أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-01
1211
التاريخ: 2023-11-04
1058
التاريخ: 2023-11-02
1128
التاريخ: 2023-11-02
870
|
وكان من حسن حظ الإمبراطورية الشرقية أنْ تُوفيت إفذوكسية الإمبراطورة في السنة 404، على إثر إجهاض شديد، وأن تولى النفوذ في الدولة المدبر أنثيميوس الحكيم، وزاد في حسن الحظ أنْ تُوفي استيليكون في الغرب في السنة 408، وتبعه أركاديوس في السنة نفسها، فانفسح في المجال لأنثيميوس أن يعمل بحكمته وأن يبقى مسيطرا على شئون الدولة أربعة عشر عاما. وكان ثيودوسيوس عند وفاة أبيه لا يزالُ في السابعة من عمره، فتَهَذَّبَ بعلوم عصره، ونشأ محبًّا للعلم، دينًا، تقيَّا، وكان يُجيد الخط والصيد، ومن ثم كان له هذا اللقب الذي نقرأ أحيانًا ثيودوسيوس الخطاط (1)، وأحبت شقيقته بلشيرية أن يكون لها امرأة أخ مطيعة، سهلة الانقياد، فانتقتْ له آثينة ابنة أستاذ آثيني وثني، كانت قد أُمَّتِ القسطنطينية؛ للمطالبة بحقها في إرث والدها، فقدمتها بلشيرية لأخيها فأعجبته، فنُصرت باسم إفذوكية، وتم عقد قرانها، فأصبحت الإمبراطورة في السنة 431.
صداقة فارس
وكان ثيودوسيوس الكبير قد رأى ــ بثاقب نظره ــ أن مشكلة القوط وغيرها من مشاكل جبهته الشمالية الغربية تتطلب سلمًا دائمًا في الشرق، فاعتدل في مطالبه في أرمينية، وبين الفرات والدجلة، وانبثقت صداقة بين الدولتين دامت عهدًا طويلًا، ومِمَّا «يُروى»، من هذا القبيل، أنَّ أركاديوس لَمَّا حضرته الوفاةُ قَلقَ على ولده الطفل ثيودوسيوس الثاني من دسائس البلاط، فأوصى بأن تكون الوصاية على ابنه ليزدجرد الأول ملك الفرس، ويروى أيضًا أن يزدجرد الأول أنفذ إلى القسطنطينية، بعد وفاة أركاديوس، أحدَ أخصَّائه لحماية الملك الطفل(2)، والواقع أن يزدجرد الأول (399-420) أخلص في صداقته وتَرَفَّعَ عن مضايقة النصارى في بلاده، وسمح لهم في السنة 409 أن يرمموا كنائسهم وأن يتعبدوا أحرارًا، وسمح في السنة 410 بأن ينعقد، في عاصمته طيسفون، مجمع مسيحي انتخب إسحاق أسقف طيسفون « سلوقية» رئيسًا على الكنسية الفارسية، ومنحه لقب كاثوليكوس، وصلى المجتمعون من أجل سعادة يزدجرد ونصره وتأييده(3)، ولكن حكومة فارس عادت . . بضغط من كهنة زرادشت وطبقة النبلاء - إلى اضطهاد المسيحيين في السنة ،421، فانقطعت العلاقات السياسية بين الدولتين، ولجأ الرومان إلى العنف، فدحر أردبوروس جيوش ملك الملوك، فسارع بهرام الخامس في السنة 422 إلى عقد صلح « يدوم مائة سنة»، وتعهد بهرام برفع الأذى عن المسيحيين، وبأن يطلق لهم حرية المعتقد والعبادة، فقابله ثيودوسيوس بمثل هذا فيما يتعلق بالزرادشتية في أرضه(4)، وتَعَاهَدَ الطرفان أيضًا ألا يحضّ أحد منهما العرب في أرضه على غزو العرب في أرض جاره، والإشارة هنا إلى المناذرة والغساسنة، وكان المنذر بن النعمان قد غزا الشام مرارًا، وأَكْثَرَ المصائب في أهلها، وسبى وغنم، وكان قد جعل معه ملك فارس كتيبتين يقال لإحداهما دوس وهي لتنوخ، وللأخرى الشهباء وهي لفارس، فكان يغزو بهما الشام، ومن لم يطعه من العرب(5)». وكانت فارس قد دخلت في دور كثرت فيه مطامع النبلاء والكهنة، وتشعبت واشتدت فيه هجمات الهون البيض على حدودها الشرقية الشمالية، وكانت بيزنطة قد اعتدلت في مطالبها - كما سبق أن أشرنا - فدام السلم بين الدولتين ردحًا طويلًا من الزمن.
تحوط واحتياط في الداخل:
وكان من نتائج هذه اليقظة الوطنية الرومانية - التي سبقت الإشارة إليها – أن انصرف أنثيميوس المدبّر الوصي إلى العناية باستحكامات المدن وقلاعها، فرمم عددًا وافرا منها في شمالي البلقان الغربي، وعلى ضفة الدانوب. وكانت القسطنطينية قد اتسعت إلى خارج الأسوار التي أنشأها قسطنطين الكبير، فأقام أنثيميوس سورًا جديدًا في السنة 413 يدفع عن الأحياء الجديدة شر البرابرة، وغيرهم، ثم تصدع هذا السور الجديد بزلزال قوي، فَرَمَّمَه قسطنطين المدبر، وأنشأ حوله سورًا ثالثًا عزَّزه بخندق واسع عميق، وجاء عهد قورس المدبر فأنشأ تحصيناتٍ جديدةً من جهة البحر ، وأصبحت القسطنطينية في عهد ثيودوسيوس الثاني تنعم بثلاثة أسوار منيعة ثبتت في وجه كل عدو حتى سقوط المدينة في السنة 1453، فصانت مدنية زاهرة في عُصُور اضطراب وفوضى(6) وألغت الحكومة المركزية في هذا العهد نفسه – ما كان قد تَأَخَّرَ من الأموال الأميرية، فانتعش الفلاح، والصانع، والتاجر الصغير، وقويت معنوياته، وزاد رضاه، وأُعِيدَ النظر في كيفية استيراد الحبوب من مصر إلى العاصمة وتموينها التموين الكافي. وفي السنة 425 أصدر ثيودوسيوس الثاني براءةً بتأسيس معهد علمي مسيحي عالٍ يُضاهي بأساتذته وطُلابه معهدَ آثينة الوثني الذي كان لا يزال يدرس الفلسفة الوثنية، وأنشأ الإمبراطور في هذا المعهد الجديد واحدًا وثلاثين كرسيًّا للتعليم، عشرة منها للغة اللاتينية وعشرة للغراماطيق اليوناني، وخمسة للفصاحة والخطابة اليونانية، وثلاثة للخطابة والفصاحة اللاتينية، وكرسيًّا واحدًا للفلسفة، واثنين للحقوق، وتَقَاطَرَ الطلاب إلى هذا المعهد من كل صوب، ولا سيما أرمينية، وخصص الإمبراطور صرح الكابيتول لهذه الغاية، وأنفق على الأستاذة مِنْ أموال الخزينة، وحرَّم عليهم إعطاء دروس خصوصية، (7) ويلاحظ لهذه المناسبة أن اليونانية نالت حظًّا أَوْفَرَ من اللاتينية. وفي السنة 429 التفت المدبّر أنطيوخوس إلى القانون والقضاء، فرأى أنَّ ما صدر من القوانين منذ عهد قسطنطين الكبير، أصبح متفرقًا مبعثرًا، يصعب الوصول إليه والاطلاع عليه، للفصل في الدعاوى، فاقترح تعيين لجنةٍ مِنْ كِبَار القُضاة والأساتذة والمحاميين؛ لجمع هذه القوانين وتبويبها، ووافق الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني فأمر بتعيين هذه اللجنة وتابعت اللجنة أعمالها ثماني سنوات متتالية، فأنتجت مجموعة ثيودوسيوس الشهيرة (8)، وظهرت هذه المجموعةُ في الشرق في السنة 438 ، وفي الغرب في السنة التالية، وقسمت إلى ستة عشر كتابًا، بعضها في الإدارة المدنية، وبعضها في الشئون العسكرية، وبعضها في الدين، وبعضها في الحقوق وقسم كل كتاب إلى عدد من الأبواب (العناوين(9)، وما صدر من الأبواب، بعد ظهور هذه المجموعة، أُشير إليه بالعبارة: «القوانين المستجدة»،(10) ومجموعة ثيودوسيوس تُعتبر من أهم المراجع الأولية لتاريخ القرنين: الرابع والخامس (11).
...........................................
1- Brehier, L., Les Empereurs Byzantins dans leur Vie Privée, Rev. Hist. (1940) , 203-204
2- 2 ,Bury, Later Rom. Emp. II. وفي فازيلايف ص 96 «ترجمة إنكليزية»: أن بعض الثقاة يشكون في أصالة المرجع الأولي الذي يروي هذا الخبر (Vita Porphyrii) ولكنه هو يرى أن ليس في هذه الرواية ما لا يقبله العقل، وبالتالي لا يجوز رفضها، وهو قول ضعيف، من حيث قواعد المصطلح؛ إذ الأصل في التأريخ الاتهام لا براءة الذمة.
3-. Chabot, J. B., Notice Mss. Bibl. Nationale, 1902,258
4-. Christensen, A., l'Iran sous les Sassanides, 280-281
5- الكامل لابن الأثير، الطبعة المنيرية، ج 1، 233.
6- Chronicon Paschale, I, 588; Meyer-Plath, B., und Schneider, A. M. Die Landmauer von. Konstantinopel, Berlin, 1943
7- Codex Theodosianus, XIV, 9, 3; Fuchs, F., Die Hoheren Schulen von Konstantinopel im Mittelalter, Berlin, 1926
8- Codex Theodosianus
9- tituli
10- leges novellae
11- Seeck, O., Die Quellen des Codex Theodosianus, Stuttgart, 1919
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|