المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

اللغة الكلام
1-12-2018
معنى لفظة ألى
29-1-2016
اثبات عناصر الاثبات.
27-2-2017
هل كان معراج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جسدياً أم روحياً؟
3-10-2014
Solutions and Colloids
7-9-2020
Nuclear Submarine
10-10-2016


سببُ فتحِ مكَّة  
  
1630   04:58 مساءً   التاريخ: 2023-10-26
المؤلف : تحقيق : د. اقبال وافي نجم
الكتاب أو المصدر : تفسير ابن حجام
الجزء والصفحة : ص76-90
القسم : القرآن الكريم وعلومه / مقالات قرآنية /

أنَّه كان بين بكر وخزاعة دماً في الجاهليَّة ، وكانت بني ([1]) بكر تطلبُ خُزاعة ، وخُزاعة تطلِبُ بني بكر ، فلمَّا كانت غُزاة الحديبيَّة ، ووقع الصُّلح بين رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وبين قريش ، صارت خُزاعة في عقدِ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وصارت بنو بكر في عقدِ قريش، وعهدها فيما بقوا  سفك الدَّم .

ثُمَّ أنَّ الأسود بن ريم الدّيلي ([2]) هجا رسولَ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) فَسَمِعَ غلامٌ مِن خُزاعة فشجَّه ، فرَجعَ الأسود الى بني ديل ، فدخلوا [ 52 ]  مكَّة ، واستنفروا قُريشاً ، وحدَّثوهم الخبر ، فخرجوا معهم بالسِّلاح ، حتَّى وافوا خُزاعة على ماءٍ يُقال له الوبر ، وخُزاعة غارون ، فوضعوا فيهم السَّيف ، فانهزمت خُزاعة .

وقد كانوا دخلوا في الإسلام ، فما زالوا يُقاتلونهم حتَّى أدخلوهم الحرم ، فدخلت خُزاعة دار بُديل بن ورقاء الخزاعي ([3]) وكان مسكنه بمكَّة .

وكان رسولَ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) رأى في منامه : كأنَّ أُحداً قد انقطع فِرقَتين ، فوقَع أحَدُ فرقتيه على شخيمة ؛ وشخيمة جبلٌ بالمدينة ، وكأنَّ كلباً منزوعَ الأنيابِ دخلَ المدينة ، يعومُ في سِككِها ثُمَّ خرجَ ، وكأنَّ جرادة خرجت مِن المدينة ، وكأنَّ حراباً فيه.

فقالوا : يا رسولَ الله ، ما تأويلُ ذلك ؟ .

قال : ( أمَّا انقِطَاعُ أُحُد ؛ فَهيَ الهُدنَةُ الَتي يَتهَدَّنُونَ قُرَيش ([4]) يُحدِثُونَ حَدَثاً مَا يَقطَعُ الُهدنَة بَينَنَا وَبَينَهُم ، وَأَمَّا وُقُوعُ أَحَدُ فَرقَيهِ عَلَى شَخِيمَة ، فَيُشمِخُ اللهُ لِي أَمرِيَ فِيهِم ، وَأمَّا الكَلبُ المنزُوعِ الأَنيَابِ ؛ فَهوَ أَبُو سُفيَانَ ، يُرِيدُ أَن يَخدَعَنَا ، وَيُخرِجَهُ اللهُ مِن المَدِينَةِ ) .

وكان أبو سُفيان قد جاء بعدَ وُقوعِ ما وَقعَ بين خُزاعة وبنو بكر وقريش الى المدينة ، ليُجدد عهداً عند رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فلم يقبل منه وأمَّا الجراد فكيده ضعيف ، وأمَّا العصا فتكون بيننا وبين قريش دماء قليلة [53 ] .

فلمَّا كان في ذلك اليوم ، بعد أن صلَّى رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) العصر وافى عمرو بن سالم الخزاعي ([5]) وقد عَدَى على قدميه في خمسة أيَّام ، فدخَلَ المسجد ، ورسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد صلَّى بالنَّاس العصر ، فوقفَ على رسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) وقال :

  يَا رَبّ إنِّي نَاشِدٌ مُحــــــــــــمَّدَاً         حِلفَ أبينَا وأبيهِ الأَتلـــــــدَا

  أَنَّا وَلَدنَاكَ فكُنتَ وَلَـــــــــــــــدَا         ثَمَّتَ اسلَمنَا فَلَم نَنزِع يَــــدَا

  إنَّ قُريشَاً أخلَفُوكَ المَوعِــــــــدَا         وَنَقضُوا مِيثَاقَكَ المُؤكَّـــــدَا

  وَزَعَموا أن لَستَ تَدعُوا أحَـــدَا          وَهُم أَذَلُّ وَأقَلُّ عَـــــــــــدَدَا

  هُم بَيَّتونَا بِالوَتشيرِ هُــــــــــجَّدَا         وَقَتلوُنَا رُكَّعَاً وَسُجَّـــــــــــدَا

  فَانصُر هَدَاكَ اللهُ نَـــصرَاً أبَــدَا          وَادعُ عِبادَ اللهِ تَرَ بَـــــــــدَدَا

  فِيهُم رَسُولَ اللهِ قَـــــــــد تَجرَّدَا          أَبيَضٌ كَالبَدرِ وَيَسمُوا صَعدَا

فِي فَيلَقٍ كَالصُّبحِ يَجرِي مُزبِدَا          إن سِيمَ خَسفَاً وَجهُه تَربَّـــــدَا ([6])

فقام رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) فقال : ( هَذَا عِنَانٌ مِن السَّمَاءِ يَخشَى عَلَى نَصرِيَ لَعِبَاً ، لَا نَصَرَنِي اللهُ إن لَم أَنصُرَكُم ، ثُمَّ رَفعَ يده ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ إخفِ الأَخبَارَ وَالعُيونَ عَن قُرَيشٍ ، حَتَّى نَبغَتهَا فِي دَارِهَا ) .

وذهبت قريش الى عيال حاطب ليكتُبَ إليهم بخبر محمّد هل يُريدُنا ، فكتبوا [ 54 ] الكتاب ، ودفعوه الى امرأةٍ يُقالُ لها سارة ، فورَدت المدينة ، وكتبَ إليهم حاطِب : أنَّ رسول اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) قد عزَم على أن يغزوكم ، وجعله في قرونها ، وخرَجَت فنزلَ جبرئيل فأخبره ، فبعَثَ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) والزُّبير في طلبها ، فلحِقاها فأخذا الكتاب منها ، وردُّوه الى رسولِ الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال رسولُ الله (صلى الله عليه واله وسلم) : ( يَا حَاطِب ، مَا هَذَا ) ؟ قال : يا رسولَ اللهِ ، بأبي أنت وأُمِّي ، ما غيَّرتُ ، ولا نافَقتُ ، ولا بدَّلتُ ، ولكن أهلي وعيالي كتبوا إليَّ ، فأحببتُ أن أُداري قُريشاً بحُسنِ جِوارهم لهم .

فقام عمر ، وقال : يا رسولَ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) مُرني أضرب عُنقه ، فقد نافق، فقال رسولُ الله (صلى الله عليه واله وسلم) : ( وَمَا عِلمُكَ ) ؟ فنزل جبرئيل على رسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) بسُورة المُمتحنَة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء}  ([7]) السُّورة ، فقال رسولُ الله (صلى الله عليه واله وسلم) : ( يَا حَاطِب ، استَغفِر اللهَ ) ولم يغمِز عليه في نفاقٍ .

ثُمَّ بعثَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) رُسلَهَ الى قبائل العرب ، ومَن كان قد دخلَ في الإسلام مِن مُزينة ، وجُهينة ، وأسلَم ، وسُليم ، وغفَار ، ومَن كان حول المدينة مِن قبائل العرب ، واستنفرهُم ، وأظهرَ أنَّه يُريدُ هَوازن ؛ وذلك أنَّ مالك بن عوف النَّضري ([8]) قد كان جمعَ الجُموع ، وأراد أن يغزو رسولَ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) .

 فأظهر [ 55 ] أنَّه يُريد هوازن ، فخرَج مِن المدينة ، وعقد اللِّواء الأكبر ، ودفعَ لِواء المهاجرين الى عليٍّ (عليه السلام) ودفعَ لِواء الخزرج الى سعد ابن عبادة ، ودفع لواء الأوس الى الهيثم بن التَّيهان ، وضرَب عسكره بذي الحليفة ، وأقبلت الأمداد تأتيه مِن العرب ، فدفعَ الى كُلِّ رئيسِ قومٍ رايته .

وسار رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) وجعلَ على المقدِّمة بني سُليم ، وعلى الميمنة سَعداً ، وعلى الميسرة أبا الهيثم ، وضمَّ الى كُلِّ رئيس قوماً مِن قبائل العرب ، وجعلَ على السَّاقة ([9]) أبا ذرّ الغفاري ( ر ض ) وكان هو بالقلب مع مُراد والمهاجرين والأنصار ، وعليٌّ بين يديه ، معه الرَّايةُ العُظمى .

وسار رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فلمَّا بلغَ الرَّوحاء ، استقبله العبَّاس بن عبد المُطَّلب ، فقال : يا رسولَ اللهِ ، أين تُريد ؟ قال : ( الى حَيثُ يَشاءُ اللهُ ) قال : لعلَّك تُريد مكَّة ، ويقضي اللهُ لك أن تفتحها ، فلا يكونُ لي هِجرةٌ، قال : ( لَا هِجرَةَ بَعدَ الفَتحِ ) قال : ( أنتَ خَاتِمةُ الِهجرَة ، فَابعَث بِثقلِكَ الى المدِينَةِ وَارجِع ) فرَجع معه .

