الإسكندر الأكبر وغزو مصر
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج12 ص 578 ــ 579
2025-05-19
563
وبعد أن فتح سوريا وفلسطين زحف على مصر التي كانت وقتئذ تؤلف جزءًا من أملاك الفرس، فسلمت له واعترفت به فرعونًا على مصر. وفي أثناء إحدى سفراته في هذه البلاد المصرية مر بقرية صيد أسماك على دلتا النيل، وهنا أسس مدينة إغريقية أسماها «الإسكندرية»، وهي إحدى المدن العديدة التي منحها اسمه، ولكنها تفوق بكثير سائر المدن التي لقبت بهذا الاسم من حيث العظمة والشهرة وحسن الموقع. وكان يوجد في غربي النيل معبد شهير يوحي للإله المصري «آمون». وبعد سفر ثمانية أو عشرة أيام في الصحراء وصل «الإسكندر» إلى واحة «سيوة» المشهورة بعيون مائها وينابيعها ونخيلها وزيتونها، وهناك كان مقر الوحي، فاستقبله الكهنة بوصفه «ابن الإله»؛ وذلك لأن كل الفراعنة كانوا يعدون من أصل إلهي، ولم يكشف «الإسكندر» لأي فرد ما قيل له في المحراب، غير أنه قد سمع ما قيل له وحده. والظاهر أن ترحيب الكهنة وما أوحى به الوحي كان صدى ما يشعر به في قرارة نفسه، وهو أنه كان صاحب قوة ومستقبل يفوقان ما لأهل البشر العاديين، والواقع أنه قد حطم سلطان الفرس حول البحر الأبيض المتوسط. والآن أخذ على عاتقه أن يفتح إمبراطوريتها إلى أقصى حدودها.
سار «الإسكندر» شرقًا وعبر الفرات إلى نهر الدجلة حيث هزم «دارا» في واقعة «جاوجاملا» (331ق.م) وهي قرية على مقربة من «أربلا»، وهرب «دارا» ودخل «الإسكندر» عواصم بلاده فاستولى على «بابل» ثم «سوسا»، ومن ثم إلى «برسبوليس» التي أخذها بالهجوم عنوة. وقد أصبح بعد ذلك ما تحتويه هذه المدن العظيمة من ثروة مدهشة ملكًا له، فقد استولى منها على ثمانين ومائة ألف تلنت من الذهب والفضة مسكوكة وغير مسكوكة، وعلى كميات من صبغة الأرجواني وكنوز أخرى. ويقول «بلوتارخ»: «إن الغنائم من «برسوبوليس» كانت عظيمة لدرجة أنه كان يلزم لحملها ما لا يقل عن ألف بغل وخمسة آلاف جمل.» وقد طارد «دارا» ولحق به في الإقليم الواقع جنوبي بحر قزوين، ولكنه وجد أنه جرح جرحًا مميتًا بيد أحد شطاربته ورفاقه المتآمرين معه، وقد احتفل «الإسكندر» بدفن «دارا» احتفالًا يليق بملك، ومن ذلك الوقت أخذ يعد نفسه ملك الفرس.
كان جيش «الإسكندر» حتى هذه اللحظة طوع بنانه، وكان هو من جانبه يشاطرهم متاعبهم، وعُني بما فيه إسعادهم، فمنحهم مكافآت وأقام لهم المسابقات والأعياد، وكان يهيئ لهم أسباب الراحة بين أوقات الزحف والمعارك، ولكن الآن كان «الإسكندر» يدبر في عقله خطة عظيمة لم يكن في استطاعتهم فهم مغزاها أو مراميها.
وكان «الإسكندر» يحب الثقافة الإغريقية ويعجب بها — لغتها وآدابها وفنها وكل العلوم الخاصة بها مما لقنه إياها «أرسطو» في صباه — فأراد أن ينشر هذه الثقافة في كل مكان، وكذلك رأى أنه لا يمكن اعتبار الفرس مجرد قوم همج وأراد أن يضم معًا الفرس والإغريق بما في ذلك أحسن ما في الأمتين من ثقافة وعرفان، ويؤلف منهما ملكًا واسعًا يكون هو ملكًا على رأسه. فملأ أولًا الثغرات في جيشه بجنود من الفرس، وأعطى أشرافهم نصيبًا في حكم المديريات المقهورة، ولكن ذلك أغضب كثيرًا من أتباعه ومن ثم ظهر أول تذمر وعدم رضا بين جنوده. وكان رجاله قد جمعوا غنيمة كبيرة، وأخذ الملل من الحرب يتسرب إلى نفوسهم واشتاقوا إلى العودة إلى أوطانهم التي تركوها منذ أربعة أعوام مضت، وكرهوا الرعاية والإكرام اللذين أظهرهما الملك للفرس، كما كرهوا طرقهم الشرقية وسجودهم على وجوههم أمام الملك كأنه إله، وكذلك لم يستسيغوا الملابس الشرقية الفاخرة التي كان يقابلهم بها. وكان الناس قد أظهروا عدم الرضا، حتى إن بعض أصدقاء «الإسكندر» قد اتهم بالعصيان الذي من أجله حكم عليه بالإعدام. ولا نزاع في أن المعارك وزحف الجيوش من مكان إلى مكان، والتنظيم الذي كان لا نهاية له، وتأسيس المدن، وكذلك تأثير جروحه كان له مفعول عظيم على أعصابه، وقد ظهرت نتيجة ذلك فيما بعد في ساعة انفعال نفسي. فقد قتل صديقه «كليتوس» في وليمة سرت نشوة الخمر فيها على لبيهما، وذلك بسبب بعض كلمات ازدراء، ولكن «الإسكندر» لم يغفر لنفسه هذه الزلة فيما بعد.
الاكثر قراءة في التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة