أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-25
971
التاريخ: 2023-11-27
1072
التاريخ: 2023-12-04
1247
التاريخ: 2024-11-17
184
|
وعظُم على يوحنا الثامن سُقُوط ثيسالونيكية في يد الأتراك، وأفزعه تقدمُ مراد وانتصارُهُ، فهرع يرمم حصون العاصمة، ولا تزال بعض النقوش اليونانية الباقية تنطق باهتمام يوحنا بالأسوار والحُصُون، وهاله تخاصمُ الجنويين والبنادقة في هذا الظرف الحرج (1). ومما زاده اضطرابًا وقلقًا أنه لم يكن له ولدٌ ذكرٌ يخلفه وأن أفراد أسرته المالكة لم يتفقوا على أَحَدٍ منهم، وقضى العرف والقانون بأن يتولى الحكم بعده أخوه الأصغر الديسبوتس ثيودوروس، ولكن الفسيلفس رأى في أخيه قسطنطين شخصيةً أقوى وأَلْيَقَ وأجدر، والمؤسف المؤلم الذي حزَّ في صدر يوحنا أن المرشحين الاثنين خطبا وُدَّ مراد الثاني واستعدَّا لحربٍ أهليةٍ مرَّة (1435-1436) (2). وقام في الغرب آنئذٍ مَنْ طالب بإصلاح الكنيسة رأسها وأعضائها، وبوضع حدٍّ لخروج يوحنا هوس وأتباعه، فالتأم مجمع مسكوني غربي في مدينة بازل (1431–1448) للنظر في هذين الأمرين الهامَّين، وعلم الآباء المجتمعون بفوز الأتراك في البلقان وبتعاظُم شوكتهم، ففاوضوا يوحنا الثامن في كيفية التعاوُن بين النصارى للصمود المثمر في وجه الأتراك، وتبادل الطرفان الوفود وقام إلى بازل وفدٌ أرثوذكسيٌّ، وأشهر أعضاء هذا الوفد الأب أزيدوروس الذي أصبح فيما بعد رئيس أساقفة موسكو. ووصل هذا الوفدُ إلى بازل وبات ينتظرُ البحثَ في التفاهُم والاتحاد بين فَرْعَيِ الكنيسة الأُم الرئيسين، ولكنَّ أساقفة الغرب تشاحنوا كثيرًا في تعيين المكان الذي يَلتئم فيه مجمعٌ مسكونيٌّ جديد، ثم اتفقوا على إرجاء البحث في قضية التعاوُن بين الكنيستين إلى أن يكونوا قد حَلُّوا مشكلة يوحنا هوس وأتباعه، فغضب الأرثوذكسيون لكرامتهم وظَنُّوا أن إخوانهم الغربيين الكاثوليكيين إنما سَاوَوْا بين الأرثوذكسيين «الحقيقيين» وبين الهراطقة، وعلمت الأوساط الإكليريكية والشعبية في الشرق بما جرى، فهبتْ عاصفةٌ هوجاء من الاستياء في عاصمة الأرثوذكسية (3). ولم يرضَ البابا عن البحث في إصلاح رأس الكنيسة ولم يحضر اجتماعات بازل، ولكنه اهتم لسير الحوادث السياسية في البلقان اهتمامًا كبيرًا، ففاتح يوحنا الثامن كلامًا مستقلًّا في الموضوع نفسه الذي فاوض بشأنه الأساقفة المجتمعون في بازل، وكان يوحنا على ما كان عليه من قلق واضطراب، فقبل باقتراح أوجانيوس الرابع (1431–1448) واقترح عقد مجمع مسكوني في القسطنطينية، ولكن البابا رأى أَنْ يعقد هذا المجمع في بلد إيطالي وسط بين الشرق والغرب، ووعد بدفع نفقات الأعضاء الأرثوذكسيين، ودعا إلى مجمع مسكوني في فراري وقبل يوحنا الثامن وترأس الوفد بشخصه وضم إليه أخاه والبطريرك يوسف ومرقس متروبوليت إفسس وبيساريون العالم الأديب والإكليريكي الكبير سيلفستروس الذي أصبح فيما بعد مؤرخ هذا المجمع Sylvestrus Syropoulos وعددًا غير قليل من الإكليروس والشعب، وأوفد أمير موسكو أزيدوروس رئيس أساقفة موسكو وعددًا من الإكليروس والشعب (4). وعارض الفسيلفس في سياسته هذه عددٌ غيرُ قليل من وُجهاء الروم من