أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-22
164
التاريخ: 2023-11-27
1027
التاريخ: 2024-09-18
148
التاريخ: 2023-10-14
973
|
وكانت قد قضت معاهدةُ السنة 561 على الروم بدفع مال جزية للفُرس عن سبع سنوات تسبيقًا، وقد دُفع هذا المال في حينه، فلم يكن من موجب، إذن، لبدء الحرب قبل السنة 569، على أن هذا لم يمسك يوستينوس الثاني عن الاستعداد للحرب في حَقْلَيِ السياسة والتنظيم. وهكذا نراه في السنة 568 يستقبل وفدًا مفاوضًا مِن أواسطِ آسية مما وراء فارس، فيكرمه ويُصغي إليه، ويثبِّت بواسطته علاقات ودية مع أعداء فارس في الشرق، وكان هذا الوفدُ المفاوضُ، من قِبَل الخاقان إستامي، خاقان الأتراك الذين سبق لهم أن قَضَوْا على الهون البيض فيما وراء فارس، قد أَمَّ القسطنطينية في السنة 568 ليحالف الروم ضد الفرس، وليعرض استعداد الأتراك للقيام بنقل الحرير الصيني من حُدُود الصين إلى مياه البحر الأسود مباشرةً، دون المرور بفارس. وفي السنة 570 نرى يوستينوس يتدخل في أمور أرمينية الفارسية وفي مشاكل إيبيرية، فيرد عليه كسرى في السنة 571 بتدخل مماثل في حمير في جنوبي الجزيرة العربية محرِّضًا أبناءَ هذه المنطقة على التحرر من نير النجاشي صديق يوستينوس وحليفه، وفي السنة 572 ثار الأرمن على الفرس وقتلوا المرزبان، والتجأ زعماء الثورة إلى القسطنطينية فقوبلوا فيها بحفاوة وحرارة، وجاء وفدٌ فارسيٌّ يطالب بالجزية المالية وكانت قد استحقت مجددًا، فرفض يوستينوس دفعها وأكد لأعضاء الوفد أنه لن يرضى أبدًا عن اضطهاد الأرمن أبناء ملته المسيحيين، فوجه إليه كسرى إنذارًا بوجوب الدفع، فقابله يوستينوس بإعلان الحرب. وحالف النصر الفرس في بادئ الأمر؛ ذلك أن الروم هجموا بمعظم قواتهم على أرمينية الفارسية تاركين حدودهم في سورية وليس عليها، إلا قوة صغيرة من الجيش يدعمها حلفاؤهم الغساسنة ومن شد أزرهم من القبائل العربية المتاخمة، على أن هذه القبائل خانت والْتَوَتْ، فعبر الفرس الفرات واكتسحوا الموقف وحاصروا دارا «حصن الإمبراطورية الحصين»، فسقطتْ في أيديهم، وأَدَّى خبرُ سُقُوطها إلى انهيار عقلِ الإمبراطور، ففاوضت زوجتُهُ صوفية لهدنةٍ في مطلع السنة 574 تدوم عامًّا، ودفعت في هذا السبيل غرامةً حربية كبيرة. وعند انتهاء الهدنة في السنة 575 قام كسرى — بجيش عظيم وعدد كبير من الفيلة — إلى أرمينية، فحاصر ثيودوسيوبوليس «أرضروم» وهاجم أماسية، ثم دخل قبدوقية وأحرق سبسطية «سيواس»، غير أنه ما لبث أن فوجئ بقوةٍ كبيرة من الروم بقيادة يوستنيانوس بن جرمانوس أكرهتْه على التراجُع بعد موقعةٍ كبيرة دارتْ رحاها في ضواحي ملاطية، وهلك فيها كثيرون من الفرس، ففاوض كسرى في الصلح، ثم عاد فعدل عن المفاوضة بعد انتصارين صغيرين، فعاد الروم إلى الحرب بقيادة موريقيوس في السنة 578، وقاموا بهجومٍ خاطف باتجاه أرزنين بين بتلس وبين الدجلة وبلغوا إلى الدجلة. وتُوُفي كسرى في السنة 579، فعاد الطرفان إلى المفاوضة، ولكن هرمز الرابع ابن كسرى أساءَ استقبال الوفد الرومي فاستؤنف القتال، وزحف موريقيوس في السنة 580 يحاول قطع الفرات عند قرقيسية قاصدًا طيسفون عاصمة الفرس، إلا إنه ارتدَّ على أعقابه بسبب مناورة ناجحة قام بها الفُرس فيما بين النهرين، وبسبب معاكسات لقيها من المنذر الغساني — كما سيجيء في حينه. على أن موريقيوس عاد في السنة 582، فانتصر انتصارًا كبيرًا عند قسطنطينة تبعتْه انتصاراتٌ، وفي السنة 586 استطاع قائد الروم فيلبيقوس أن يضرب الفرس ضربة قاسية في سولاخان