الزحف على الشرق الأقصى والعودة إلى الوطن
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج12 ص 580 ــ 581
2025-05-19
500
عبر بعد ذلك «الإسكندر» جبال «هندوكوش» المغطاة بالثلوج إلى أعالي وادي «نهر السند»، وقد قام هناك بالعجائب التي يطول شرحها، وسنذكر واحدة من مخاطراته هناك، تلك هي المعركة التي دارت بينه وبين «بوروس» ملك أحد أجزاء البنجاب الحالية. فيحدثنا «بلوتارخ»: «أن ارتفاع قامته كان حوالي سبع أقدام، وأنه عندما ركب فيله الضخم ظهر أنه كان متناسبًا مع ركوبته كتناسب الفارس مع جواده.» وقد تغلب «الإسكندر» عليه بعد مصاعب كبيرة في واقعة حمي وطيسها، وعندما أخذ «بوروس» أسيرًا، وسأله «الإسكندر» عما يريد أن يعامل به أجابه: «كملك.» وعلى الرغم من أن بلاده كانت ستصبح وقتئذ جزءًا من أملاك مقدونيا، فإن «الإسكندر» نصبه ملكًا على بلاده وفوق ذلك أعطاه أراضي أوسع ليحكمها. وبعد ذلك مباشرة مات جواد «الإسكندر» الشهير المسمى «بوسفالوس»، فأسس مدينة تذكارًا لاسمه تسمى «بوسفالوس» بالقرب من مكان واقعته التي حاربها على نهر السند.
وكانت المملكة التي خلف نهر السند معروفة بصورة مبهمة، ولم يكن لدى «الإسكندر» فكرة عن أن بلاد الهند تمتد جنوبًا، وأن آسيا تمتد بعيدًا إلى جهة الشرق، فقد تاقت نفسه إلى كشف مجاهلها حتى نهر «الكنج»؛ ليرى ماءه يصب في المحيط الذي يحيط بالأرض؛ وكذلك كان يرغب في أن يعرف شيئًا عن المناجم، والنباتات والحيوانات ويفتح طريق تجارة، وكذلك يخضع هذه البلدان لحكمه. عند هذه النقطة أبى رجاله أن يسيروا معه إلى أبعد من ذلك، فقد كانت الحرب الأخيرة مع «بوروس» قد قضت على ما كان عندهم من شجاعة، وبخاصة أنهم قد سمعوا أن نهر الكنج البعيد يبلغ عرضه أربعة أميال وعمقه ستمائة قدم، وأن الشاطئ المقابل كان مزدحمًا بالجنود، هذا فضلًا عن ستة آلاف ميل. والواقع أن هؤلاء الجنود قد قطعوا على الأقدام ما يقرب من اثني عشر مائة ميل في ثمانية أعوام، وصمموا على أنهم لن يسيروا خطوة واحدة أبعد من ذلك، فاضطر «الإسكندر» أمام ذلك إلى أن يخضع وأعطى الأوامر بالتقهقر. وقد ذهب هو وحرسه في جولة طويلة للارتياد حتى وصل إلى مصب نهر السند، ومن ثم عبر صحراء «جدروسيان»، وفي النهاية تقابلت كل قواته عند «بابل»؛ ولكن هنا أصيب «الإسكندر» بالحمى، وبعد اثني عشر يومًا مات في صيف عام 323ق.م وهو في الثانية والثلاثين من عمره تقريبًا.
ويحدثنا المؤرخ «أريان» Arrian عن آخر أيامه مظهرًا كيف أنه كان لا يزال محبوبًا، وموضع الإعجاب من كل جيشه: «في اليوم السادس من إصابته بالحمى كان في شدة المرض، وحمل إلى القصر، وكان في استطاعته أن يتعرف على ضباطه ولكنه كان فاقد النطق، وفي هذه الليلة كانت الحمى مرتفعة، وكذلك في اليوم التالي والليلة التي بعدها، وكذلك في اليوم التالي، وقد ألح جنوده في أن يروه، ورغب بعضهم في أن يروه وهو لا يزال حيًّا، وآخرون رغبوا في رؤيته؛ لأنه قد أعلن أنه كان قد مات فعلًا، وأن موته قد أُخفي بوساطة حرسه، أما الكثرة فقد سبب حزنهم عليه، وشوقهم إليه، أن اقتحموا الطريق ووقفوا في حضرته، فرأوا أنه فاقد النطق، ولكنهم مروا أمامه واحدًا فواحدًا، فحياهم برفع رأسه قليلًا مرة واحدة ومشيرًا إليهم بعينيه. وفي المساء التالي فارق الحياة فأخذ أحد قواده الذي أعطاه خاتمه تسلم قيادة الجيش، ورجع الكل إلى بلاد الإغريق.»
فماذا نصنع في «الإسكندر» وأعماله المدهشة؟ ولدى الإغريق حكمة محببة، وهي: «لا شيء في الإفراط.» وقد كان «الإسكندر» في أعينهم فوق المبالغة والإفراط، وتلك نقيصة نمت فيه في فتوحه الأخيرة، ولكن مع ذلك لا يمكن لأحد أن ينكر عليه حبه للثقافة الإغريقية وقوته الخارقة لحد المألوف، وهي التي كان يمكن أن تستعمل في توحيد كل العالم الإغريقي بروابط السلام لولا أن الموت اختطفه. وعلى أية حال فإن الحرب كانت في أيامه قضية مسلمًا بها، وكانت أفكاره بطبيعة الحال متجهةً إليها. و«الإسكندر» لم يكن قائدًا عبقريًّا وحسب، بل كان له عقل فاق عقول رجال آخرين، من حيث القوة وسرعة الفهم بالإضافة إلى الحيوية والشجاعة في إبراز خططه البعيدة المدى إلى حيز العمل. ويمكن أن يسمى بحق «الإسكندر الأكبر»؛ لا لأنه كان واحدًا من أعظم قواد التاريخ؛ بل لأنه نشر الثقافة الإغريقية والآراء الإغريقية في كل العالم الشرقي؛ ولأنه لو عاش لوحد العالم تحت لواء الحب والإخاء تحت حكمه، الذي دلت كل الظواهر على أنه كان عادلًا يرمي إلى تكوين أمة عالمية رائدها المحبة والسلام، وما أحوجنا إلى ذلك الآن.
الاكثر قراءة في التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة