أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-4-2020
2598
التاريخ: 30-3-2022
2212
التاريخ: 20-8-2022
1530
التاريخ: 7/9/2022
1764
|
قد تبيّن لك حقيقة الكبر وأنّه من نتائج العجب، وما يترتّب عليه من التحقير للغير كالاستنكاف عن مواكلته ومصاحبته وتوقّع التقديم فيما يدلّ عرفاً على التعظيم عليه، وعدم الالتفات في المحاورات وغيرها إليه يسمّى تكّبراً، وهو من الآفات العظيمة التي هلك بها خواصّ الأنام فضلاً عن العوام، وهو أعظم الحجب المانعة عن الوصول إلى دار السلام، ويترتّب عليه من المفاسد ترك التواضع وكظم الغيظ وقبول النصح والغضب والحقد والحسد والغيبة وازراء الناس وغيرها.
فما من رذيلة الا ويضطرّ إليها لحفظ عزّه الموهوم، وما من فضيلة الا وهو عاجز عنها خوفاً عن ذلّه الموهوم.
وربما زاد إلى أن يؤدّي إلى الاستكبار على الله ورسله وأمنائه الأطهار بإنكار كلامهم ونصائحهم والاستنكاف عن امتثال أوامرهم ونواهيهم، فيصير كفراً بالله الكريم، أعاذنا الله منه بمنّه العظيم ولطفه العميم.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 72] {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر: 56].
وفي الحديث النبويّ: «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من الكبر» (1).
وفيه أيضاً: «قال الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني في واحد منهما ألقيته في جهنم» (2).
وقال عيسى بن مريم (عليهما السلام): «كما أنّ الزرع ينبت في السهل ولا ينبت على الصفا، كذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبّر» (3).
وبالجملة: فالأخبار كثيرة لا تحصى.
وأقبح أفراد المتكبّر من مكّنه (كمنه خ ل) في قلبه وأظهره بلسانه وجوارحه في أقواله وأفعاله، وأحسن منه في الجملة من مكنّه في القلب والجوارح ما خلا اللسان، وأحسنها من مكنّه في القلب ولم يظهره بقول ولا عمل، بل يجتهد في التواضع، فإن كان قصده التلبيس على الناس بإثبات التواضع لنفسه فلعلّه أشدّ من الأولين لكونه متكبّراً ومرائياً معاً، وإن كان منكراً لما يميل إليه قلبه مجتهداً في إزالته عنه، لكن لا يقدر عليه بسهولة، بل تميل نفسه إلى ما يشتهيه من دون اختيار فيرجى له أجر المتواضع، والله تعالى عسى أن يوفّقه بموجب وعده لغاية مراده وقصده.
وعلاجه: بما ذكر في العجب لاشتراك بواعثهما وكونه من نتائجه، ويخصّه بعد التذكّر لما دلّ على ذمّه ومدح ضدّه من الآيات والأخبار، التأمّل في أنّ حكمه بمزيته على غيره من غاية جهله، إذ شرف المرء بسعادته وحسن خاتمته ولا علم بهما الا للعالم بالقضاء الأزلي، فربّما حسنت خاتمة المتكبّر عليه ووصل إلى أقصى مراتب السعادة وختم للمتكبّر بالشقاوة.
وأيضاً شرفه بالفضائل النفسيّة، وخسّته بالرذائل الخلقية، وهي أمور باطنية لا يعلمها الا علّام الغيوب المطّلع بما تخفيه الضمائر والقلوب.
