أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-01
790
التاريخ: 2024-09-22
204
التاريخ: 2023-11-12
1093
التاريخ: 2023-10-26
1101
|
وكان باسيليوس أعظم قوة وأطول باعًا في الحرب من أسلافه؛ فإنه تَمَكَّنَ — بجده وسعيه ومقدرته في الإدارة والحرب — من تجييش عدد من الرجال أكبر بكثير من أي عدد جَنَّدَه أسلافُهُ، وحارب في وقت واحد في جبهات أربع: في الجنوب والشمال وفي إيطالية والقوقاس. وكانت مشكلة بلغارية لا تزال عقدة العقد؛ فإن انتصار يوحنا جيمسكي لم يكن كاملًا، ولم يتمكن هذا الفسيلفس من تدويخ جميع البلغاريين، ولم يَضُمَّ إلى مُلْكِهِ سوى بلغارية الشرقية، وبقي عددٌ مِنْ كبار رجال الإقطاع البلغاريين خارجين عن سلطته، وما إن زال البيت المالك القديم حتى شَقَّ صموئيل أحد هؤلاء طريقه إلى الملك ونظم بلغاريةً غربية جديدة، وحكمها مِنْ قلعته في أوخريدة في تلال مقدونية. ولم يحاول صموئيل — بادئ ذي بدءٍ — أن يكتسح بلغارية الشرقية، ولكنه اتجه جنوبًا فانقضَّ على بلاد اليونان، واحتل لاريسة سنة 986، ووصل إلى برزخ كورينثوس، فأعد باسيليوس الثاني حملةً وأغار على أَمْلَاك صموئيل، فارتدَّ هذا عن اليونان وأنزل بخصمه الفسيلفس هزيمةً شنعاء أمام صوفية في السابع عشر من آب من هذه السنة، واضطرَّ باسيليوس أَنْ يواجهَ ثورة البرداسين — ... وكان سعدُ الدولةِ الحمداني قد دخل حلب واستولى عليها، فحاول — مرارًا — أن يَتَمَلَّصَ من الإتاوة التي كان بقجور قد قَبِلَ بدفعها إلى الروم، فَأَدَّى هذا إلى إنفاذ حملاتٍ ثلاث على حلب بقيادة برداس فوقاس في السنوات 981 983 986، واضطرَّ سعد الدولة أن يستنجد العزيزَ الفاطميَّ، فنشب خصام بين الروم والفاطميين. ولما كان باسيليوس منهمكًا في القضاء على ثورة البرداسين اضطرَّ — بدوره — في أواخر السنة 987 إلى أن يُصالح العزيز بمعاهدة كان من شروطها أن يذكر اسم العزيز في خطبة الجامع في القسطنطينية، وكان قد قام في القسطنطينية مسجدٌ منذ القرن الثامن (1). ولم يكن باسيليوس الثاني في هذه الفترة نفسها أسعد حظًّا في إيطالية؛ فإن أوثون الثاني إمبراطور الغرب طمع في جنوبي إيطالية؛ ففي كانون الثاني من السنة 982 غزا أبولية البيزنطية، وهاجم مُدُنها، ولكنه عندما دخل كلابرية اصطدم بجيشٍ عربيٍّ كان قد أُنفذ إليها من صقلية، فواقعه عند ستيلو في الثالث عشر من تموز سنة 982، فانهزم وكاد أَنْ يقع في يد العرب أسيرًا لولا نُزُولُه إلى البحر على ظهر جواده والتجاؤُهُ إلى سفينة بيزنطية قريبة، وعاد إلى روسانو وأعاد تنظيم جيشه وتراجع شمالًا وتُوُفِّي في رومة في كانون الأول من السنة 983، وعاد العرب إلى صقلية فتمكن الروم من إعادة سلطتهم في أبولية (2) . وفي السنة 988 أخمد باسيليوس ثورة البرداسين واستتب الأمر له، وكان في