أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-12-2015
2286
التاريخ: 2023-10-18
688
التاريخ: 23-12-2015
2302
التاريخ: 24-12-2015
5114
|
قال سلمان رضي الله عنه وأرضاه:
"كنت ابن دهقان (1) قرية جي من أصبهان، وبلغ من حب أبي لي أن حبسني في البيت كما تحبس الجارية فاجتهدت في المجوسيّة حتى صرت قطن بيت النار.. "(2).
الذي يبدو من هذا النص أنّ سلمان اعتنق المجوسيّة في بادئ أمره عندما كان يعيش في ظلّ أبويه شأن أيّ إنسان يعتنق دين آبائه وأجداده حين لا يجد مندوحةً عن ذلك وحين يفتقد المرشد والموجّه ويعيش بعيداً عن آفاق المعرفة. ومع هذا فانّ ذلك لا يمكن جعله خدشةً في نقاء الذات التي كان يحملها سلمان ولا وصمةً في طهرها، سيما بعد أن يتضح لنا أنّ ارتباطه بالمجوسيّة كان شكليّاً صوريّاً غير مستند إلى شيءٍ من قناعاته كما سيأتي.
وقبل البحث في هذه الناحية لا بدّ لنا من المرور في تاريخ «المجوسيّة» بشكل عابر وسريع نظراً لارتباط سلمان بها تاريخيا، ومن ثم إيقاف القارئ على حقيقتها، إذ أنّ للمجوسيّة في أذهاننا صورة لم تشأ الذاكرة أن تحتفظ منها بأكثر من «بيوت النيران» وتقديس المجوس أو عبادتهم لها حيث لم يوفّروا لأنفسهم من هذا الدين سوى طابع الوثنيّة وتأطيرهم أنفسهم به عبر العصور، إذن طبيعة البحث تتطلب منّا معرفة: ما هي المجوسية؟
المعروف عن المجوس أنّهم المؤمنون بزرادشت، وكتابهم المقدّس (أوستا) غير أنّ تاريخ حياته وزمان ظهوره مبهم جداً كالمنقطع خبره، وقد افتقدوا الكتاب باستيلاء الإسكندر على إيران، ثم جدّدت كتابته في زمن ملوك ساسان، فأشكل بذلك الحصول على حاق مذهبهم والمسلّم أنّهم يثبتون لتدبير العالم مبدأين، مبدأ الخير ومبدأ الشر «يزدان وأهريمن» أو « النور والظلمة» ويقدّسون الملائكة ويتقرّبون إليهم من غير أن يتخذوا لهم أصناماً كما يفعل الوثنيّون، وهم يقدّسون البسائط العنصريّة وخاصّةً النا، وكانت لهم بيوت نيران بإيران، والصين، والهند، وغيرها، وينهون الجميع إلى «أهورا مزدا» موجد الكل" (3).
هل المجوس أصحاب كتاب؟
والجواب عن هذا السؤال تتكفل به الكتب الفقهيّة لما يحمل من أهمية تتصل ببعض الأحكام الشرعيّة المترتّبة على ذلك نفياً أو إثباتاً.
فالمقصود بأهل الكتاب، هم الأمّة أو الفئة الخارجة عن الشريعة الإسلاميّة، لكنّها تعتنق شريعةً معيّنة تسندها إلى الخالق سبحانه بواسطة النبي المرسل إليها، وهؤلاء منهم من له كتاب محقّق كاليهود والنصارى فإنّ التوراة والإنجيل كتابان سماويّان بلا شبهة، ومنهم من له شبهة كتاب، كالمجوس.
ولا يبعد أنّ المراد بالكتب الكتب المنزلة على أولياء العزم وهم: نوح، وابراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد (صلوات الله عليهم)، والذي بقي منها إنّما هو التوراة والإنجيل لا غير، فاختص أتباعهما باسم «أهل الكتاب» في القرآن الكريم.. أمّا المجوس، فالذي يظهر من كلام الشهرستانيّ أنّ كتابهم هو: صحف ابراهيم (عليه السلام)، لكن تلك الصحف قد رفعت لأحداثٍ أحدثوها.. (4).
والأخبار الواردة في كتب الفقه تؤكّد على أنّهم من أهل الكتاب، لكنّها لا تشير إلى رفعه عنهم. فمن ذلك: ما رواه الشافعيّ بإسناده، أنّ فروة بن نوفل الأسجعيّ قال: علامَ تؤخذ الجزية من المجوس، وليسوا بأهل كتاب؟ فقام إليه المستورد، فأخذ بتلابيبه فقال: عدو الله، أتطعن في أبي بكر وعمر وعلي أمير المؤمنين «عليه السلام» وقد أخذوا منهم الجزية، فذهب به إلى القصر فخرج علي (عليه السلام)، فجلسوا في ظل القصر، فقال: أنا أعلم الناس بالمجوس، كان لهم علم يعلمونه، وكتاب يدرسونه (5).