على أنّه لو حصّل مرتبة الشوق والحبّ وبلغ إلى مرتبة اليقين نظر إلى كلّ الموجودات بعين واحدة، وهي الانتساب إليه تعالى بكونها رشحة من رشحات وجوده وقطرة من قطرات بحار فضله وجوده، وآثاراً لذاته ومظاهر لصفاته، فلا ينظر إلى أحد بعين الحقارة، ولا يرد لزوم حسن التواضع والمحبّة للكفّار والأشرار، مع كونه مأموراً ببغضهم ولعنهم وترك مودّتهم، لاختلاف الحيثيّة، فبغض الكافر مثلاً لكفره وعداوته لا يستلزم ميل النفس إلى التكبّر عليه، وحبّه لأجل كونه من مظاهره وآثاره لا ينافي بغضه لأفعاله وأخلاقه وعقائده، فلو وكلّ أحد غلامه المأمون على ولده بمراقبته وتأديبه فالمطلوب المحمود من الغلام ضربه وتأديبه إذا أساء ظاهراً لمجرّد امتثال مولاه، ومحبّته له باطناً من حيث إنّه ولده ومنسوب إليه، ولا يحسن منه أن يتكبّر عليه ويرى لنفسه مزيّة بالنسبة إليه، فالمعيار الكلّي كون حبّه وبغضه خالصاً لوجه الله، فلا ينافي حدوث كلّ منهما وزواله وزيادته ونقيصته بالنسيبة إلى ما يعرضه من العقائد والأخلاق والأعمال، على أنّ المناط حسن الخاتمة وسوء العاقبة، فلعلّ الكافر يسلم ويتوب، والفاسق يندم ويؤوب.
والعلاج العملي له المواظبة على ضدّه ولو تكلّفاً إلى أن يعتاد عليه وينقلع عن قلبه شجرته الراسخة فيه بأصولها وأغصانها.
وله علامات كحصول السرور القلبي له من ظهور الخطأ في رأيه وأحقيّة رأي خصمه في مناظراته وشكره الظاهري له على تنبيهه عليه من دون ثقل عليه لا في الخلاء ولا في الملأ.
وكتقدّم أقرانه على نفسه في المجلس والممشى من دون ثقل في الخلاء والملأ.
وكإجابة دعوة الفقراء وقضاء حوائجهم وحمل حوائجه وحوائجهم إلى منزله ومنازلهم بنفسه من دون ثقل عليه في الخلاء والملأ.
واللبس من دون زيّ أقرانه كلبس الصوف وغيره من الخشن.
والأكل مع الفقراء والمعلومين والخدم والغلمان من دون ثقل عليه في الخلاء والملأ.
وإن ثقل عليه أحد ما ذكر في الملأ دون الخلاء، فهو وإن لم يكن متكبّراً الا أنّه مراء، ينبغي له إعمال معالجات الرياء.
وفي الخبر: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعلف الناضح، ويعقل العبير، ويقمّ البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقّع الثوب، ويأكل مع الخادم، ويطحن عنه إذا أعيى، ويشتري من السوق ويعلّقه بيده، أو يجعله في طرف ثوبه، ويصافح الغنيّ والفقير والصغير والكبير، ويسلّم مبتدءًا على كلّ مستقبل من صغير وكبير وأحمر وأسود، حرّ أو عبد من أهل الصلاة، وكان أشعث أغبر، ولا يحقّر ما دعي إليه.. الحديث» (4) وسيجيئ تمام الكلام في التواضع.
واعلم انّ من أظهر أنواعه الافتخار، وقد ورد في ذمّه بخصوصه أيضاً كثير من الاخبار وعلاجه بعلاجه.
تنبيه:
كما أنّ الكبر طرف إفراط من فضيلة التواضع، فالتذلّل والتخاسّ طرف تفريط منها من التملّق لأرباب الدول، والتواضع للمتكبّرين وغير ذلك ممّا يذكر بعضها في التواضع مع ما يدلّ على ذمّها. وعلاجه بعد التذكّر لقبحه عقلاً ونقلاً، ومدح التواضع كذلك، بتحصيل ضدّه الذي هو التواضع.
__________________
(1) المحجة البيضاء: 6 / 212.
(2) المحجة البيضاء: 6 / 213.
(3) تحف العقول: 504.
(4) المحجة البيضاء: 6 / 250 نقلاً عن أبي سعيد الخدري.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|