أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-10-2015
2973
التاريخ: 2024-08-16
455
التاريخ: 21-10-2015
8125
التاريخ: 2023-05-04
1010
|
لقد كان لنظرية الضرورة نصيب في الدساتير العراقية كما هو الشأن في دساتير الكثير من دول العالم , وحيث ان النظام الدستوري في العراق قد مر بمرحلتين منذ تأسيس الحكومة العراقية ولحد الان , المرحلة الاولى ــ النظام الملكي ــ والمرحلة الثانية ــ النظام الجمهوري ــ لذا فأننا سنتناول حالة الضرورة في كلتا المرحلتين وفي مطلبين :
تطبيقات نظرية الضرورة في ظل النظام الملكي
لم يصدر في هذه المرحلة والتي تمتد ما بين عامي 1921 ــ 1958 سوى دستور واحد وهو القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 (1), لقد تضمن هذا الدستور وهو الدستور الأول للعراق بعد قيام الحكم الوطني نصاً عالج فيه قيام حالة الضرورة حيث ورد في الفقرة ( 3 ) من المادة ( 26 ) ما نصه : ( اذا ظهر ضرورة أثناء عطلة المجلس لاتخاذ تدابير مستعجلة لحفظ النظام والأمن العام ولدفع خطر عام او لصرف مبالغ مستعجلة لم يؤذن بصرفها في الميزانية او بقانون خاص او للقيام بواجبات المعاهدة فللملك الحق بإصدار مراسيم بموافقة هيئة الوزراء يكون لها قوة قانونية تقضي باتخاذ التدابير اللازمة بمقتضى الأحوال على ان لا تكون مخالفة لاحكام هذا القانون الأساسي ويجب عرضها جميعها على مجلس الأمة في اول اجتماع عادي ما صدر منها لا جل القيام بواجبات المعاهدات المقترحة من قبل مجلس الأمة او المجلس التأسيسي فان لم يصدق مجلس الامة هذه المراسيم فعلى الحكومة ان تعلن انتهاء حكمها وتعتبر ملغاة من تاريخ هذا الإعلان ويجب ان تكون هذه المراسيم موقعاً عليها بتواقيع الوزراء كافة . وتشمل لفظة القانون ( المراسيم الصادرة بمقتضى إحكام هذه المادة ما لم تكن في متنه قرينة تخالف ذلك )(2). يتضح من النص السابق ان المراسيم التي لها قوة القانون هي الوسيلة التي أشار اليها القانون الأساسي لتطبيق نظرية الضرورة والتي تتمثل في ظروف استثنائية وطارئة تمر بها البلاد والتي عبر عنها النص بـ ( التدابير المستعجلة لحفظ النظام والأمن العام ولدفع خطر عام او لصرف مبالغ مستعجلة لم يؤذن بصرفها في الميزانية او بقانون خاص او للقيام بواجبات المعاهدة ) (3). عند ذلك فأن الجهة التي يحق لها إصدار تلك المراسيم هو الملك بموافقة هيئة الوزراء ويكون لتلك المراسيم قوة القانون ومن الجدير بالإشارة اليه هنا ان نظام الحكم في العراق في ظل النظام الملكي كان نظاماً نيابياً برلمانياً لذلك فأن من الملاحظ على هذا النظام انه حاول مسايرة الأنظمة البرلمانية ذات الهيمنة الرئاسية والتي أطلق عليها ( بالأنظمة البرلمانية المنحرفة ) (4)كونها خرجت على مبدأ نيابي صحيح وهو ان التشريع عمل من اعمال البرلمان , لذا فأن اعطاء السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الدولة القدرة على ممارسة التشريع عن طريق اصدار المراسيم ليس الا عملاً دخيلاً على هذا النظام(5). لذا فأن من اهم واخطر الحقوق التي تعترف بها لرئيس الدولة الأعلى هو حق اصدار المراسيم اذا ما دعت الضرورة لذلك في فترات عطلة البرلمان . وتظهر اهمية هذا الحق وخطورته في انه يؤدي الى جمع السلطتين التشريعية والتنفيذية في يديه(6). لذلك فأن الدساتير تحرص عادةً وبعد اعترافها بهذا الحق الى احاطته بسياج من الشروط والقيود في محاولة منها الى الحيلولة دون سوء الاستعمال , وهذا ما فعل الدستور العراقي لسنة 1925 في الفقرة 3 من المادة ( 26 ) , وقبل ان نتناول هذه القيود لا بد من الإشارة الى أساس الأخذ بفكرة المراسيم ودور الملك فيها وسوف نعرض لذلك في فرعين :
الفرع الأول : أساس الأخذ بفكرة المراسيم في العراق ودور الملك في إصدارها .