سِلْم مع الروس والفاطميين، فعاد إلى حدود البلغار، وكان صموئيل قد استثمر انشغالَ خصمه باسيليوس فاستولى على قسمٍ من دلماسية وعلى ساحل ألبانية، فأصبح سيد ثلثي البلقان، وكان قد هاجم ثيسالونيكية واحتل بروة Berrhoe عند مداخلها الغربية، فقام باسيليوس إلى ثيسالونيكية بنفسه في ربيع السنة 990 فرَمَّمَ حُصُونها، ثم دخل في حربٍ بلغارية دامتْ أربع سنوات متتالية (3). وتُوُفي سعد الدولة الحمداني في السنة 991 فطمع العزيز الفاطمي بحلب، فحاصرها في السنة 992 فاستجار لؤلؤ الكبير الوصي على ابن سعد الدولة القاصر باسيليوس الثاني، فأمر باسيليوس دوق أنطاكية ميخائيل بورجس أن يقدم المعونة اللازمة، فظفر الفاطميون بجيشه في موقعة العاصي في الخامس عشر من أيلول سنة 994،(4) فرأى الفسيلفس الكبير أن الواجب يقضي بأن يُشرف بنفسه على الأعمال في سورية الشمالية، ففوض نيقيفوروس أورانوس متابعة الحرب البلغارية، وجمع جيشًا خاصًّا وجعل لكل مقاتل بغلين، وهَبَّ بسرعةٍ فائقةٍ، فقطع آسية الصُّغرى في ستة عشر يومًا وفاجأ الفاطميين عند حلب فَتَرَاجعوا عنها، وفَرُّوا أمامه حتى أبواب دمشق، وعاد الفسيلفس إلى القسطنطينية في خريف السنة 995. (5) ونشط صموئيل في غياب باسيليوس فزحف على ثيسالونيكية وأوقع الهزيمة بحاكمها الأرمني أَشوت، ولكنه لم يقتحمها بل آثر التوغل في اليونان فوصل ثانية إلى برزخ كورينثوس، وتَأَثَّرَه نيقيفوروس أورانوس وأنزل به هزيمةً شنعاء عند مضيق ثرموبيلي الشهير، ففر صموئيل متسلقًا الجبال حتى وصل إلى سواحل أبيروس في صيف السنة 996، ووصل الفسيلفس من سورية ولم يتمكن من استثمار هذا النصر استثمارًا كاملًا، واكتفى بأن أنزل نيقيفوروس إلى بلغارية الغربية ليدمر وينهب ويحرق.وتُوُفي العزيز الفاطمي وتولى الحكم بعده الحاكم بأمره (696–1021) فأنزل بدوق أنطاكية داميانوس دلاسانوس في تموز السنة 998 هزيمة كبيرة، وخرَّ داميانوس مقاتلًا، فاضطر باسيليوس أن يعود إلى سورية الشمالية لينقذ الموقف، فدخل أنطاكية في العشرين من أيلول سنة 999 واستولى على حمص في تشرين الأول من السنة نفسها، ثم قام إلى طرابلس فارتد أمامها (6–17 كانون الأول)، وعاد إلى طرسوس لتمضية الشتاء(6). وبينما هو يعد العدة في طرسوس لمتابعة الحرب ضد الفاطميين علم بوفاة داود ملك الكرج، وكان داود هذا قد عاون برداس فوقاس في ثورته على الفسيلفس وأوصى عند انتهائها بملكه إلى الفسيلفس، فقام الفسيلفس بجيشه إلى ملاطية، ثم عبر الفُرات ودجلة ووصل إلى هافاتشيش، فقدم أمراء الكرج خُضُوعهم، وضم الفسيلفس دولة داود إلى الإمبراطورية وعاد إلى القسطنطينية عن طريق أرضروم (7). وترك هذا كله أثرًا في نفس الحاكم بأمره، فأسرع يفاوض باسيليوس في السلم، ولما عاد الفسيلفس إلى القسطنطينية وجد فيها أورسطيوس بطريرك القدس