رجال الدين والدنيا، فأكدوا ليوحنا (أن عمله هذا يؤدي حتمًا إلى ضياع الأرثوذكسية النقية وإلى عودة اللاتين إلى الحُكم في الشرق بسابق فظاظتهم وجشعهم) (5)، وأفضل مثال على هذه المعارضة الشديدة ما كتبه يوسف برينوس Bryennius في أوائل القرن الذي نحن بصدده، فإنه قال: (ولا ينخدع أحدٌ منكم بالرجاء الفارغ بأن جيوش الحلفاء الإيطاليين سيجيئون إلينا إن عاجلًا أو آجلًا، وإن هم تظاهروا بالدفاع عنا فإنهم سيحملون السلاح للقضاء على مدينتنا وجنسنا واسمنا(6)) . وعارض البابا في دعوة المجمع المسكوني إلى الانعقاد في فراري عددٌ من الأساقفة أعضاء المجمع المنعقد في بازل، وأَبَوْا أن يُطيعوا أمره، وظَلُّوا في بازل مجتمعين، ورفعوا سلطته! وقد جمع يوحنا، قبل أن يبرح القسطنطينية، مجلسًا من الوجهاء وبسط أمامه وجهةَ نظره مجددًا، فتجددت المعارضة في شخص جاورجيوس سكولاريوس Scholarios وغيره، وأبدى البطريرك يوسف رأيه فإذا به يعارض أيضًا، واضطرَّ يوحنا إلى أن يستأذن سيده مرادًا الثاني فلم يوافق هذا على خطة الفسيلفس، وبعد أن قام الوفد من القسطنطينية أحب مراد أن يقتحم أسوارها، ولكنه أصغى إلى مشورة وزيره خليل فعدل (7). ووصل الوفدُ الأرثوذكسي إلى البندقية في الثامن من شباط سنة 1438، وفي أوائل آذار التالي وصل إلى فراري وبدأتْ أعمالُ المجمع، وبحث — بادئ ذي بدء — في برنامج العمل فأَلَحَّ يوحنا على أن يبدأ في السياسة والحرب، ولكن الأساقفة الغربيين رَأَوْا غير ذلك، وكانوا أكثريةً غالبة فبوشر في بحث نقاط الخلاف بين الكنيستين، وطال الجدالُ، وقالت الأكثريةُ بوُجُوب حَصْرِ البحث في نقاط أربع: انبثاق الروح القدس، واستعمال الفطير، ونوع آلام المطهر، ورئاسة البابا، وأكد متروبوليت إفسس أن القول بالانبثاق من الابن أمرٌ أَحْدَثَتْه رومة، وجادله في هذا يمين البابا الكردينال يوليانوس قيصريني. ثم انتشر الطاعون في فراري وأصاب بعض أعضاء المجمع فانتقل الجميعُ إلى فلورنزة في العاشر من كانون الثاني سنة 1439، واحتدم الجدل مرةً ثانيةً حول هذه النقاط، وامتنع البطريرك وغيرُهُ عن موافقة الأساقفة الغربيين، وأيَّد هؤلاء كل التأييد أزيدور رئيس أساقفة موسكو وشَدَّ أَزْرَهُ بيساريون العالم، وسئم الفسيلفس هذه المشادة وهذا الجدل ومَلَّ وكاد يغادر فلورنزة. وتُوُفي البطريرك قبل الوصول إلى نتيجة حاسمة، وظل مرقس رئيس أساقفة إفسس متمسكًا بوجهة النظر الأرثوذكسية حتى النهاية، وثابر الفسيلفس في تأيد الأساقفة الغربيين، فاتخذت قرارات معينة وأُعلن اتحاد الكنيستين في السادس من تموز سنة 1439 (8). ولا تزال فلورنزة حتى يومنا هذا تُفاخر بما جرى فيها فتعرض في إحدى دور كتبها Biblioteca Laurenziana نسخة معاصرة عن قرار الاتحاد باللغات اللاتينية واليونانية والصقلبية، ولا تزال كنيسة Santa Maria Novella تحتفظ بأثر تذكاري لوفاة البطريرك المسكوني يوسف المشار إليه، ولا يزال الناظرُ إلى مدخل كنيسة القديس بطرس في رومة يُشاهد نقوشًا صغيرةً تُخَلِّدُ ذِكْرَ إبحار يوحنا الثامن من القسطنطينية ووصوله إلى فراري وجلوسه في فلورنزة وعودته من البندقية، أما تمثال يوحنا