الفرع الثاني : القيود والشروط الواجب توافرها ومدى التزام السلطة التنفيذية بها .
الفرع الأول
لقد سبق وضع القانون الأساسي العراقي توقيع المعاهدة العراقية – البريطانية عام 1922 وقد ألزمت المادة ( 3 ) من المعاهدة المذكورة ان يضع مشروع دستور يعرض على المجلس التأسيسي العراقي يراعى ( اولاً ان لا يُضمنّ أي شيء يناقض المعاهدة ) ويلاحظ بأن هَّم السلطة البريطانية التي أوجدت النظام الملكي البرلماني في العراق ان تثبت في دستور هذا النظام ما يضمن قدرة الملك على اتخاذ أي اجراء يحقق مصلحتها التي أكدتها في معاهدة 1922, لذلك كان منح الملك سلطة إصدار مراسيم لها قوة القانون مع النص على اعتبار تنفيذ التزامات العراق التعاهدية حالة من حالات الضرورة خير وسيلة لتحقيق هذا الهدف , ولقد افصح وزير المستعمرات البريطاني عن هذه الغاية بكتاب وجهه الى المندوب السامي البريطاني في بغداد بتاريخ 19 نيسان 1923 حيث يقول " يكفي في جميع الظروف ان تعطى الى الملك صلاحيات اصدار تشريع عند الضرورة بشكل مرسوم يضمن تحقيق التزامات الحكومة العراقية المدرجة في المعاهدة ) (7) . هذا عن خلفية واساس الاخذ بفكرة المراسيم اما عن دور الملك في اصدارها فالذي يفهم من المادة ( 26 ) فقرة / 3 انها اناطت سلطة اصدار تلك المراسيم بالملك ومجلس الوزراء معاً (8), الا ان الصيغة التي جاء بها النص تثير تساؤلاً حول دور الملك في اصدار المراسيم , ان اشارة النص الى ان الملك هو الذي يصدر المرسوم بموافقة هيئة الوزارة يدفع الى الاعتقاد بأن له دور المبادرة في هذا الشأن اما دور الوزارة فيقتصر على الموافقة على مبادرة الملك , الا ان الواقع غير ذلك فقيام الملك بأقتراح المراسيم امر يكاد يكون مستحيلاً عملياً لان الملك ليس في وضع يمكنه معرفة ضرورات اصدار المراسيم فذلك يحتاج الى قدر كبير من الاطلاع والمساهمة في العمل اليومي في حين ان الوزارة هي اقرب من الملك في معرفة حاجة البلاد الى المراسيم لانها الجهاز العامل في الدولة وتمتلك وسائل التتبع فمثلاً ان احدى الوزارات تحتاج الى صرف مبالغ اضافية لم ينص عليها في الميزانية لغرض القضاء على آفة زراعية فهل يمكن للملك تقدير ذلك المبلغ ؟ الجواب ان هذا الامر لا تقدر عليه الا الجهة المختصة وفي هذا المثل هي وزارة الزراعة اذاً لا بد ان تكون هي صاحبة المبادرة والتي ترفع بدورها اقتراحها الى مجلس الوزراء لا الى الملك . اذن كل ما يمكن قوله هنا بأن النص لم يكن موفقاً في صياغته اذ كان يجب ان يأتي بشكل يبين حقيقة دور الملك والوزارة . فيبين ان إصدار المراسيم يكون بقرار من الوزارة وموافقة الملك وان هذا التصور هو الذي كان معمولاً به ومطبقاً فعلاً فمجلس الوزراء هو الذي كان يقرر إصدار مرسوم ما و بناءً على اقتراح وزير معين اذا كان الامر يتعلق بأعمال وزارته او ان الوزارة بكامل هيئاتها ترى إصدار مرسوم لمواجهة حالة عامة وذلك عندما يتعلق الامر بالسياسة العامة او الوضع العام وهذا القول لا يعني ان دور الملك شكلي فكثيراً ما كان الملك يتحكم في موضوع اصدار المراسيم وهي بعد في مرحلتها الأولى عندما تكون مشروع مرسوم وبالتالي يستطيع الملك من خلال هذه السلطة ان يمنع صدور المرسوم . وقد حصل فعلاً ان رفض الملك فيصل الأول في عام 1930 الموافقة على قرار كان مجلس الوزراء قد اتخذه في 30 أيلول 1930 وتضمن إصدار مرسوم الصرف مبالغ غير اعتيادية للدفاع عن الحدود(9) .
