أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-3-2022
1939
التاريخ: 15-3-2022
1375
التاريخ: 26-2-2022
3100
التاريخ: 2023-11-19
1193
|
في عام 1967، قدم عالم الفيزياء الروسي جوزيف شكلوفسكي نموذجًا لـSco 1–X. «هذا النموذج بكل خصائصه يطابق النجم النيوتروني في حالة التراكم... ويأتي الإمداد الطبيعي والكافي من الغاز لتغذية حالة التراكم تلك في صورة تيار غاز متدفق من العنصر الثانوي في نظام ثنائي متقارب إلى العنصر الرئيسي في النظام والذي هو نجم نيوتروني».
أعرف أن تلك السطور السابقة تبدو غير ذات أهمية؛ ومما يزيد الأمر سوءا أنها مكتوبة بتلك اللغة التقنية الجافة لعلم الفيزياء الفلكية. لكنها الطريقة التي يتحدث بها المحترفون في أي مجال بعضهم إلى بعض وهدفي في قاعة المحاضرات، وكذلك دافعي الأساسي من تأليف هذا الكتاب هو ترجمة الاكتشافات المذهلة والرائدة، بل والتي أحيانًا ما تقلب موازيين الأمور، لزملائي الفيزيائيين إلى مفاهيم ولغة يستطيع فهمها الأشخاص الأذكياء الشغوفون بالمعرفة – أريد أن أبني جسرًا بين عالم العلماء المحترفين وعالمنا. فعلى ما يبدو أن الكثير منا يؤثر الحديث مع أقرانه، مصعبًا على معظم العوام. حتى من يريد منهم فهم العلوم – الدخول إلى عالمنا.
لذا دعنا نأخذ فكرة شكلوفسكي ونرى ما كان يقترحه: يتكون النظام النجمي الثنائي من نجم نيوتروني ومرافق آخر تتدفق منه المادة إلى النجم النيوتروني. وهكذا يكون النجم النيوتروني «في حالة تراكم» – بعبارة أخرى، يجمع النجم النيوتروني المادة المتدفقة إليه من مرافقه النجم المتبرع. يا لها من فكرة غريبة.
إلا أنه اتضح أن شكلوفسكي كان على صواب؛ لكن المضحك أنه كان يتحدث عن 1–Sco X في ذلك الوقت، ولم يأخذ معظمنا كلامه على محمل الجد. وهذا هو الحال دائما مع النظريات. ولستُ أظن أن في الأمر أي إهانة لزملائي المنظرين، إذ أقول إن الغالبية العظمى من النظريات في الفيزياء الفلكية يثبت خطؤها. ولذلك، فإن كثيرين منا في الفيزياء النظرية الرصدية لا يولي اهتمامًا كبيرًا للنظريات.لقد تبين أن النجوم النيوترونية في حالة التراكم تشكل بيئة مثالية لانبعاث الأشعة السينية. فكيف أدركنا أن شكلوفسكي كان مصيبا في طرحه؟
لم يستقر علماء الفلك على الطبيعة الثنائية لمصادر الأشعة السينية – لكن هذا لم يكن يعني بالضرورة أنها كانت نجوما نيوترونية في حالة التراكم. وكان 1–Cyg X أول مصدر يكشف عن أسراره، وقد اتضح أنه أحد أهم المصادر في علم فلك الأشعة السينية برمته. اكتشف 1–Cyg X خلال رحلة استكشاف صاروخية في عام 1964، وبالنظر إلى أنه كان مصدرًا قويًّا شديد السطوع للأشعة السينية، فقد حاز اهتمام علماء فلك الأشعة السينية منذ ذاك الوقت.
وفي وقت لاحق، وتحديدا في عام 1971، اكتشف علماء الفلك الراديوي موجات راديو صادرة من 1–Cyg X. وقد حددت تلسكوباتهم الراديوية موقع X–1 Cyg ضمن منطقة (مربع خطأ) من السماء تبلغ حوالي 350 ثانية قوسية مربعة، أي أصغر بحوالي عشرين مرة تقريبًا من المساحة التي كانت ستحدد له في حالة تتبع أشعته السينية. كما راحوا يبحثون عن نظيره البصري بعبارة أخرى، أرادوا رؤية النجم الذي يولد الأشعة السينية الغامضة في الضوء المرئي.
في مربع الخطأ الراديوي كان يوجد عملاق أزرق فائق شديد السطوع يُعرف بـ 226868 HDE. واستنادًا إلى نوعية النجوم التي كان ينتمي إليها، استطاع العلماء مقارنته بنجوم أخرى مشابهة له للتوصل إلى تقديرات دقيقة لكتلته. وقد خلص خمسة علماء فلك، من بينهم ألان سانديج عالم الفلك الذي كانت شهرته تبلغ الآفاق عالميا في ذلك الوقت، إلى أن 226868 HDE كان مجرد «عملاق فائق عادي من النوع B0 بلا أي سمات مميزة»، واستبعدوا كونه النظير المرئي 1–Cyg X. كما درس علماء فلك آخرون (وكانوا أقل شهرة في ذلك الوقت) النجم بدرجة أكبر من التمعن، وتوصلوا إلى اكتشافات بالغة الأهمية.
فقد اكتشفوا أن النجم أحد نجمين في نظام ثنائي بفترة مدارية تبلغ 5.6 يوم. وقد أصابوا إذ أوضحوا أن دفق الأشعة السينية القوي المنبعث من النظام الثنائي يرجع إلى مراكمة الغاز المتدفق من النجم المرئي (المتبرع إلى جرم بالغ الصغر. مضغوط. وبالفعل، لا شيء يمكنه تفسير ذلك الدفق الغزير من الأشعة السينية سوى تدفق الغاز إلى جرم صغير الحجم وثقيل الكتلة.
وقد أجروا قياسات تأثير دوبلر لخطوط الامتصاص في طيف النجم المتبرع أثناء دورانه في مداره (تذكر أن الأطياف تنزاح نحو الأزرق أثناء تحركها باتجاه الأرض، وتنزاح نحو الأحمر عند تحركها بعيدا عن الأرض) وخلصوا إلى أن النجم المرافق المولد للأشعة السينية كان أضخم من أن يكون نجما نيوترونيا أو قزما أبيض (وهو نجم مضغوط بالغ الكثافة، مثل الشعرى اليمانية ب) حسنًا، إذا كان من المستحيل أن يكون ذلك الجرم نجما نيوترونيا أو قزما أبيض، فماذا يمكن أن يكون غير ذلك؟ بالطبع – ثقب أسود! وهذا ما اقترحه هؤلاء العلماء.
ومع ذلك، بالنظر إلى أنهم علماء نظريون، فقد صاغوا استنتاجاتهم بصيغة أكثر حذرًا. فقد صاغ كل من لويس ويبستر وبول موردين، اللذان نُشر اكتشافهما في مجلة نيتشر في السابع من يناير من عام 1972، استنتاجهما على النحو التالي: «تزيد كتلة الجرم المرافق على كتلتين شمسيتين على الأغلب، ومن ثم لا بد لنا من الأخذ في الحسبان افتراض أنه قد يكون ثقبًا أسود». وهذا ما كتبه توم بولتون بعد شهر من ذلك في مجلة نيتشر: «وهذا يثير الاحتمال القائم بأن يكون ذلك الجرم الثانوي [المتنامي] ثقبا أسود». يمكن الاطلاع على صورة مرسومة بالأسلوب الانطباعي 1–Cyg X في ملحق الصور.
وهكذا، تشارك علماء الفلك العباقرة هؤلاء، ويبستر وموردين في إنجلترا، وبولتون في تورنتو، اكتشاف ثنائيات الأشعة السينية، ووجدوا أول ثقب أسود في المجرة. لقد كان بولتون يتيه فخرًا بهذا الاكتشاف ولسنوات كانت لوحة ترخيص سيارته 1–Cyg X).