الثامن الذي لا يزال يعرض في متحف البروبوغندة في رومة فإنه — في الأرجح — مُزَوَّرٌ من صنع أحد النَّحَّاتين الإيطاليين في القرن الماضي (9). وعاد يوحنا الثامن إلى الشرق، وعاد الوفدُ بأكمله، فالتفَّ حول مرقس متروبوليت إفسس عددٌ كبيرٌ من المعارضين، ورجع عددٌ كبيرٌ ممن وَقَّعَ صَكَّ الاتحاد عن تواقيعهم، وأوقف أمير موسكو رئيس الأساقفة أزيدور ولَقَّبَه بالذئب بدلًا من الراعي، واجتمع بطاركةُ الإسكندرية وأنطاكية وأوروشيلم في مجمعٍ محليٍّ في أوروشليم سنة 1443، وشجبوا قرارات فلورنزة ووصموها بالدَّنَس (10)، ويرى بعضُ العلماء أَنَّ أقطاب الكنيسة الأرثوذكسية اجتمعوا في السنة 1450 في كنيسة الحكمة الإلهية في مجمع مسكوني أرثوذكسي، فشجبوا الاتحاد ومن قال به، وأول من نشر أعمال هذا المجمع لاوون أتاليوس الإيطالي، وذلك في القرن السابع عشر، ومنذ ذلك الحين وعلماء الكنيسة معسكران، فمنهم مَنْ يقول بصحة هذه الأعمال، ومنهم مَنْ ينكر انعقادَ هذا المجمع، وأَشْهَرُ مَنْ يؤيد الصحة العالم الألماني درايزكه والعالم الإفرنسي براهية (11)، وفي طليعة الآخرين العالم بابايوانو اليوناني ولبديف الروسي (12)، ويرى العلامة المعاصر فازيلييف الروسي أنه ليس هنالك دليلٌ كافٍ يؤيد رُجُوع قسطنطين الحادي عشر عن الاتحاد، ولكن ليس هنالك أي اختلاف في أنه لدى سُقُوط القسطنطينية في يد الأتراك (1453) رقي السدة المسكونية البطريرك جناديوس، وأن هذا البطريرك الذي كان قد اشترك في أعمال فلورنزة بصفته جاورجيوس سكولاريوس، كان قد عاد عن اتحاد الكنيستين (13).
.........................................
1- Bréhier, L., Byzance, 489
2- Phrantzes, J., Chron., II, 12
3- Pierling, L. P., La Russie et le Saint-Siège, I, 11, 12, 15
4- Vast, H., Le Cardinal Bessarion, 43; Bréhier, L., Byzance, 491; Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 672-673
5- Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 672
6- Kalogeras, Marcos etc., 70; Norden, W., Das Papsttum und Byzanz, 781
7- Phrantzes, G., Chron. II, 13; Bréhier, L., Byzance, 493
8- Hofmann, G., Konzilsarbeit in Ferrara, Orient. Christ. Periodica, 1937, 110–140, 403–455, 1938, 157–188, 372–433; Jugie, M., Schisme Byzantin, (1941), 264–270
9- Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 674
10- Allatius, L., Ecclesiae Occidentalis, III, (4) , 939; Diehl, C., Europe Orientale, 363-364
11- Draseke, J., Zum Kircheneinigungsversuch des Jahres 1939, (Byz. Zeit.), 1896, 580; Bréhier, L., Attempts at Reunion of the Greek and Latin Churches, Camb. Med. Hist., IV, 624-625.
12- Papaioannu, K., So-Called Council of Sophia, Vizantiyski Vremennik, II, 394–413; Lebedev, A., Essays on Byz. East. Ch., 294.
13- Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 675
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
خدمات متعددة يقدمها قسم الشؤون الخدمية للزائرين
|
|
|