الشروط والقيود الواجب توافرها كي تطبق الفقرة الثالثة من المادة ( 26 ) من الدستور ومدى التزام السلطة التنفيذية بها
سنبحث هذا الفرع كالآتي :
اولاً : الشروط او القيود الواجب اتباعها عند صدور المرسوم بقانون :
لم يترك القانون الأساسي العراقي السلطة التنفيذية حرة في هذا الصدد بل قيدها بقيود(10) تتعلق بالزمن والظروف والمدى ومدة النفاذ .
1ــ الشرط او القيد المتعلق بالزمن : أي الفترة التي يجوز فيها إصدار المراسيم وهي " عطلة المجلس " وهنا يقول المرحوم الدكتور إسماعيل مرزا ( لا يجوز للسلطة التنفيذية اصدار هذه المراسيم الا في فترة عطلة المجلس , هذا اذا تقيدنا(11) . بحرفية النص , اما اذا اخذنا " العلة " واساس وجود النص بنظر الاعتبار فيجوز عندي اصدار هذه المراسيم في حالة الحل ايضاً اذا توفرت بقية الشروط الاخرى ) . اما الدكتور عبد الله إسماعيل البستاني(12). فأنه يقول ( ان المراسيم تصدر استناداً للمادة / 26 اثناء عطلة البرلمان ) وهنا نستطيع ان نتساءل ما هو المقصود بعطلة البرلمان ؟ ويجيب على ذلك بالقول ( النص الإنكليزي لهذه الفقرة ينص على العبارة التالية ( When Parliament is not sitting ) ومدلول هذه العبارة كما يرى شراح القانون الدستوري يتضمن كل فترة يكون فيها البرلمان غير منعقد ( سواء كان ذلك لانتهاء دورته العادية ام لحله او لتأجيله ) .
2ــ الشرط او القيد الخاص بالظرف : حدد الدستور العراقي الظرف الذي يجوز استعمال هذا الحق ( حق اصدار المراسيم ) في ظروف خاصة وهي حالة الضرورة التي تستدعي اتخاذ تدابير مستعجلة لا تحتمل التاخير فيما يخص الامور الاتية :
أ ــ حفظ النظام والامن .
ب ــ دفع خطر عام .
ج- صرف مبالغ لم يؤذن بصرفها في الميزانية او بقانون خاص .
د ــ المراسيم اللازمة للقيام بواجبات المعاهدة ( المعاهدة العراقية البريطانية عام 1922 ) .
هذه هي الامور التي اذا ما توافرت ضرورة اتخاذ تدابير مستعجلة فأنه يصار الى اصدار مرسوم بقانون فيها .
اما اذا ما توافرت الضرورة في امور اخرى غير ما ذكر فأنه لا يصار الى اصدار مراسيم بل يصار الى الطريق الاعتيادي وهو السلطة التشريعية وهذا يعني وجوب عدم التوسع في اصدار المراسيم لان هذا الحق اعطي للسلطة التنفيذية على خلاف الاصل , لذا لا يجوز التوقع ولا القياس على ما جاء خلاف الاصل . وهنا يرى الدكتور مصطفى كامل(13). ( ان الأسباب التي ذكرها القانون الأساسي العراقي تتضمن عبارات مطاطية كحفظ النظام او دفع خطر عام بحيث يمكن للسلطة التنفيذية ان تصدر ما تشاء من المراسيم في اثناء عطلة البرلمان دون ان تخشى محاسبة البرلمان ) .
3ــ الشرط او القيد الخاص بالمدى : عدم مخالفة المراسيم للقانون الأساسي :
ولقد ورد هذا الشرط في نص المادة 26 ايضاً ( على ان لا تكون المراسيم مخالفة لاحكام القانون الأساسي وهذا القيد مهم جداً لانه يمنع السلطة التنفيذية من ممارسة التشريع التأسيسي الذي هو من حقوق الشعب وحده والمحددة كيفيته على الوضع المبين في الدستور . كما ان هذا الشرط يحول دون اعطاء السلطة التنفيذية سلطة تعطيل الدستور وهو مانع ايضاً من الاعتداء على الحريات العامة(14) . ولا بد من التذكير هنا بأن هذا القيد خاص بنصوص الدستور اما بالنسبة للقوانين العادية فأنه بالإمكان تعديلها او إلغاؤها عن طريق المراسيم وكذلك يجوز انشاء قواعد قانونية جديدة بواسطة المراسيم .