ودائمًا ما كنت أتعجب من عدم حصول ثلاثتهم على جائزة مهمة تكريمًا لهذا الاكتشاف الاستثنائي؛ فقد كان لاكتشافهم تأثير مهم في المجال، بالإضافة إلى أنهم كانوا أول من سبق لذلك الاكتشاف فقد اكتشفوا أول نظام ثنائي تنطلق منه الأشعة السينية. كما أشاروا إلى أن الجرم المتنامي ربما يكون ثقبا أسود. فيا له من جهد رائع! في عام 1975 راهن ستيفن هوكينج بنفسه، عالم الفيزياء النظرية كيب ثورن على أن 1–Cyg X لم يكن ثقبًا أسود على الإطلاق – على خلاف ما كان يعتقد معظم علماء الفلك في ذلك الوقت. وبعد خمسة عشر عامًا فاز هوكينج أخيرًا بالرهان، وهو ما أسعده كثيرًا على حد اعتقادي، ذلك أن جُل عمله كان يتمحور حول الثقوب السوداء. ويبلغ أحدث وأدق قياس لكتلة الثقب الأسود في Cyg 1–X حوالي 15 كتلة شمسية (بحسب رسالة شخصية من جيري أوروز، وطالبي السابق جيف ماكلينتوك).
وإذا كنتَ قوي الملاحظة، فأعرف أنك تحدث نفسك الآن قائلا شيئًا من قبيل: «لحظة! لقد قلت لتوك إن الثقوب السوداء لا ينبعث منها أي شيء، وإنه لا شيء يمكنه الإفلات من مجال جاذبيتها. فكيف يمكن أن تنبعث منها الأشعة السينية؟». وهذا سؤال رائع، أعد بأنني سأجيب عنه في النهاية، لكن إليكم هذا الاستعراض السريع: إن الأشعة السينية المنبعثة من الثقب الأسود لا تأتي من داخل أفق الحدث – وإنما تنبعث من المادة وهي في طريقها إلى الثقب الأسود. ورغم أن الثقب الأسود تفسير لما رصدناه من ملاحظات 1–Cyg X، فإنه لا يمكن أن يكون تفسيرًا لما نرصده من انبعاثات الأشعة السينية من نظم نجمية ثنائية أخرى؛ إذ لم يكن من تفسير ممكن لتلك الانبعاثات إلا أن تكون تلك النظم النجمية ثنائيات نجمية نيوترونية، وهو ما اكتشف بالاستعانة بالقمر الصناعي الرائع أوهورو.
لقد شهد مجال علم فلكِ الأشعة السينية تغيرا جذريًا في ديسمبر من عام 1970، تزامنا مع إطلاق أول قمر صناعي مخصص لعلم فلك الأشعة السينية إلى مداره. وقد سمي القمر، الذي أطلق من كينيا في الذكرى السنوية السابعة لاستقلالها، باسم «أوهورو» وهي المقابل لكلمة «حرية» في اللغة السواحيلية.
وقد أحدث أوهورو ثورةً لم تخمد إلى يومنا هذا. فكر في كل ما يمكن لقمر صناعي أن يفعله؛ عمليات رصد على مدار اليوم طوال أيام العام، وكل ذلك خارج الغلاف الجوي للأرض تمامًا! لقد تمكن أوهورو من تسجيل مشاهدات لم تكن إلا ضربًا من الأحلام قبل ست سنوات من ذلك. ففي مدة تزيد قليلا عن عامين، أجرى أوهورو مسحًا لجميع مصادر الأشعة السينية في السماء، بعدادات قادرة على رصد مصادر أقل سطوعًا بخمسمائة مرة من سديم السرطان، وأقل سطوعًا بعشرة آلاف مرة من 1–Sco X. وقد اكتشف 339 من مصادر الأشعة السينية (وقبل ذلك لم نكتشف سوى بضع عشرات من تلك المصادر) وقدّم أول خريطة أشعة سينية للسماء بالكامل.
لقد أعادت مراصد الأقمار الصناعية التي حررتنا من قيود الغلاف الجوي، تشكيل رؤيتنا للكون مع تمكينها لنا من رؤية الفضاء العميق – وما يكتنفه من أجرام عجيبة – عبر كل جزء من الطيف الكهرومغناطيسي. كما وشع تلسكوب هابل الفضائي نطاق رؤيتنا للكون المرئي، بينما أدت مجموعة من مراصد الأشعة السينية المهمة نفسها لفضاء الأشعة السينية. واليوم، تراقب مراصد أشعة جاما الكون عند مستويات طاقة أعلى كثيرًا.
