ارتباط الذرات، وهي الروابط التساهُمية، التي تتضمَّن تشارُك الذرات المختلفة في الإلكترونات بدلًا من نقلها فيما بينها.
وقد وضع لويس في اعتباره الكثيرَ من المركبات المعروفة، كما أحصى عددَ الإلكترونات الخارجية التي تحتوي عليها ذرات تلك المركبات، وبهذه الطريقة توصَّلَ إلى استنتاجٍ مفاده أنه في أغلب الحالات ينتج عن إحصاء الإلكترونات عددٌ زوجي. أوحت إليه هذه الحقيقة بأن الارتباط الكيميائي قد يكون ناتجًا عن ازدواج الإلكترونات، وهي فكرة سرعان ما صارت أساسيةً في الكيمياء ككلٍّ، وبقيت صحيحةً بالضرورة حتى يومنا هذا، وحتى بعد ظهور نظريات ميكانيكا الكم عن الارتباط الكيميائي.
ولكي يمثِّل لويس تشارُك الإلكترونات بين ذرتين، رسَمَ مكعبين متجاورين يشتركان في حافة واحدة، أو في إلكترونين؛ وبالمثل، قام بتمثيل الرابطة الثنائية (أو المزدوجة) بمكعبين يتشاركان في وجه واحد، أو في أربعة إلكترونات (شكل 7-3). ولكن برزت هنا مشكلة؛ إذ كان من المعروف في الكيمياء العضوية، أن بعض المركبات، مثل الإسيتيلين C2H2 تحتوي على رابطة ثلاثية، فأدرك لويس أن نموذجَه عن الإلكترونات التي توجد عند أركان مكعبٍ، لا يصلح لتمثيل الروابط الثلاثية؛ فتحوَّلَ في نفس البحث إلى نموذج جديد توجد فيه أربعة أزواج (أيْ ثمانية) من الإلكترونات عند أركان شكل رباعي الأوجه بدلًا من المكعب؛ ومن ثَمَّ مثَّل الرابطةَ الثلاثية بشكلين رباعيَّي الأوجه يتشاركان في وجه مشترك.
كما عاد لويس في نفس البحث إلى مسألة التوزيعات الإلكترونية للذرات، وقد بَسَطَ ترتيباته للعناصر لتشمل 29 عنصرًا كما يظهر في جدول 7-4. وقبل أن ننتقل إلى مشاركين آخَرين، يجدر بنا أن نذكر أن جي إن لويس ربما كان أهمَّ كيميائيٍّ في القرن العشرين لم يحصل على جائزة نوبل، وهذا يرجع لوفاته المبكرة في مختبره نتيجةً للتسمُّم بغاز سيانيد الهيدروجين، ومن المعروف أن جوائز نوبل لا تُمنَح إلا للأحياء. وأخيرًا وليس آخِرًا، فقد اكتسب لويس الكثيرَ من الأعداء في مسيرة حياته الأكاديمية؛ ومن ثَمَّ لم يُقْدِم أحدٌ من زملائه على أن يرشحه لنيل الجائزة.
وقد اتسعت أفكار لويس واكتسبت شعبيةً على يد خبير أمريكي في الكيمياء الصناعية يُدعَى إرفينج لانجموير؛ فبينما اقتصر لويس على تحديد التوزيعات الإلكترونية ﻟ 29 عنصرًا فقط، أخذ لانجموير على عاتقه أن يُكمِل المهمة؛ وبينما أحجَمَ لويس عن تحديد التوزيعات الإلكترونية لذرات العناصر الفلزية الانتقالية، فقد أعَدَّ لانجموير قائمةً بهذه التوزيعات ضمن بحث له في عام 1919، كما يلي:
Zn |
Cu |
Ni |
Co |
Fe |
Mn |
Cr |
V |
Ti |
Sc |
12 |
11 |
10 |
9 |
8 |
7 |
6 |
5 |
4 |
3 |
وفعل لانجموير مثل سلفه لويس؛ إذ استخدم الخواصَّ الكيميائية للعناصر لترشده إلى هذه التوزيعات الإلكترونية، ولم يستعِنْ بأي حجج من نظرية الكم (شكل 7-4)، ولا يدهشنا أن هذين الكيميائيَّيْن تمكَّنَا من تحسين هذه التوزيعات الإلكترونية التي كان فيزيائيون مثل بور يتلمَّسون طريقهم إليها.
وفي عام 1921، كان يعمل كيميائي إنجليزي اسمه تشارلز بيري في الكلية الجامعية في ويلز، وقد تحدَّى فكرةً كانت متضمَّنة في بحثَيْ لويس ولانجموير، وهي افتراض أن الأغلفة الإلكترونية تمتلئ تباعًا كلما تنقلنا خلال الجدول الدوري، وذلك بإضافة إلكترون زائد لكل عنصر جديد نصل إليه، كما ذكرنا سابقًا في هذا الفصل. وافترض بيري أن مجموعته المنقَّحة من التوزيعات الإلكترونية تحقِّق اتفاقًا أفضل مع الحقائق الكيميائية المعروفة، ويقول:
حيث إن العدد ثمانية هو العدد الأقصى للإلكترونات في الطبقة الخارجية للذرة، فلا بد أن تشكِّل عناصر البوتاسيوم والكالسيوم والسكانديوم طبقةً رابعة، على الرغم من أن الطبقة الثالثة لدى تلك العناصر ليست كاملة، فتكون تراكيبها كما يلي: 2، 8، 8، 1، 2، 8، 8، 2، 2، 8، 8، 3.
كما اختلف بيري مع لويس ولانجموير حين افترض أن مجموعات الثمانية إلكترونات الداخلية التي تبدو مستقرة، يمكن أن تتغيَّر إلى مجموعات من 18 إلكترونًا، وبالمثل فإن مجموعات اﻟ 18 إلكترونًا يمكن أن تتغيَّر إلى مجموعات من 32 إلكترونًا. وتمثِّل هاتان الصفتان بعضًا من العلامات المبكرة لنشوء النمطَيْن من الجداول المتوسِّطة الطول والطويلة على الترتيب.
وفي الختام، أقول بإيجاز إن علماء الفيزياء قدَّموا دعمًا قويًّا لمحاولات فهم القاعدة الأساسية للجدول الدوري، ولكن علماء الكيمياء وقتئذٍ كانوا في كثيرٍ من الحالات قادرين على تطبيق الأفكار الفيزيائية الجديدة، مثل التوزيعات الإلكترونية، لتحقيق نتيجة أفضل.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|