4ــ الشرط او القيد الخاص بمدة النفاذ(15) : وقد ورد النص على هذا القيد بالقانون الأساسي على الشكل التالي : ( ويجب عرضها ــ المراسيم __ جميعها على مجلس الامة في اول اجتماع ما عدا ما صدر منها لاجل القيام بواجبات المعاهدات المصدقة من قبل مجلس الامة او المجلس التأسيسي فأن لم يصدق مجلس الامة هذه المراسيم فعلى الحكومة ان تعلن انتهاء حكمها وتعتبر ملغاة من تاريخ هذا الاعلان .. ) وان الواضح من منطوق النص انه يجب عرض هذه المراسيم في اول اجتماع للبرلمان وان البرلمان بالمقابل يجب ان يبت فيها في ذلك الاجتماع ولا يجوز له ان يتسامح بذلك ابداً فأن صدقها البرلمان تصبح قوانين شرعية والا ينتهي حكمها وعلى الحكومة ان تعلن ذلك وتعتبر ملغاة من تاريخ هذا الاعلان . وهنا يرد سؤال عما اذا لم تعلن الحكومة انتهاء حكم هذه المراسيم ؟ الجواب : يمكن للبرلمان ان يسحب الثقة من الوزارة فتضطر الى الاستقالة ويكون على الوزارة الجديدة الاعلان عن انتهاء اثر هذه المراسيم وكثيراً ما يكون التهديد بسحب الثقة كافياً لدفع الوزارة على سحب المراسيم(16) . واخيراً لا بد من الاشارة الى عدم وجود نص في التشريع العراقي يتعلق بهذا القيد ويتمثل في حالة عدم عرض هذه المراسيم من قبل السلطة التنفيذية على البرلمان في اول اجتماع له فالملاحظ ان القانون الاساسي العراقي قد سكت عن حكم ذلك في حين اننا نلاحظ بأن المشرع المصري لم يقع فيما وقع فيه المشرع العراقي حيث نص على ان عدم عرض المراسيم بقانون على البرلمان يفقدها ما كان لها من أ ثر(17) .
ثانياً : مدى ألتزم السلطة التنفيذية بالشروط والقيود التي وضعتها المادة ( 26 ) الفقرة ( 3 )
من الملاحظ هنا بأن فكرة إصدار المراسيم هي فكرة استثنائية وبالتالي لا تمارس الا في حالات استثنائية , الا ان واقع الحال في العراق قد اظهر خلاف ذلك حيث تحولت هذه الوسيلة الى أداة اعتيادية تمارسها السلطة التنفيذية متجاوزة حالات الضرورة الحقيقة وبذلك استطاعت ان تمارس خلال عطلة البرلمان سلطة التشريع الكامل(18) . ومن الملاحظ ان مجلس الامة كان مجرداً عملياً من سلطاته ــ مسؤولية الوزارة السياسية ــ استجواب ــ سحب ثقة ــ سلاح لا يقوى المجلس على استعماله فهي في مأمن من أخطاره ومن الملاحظ ايضاً ان هذه المراسيم كانت في منآى من رقابة المحاكم العادية ــ عدى المحكمة ــ العليا اذ لا يحق لها بحث دستورية تلك القوانين لانها ممنوعة دستورياً من ذلك , كما ان المحكمة العليا نفسها لا تنظر في ذلك الا اذا أحيلت لها المراسيم من السلطة التنفيذية نفسها , فهل يتصور ان تحيل هذه مرسوماً على المحكمة العليا لفحص دستوريته اذا كان لها صالح في أعماله(19) . واخيراً فاذا ما عُرضت تلك المراسيم على المحكمة العليا وقررت هذه المحكمة عدم دستوريتها فأنها تعتبر ملغاة من تاريخ صدور هذا القرار , وهكذا كان هذا الواقع في العراق وبذلك كثُرت المراسيم بقانون التي أصدرتها السلطة التنفيذية وفي غير محلها وخلافاً لما اشترطه القانون الأساسي وكمثال لذلك نذكر مرسوم المطبوعات الذي أصدرته السلطة التنفيذية برقم 24 لسنة 1954 والذي وقف من الصحافة موقفاً كله ريبة وحذر ومرسوم الجمعيات المرقم 9 لسنة 1954 ومرسوم رقم 25 لسنة 1954 مرسوم الاجتماعات والمظاهرات وهذه المراسيم كلها غير دستورية لعدم توافر شرط الضرورة الذي ورد في المادة 26 ف 3 من الدستور ( لاتخاذ تدابير مستعجلة في مسائل معينة ) (20) .