في عام 1971، اكتشف أوهورو نبضات تتكرر كل 4.84 ثانية صادرة من Cen X – 3 (في كوكبة القنطور). وخلال فترة يوم واحد راقب أوهورو تغيرا في دفق الأشعة السينية بمعامل عشرة في غضون ساعةٍ واحدة في البداية قلت فترة النبضات ثم زادت بحوالي 0.02 و0.04 في المائة، وكل من هاذين التغييرين يحدثان في حوالي الساعة. ورغم ما ينطوي عليه ذلك من إثارة بالغة فإنه كان كذلك يُشكل لغزا محيرا؛ إذ من غير الممكن أن تكون تلك النبضات ناتجة عن نجم نيوتروني دوّار، وذلك لأن الفترات المدارية لها معروفة بأنها ثابتة لا تتغير. وما من نباض من النباضات المعروفة يمكن أن يغير فترته المدارية بحوالي 0.04 في المائة في الساعة.
وقد اتضحت ملامح الصورة الآسرة عندما اكتشف فريق أوهورو لاحقا أن Cen X – 3 نظام ثنائي تبلغ دورته المدارية 2.09 يوم. أما فترة النبضات التي تبلغ 4.89 ثانية فكانت تُعزى إلى دوران النجم النيوتروني المتنامي كانت الأدلة على ذلك دامغة. فقد رأوا أولا ظواهر كسوف متكررة كل 2.09 يوم حين يختفي النجم النيوتروني وراء النجم المانح، حاجبًا الأشعة السينية عن الرؤية. وثانيا: استطاع الفريق قياس انزياح دوبلر خلال فترات النبضات. فحين يتحرك النجم النيوتروني باتجاهنا، تقل فترة النبضات قليلًا، فيما تطول قليلا عند تحركه موليا عنا. وقد نُشرت تلك النتائج بالغة الأهمية في مارس من عام 1972. وقد فسّر كل ذلك بشكل تلقائي الظواهر التي نُشرت في ورقة بحثية عام 1971 والتي بدث محيرة جدًّا. لقد كان الأمر مطابقا تماما لما تكهن به شكلوفسكي بالنسبة لـ 1–Sco X: نظام ثنائي يتشكل من نجم مانح ونجم نيوتروني متنام.
وفي وقت لاحق من ذلك العام، اكتشف فريق جاكوني مصدرًا آخر للأشعة السينية، 1–Hercules X (أو 1–Her X، كما نحب أن نطلق عليه)؛ وقد تبين أنه نظام ثنائي آخر لما رصدوا فيه من نبضات وظواهر كسوف!
لقد كانت تلك الاكتشافات مذهلة لدرجة أنها أحدثت ثورة في مجال علم فلك الأشعة السينية مهيمنةً على المجال لعقود قادمة إن ثنائيات الأشعة السينية نادرة الوجود في الكون، فربما توجد بمعدل واحدٍ في المائة مليون نظام نجمي ثنائي في مجرتنا. ومع ذلك، فقد صرنا نعلم الآن أن في مجرتنا مجرة درب التبانة، عدة مئات من ثنائيات الأشعة السينية. وفي معظم الحالات يكون الجرم المضغوط، المتنامي قزما أبيض أو نجمًا نيوترونيا، لكن ثمة نحو عشرين نظامًا نجميًّا معروفًا على الأقل يكون فيها الجرم المتنامي ثقبا أسود.
هل تذكر الدورة الزمنية البالغة 2.3 دقيقة التي اكتشفها فريقي في عام 1970 (قبل إطلاق القمر الصناعي أوهورو)؟ في ذلك الوقت لم تكن لدينا أي فكرة عن السبب وراء ذلك التغير الزمني الدوري حسنًا، اليوم نعرف أن 4+1 GX ثنائي أشعة سينية بدورة مدارية تستغرق حوالي 304 أيام، ونجم نيوتروني متنام دوار يتم دورته المدارية في غضون 2.3 دقيقة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|