ومنه: ما رواه أحمد بن عبد الله بن يونس عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة: أنّ علياً (عليه السلام) قال على المنبر: «سلوني قبل أن تفقدوني» فقام إليه الأشعث فقال: يا أمير المؤمنين، كيف تؤخذ الجزية من المجوس، ولم ينزل عليهم كتاب، ولم يبعث إليهم نبي؟ فقال: بلى يا أشعث، قد أنزل الله عليهم كتاباً، وبعث إليهم نبيا (6).
ومنه: صحيحة أو موثّقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بعث النبي صلى الله عليه وآله خالد بن الوليد إلى البحرين فأصاب بها دماء قوم من اليهود والنصارى والمجوس، فكتب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) انّي قد أصبت دماء قوم من اليهود والنصارى فوديتهم ثمانمائة درهم ثمانمائة، وأصبت دماء قوم من المجوس ولم تكن عهدت إليّ فيهم عهداً فكتب إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ ديّتهم مثل ديّة اليهود والنصارى، وقال: إنّهم أهل الكتاب (7) إلى غير ذلك من النصوص.
واضع شريعة المجوس:
الذي يظهر من أقوال المؤرّخين أنّ واضع شريعتهم هو زرادشت الحكيم، وأنّه كان موحّداً كما يستفاد ذلك من مجموع ما نقل من آرائه الفلسفيّة، قال ابن الأثير:"وشرح زرادشت كتابه وسمّاه «زند» ومعناه التفسير، ثم شرح الزند بكتاب سمّاه «بازند» يعني تفسير التفسير وفيه علوم مختلفة كالرياضيّات وأحكام النجوم والطب وغير ذلك من أخبار القرون الماضية وكتب الأنبياء.. الخ" (8).
والذي يقوى عندي ـ بعد ملاحظة النصوص ـ أنّ زرادشت ليس هو واضع شريعتهم، بل هو مجدّد لها ومبيّن للكتاب الحقيقيّ الذي رُفع عنهم.
مذاهبهم:
يبدو أنّ الفرق المجوسيّة تنوف على أربع عشر فرقة، منها: «الثنوية» و«المانوية» و«الزرادشتية» و«والكيومثرية» و«الزروانية» و«المسخية» و«الديصانية» وغيرها(9).
هل اعتنق سلمان المجوسية؟
من المقطوع به عندي أنّ سلمان لم يعتنق المجوسيّة حتى في صباه، بل كان موحّداً لله سبحانه، نعم حكمت عليه بيئته التي عاش فيها أن يرتبط بالمجوسيّة ارتباطاً شكلياً، كما ورد ذلك في الأحاديث المأثورة عن النبي الكريم وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، من ذلك ما رواه الصدوق عن ابن نباتة عن علي (عليه السلام) حديث جاء فيه: "حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسلمان بين يديه فدخل أعرابي فنحّاه عن مكانه وجلس فيه، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى در العرق بين عينيه واحمرتا عيناه ثم قال: يا أعرابي أتنحّي رجلاً يحبّه الله تبارك وتعالى في السماء ويحبّه رسوله في الأرض.. إلى أن قال: إنّ سلمان ما كان مجوسيّاً، ولكنّه كان مظهراً للشرك مبطناً للإيمان" (10).
وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام): "إنّ سلمان كان عبداً صالحاً حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين" (11).
قال الصدوق: إنّ سلمان ما سجد قطّ لمطلع الشمس، إنّما كان يسجد لله عزّ وجلّ، وكانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقيةً، وكان أبواه يظنّان أنّه إنّما يسجد للشمس كهيئتهم» (12).
أجل إنّ من يتتبّع قصة إيمان هذا الرجل يلمس فيها شواهد على ذلك، لقد خيّل لي وأنا أكتب عن هجرته من فارس أنّ هذه الآية كانت تعج في أعماق نفسه: {.. قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 78 ـ 79].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدهقان: أمير البيدر أو أمير الفلّاحين، وقاطن بيت النار: سادنها والمشرف عليها.
(2) شرح النهج 18 / 36 ومضمون هذا النص متّفق عليه لدى أغلب المؤرّخين.
(3) لاحظ الميزان في تفسير القرآن 14 / 358.
(4) الملل والنحل 1 / 208.
(5) طهارة الكتابيّ ص 13 نقلاً عن سنن البيهقي 9 / 188.
(6) الوسائل 11 ب 49ج 7 ص 98 وفيه أخبار كثيرة تشير إلى أنّه كان لهم نبي فقتلوه وكتاب حرّقوه لكنّها غير معتبرة.
(7) الوسائل 19 ب 13 ح 7 ص 161.
(8) الكامل 1 / 258 وللتفصيل راجع الملل والنحل للشهرستاني فإنّه أسهب في عرض معتقداتهم 1 / 233 وما بعدها.
(9) الملل والنحل 1 / 233.
(10) لاحظ البحار 22 / 347 وستأتي القصة مفصلةً ان شاء الله تعالى.
(11) البحار 22 / 327.
(12) سلمان الفارسي / 4.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|