المطلب الثاني
تطبيقات نظرية الضرورة في ظل النظام الجمهوري ( ما بعد 14 تموز 1958 )
في البدء نود التذكير الى ما سبق وان بيناه من أن حالة الضرورة التي نبحثها هنا تشكل الاستثناء من مبدأ سمو الدستور وكذلك الاستثناء من مبدأ الفصل بين السلطات من جهة والتي تشكل وفي الوقت نفسه تنظيماً دستورياً شاملاً حيث يتم بموجبه واستناداً الى نص دستوري إعطاء السلطة التنفيذية سلطات استثنائية تتضمن الحق بممارسة التشريع من جهة أخرى لذلك فأننا ابتعدنا عن التشريعات الجزئية والتي ايضاً تعالج حالة الضرورة كالتفويض التشريعي او حالة الطوارئ وهو نفس النهج الذي اتبعناه في تطبيقات الضرورة في الدول وسنتناول في هذا المطلب الدساتير العراقية التي تضمنت نصاً يشير الى حالة الضرورة في دساتير العهد الجمهوري اما الدساتير التي صدرت في هذا العهد فهي وحسب سنوات صدورها كالآتي(20) :
1ــ دستور 27 تموز 1958 .
2ــ دستور 4 نيسان 1963 ( قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة المرقم 25 لسنة 1963 )
3ــ دستور 29 نيسان 1964 .
4ــ دستور 21 ايلول 1968 .
5ــ دستور 16 تموز 1970 .
6ــ قانون ادارة الدولة العراقية رقم 40 لسنة 2004 .
7ــ الدستور الجديد ( دستور 15 تشرين الاول 2005 ) (21) .
ومن مراجعة الدساتير المذكورة نلاحظ بأن دستورين فقط تناولا حالة الضرورة بالنص عليها وذلك في المادة ( 51 ) من دستور 1964 والمادة 57 الفقرة ( ح ) من دستور 1970(22) وذلك عند تناولهما السلطات الاستثنائية لرئيس الجمهورية والتي من خلالها يمارس سلطة التشريع عن طريق اصدار قرارات لها قوة القانون وسنتناول هاتين المادتين فيما يأتي :
اولاً : المادة ( 51 ) من دستور 1964 وهي اول نص دستوري في العهد الجمهوري تناول حالة الضرورة حيث ورد في نص المادة المذكورة ( لرئيس الجمهورية في حالة خطر عام او احتمال حدوثه بشكل يهدد سلامة البلاد وأمنها ان يصدر قرارات لها قوة القانون بقصد حماية كيان الجمهورية وسلامتها وأمنها بعد موافقة مجلس الوزراء ) . يتضح من النص المذكور ان رئيس الجمهورية يتمتع بسلطات استثنائية اضافة الى السلطات العادية التي يتمتع بها والتي نص عليها الدستور المذكور وتتمثل هذه السلطات الاستثنائية بحق اصدار قرارات لها قوة القانون وتعد هذه المادة اول تطبيق دستوري وكما بينا في دساتير العهد الجمهوري ويمكننا ومن قراءتنا للنص المذكور ان نسجل الملاحظات الاتية :
1ــ ان نص المادة ( 51 ) قد اخذ بشرط الضرورة كما هو الامر في المادة 26 من دستور 1925 ( القانون الأساسي للعراق ) .
وكذلك المادة ( 16 ) من دستور 1958 الفرنسي والمادة ( 74 ) من دستور 1971 المصري والضرورة هنا يمكن الاستدلال عليها من عبارة ( .. في حالة خطر عام او احتمال حدوثه بشكل يهدد سلامة البلاد وأمنها ) وان من شأن هذه القرارات حماية كيان الجمهورية وسلامتها وأمنها. ومن الملاحظ ان النصوص الدستورية التي اليها في الدول التي أخذت بشرط الضرورة اشارت الى الخطر واعتبرته شرطاً لتوفر حالة الضرورة وقد اعطت وصفاً خاصاً لهذا الخطر ( وهو الجسيم والحال ) وقد بينا فيما سبق متى يكون الخطر جسيماً وحالاً , والملاحظة التي نريد ان نشير اليها هنا هي ان النص الوارد في المادة ( 51 ) من دستور 1964 قد ذهب الى ابعد من ذلك الوصف للخطر بحيث اضاف اليه الخطر الاحتمالي وذلك من خلال ذكر عبارة ( او احتمال حدوثه ) أي شملت الخطر الجسيم والحال والاحتمالي .
2ــ ومن الملاحظ ايضاً ان النص المذكور قد جاء بصياغة غامضة بحيث يسمح لرئيس الجمهورية التدخل في كافة الامور مما يؤدي الى عرقلة حقوق المواطنين والضمانات التي يتمتعون بها بموجب الدستور(23) .
3 ــ اما فيما يتعلق بأخذ موافقة مجلس الوزراء على اصدار القرارات التي نصت عليها المادة ( 51 ) فهي لا تتعدى كونها مسألة شكلية خاصة(24) , اذا ما علمنا بأن رئيس الجمهورية هو الذي يتولى تعيين مجلس الوزراء واقالته وهو المهيمن الفعلي على السلطة التشريعية وكان بأمكانه اصدار أي قانون يريد اصداره دون اللجوء الى اصدار هذه القرارات(25) .