منتظرًا لإبرام صُلح باسم الخليفة الفاطمي، فكان صلح بين الدولتين لعشر سنوات (8). وانطلق الفسيلفس بعد هذا يذلل الصعاب في بلغارية، فدخل في حرب دامت سبع عشرة سنة (1001–1018) تمكن في أثنائها من مضايقة خصمه صموئيل بتفوُّق عساكره، ومهارة قواده، وحذقه هو في تدبير الخطط وتنفيذها، وفي سرعته ومفاجآته. وأشهر مواقع هذه الحرب معركة كيمبالونغوس Kimbalongos، وهو ممرٌّ طبيعيٌّ في وادي ألسترومة كان لا بد لباسيليوس من أن يعبره في طريقه إلى معاقل صموئيل الأخيرة في مقدونية الغربية. وفي التاسع والعشرين من تموز سنة 1014 كمن صموئيل لباسيليوس في هذا الممر، وما إن وصل الروم إليه حتى أمطرهم البلغاريون وابلًا من السهام من وراء أسيجة مدبرة، فأنفذ باسيليوس القائد نيقيفوروس زيفياس يهددهم من الوراء، فكان نصرٌ مبين، ووقع في يد باسيليوس عدد كبير من الأسرى، فسمل عيون خمسة عشر ألفًا منهم وأطلقهم بقيادة مائة وخمسين أعور يقابلون صموئيل ملكهم، وما إن شاهدهم هذا حتى أُغمِيَ عليه وتُوُفي للحال في السادس من تشرين الأول سنة 1014. ونال باسيليوس لقب ذابح البلغاريين Bulgaroctonus، ونادى البلغار بابن صموئيل جبرائيل ملكًا، فدامت الحرب أربع سنوات أخرى، وتابع باسيليوس الحرب فاحتل أوخريدة العاصمة في خريف السنة 1017 ثم حاصر كستورية، واستجار البلغار البتشناغ، ولكن دون جدوى، وسقط آخِرُ مُلُوك البلغار مقاتلًا في أوائل السنة 1018، فضَمَّ باسيليوس جميع بلغارية الغربية إلى مُلكه، وأصبحت شبه جزيرة البلقان بكاملها أرضًا بيزنطيةً للمرة الأُولى بعد يوستنيانوس الكبير، وبلغت دولة الروم — بفضل هذه الفتوحات في الشرق والغرب — حدودها الطبيعية (9). وتميزت السنواتُ الخمسُ الأخيرةُ مِن حكم باسيليوس الثاني (1020–1025) بالسيطرة على إيطالية، والاستعداد لإخراج العرب من صقلية، وبمحاولة جدية لتأمين الحدود عند القوقاس، والصمود في وجه الأتراك السلاجقة الذين كانوا قد بدئوا يتجهون غربًا؛ ففي ربيع السنة 1021 قام باسيليوس إلى أرضروم، ومنها إلى سهل بسيان؛ حيث أنزل بالملك جورجي هزيمة سَهَّلَتْ وُصُول الفسيلفس المنتصر إلى تفليس، ثم عاد إلى طرابزون يمضي فصل الشتاء فتَقَبَّلَ فيها خُضُوع يوحنا سمباد ملك أرمينية الكبرى، كما تسلم من الملك فاسبوراكان سلطته على الأراضي الواقعة جنوبي بحيرة وان؛ لأنه لم يتمكن من حمايتها من غزوات الأتراك السلاجقة، وقبل انتهاء فصل الشتاء جاء الملك جورجي نفسه يقدم خُضُوعه بلا قيدٍ أو شرط، وعاد الفسيلفس إلى القسطنطينية في مطلع السنة 1023. (10) وأدَّت مقاومةُ البلغار الطويلة وتعديات القرصان الصقالبة والعرب في مياه الأدرياتيك إلى تفاهمٍ وثيقٍ وتعاونٍ جديٍّ بين الفسيلفس وحكومة البندقية التي كانت تعترف بسيادة الروم، ففي السنة 992 منح باسيليوس تجار البندقية امتيازاتٍ تجارية أهمها إنقاص المكوس وردع الموظفين عن البلص، فوعد البنادقة بوضع سفنهم تحت تصرف الفسيلفس لنقل جيوشه وعتاده إلى إيطالية، (11) وتودد الفسيلفس إلى مدن بحرية إيطالية أخرى أهمها بيزا. وفي السنة 1009 ثار الجمهور في باري على عامل الروم فيها من جراء ضغطه وصلفه، وامتدت هذه الثورة إلى جميع أنحاء مقاطعة أبولية، ودامت عشرة أشهر، وحاصر الروم باري واستولَوا عليها، وفَرَّ زعيم الثورة فيها إلى ألمانية فرحب بقدومه هنريكوس الثاني الإمبراطور ومنحه لقب دوق أبولية،(12) واستعان هذا الزعيم الإيطالي بالفرسان النورمنديين الذين كانوا على استعداد دائم لتقديم خدماتهم في مثل هذه الظروف، فلبوا الطلب وجاء بهم وبغيرهم إلى أبولية في ربيع السنة 1017 وأنزل بالروم خسائر عديدة، فأنفذ باسيليوس أحد رجاله الأشداء باسيليوس بويانس فقضى على هذه المحاولة، وفر زعيم الثورة ثانيةً إلى ألمانيا، إلى حضن هنريكوس الثاني وتُوُفي فيها (1021)، وأعاد بويانس هيبةَ حُكم الروم في إيطالية الجنوبية، وحَصَّنَ الحدود الشمالية ولا سيما منطقة غارغانو-بنفنتوم، فهال هذا الأمر هنريكوس الثاني، وقام للحال بحملة عسكرية يزعزع بها نفوذ زميله الفسيلفس، ولكنه أخفق كل الإخفاق! وحاول باسيليوس الفسيلفس أن يستثمر هذا النصر فيحتل صقلية ويخرج العرب منها، وأنفذ إلى إيطالية في شهر نيسان من السنة 1025 جيشًا، واحتل بويانس مسينة، وتأهب الفسيلفس للحاق ببويانس، ولكنه صعق بمرضٍ أودى به في الخامس عشر من كانون الأول سنة 1025 (13).
...............................................
1- Schlumberger, G., Epopée Byzantine, I, 544–572, 730–713; Dolger, F., Regesten, elc., 770..
2- Schlumberger, G., Op. Cit., I, 499–507; Gay. J., Italie Méridionale, 331–335.
3- Schlumberger, G., Op. Cit., 751–755, II, 44-45; Cedrenus, G., Synopsis Historion, II, 58, 180.
4- Schlumberger, G., Op. Cit., II, 68–84.
5- Yahya d’Antioche, Chronique Universelle, 176-177.
6- Yahya d’Antioche, Op. Cit., 183-184.
7- Schlumberger, G., Op. Cit., II, 172–198.
8- Dolger, F., Regesten, 788; Schlumberger, G., Op. Cit., II, 201–208.
9- Bréhier, L., Byzance, Introduction, 5-6.
10- Dolger, F., Regesten, 809, 810, 811, 816; Schlumberger, G., Op. Cit., II, 468ff, 480–511, 525–536.
11- Dolger, F., Regesten, 789.
12- Chalandon, F., Hist. de la Domination Normande en Italie, I, 47.
13- Gay. J., Italie Méridionale, 420–429; Schlumberger, G., Op. Cit., II, 598-599; 619-620; Mercati, G., Bessarione, 1921, 138.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يختتم مسابقة دعاء كميل
|
|
|