وكانت أمُّ سلمة ، زوجُ النَّبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) معه فوافاها وأخوها عبد الله ، فلمَّا رآه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أعرضَ عنه ، وقال : يا رسولَ اللهِ ، قد آمنتُ بك ، وأنا أشهدُ أن لا إله إلَّا الله [ 56 ] وأنَّك رسول الله ، فلم يُجبه بشيءٍ .

وأقبلَ عليه المسلمون يسبُّونه ، فقالت أُمُّ سلمة : قَبلتَ إسلام النَّاس ، ورددت إسلام أخي ، فقال : إنَّ أخاكِ كذَّبنِي كَذِبَاً لَم يُكذِّبهُ أحَدٌ مِن النَّاس فقال : { قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى}  ([10]) الآيات ، فقالت : يا رسولَ اللهِ ، ألم تقُل : إنَّ الإسلامَ يَجبُّ مَا كَانَ قَبلَهُ ؟ قال : بلى ، وقَبِلَ إسلامه .

فلمَّا كان في المنزل الثَّاني ، وافاه أبو سُفيان بن عبد المطَّلِب ، ومعه ابناه جعفر وعليّ ، وكان أبو سُفيان شديدُ العداوَة لرِسولِ اللهِ  (صلى الله عليه واله وسلم) وهجاه ، وكان يقول : لو أسلَمَت قريشٌ كُلُّها ما أسلمتُ ، فلمَّا رآه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أعرَضَ عنه ، فقال : يا رسولَ اللهِ ، أنا ابو سفيان بن الحارث ، ابنُ أبيك وأُمك ، فلا تردّ إسلامي ، فإنَّك إن رددتَ إسلامي، أخذتُ ابني هذين ، وألقيتُ نفسي معهما في البحر ، فلم يُجبه .

فشكا ذلك الى العبَّاس ، وقال : كلِّمهُ في أمري ، وسلهُ أن يقبلني ؟ فقال العبَّاس : ليسَ لأحدٍ أن يرُدَّ رأي رسولَ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) فجاء أبو سُفيان الى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال كما قال للعبَّاس ، ثُمَّ قال : أعلِّمُكَ كَلامَاً تقوله له ، لا يرضى إلَّا بجوابِ ذلك الكلام ، قال : وما هو ؟ قال : إذا رَكِبَ فتعرَّض له [ 57 ]  وأشِر إليه بِيدِكَ ، وقُل : تاللهِ ، لقد آثركَ اللهُ علينا ، وإنَّا كنَّا لخاطئين ، فإنَّه لا يرضى لك إلَّا بجواب هذا .

فقال أبو سُفيان ذلك ، فوقف رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) وقفةً ، وقال الكلام واستعبر ، ثُمَّ قال : ( لَا تَثرِيبَ عَلَيكُم اليَومَ ، يَغفِرُ اللهُ لَكُم ) فأقبلَ النَّاسُ يُهنؤونه بالمَغفِرة ، فسار أبو سُفيان مع رسولِ الله (صلى الله عليه واله وسلم) .

فلمَّا كان يوم حُنين ، لم يثبُت مع رسولِ الله (صلى الله عليه واله وسلم) أحدُ غيره ؛ هو والعبَّاس ، هذا عن يمينه وهذا عن يساره .

وكان العبَّاس لمَّا نزَلَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) بلدح ([11]) ركِبَ بغلةَ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأقبلَ ليُلقي الى قريش خبرَ رسول اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) فقال لعليِّ (عليه السلام) القي خطاباً أو حشاشاً ، فألقى إليه خبره ، ثُمَّ سَمِعَ كلام أبي سُفيان ، فقالَ : وا سَوءَ صباح قريش ، قال : أبو سُفيان : مَن هذا ؟ قال : أنا العبَّاس ، فقال : يا أبا الفضل ، ما الخبر ، فقال : هذا رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) قد أتاكم بالذمم مَن لا قِبلَ لكم به ففَزعوا ، ودخلهم الرُّعب .

وقال أبو سُفيان : فما الحيلة ؟ قال : امَّا لكَ فلا أجدُ لكَ حيلةً ، إلَّا ان تردف خلفي ، فإنِّي آتي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فآخذ لك أماناً ، فارتدف خلفه ، فأدخله العسكر ، فكان يمرُّ بين أصحاب [ 58 ] رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فإذا نظروا الى البغلة ، قالوا : هذه بغلة رسول اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) عليها عمُّه، حتَّى مرَّ بنار عمر بن الخطَّاب ، فوثبَ إليه ، فلمَّا رأى أبو سُفيان ، قال : كهفُ النِّفاق ، ورأسُ الأحزاب ، الحمدُ للهِ الَّذي أمكن منك ، بلا عهدٍ ولا عقدٍ .