__________________
1- د . نوري لطيف – القانون الدستوري –دار الحرية للطباعة – بغداد - ط 1 – 1976 – ص ص242 – 245 .
2- د . رعد ناجي الجده – التطورات الدستورية في العراق – الطبعة الاولى – دار الحرية للطباعة بغداد ط 1 - 1976 – ص 442 – 445 .
3- د . عبد الله اسماعيل البستاني - مذكرات في القانون الدستوري – مطبعة الرابطة – بغداد -1950 – 1951 - ص461 وما بعدها .
د . فائز عزيز اسعد – انحراف النظام البرلماني في العراق – مطبعة السندباد – بغداد - 1984 ص157 وما بعدها .
4- من الانظمة البرلمانية المنحرفة هي البرلمانية الفايمارية نسبة لدستور فايمار الصادر - 1919 وكذلك البرلمانية الدكولية نسبة الى دستور ديكول سنة 1958 مادة ( 6 ) وكذلك البرلمانية الناصرية نسبة الى الدستور الذي اصدره في مصر جمال عبد الناصر سنة 1964 المادة ) 119 ) والمادة ( 120 ) وقد تأثر هذا الدستور بدستور ديكول عام 1958 .
5- د . فائز عزيز اسعد – انحراف النظام البرلماني في العراق – مرجع سابق - ص158 .
6- د . عبد الله اسماعيل البستاني – مذكرات في القانون الدستوري – مرجع سابق - ص361 .
7- د . فائز عزيز اسعد – انحراف النظام البرلماني في العراق – مرجع سابق - ص167 .
8- د . فائز عزيز اسعد – انحراف النظام البرلماني في العراق – مرجع سابق - ص169 .
9- د . فائز عزيز اسعد – انحراف النظام البرلماني في العراق – مرجع سابق – ص ص ( 169 – 172 ).
10- د . اسماعيل مرزا القانون الدستور شركة الطبع الاهلية – بغداد 1960 - ص232.
د . عبد الله اسماعيل البستاني – القانون الدستوري – مرجع سابق - ص365 وما بعدها .
11- د . اسماعيل مرزا – نفس المصدر - ص232 .
12- د . عبد الله اسماعيل – مرجع سابق - ص365 .
13- د . مصطفى كامل ياسين – مرجع سابق - ص72 .
14- د . عبد الله اسماعيل البستاني – مذكرات في القانون الدستوري – مرجع سابق – ص 367 .
15- د . اسماعيل مرزا – القانون الدستوري – مرجع سابق ص233 .
16- د . إسماعيل مرزا – نفس المصدر - ص233 .
17- د . عبد الله إسماعيل البستاني – القانون الدستوري – مرجع سابق ص367 .
18- د . فائز عزيز اسعد – انحراف النظام البرلماني في العراق – مرجع سابق - ص173 .
د . عبد إسماعيل البستاني – مساهمة في أعداد الدستور الدائم وقانون الانتخاب – مرجع سابق - ص78
19- د . إسماعيل مرزا – القانون الدستوري – مرجع سابق - ص237 .
20- د . إسماعيل مرزا – القانون الدستوري – مرجع سابق - ص240 .
21- د . حكمت حكيم – الدساتير العراقية المؤقتة – مرجع سابق - ص42 .
و . د . رعد الجدة – التطورات الدستورية في العراق - دار الحكمة – بغداد – 2004 - ص114 .
ـ وبالاضافة الى هذه الدساتير هنالك مشروع دستور العراق الصادر في 30 تموز لسنة 1990 الا انه لم يرى النور حيث لم يجرِ العمل به بسبب احتلال العراق لدولة الكويت بعد ثلاثة ايام من اصداره ونشره في الصحف العراقية وقد نص في المادة ( 179 ) على ان يعمل باحكام هذا الدستور بعد موافقة الشعب عليه بالاستفتاء ونشره في الجريدة الرسمية في مدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً من تاريخ اعلان الاستفتاء وبسبب عدم اجراء الاستفتاء على مشروع الدستور المذكور استمر النظام بالعمل وفقاً للدستور الصادر في 16 تموز 1970 وحتى سقوط النظام .