في أرمينية (1). ورَغِبَ الأتراكُ في استغلال هذا الظرف وأَوْجَبُوا زيادةً باهظة في الإتاوة السنوية التي كان يدفعها الفُرس لهم، فغضب هرمز وأخذه الألمُ ورفض أَنْ يدفع الزيادةَ المفروضة، فقام خاقان الأتراك من دَلْخ عاصمته بعشائره وجُمُوعه وقصد فارس غازيًا، فأنفذ هرمز بهرام بوشين (2) بجيشٍ كبيرٍ لصدهم سنة 588، فكسرهم، وقتل الخاقان في المعركة، ثم أسر ابن الخاقان في معركة ثانية، ودخل دلخ عاصمة الأتراك، واستولى على ما وجده فيها من الذهب — وكان كثيرًا — ولم تأت السنة 589 حتى كان بهرام قد عاد إلى فارس ظافرًا غانمًا، فأكرمه الشاه نشاه وأمَّره على كل جيوشه ومَنَحَه لقب بهلوان وعلا قدره بين الفُرس وتعلقوا به، فأنفذه هرمز إلى منطقة سوانية الخاضعة للروم في القوقاس، فَدَخَلَها فنهب وسبى، وأرسل الغنائم إلى هرمز في طيسفون. وتحرَّك الروم للدفاع، في شتاء السنة 589، فتوجه رومانوس بجيش مجرب إلى سوانية، فكسر بهرام وشتت شمل رجاله، ولم يكتفِ هرمز بما أرسله إليه بهرامُ مِنْ غنائمَ فسخط عليه، فأدى ذلك إلى ثورةٍ داخليةٍ أسقطتْ هرمز عن عرشه، وأحلت بهرام محله، وذلك في السنة 590 (3). وفرَّ أبرويز بعياله وثلاثين من أخصائه إلى قرقيسية عند مصب الخابور في الفُرات، فكتب محافظها بذلك إلى الإمبراطور، وكتب إليه أبرويز أيضًا لاجئًا مستغيثًا، ووعد بأن يعيد دارا ومرتيروبوليس «ميافارقين» وقِسْمًا من أرمينية إليه، وأن يَبقى في سلم دائم معه، وألا يطالبه بمالٍ البَتَّة. فدعا موريقيوس إليه أعضاء مجلس الشيوخ وشاورهم في الأمر، فأجابوا بعدم القبول، وأبانوا أن الفرس لا دين لهم ولا قانون، يَعِدُون في الضيق وينكثون عند الفرج، وأنهم ألحقوا ضررًا كبيرًا بالروم، فليقتتلوا وليمحق بعضهم بعضًا وليَدَعُوا الروم هادئين مطمئنين(4)، ولكن موريقيوس رأى مع ذلك أن الشرف والشهامة والمصلحة تقضي بتقديم المساعدة المطلوبة إلى أبرويز، فوعده بها وتابع الحرب ضد بهرام، وقام أبرويز إلى أذربيجان فوافاه إليها بندويه وغيره من المقدمين والأساورة في جيش كبير من أصبهان وفارس وخراسان، ونهض الرومُ بقيادة نرسيس لمعونة أبرويز، والتقى الجيشان بعدوِّهما في سهول تبريز(5) في خريف السنة 591، فدارت الدائرةُ على بهرام وفرَّ لاجئًا إلى بلاد الأتراك. وبرَّ أبرويز بوعده فأعاد دارا ومرتيروبوليس إلى الروم، وتنازل عن قسمٍ هامٍّ من أرمينية الفارسية، ولم يطالب بعد ذلك بالإتاوة السنوية، فوصلتْ حُدُود الروم إلى بحيرة وان ومداخل تفليس، ووقَّع أبرويز وصديقه موريقيوس سلمًّا دائمًا.
.....................................
1- Goubert, P., Op. Cit., 68–117; Stein, Op. Cit., 40–97; Bury, Hist. of Later Rom. Emp., II, 95–113
2- »بهرام خشنش ويعرف بجوبين.» ابن الأثير، ج1، ص277.
3- (ثم خاف بهرام ومن معه هرمز، فخلعوه، وساروا نحو المدائن، وأظهروا أن ابنه أبرويز أصلحُ للملك منه، وساعدهم على ذلك بعضُ مَنْ كان بحضرة هرمز، وكان غرضُ بهرام أن يستوحش هرمز من ابنه أبرويز ويستوحش ابنُهُ منه، وكان يُحَدِّثُ نفسه بالاستقلال بالمُلك، فلَمَّا علم أبرويز ذلك خاف أباه، فهرب إلى أذربيجان، فاجتمع عليه عدةٌ من المرازبة والأصبهبذين، ووثب العظماء بالمدائن، وفيهم بندويه وبسطام خالا أبرويز، فخلعوا هرمز وسَمَلُوا عينيه) (ابن الأثير، ج1، ص277).
4- Sebeos, Hist. d’Heraclius, éd. Macler, 15
5- راجع: Diehl, Ch., Monde Oriental, 130; GanzacA
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|