ثُمَّ عدا الى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وركَض العبَّاس ، فوافياه جميعاً باب قبة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال عمر : يا رسولَ اللهِ ، هذا أبو سُفيان، رأسُ الأحزاب ، قد أمكَنَ اللهُ منه ، بلا عهدٍ ولا عقدٍ ، فمُرني أضرب عنقه ، فقال العبَّاس : يا رسولَ اللهِ ، إنِّي أتيتُ به ، ثُمَّ قال لعمر : كُفَّ عنه ، فإنَّه رجلٌ مِن بني عبد مناف ، ولو كان مِن عَدي ما قُلتَ هذا .

وأدخلَ العبَّاس ابا سُفيان على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وفرائصه ترتعد ، فقال له : ( يَا أبَا سُفيان ، أسلِم تَسلَم ) قال : يا محمّد ، ما أحلَمكَ ، وما أكرَمكَ ، وما أجوَدكَ وأرقَّك ، قال : فأعادها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال : ( يَا أبَا سُفيان ، أَسلِم تَسلَم ) فأعادَ عليه أبو سفيان الكلام ، فقال العبَّاس : ويلكَ آمِن ، قالها ثلاثاً : أسلِم تَسلم ، لنَضربَنَّ عُنقك ، قال : إذاً أشهدُ أن لا إله إلَّا الله ، وأنَ محمّداً رسول الله .

فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) للعبَّاس : ( خُذه إليكَ ، وَليكُن [ 59 ] مَعكَ ) وكانت قُبَّة العبَّاس خلفَ قُبَّة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فأقعده العبَّاس في قُبَّته ، فلمَّا قدِم أبو سُفيان على مُحبِّيه ، قال في نفسه : ألا كنتُ أجمعُ جمعاً مِن الأحابيش وكنانة ، فألقاه بهم ، فلعلِّي أن أظفرَ بهم .

فنزلَ جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فأخبره فناداه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وقال : ( إذَاً كَانَ اللهُ يُخزِيكَ يَا أبَا سُفيَان ) فقال أبو سُفيان للعبَّاس : أدخلُ على ابن أخيك ، فجاء العبَّاسُ الى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وقال : يا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) تأذنُ له أن يأتيك ؟ فقال : نَعم .

فدخلَ عليه ، وقال : يا رسولَ اللهِ ، قد كان في النَّفس شيءٌ ، وأنا أشهدُ أن لا إله إلَّا الله ، وأنَّك رسول الله حقَّاً ، فقال العبَّاس : يا رسول الله ، إنَّ أبا سُفيان رجلٌ شريف فشرِّفه ، فقال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) :

 ( مَن دَخَلَ دَارَ أَبي سُفيَانَ فَهوَ آمِنٌ ) قال أبو سُفيان : وإن لم تسع داري ؟ فقال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) : ( مَن دَخَلَ الحَرَمَ فَهوَ آمِنٌ ، وَمَن كَفَّ يَدَهُ فَهوَ آمِنٌ، وَمَن أَغلَقَ بَابَهُ فَهوَ آمِنٌ ، وَمَن أَلقَى سِلَاحَهُ فَهوَ آمِنٌ ، فَقالَ رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) فَأتِ قَومِيَ ، فَأَعلِمهُم بِذَلِكَ ) قال : نعم .

وأذَّن بلال الغدَاة ، فسَمِعَ أبو سُفيان التَّكبير في العسكر ففزعَ ، وقال : بدا له فيما أعطى قومه ، قال : لا ، ولكنَّهم يتهيؤون [ 60 ] للصَّلاة .

فلمَّا أقام بلال ، أقبلوا يتهادون مِن كُلِّ ناحيةٍ ورسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) فلمَّا كبَّر ورَفع يده كبَّر النَّاس ورفعوا أيديهم ، فلمَّا ركَعَ ركعوا ، ولمَّا سجدَ سجدوا ، فقال أبو سُفيان : ما رأيتُ مُلكاً أعظمَ مِن مُلكِ ابن أخيك ، ما فعل شيئاً إلَّا فعلوا مثله ، فقال : ويلك ، ليس هذا مُلكاً ، وإنَّما هو النُّبوَّة .

فلمَّا انفتل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) مِن الصَّلاة ، أراد أبو سُفيان أن يمضي الى مكَّة ، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) للعبَّاس : ( يَا أَبَا الفَضلِ ، كُن مَعَهُ ، وَأقعِدهُ عَلَى الثِّنيَةِ البَيضَاءِ ، حَتَّى يَمرَّ بِه جُنودُ اللهِ ) .

وأمرَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) أصحابه بالرُّكوب ، وعبأهم على ما كان عبأهم ، فلمَّا مرَّ عليه بنو سُليم ، قال للعبَّاس : مَن هؤلاء ؟ قال : بنو سُليم ، فقال : ما لي ولبني سُليم ، ثُمَّ مرَّت مُزينة ، ثُمَّ مرَّت به الكراديس ، حتَّى أقبلت الأنصار ، فقال أبو سُفيان : مَن هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الأنصار ، قال : ما لأحدٍ بهؤلاء طاقةٌ ، فمرَّ به سعد بن عُبادة ، ومعه رايةُ الخزرج ، فقال : يا أبا سفيان :

         اليَوم يَومُ المَلحَمَة             اليَوم تُستَحلُّ الحُرمَة

فقال أبو سُفيان : إنَّا للهِ وإنَّا له رَاجِعون ، أرى رسولَ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) بدا له [ 61 ]  قال : لا أدري .

فأقبلَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) وأميرُ المؤمنين (عليه السلام) بين يديه ، ومعه الرَّايةُ العُظمى ، وأصحابه المهاجرون والأنصار حوله ، فجاء بهولٍ عظيم ، ولمَّا دنا رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) قال أبو سُفيان : بأبي أنت وأُمِّي يا رسولَ اللهِ ، إنَّ سعدَ بن عُبادة : قال :

         اليَوم يَومُ المَلحَمة           اليَوم تُستَحلُّ الحُرمَة

 فقال (صلى الله عليه واله وسلم) : ( مَن سَمِعَ هَذَا مَعَكَ ) ؟ قال : عمُّك العبَّاس ، قال العبَّاس : قد قالها يا رسولَ الله ، فالتفت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)الى قيس ، فقال : ( إلحَق أَبَاكَ ، وَخُذ مِنهُ الرَّايَةَ ، وَاحبِس النَّاسَ بِذِي طُوَى ) فلَحِقَ أباه، فأخذ منه الرَّاية ، وقال : تكلَّمت بكلامٍ ، قد سَخِطَه رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) .

وأقبلَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) معه أصحابه ، وأمرَ خالد بن الوليد ، وكان على بعضِ خيلِ كِنانة وخُزاعة ، فقال : ادخُل أنتَ مِن المُستعلَّة ، وقال لقيس ادخُل أنتَ مِن ذِي طُوى ، ودخلَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) مِن اداحر .

فوافى أبو سُفيان مكَّة ، فنادى في شعابها : يا معشر قُريش ، هذا محمّد ، أبرُّ النَّاس ، وأوصَلُ النَّاس ، مَن دَخلَ داره فهو آمِن ، مَن ألقى سلاحَه فهو آمِن ، مَن دخلَ المسجِدَ الحرام فهو آمِن .

فقالت هِند بنت عُتبة لَّما سَمِعَتهُ : لُعِنتَ مِن قائدَ قومٍ ، اقتلوا هذا الشَّيخ [ 62 ] الضَّالّ ، وكان عكرمة ، وصفوان ، وسُهيل ، وحُويطِب، ومَسلمة بن حفص بالحَفَد ، يحلفون لا يَدعُون محمَّداً يدخُل ، ومنهم أحدٌ باقٍ ، فأقبلوا يلعنون أبا سُفيان .

فدخلَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) وعليٌّ (عليه السلام) بين يديه ، ومعه الرَّايةُ العُظمى ، والزُّبير في المقدِّمة ، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد اعتمَّ بعمَامَةٍ بيضاء ، شدَّها على رأسه ، وألقى طرفها على صدرِه ، والزُّبير قد أعلَمَ بعصَابَةٍ حمراء ، وكان الَّذين يُعلِمونَ في حُروبِ رسول اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) على أربعةٍ : عليٌّ، وحمزة ، والزُّبير ، وأبو دُجانة سِماك بن خرشة ([12]) .

وكان يُعلِمُ بريشِ نَعامَةٍ ، يَشدُّه في رأسه ، وحمزَة بعصَابةٍ سودَاء ، فنزلَ رسولُ الله (صلى الله عليه واله وسلم) بالأبطُح .

ومرَّ عليٌّ (عليه السلام) الى الخندمة ([13]) فلمَّا رأوه دخلهم الرُّعب ، وهربوا ونزلوا عن خيلهم ، ورموا السِّلاح ، وصعدوا الجبال ، وقتَلَ منهم جماعةً في الحندمة، وهرَب عبد الله بن ابي زمعة والحرث بن هشام فدخلا على أُمِّ هاني بنت أبي طالب وكانت تحت هُبيرة بن وهب المخزومي ، وكان الحرث وعبد الله ابن ([14]) عمِّ هُبيرة ، فاستجارا بها .

فلمَّا رَجِعَ عليٌّ (عليه السلام) مِن الحندمة ، دخلَ على أُخته أُم هاني مُقنَّعاً بالحديد ، فلمَّا رأته لم تعرفه ، فقالت أيُّها الرَّجل ، أنا [ 63 ] بنتُ عمِّ رسول اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) فكشَف عليٌّ (عليه السلام) عن وجهه ، فلمَّا رأته عانقته ، وسُرَّت به ، فنظرّ عليٌّ (عليه السلام) الى عبد الله والحارث في بيتها ، فسلَّ سيفه عليهما ، فحالت أُمِّ هاني بينه وبينهما ، وقالت : يا أخي ، تخفرُ جِوارِي ، إنَّي قد أجرتهما ، وألقت ثوبها عليهما فخرج .