22- لقد تضمن هذا الدستور ( وفي المادة 58 تاسعاً ) نصاً اشار فيه الى اختصاص مجلس النواب بالموافقة على اعلان الحرب وحالة الطوارئ وذلك بناءً على طلب مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء .. وفي رأينا بأن هذا النص منتقد وغير دقيق . ذلك ان اعلان الحرب وحالة الطوارئ من الامور التي تدخل ضمن مفهوم الضرورة والتي تستلزم اجراءً سريعاً لمعالجتها وهذا لا يتم الا بإعطاء السلطة التنفيذية صلاحية اتخاذ اجراءات استثنائية سواءً تمثلت تلك السلطة برئيس الدولة او مجلس الوزراء اما ان تعطى تلك الصلاحية الى مجلس النواب فهذا يعني اطالة الإجراءات في هذا الصدد وذلك لطبيعة عمل المجلس المذكور والتي تتصف بالبطء من جهة واحتمال امتناعه وعدم موافقته على الطلب المشترك المقدم من قبل رئيس الجمهورية او مجلس الوزراء من جهة اخرى يضاف الى ذلك ان مجلس النواب قد لا يكون في حالة انعقاد عند تقديم الطلب المذكور .
23- وقد اشار مشروع الدستور سنة 1990 ايضاً الى حق رئيس الجمهورية في اصدار قرارات لها قوة القانون في المواد 99 و 100 , وفيما يلي نص المادتين المذكورتين مع ملاحظاتنا عليها :
أ ـ نصت المادة 99 على ما يلي :
اولاً : لرئيس الجمهورية اذا قام خطر يهدد امن البلاد او استقلالها او سلامتها او وحدتها الوطنية ان يصدر في مدة لا تتجاوز ستة اشهر من قيام الخطر اوامر او قرارات لها قوة القانون لتلافي هذا الخطر . وله ان يعلم حالة الطوارئ في العراق او اية منطقة فيه . وينظم القانون حالة الطوارئ .
ثانياً : خلال مدة اعلان حالة الطوارئ وفي حدود المنطقة المشمولة بها يجوز بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية وقف العمل مؤقتاً لاحكام المواد ( 43 و 47 و 88 و 52 و53 و 54 و 56 و 57 و 67 من الدستور ) ومما يلاحظ على هذا النص هو عدم الوضوح والتناقض الحاصل فيه وتحديداً في الفقرة اولاً حيث نلاحظ ان النص بعد ان حدد الحالات التي تدخل ضمن الخطر وهي ( يهدد امن البلاد او استقلالها او سلامتها او وحدتها الوطنية ) وان الغرض من قرارات رئيس الجمهورية هو لتلافي هذا الخطر . نرى ان النص قد حدد مدة لا تتجاوز ستة اشهر من قيام هذا الخطر لاصدار تلك القرارات . وقد لاحظنا سابقاً ان الفقه يكاد يكون متفقاً على اعطاء صفة ( الجسيم والحال ) على الخطر الذي يجيز اصدار مثل تلك القرارات وان اعطاء فترة ستة اشهر لرئيس الجمهورية تجعل من المحتمل ان يكون الخطر المراد تلافيه قد حصل وانتهى ولم يبقى له اثر أي ان قرارات رئيس الجمهورية لم تعالج خطر حال بل خطر زال . وهذا يتنافى ومفهوم ووصف الخطر الذي يدخل في مفهوم ( الضرورة ) والذي يجيز اعطاء رئيس الجمهورية تلك الصلاحية الاستثنائية ( أي اصدار قرارات لها قوة القانون ) . وهنالك تساؤل ايضاً يرد على هذا النص ويتعلق بالغرض من اعطاء رئيس الجمهورية الحق في اعلان حالة الطوارئ اذا كان قد اعطي صلاحية اصدار قرارات لها قوة القانون لتلافي ذلك الخطر ؟ اما نص المادة 100 في مشروع الدستور المذكور فهو (( لرئيس الجمهورية اذا وقع ما يوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير في غير الحالات المذكورة في المادة 99 من الدستور إصدار قرارات لها قوة القانون وتعرض هذه القرارات على مجلس الشورى خلال ستين يوماً من تاريخ صدورها وتسري عليها الإجراءات المبينة في الفقرات ( ثانياً ) و ( ثالثاً ) و ( رابعاً ) و ( خامساً ) من المادة 119 من الدستور )) . وجدير بالذكر بأن الفقرات المذكورة من نص المادة 119 تتعلق بآلية عرض تلك المراسيم على مجلس الشورى عند انعقاده اما فيما يتعلق بنص المادة 100 من مشروع دستور 1990 .فيلاحظ هنا بأن المادة المذكورة تجيز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات لها قوة القانون باستثناء الحالات التي نصت عليها المادة السابقة أي المادة ( 99 ) من نفس المشروع . وفي تقديرنا ان هذا توسع من المشرّع الدستوري في منح تلك الصلاحيات من جهة ومن جهة ثانية قد تؤدي برئيس الجمهورية الى ان يصدر قرارات لها قوة القانون دون مبرر أي دون وجود حالة ضرورة وهي المسوغ الدستوري لا عطاء مثل هذا الحق لرئيس الجمهورية . أضف الى ذلك ان الفقرة الرابعة من المادة 119 قد أعطت الحق لرئيس الجمهورية ( في حالة عرض المرسوم على مجلس الشورى وعدم إقرار إقراره بأكثرية ثلثي الأعضاء الحاضرين ) حل المجلس المذكور
24- د . منذر الشاوي – القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية في العراق – مطبعة شفيق - بغداد 1966 - ص 198 – 200 .
25- د . رعد الجده – التطورات الدستورية في العراق – دار الحكمة – بغداد – 2004 ص114.
26- د . علي جاسم العبيدي – رئيس الدولة في العراق ( من 1921 الى 1968 رسالة دكتوراه – جامعة بغداد – 1981 – ص ص 208 – 213 .
ثانياً : المادة ( 57 ) فقرة ( ج ) المعدلة من دستور 1970 :
وتنص هذه الفقرة على ما يأتي : ( لرئيس الجمهورية عند الاقتضاء اصدار قرارات لها قوة القانون ) .
ان هذه الفقرة لم تكن موجودة أصلا عند وضع دستور عام 1970 الا انها أضيفت بموجب التعديل الثالث والعشرين للدستور والذي صدر بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم 15 في شباط 1993 .
ومما يلاحظ على هذه الفقرة انها لم تحدد المقصود بعبارة ( عند الاقتضاء ) والذي ترتب عليها منح رئيس الجمهورية سلطة استثنائية جديدة متمثلة بحق اصدار قرارات لها قوة القانون وقد ترك الباب مفتوحاً امام رئيس الجمهورية في تقدير اصدار مثل هذه القرارات وهو ما حدث فعلاً خلال الفترة بين صدور التعديل في عام 1993 وسقوط النظام في 9 / 4 / 2003 .
الا انه وبالرغم من اننا كنا قد اعتبرنا ما ورد في الفقرة ( ح ) من المادة ( 57 ) هو اشارة لحالة الضرورة ( رغم غموضها ) وذلك لما تضمنه من تخويل رئيس الجمهورية حق اصدار قرارات لها قوة القانون الا انه لدى رجوعنا الى تطبيقات المادة المذكورة فأننا لم نجد فيها ما يشير الى ان الدافع كان من ورائها وجود ظرف استثنائي او حالة ضرورة والتي تتمثل في اشتراط وجود الخطر الجسيم والحال ونورد فيما يلي بعض القرارات الصادرة استناداً للمادة المذكورة :
1 ــ قرار 69 في 27 / 8 / 1995 :
( يعفى النزلاء والمودعون المصريون المحكومون عن الجرائم الاقتصادية ووقف الاجراءات القانونية ضدهم).
2 ــ قرار رقم 98 في 16 / 12 / 1998 والخاص بتشكيل اربع مناطق في العراق استثناءاً وحتى أشعار اخر وهي كل من المنطقة الشمالية والمنطقة الجنوبية والمنطقة الوسطى ومنطقة الفرات الاوسط وتضم كل من هذه المناطق عدة محافظات وجاء في الفقرة الثانية من القرار ما يلي :
تكون مهام قيادة المنطقة الدفاع ضمن حدود المنطقة الجغرافية وقيادة واستخدام كافة موارد الدولة المادية والبشرية والتنظيم الحزبي ومجاهدي الشعب والقطعات العسكرية لمواجهة أي عدوان خارجي يستهدف سيادة العراق واستقلاله وامنه والمحافظة على الامن الداخلي , كما تضمن القرار المذكور تعيين قائد عسكري لكل منطقة .
3 ــ قرار رقم 11 في 16 / 3 / 1999 والمتضمن جعل محافظة المثنى بحدودها الادارية ضمن المنطقة الجنوبية بدلاً من منطقة الفرات الاوسط .
4 ــ القرار 45 في 25 / 6 / 2000 المتضمن ( يوقف العمل بالقرار 98 في 16 / 12 / 1998 والخاص بتشكيل قيادات المناطق العسكرية حتى اشعار اخر ) .
5 ــ قرار 64 في 25 / 7 / 2001 المتضمن ( تعيين عبد التواب الملا حويش بمنصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التصنيع العسكري ) .
وبعد استعراضنا للقرارات المذكورة يمكننا القول بأن رئيس الجمهورية كان بإمكانه اللجوء الى صلاحياته الاعتيادية التي ضمنها له دستور عام 1970 لمعالجة المواضيع الواردة في تلك القرارات سيما وأننا لم نرَ في تلك القرارات وجود خطر جسيم وحال .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|