وكان رسول اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) قد نادى بمكَّة : مَن أغلقَ بابه ، وألقى سلاحه ، فهو آمِن ، إلَّا أصحاب الحندمة ، وقال : لا تقتلوا أحداً لا يُريدكم إلَّا عكرمة بن أبي جهل ، وعبد الله بن سعد ، وابن سرح ، والُحويرث بن قُرَّة ، ومقيس بن صبابة ([15]) وعبد الرَّحمن بن حنظل .

وقال : مَن وَجدَ هؤلاء ، ولو تحت أستارِ الكعبة فليقتلهم ، واستثنى مِن النِّساء ثلاثاً سارة وبُنيتين لعبد الله بن حنظل ، كانتا تُغنيان بهجاءِ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وكان جُرمُ مقيس : أنَّه أسلم هو وأخوه ، فخرج أخوه في سريةٍ ، فقتله رجلٌ خطأً لم يعرفه ، فأعطى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بعيضاً الدية ، ثُمَّ اغتال مقيس قاتل أخيه فقتله ، وارتدَّ كافراً .

وأمَّا ابن حنظل ، فأسلم ، وبعثه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في سريَّةٍ ، فقال لغلامٍ له مِن الأنصار : اذبح هذا الكبش ، واصنع لي طعاماً ، فاذا انتبهتُ تكون قد فرَغتَ منه ، فغَفل الغُلام ، فضربه حتَّى مات ، وهرب [ 64 ] وارتدَّ .

وكان الحويرث بن قرَّة ، شديد الأذى لرسول اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) والمسلمين له ، وحديث ابن أبي سُرح قد تقدَّم ، وأمَّا عكرمة فهرب ورَكبَ البحر، وأمَّا مقيس بن صبابة ، فإنَّه أقبل وقد تحنَّطَ ولَبسَ أكفانه ، فنظر إليه رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) فقال لعليٍّ (عليه السلام) اضرِب عُنقه ، فضرَب عنقه .

وأمَّا ابن حنظل ، فدخلَ تحت أستار الكعبة ، فقال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) أخرجوه واضرِبوا عنقه ، فضُربت عنقه ، وقَتلَ البنتين ، وهربت سارة .

ودخلَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) على راحلته المسجِدَ ، ونزَل أصحابه ، ومشوا بين يديه ، وقد أحاط عامَّةُ الخيلِ بالمسجد ، مِن النَّواحي كُلِّها ، فلمَّا دخلَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) على راحلته ، وقفَ عِندَ الحَجر الأسود ، وكبَّر ، وكبَّر أصحابه تكبيرةً عظيمة ، ثُمَّ احتضن الحَجر فقبَّله ، وطاف على راحلته أشواطاً ، وأصحابه يمشون معه .

ثُمَّ نزلَ عِندَ المقام ، وصلَّى ركعتين ، ودعا عثمان بن طلحة ، فقال : هَاتِ المفتَاح ، فأتاهُ بها ، فعثَر فسَقَط المفتاح مِن يده ، فقام رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) فستره بثوبه ، وأخذ المفتاح ، وفتح الباب ، ودخل فرأى في البيت صُوراً قد صوَّرها ([16]) في جدار الكعبة فمحَاهَا ، وصلَّى عِندَ كُلِّ زاويةٍ         [ 65] ركعتين ، ثُمَّ خرج ، ووقفَ على باب الكعبة ، وقُريش كُلَّهم في المسجد ، فأخذ عُضادَتي الباب ، فقال : ( لَا إلَهَ إلَّا الله الحَلِيمُ الكَرِيمُ ، لَا إلَهَ إلَّا الله العَليُّ العَظِيمُ ، لَا إلَهَ إلَّا الله الرَّحمَنُ الرَّحِيمَ ، لَا إلَه إلَّا الله العَزِيزُ الحَكِيمُ ، لَا إلَه إلَّا الله وَحدَهُ وَحَدَه ، أَنجَزَ وَعدَهُ ، وَنَصَرَ عَبدَهُ ، وَهَزَمَ الأَحزَابَ وَحدَهُ ، فَلَهُ المُلك ، وَلَهُ الحَمَد ، رَبُّ العَالمَينَ  .

ألَا يَا مَعشَرَ قُرَيشٍ ، بِئسِ جِيرَانُ النَّبيِّ كُنتُم ؛ خَذلتُمونِي ، وَكذَّبتمُونِي ، وَأَخرَجتمُونِي مِن مَكَّة وَقَاتلتُمُونِي ، فَمَاذَا تَقُولُونَ ، وَمَاذَا تَظنُّونَ ) ؟ .

فقام جماعةٌ منهم ، فقالوا : نقولُ خيراً ، ونظنُّ خيراً ، أخٌ كريمٌ ، وابنُ أخِ كريم ، وذُو شرَفِ قديم ، وقد قَدِرتَ ، فاصنَع مَا يُشبهُكَ .

فقال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) : ( إنِّي أَقُولُ لَكُم كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُف لِإخوَتِهِ : { قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ } ([17]) إنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَومَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ ، لَم تَحل لأَحَدٍ قَبلِيَ ، وَلَا يَحلُّ لأحَدٍ بَعدِيَ ، وَلَم تَحل ليَ إلَّا سَاعَتِي هَذِه ) .

 ثُمَّ قال : ( أَلَا كُلُّ دَمٍ كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَهوَ تَحتَ قَدَمِيَ ، وَأوَّلُ مَا أضَعُ دَمَ رَبِيعَة بِن الحَارِث بِن عَبدِ المُطَّلَبِ ـ وكانت [ 66 ] قتلته هُذيل ـ  وَكُلُّ مَأثرَةٍ كَانَت في الجَاهِلِيَّة فَهيَ مَردُودَةٌ إلَّا سِقَايَة الحَاجِّ وَسَدَانَة الكَعبَة ، والمُؤمِنُونَ إِخوَةٌ ، تَتكَافَأ دِمَاؤهُم ، يَسعَى بِذِّمتِهِم أَدنَاهُم ، وَهُم يَدٌ عَلَى مَن سِوَاهُم ، وَلَا تُنكَحُ الَمرأَة عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا ) .

أقول : اليوم المعمول عِندَ الإماميَّة أنَّهما تُنكحَان بإذنِ العمَّة والخالَة([18]) .

 ( وَاتقُوا اللهَ الَّذِي أنتُم بِهِ مُؤمِنوُنَ ) .

ثُمَّ نزَلَ ، وقعدَ لِلبَيعَة ، فأقبلَ الرِّجال يُبايعونَه ، حتَّى زَالت الشَّمس ، فصَعدَ بلال الكَعبة وأذَّن ، فلمَّا قال : أشهَدُ أنَّ لا إلَه إلَّا الله ، لم يَبقَ صَنمٌ في دُورِ مكَّة إلَّا سَقطَ لِوجهه.

وكان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لمَّا طافَ بالبيت ، كان حولَ الكعبة ثلاثمائة وستُّون صَنماً ، بعضها مرصوصةٌ بالرَصاص .

فلمَّا طافَ ، كان يشير لها صنماً صنماً ، فيقع لوجهه ، وكان هُبل على الكعبة ، وكان أعظمُ أصنامهم ، فقال لعليٍّ(عليه السلام)  : ( اصعَد الكَعبَةَ ، وَارمِ) فصَعدَ ، ورَمى به الى الأرض.

وقال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) : ( اللَّهُمَّ اهدِ قَومِيَ ، فَإنَّهُم لَا يَعلَمُونَ ).

فلمَّا صلَّى رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) الظُّهر والعصر ، قعدَ لِبَيعَة النِّساء ، فجاءت أُمُّ حَكيم بنت الحرث بن هشام ، وكانت امرَأة عاقِلَة ، فقالت : بأبي [ 67 ] وأُمِّي يا رسولَ اللهِ ، زوجي عكرمة أمِّنهُ ، قال : (قَد أَمَّنتهُ).

ودعا رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) بقدحٍ مِن ماء ، فأدخَلَ يده فيه ، ثُمَّ قال للنِّساء : ( أدخِلنَ أيدِيكُنَّ فِي المَاءِ ، فَإنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ ) فنزَلت عليه هذه الآية : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ } ([19]) الآية .

فقالت أُمُّ حكيم : يا رسولَ اللهِ ، ما ذلك المعروف الَّذي أمرَنَا اللهُ أن لا نعصِيكَ فيه ؟ فقال : ( لَا تَخمِشنَ وَجهَاً ، وَلَا تَلطِمنَ خَدَّاً ، وَلَا تَنتِفنَ شَعرَاً ، وَلَا تَخرقنَ جَيبَاً ، وَلَا تُسَودنَ ثَوبَاً ، وَلَا تَدعوَنَ بِوَيلٍ ، وَلَا تَنُحنَ عِندَ قَبرٍ ) .

وكانت هِند بنت عُتبة حضرت ، ورسولُ اللهِ  (صلى الله عليه واله وسلم) كان أَمَرَ بقتلها، فلمَّا سَمِعَت قولَ رسول اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) : ولا تقتُلنَ أولادكنَّ ، قالت : أمَّا الأولاد فقد ربيِّناهُم صِغاراً ، وقتَلتهُم كِبارَاً .

فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : ( أنتِ هِندٌ ) ؟ قالت : نعم ، جئتُ عائِذةً بِك ، فاعفُ عنِّي ، قال : ( عَفَوتُ عَنكِ ) فقالت : يا رسول الله ، إنَّ أبا سُفيان رجلٌ ضيِّق ، فرُبَّما أخذتُ مِن ماله شيئاً بغير إذنه ، فأصلحتُ به أمر وُلدِه ؟ فقال : ( لَا حَرَجَ عَلَيكِ ) .

وكان أبو ذرّ صَديقاً لِسُهيل بن عمرو في الجاهليَّة ، فأتى منزله ، فكتمَ نفسه عنه [ 68 ] ثُمَّ دخلَ عليه ، وقال : ما يَمنعُكَ أن تدخُل على رسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) قال : نعم ، فأتى أبو ذرّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) فقال : يا رسولَ اللهِ ، سُهيل بن عمرو ، قال : 0 قَد أَمَّنَاهُ ، وَأجَّلنَاهُ فِي إسلَامِهِ ) فرَجعَ وأخبره ، فاستَتر سُهيل .

فلمَّا نزَلت سُورةُ براءة ، وأمرَ الله بقتلِ المشركين حيثُ وُجِدُوا ، استثنى هؤلاء الَّذين أجَّلهم رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) بقوله : { إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ  } ([20]) .

وكان رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) بالأبطح ، فقيل له : ألا تترك منزِلك بشعب عبد المطَّلب ؟ فقال : ( وَهَل تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنزِلَاً ) .

وكان عقيل لمَّا خرَج رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وهاجَر بَاعَ منازل رسول اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) وأميرً المؤمنين (عليه السلام) .

وأمرَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)  عتاب بن أُسيد ([21]) أن يُصلِّي بالنَّاس في المسجد الظُّهرين والعِشاء الآخر ، وكان هو يُصلِّي بالنَّاس المغرب والغَدَاة .

فأقام بالأبطح خمسةَ عشر يوماً ، فلمَّا بلغه خبرُ هوازن ، واجتماعهم بذي المجاز ، تهيأ وأمر بالرَّحيل نحوهم .

 

 


[1]هكذا في الأصل ، والصحيح : ( بنو ) .

[2]لم نعثر له على ترجمة .

[3]أبو عبد الله ، صحابي ، أسلم يوم الفتح ، ينظر ترجمته في : الرجال ، الطوسي : 29 ( 96 ) ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 4/294 .

[4]هكذا في الأصل ، والصحيح : (قريشاً ) .

[5]   لم نعثر له على ترجمة .

[6]  تاريخ الطبري : 2/325 .

[7]  الممتحنة : 1 .

[8]   لم نعثر له على ترجمة .

[9] ساقة الجيش : مؤخره ، لسان العرب ، ابن منظور ن مادة ( سقي ) 6/435 .

[10]   الأنعام : 124 .

[11]   وهو وادٍ قبل مكة من جهة المغرب ، معجم البلدان ، الحموي : 2/69 .

[12]  أبو دجانة الأنصاري الخزرجي ، صحابي ، ممن ثبت مع الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) في غزوة أُحد ، ينظر ترجمته في : معجم رجال الحديث ، السيد الخوئي : 9/318 , قاموس الرجال ، التستري : 11/317 ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 3/556 .

[13]وهو : جبل بمكة ، معجم ما استعجم ، البكري : 2/512 .

[14]   هكذا في الأصل ، والصحيح : ( ابنا ) .

[15]   مقيس بن صبابة بن حزن بن يسار ، الكناني القرشي ، شاعر ، شهد بدراً مع المشركين ، أسلم أخ له اسمه هشام فقتله رجل من الأنصار خطأً ، وأمر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) باخراج ديته ، وقدم مقيس من مكة مُظهراً الاسلام ، فأمر له النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بالدية فقبضها ، ثم تقب قاتل أخيه حتى ظفر به فقتله ، وارتد ولحق بقريش ، فاهدر النبي  (صلى الله عليه واله وسلم) دمه يوم فتح مكة ، ينظر : الأعلام ، الزركلي : 7/283 .

[16]  هكذا في الأصل ، والصحيح : ( صوروها ) .

[17]  يوسف : 92 .

[18] روى علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن امرأة تزوجت على عمتها وخالتها ؟ قال :

( لا بأس ) وقال : ( تٌزوَّج العمة والخالة على ابنة الأخ وبنت الأخت ، ولا تُزوَّج بنت الأخ والأخت على العمَّة والخالة إلَّا برضاً منهما فمن فعل فنكاحه باطل ) .

الاستبصار ، الطوسي : 3/177 ح 645 .

[19]  الممتحنة : 12 .

[20]  التوبة : 7 .

[21]  ابن العيص بن أمية بن عبد شمس ، القرشي الأموي ، أسلم يوم الفتح ، توفي يوم وفاة ابي بكر ، ينظر ترجمته في : الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 5/446 ، التاريخ الكبير ، البخاري : 7/54 ( 244 ) .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .