المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9093 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31



دولة المهدي (عليه السلام) خصائصها ومميزاتها  
  
2856   03:35 مساءً   التاريخ: 2023-08-26
المؤلف : الشيخ خليل رزق
الكتاب أو المصدر : الإمام المهدي ( ع ) واليوم الموعود
الجزء والصفحة : ص 559-576
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن الحسن المهدي / الدولة المهدوية /

لا بد للإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف من أن يقوم بعدة خطوات وإجراءات عملية وميدانية على طريق تأسيس الدولة الإسلامية العادلة .

ويقع في أولويات هذه الخطوات ما ذكرناه من قيامه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف حين ظهوره إلى الملأ من استئصال لرموز الكفر والنفاق والانحراف على وجه الأرض كتمهيد لبسط سلطانه وضمان عدم وجود من يعكر أو يحاول مواجهة هذه الدولة .

وحينما يلجأ عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف لتأسيس نظام جديد ، فإن هذا الأمر يفترض إلغاء كل الأنظمة والقوانين الحاكمة في المجتمع البشري . لذا فإننا يمكننا وضع هذا الافتراض العقلي وهو قضاء المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف على تلك الأنظمة وإلغاؤها من ساحة الوجود ووضع البديل الصالح عنها .

وهذا ما يتطلب مواجهة حادة وقاسية ضد كل الحكام الذين يفرضون سيطرتهم بالقوة على شعوب العالم وبالخصوص الإسلامي ، ويكون دور الإمام إزالة هذه الرموز الحاكمة والعمل على توحيد الأمة الإسلامية لتكون في ظل الحكومة الإسلامية العادلة والواحدة التي تنصره فيها كل الشعوب الإسلامية ، لأنه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف يتبنى الرؤية الإسلامية التي لا تعترف بتجزئة البشرية إلى حدود ودول . . . بل دولته عالمية واحدة برئاسة واحدة وقيادة واحدة ، ومعه تزال وتمحى كل الأنظمة والقوانين الدولية ، ولا توجد بعد ذلك دول متعددة - وهذه واحدة من خصائص الدولة المهدوية . .

وفي اعتقادنا أن هذا الوضع الجديد سيكون له آثاره الإيجابية على الأمة وسيفتح لها باب السعادة والرخاء والسلام والعدل بين البشر أجمعين .

وورد في تفسير قوله تعالى :

وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ[1].

عن الإمام الكاظم عليه السّلام أنه قال :

« نزلت في القائم . إذا خرج أمر باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردّة والكفار في شرق الأرض وغربها فعرض عليهم الإسلام ، فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب للّه عليه ، ومن لم يسلم ضرب عنقه ، حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلا وحّد اللّه تعالى . قلت جعلت فداك ، إن الخلق أكثر من ذلك ، فقال : إن اللّه إذا أراد أمرا قلّل الكثير وكثر القليل »[2].

ومن خصائص الدولة المهدوية :

الأولى : القيادة المعصومة ، فالرئاسة والقيادة العليا في الدولة التي لن تكون ملكية ولا رئاسية ولا دكتاتورية ، ستكون إمامية ، لأن الحاكم الأعلى سيكون هو الإمام المنصوب من قبل اللّه عز وجل وسيمارس هذا المنصب الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بنفسه . في القيادة العليا ، يوكل قيادة المناطق المختلفة في العالم إلى أصحابه المخلصين الممحصين « حكام اللّه في أرضه » .

فشكل وطبيعة الدولة المهدوية هو نفس شكل وطبيعة الدولة التي أسسها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والتي يكون في المركز الأعلى فيها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ومن بعده الأئمة الخلفاء المعصومين عليهم السّلام .

وما الدولة المهدوية إلا نموذجا عن تلك الدولة المحمدية واستمرارا لنهجها وإحياء لمعالمها وقوانينها - وهذه هي الخصوصية الثانية لدولة المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف . .

الثالثة : هي أن التشريع في هذه الدولة ليس من خصائص الشعب أو المجالس المنبثقة عنه كما في الدولة والأنظمة القائمة في عالمنا المعاصر ، فالتشريع في الدولة الإسلامية للّه عز وجل وحده دون سواه ، وليس الإمام المعصوم إلا مبلّغا لهذا التشريع ومطبقا لأحكامه ، وحاميا له .

الرابعة : إلغاء كل التيارات الفكرية المنحرفة والضّالة بحيث لا يسمح في ظل الدولة الإسلامية المهدوية لأي إنسان أن يتخذ ما يشاء من الرأي والعقيدة ، وأن يتبنى ما يشاء من المعتقدات والأفكار ، وخصوصا إذا تضمن اتجاهه ورأيه مخالفة صريحة للأطروحة العادلة الكاملة . وقد أشرنا إلى موقف الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف من هؤلاء ، وأنه يقوم باستئصالهم من الوجود في حال عدم قبولهم بدولة العدل الشامل .

ولا يقتصر الأمر في الدولة المهدوية على إلغاء التيارات الفكرية بل يطال الأمر الأديان والمعتقدات فلا يبقى فكر ولا معتقد ولا دين إلا الإسلام .

عن الإمام الباقر عليه السّلام قال :

« إن الإسلام قد يظهره اللّه على جميع الأديان عند قيام القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف »[3].

وذكر ابن العربي في كتابه الفتوحات الربانية هذا الأمر فقال في كلامه عن الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف :

« . . . يظهر من الدين ما هو الدين عليه في نفسه ما لو كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حيا لحكم به ، يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص »[4].

الخامسة : القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي والاجتماعي ، من قبيل منع الغش والربا والتغابن في المعاملات التجارية ، ومنع تبذّل النساء وشرب الخمور وإعلان الفجور والسير في الزواج والطلاق والميراث على الخط المدني ، وضبط الإعلام ومنعه الترويج لمظاهر الكفر والفسق والفجور .

فمع إرساء الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف لدولته تطوى صفحة المنكر وتفتح للإنسانية معالم صفحة الأمر بالمعروف وتجسيده في المجتمع .

السادسة : شمول دولته عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف كل العالم ، فالوعد الإلهي للبشرية بتطبيق العدل لا بد وأن يكون شاملا لكل الناس . فلا تحرم منه فئة وتنعم به فئة أخرى .

ورد عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عز وجل :

الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ قال عليه السّلام :

« هذه لآل محمد : المهدي وأصحابه يملّكهم اللّه مشارق الأرض ومغاربها ، ويظهر الدين ، ويميت اللّه عز وجل به وبأصحابه البدع والباطل كما أمات السفهة الحق حتى لا يرى أثر من الظلم ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وللّه عاقبة الأمور »[5].

وفي كتاب المحجة فيما نزل في القائم الحجة في قوله تعالى :

قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ .

عن ابن درّاج قال : سمعت جعفر الصادق عليه السّلام يقول في هذه الآية :

« يَوْمَ الْفَتْحِ ، يوم تفتح الدنيا على القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ولا ينفع أحدا تقرب بالإيمان ما لم يكن قبل ذلك مؤمنا ، وأما من كان قبل هذا الفتح مؤمنا بإمامته ومنتظرا بخروجه فذلك الذي ينفعه إيمانه ، ويعظم اللّه عز وجل عنده قدره وشأنه وهذا أجر الموالين لأهل البيت عليهم السّلام »[6].

فعن الإمام الباقر عليه السّلام قال :

« إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلا يقول :

عهدك في كفّك فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر على كفّك ، واعمل بما فيها . . . »[7].

وعنه عليه السّلام أنه قال :

« يملك القائم ثلاثمائة سنة ، ويزداد تسعا كما لبث أهل الكهف في كهفهم ، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، فيفتح اللّه له شرق الأرض وغربها ، ويقتل الناس حتى لا يبقى إلا دين محمد ويسير بسيرة سليمان بن داود ، ويدعو الشمس والقمر فيجيبانه ، وتطوى له الأرض ويوحى إليه فيعمل بالوحي بأمر اللّه »[8].

وتشير بعض الأحاديث إلى أن دولة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف التي سيقيمها ستكون أعظم من الدولة التي أقامها النبي سليمان وذو القرنين كما جاء ذلك .

عن الإمام الباقر عليه السّلام :

« إن ملكنا أعظم من ملك سليمان بن داود ، وسلطاننا أعظم من سلطانه » .

فدولة سليمان عليه السّلام شملت فلسطين وبلاد الشام ، ولم تشمل مصر وما وراءها من أفريقيا . أما دولة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف فإنها تشمل كل مناطق العالم حتى لا يبقى مكان إلا نودي فيه بالشهادتين .

ومن ناحية الإمكانات التي تسخر للمهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، فهي تشمل الإمكانات التي سخرها اللّه تعالى لسليمان عليه السّلام وتزيد عليها .

ومن حيث المدة فإن دولة المهدي في حياته وبعده . تستمر إلى آخر الدنيا ، فإنه يحكم من بعده المهديون من أولاده ، ثم تكون رجعة بعض الأنبياء والأئمة عليهم السّلام ، فيحكمون إلى آخر الدنيا .

وروى عبد اللّه بن عباس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، أنه قال :

« ملك الأرض أربعة : مؤمنان وكافران ، فالمؤمنان ذو القرنين وسليمان ، والكافران : بختنصر ونمرود ، وسيملكها خامس من أهل بيتي »[9].

وتضافرت الأحاديث عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأوصيائه عليهم السّلام أن الإمام المنتظر يملك الدنيا بأسرها وتدين بإمامته جميع شعوب العالم وأمم الأرض .

السابعة : التأييد الإلهي المطلق والدعم الكامل لها لأن اللّه سبحانه وتعالى وعد في كتابه الكريم بالوقوف على جانب الحق والعدل أينما وجد ، وفي كل زمان ومكان .

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ [10].

وعن الإمام الباقر عليه السّلام قال :

« إن الملائكة الذين نصروا محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد ، ولا يصعدون حتى ينصروا صاحب هذا الأمر ، وهم خمسة آلاف »[11].

ودولة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف التي ستقوم في آخر الزمان هي واحدة من أبرز مصاديق العدل ونصرة الدين الإلهي ، فلا شك بأنها ستحظى بتأييد اللّه ودعمه .

وهذا التأييد الإلهي سينعكس على الدولة المهدوية بآثاره الإيجابية حيث يتجلى ذلك في زيادة مقدارتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية

الثامنة : تكامل الوعي البشري ، فلا يعود هناك مجال لقوى الاستكبار في أن تتحكم في عقول البشر وتسير بهم وفق إرادتها وتسخيرهم لمصالحها .

فمن خلال دولة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ينتشر الوعي وتتفتح الأذهان والعقول ، وتتوحد الرواية والنظرة إلى القضايا بمجملها .

روى ابن أبي يعفور عن مولى لبني شيبان ، عن الإمام الباقر عليه السّلام قال :

« إذا قام قائمنا وضع اللّه يده على رؤوس العباد ، فجمع بها عقولهم ، وكملت به أحلامهم »[12].

التاسعة : تطور الحياة في عصره ، فإن وسائل الحياة الاجتماعية التي يستخدمها البشر في عصرنا الحاضر قد تتغير وتختلف في دولة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف التي سخر اللّه لها ولقائدها وأصحابه بحيث تسهّل لهم إدارة شؤون الدولة ولو بواسطة القضايا الإعجازية التي يوفرها اللّه لهم .

والتطور في الدولة المهدوية يشمل جميع العلوم ويتفوق عليها في شتى الميادين العلمية والتكنولوجية ، ولعل الدليل الأهم على ذلك هو مقدار العلم الذي يصل إليه ويحصل عليه الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وكذلك أصحابه .

فعن مقدار العلم يروي أبان عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال :

« العلم سبعة وعشرون جزءا ، فجميع ما جاءت به الرسل جزءان ، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الجزئين ، فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءا ، فبثّها في الناس وضم إليها الجزئين ، حتى يبثها سبعة وعشرين جزءا »[13].

وأما عن مظاهر هذا التطور وأثر العلوم عند القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وأصحابه روي عن الإمام الرضا عليه السّلام أنه قال :

« إذا قام القائم يأمر اللّه الملائكة بالسّلام على المؤمنين والجلوس معهم في مجالسهم ، فإذا أراد واحد حاجة أرسل القائم من بعض الملائكة أن يحمله ، فيحمله الملك حتى يأتي القائم ، فيقضي حاجته ثم يردّه ، ومن المؤمنين من يسير في السحاب ، ومنهم من يطير مع الملائكة ومنهم من يمشي مع الملائكة مشيا ، ومنهم من يسبق الملائكة ، ومنهم من يتحاكم الملائكة إليه ، والمؤمن أكرم على اللّه من الملائكة ، ومنهم من يصيّره القائم قاضيا بين مائة ألف من الملائكة »[14].

العاشرة : تسخير قوى الطبيعة للدولة المهدوية وقياداتها . وهذا أيضا نوع من التأييد الإلهي لها ، ومظهر من مظاهر تجلياته ، ونتاج طبيعي له ، وذلك من أجل توفير كل العوامل التي تساعد هذه الدولة على تثبيت أركانها وتقوية دعائمها وبسط نفوذها وسيطرتها على المقدرات الطبيعية .

عن الإمام الصادق عليه السّلام قال :

« إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر ، رفع اللّه تبارك وتعالى له كل منخفض من الأرض ، وخفض له كل مرتفع ، حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته ، فأيّكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها »[15].

عن الإمام الباقر عليه السّلام قال :

« إن ذا القرنين كان عبدا صالحا ناصح اللّه سبحانه ، فناصحه وسخّر له السّحاب ، وطويت له الأرض ، وبسط له في النور ، فكان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار ، وإن أئمة الحق كلهم قد سخر اللّه تعالى لهم السحاب ، وكان يحملهم إلى المشرق والمغرب لمصالح المسلمين ، ولإصلاح ذات البين .

وعلى هذا حال المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ولذلك يسمى ( صاحب المرأى والمسمع ) فله نور يرى به الأشياء من بعيد كما يرى من قريب ، ويسمع من بعيد كما يسمع من قريب ، وإنه يسيح في الدنيا كلها على السحاب مرة وعلى الريح أخرى ، وتطوى له الأرض مرة ، فيدفع البلايا عن العباد والبلاد شرقا وغربا » .

الحادية عشرة : إحياء الدين وبعث الإسلام من جديد وتعميمه على العالم ، بمعنى أن الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف سيظهر للناس كل القوانين والأحكام الإلهية التي بقي منها ما هو مستور عن الناس وقد تم تأجيل الإعلان عنها إلى زمن ظهور الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، ومنها ما كان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قد أعلنه على الناس وطبقه في زمانه وعصره ولكن الناس لم يعملوا بهذه الأحكام ، فيكون دور الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف أن يطبق هذه الأحكام في دولته ، ومنها ما كان قد بلّغه النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلا أنه مع مرور الزمن وضع جانبا وبقي في مطاوي الكتب .

وهذا المعنى هو ما أشارت إليه الآية الكريمة :

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [16].

فعن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال :

« أظهر ذلك بعد ؟ كلا والذي نفسي بيده ، حتى لا تبقى قرية إلا ونودي فيها بشهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه بكرة وعشية »[17].

وعن ابن عباس قال في تفسير الآية :

« حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة ، إلا صار إلى الإسلام ، وحتى ترفع الجزية ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ، وهو قوله تعالى : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، وذلك عند قيام القائم »[18].

وعن أبي بصير قال سألت الإمام الصادق عليه السّلام عن قول اللّه عز وجل في كتابه :

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . * فقال :

« والله ما نزل تأويلها بعد .

قلت : جعلت فداك ومتى ينزل تأويلها ؟ قال : حتى يقوم القائم إن شاء اللّه تعالى ، فإذا خرج القائم لم يبق كافر ولا مشرك إلا كره خروجه ، حتى لو أن كافرا أو مشركا في بطن صخرة لقالت الصخرة يا مؤمن في بطني كافر أو مشرك فاقتله ، فيجيئه فيقتله »[19].

فالهدف الإلهي من إقامة مشروع الدولة العادلة على يد الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف هو كما في تعبير بعض الروايات :

« . . . ويبلغن دين محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ما بلغ الليل حتى لا يكون شرك على وجه الأرض . . . » .

ولتصبح الأرض صافية نقية من الكفر والنفاق كسبيكة الفضة النقية من المواد المغشوشة .

وكما شهد التاريخ في بعض فتراته إنزواء وانكفاء بل إبعادا لأحكام اللّه وتشريعاته وعدم إتاحة المجال أمام الإسلام ليعبر عن ذاته ، كذلك سيشهد التاريخ مع بروز وإطلالة الدولة الإسلامية المهدوية عزا للإسلام وقدرة على مواجهة التحديات .

فعن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :

« ولا يكون ملك إلا للإسلام ، وتكون الأرض كفاتور الفضة »[20].

وعن الإمام الصادق عليه السّلام قال في حديث له عن الإمام المهدي :

« يعزّ اللّه به الإسلام بعد ذلّه أو يحييه بعد موته ، ويضع الجزية ، ويدعو إلى اللّه بالسّيف ، فمن أبى قتل ، ومن نازعه خذل »[21].

عن عبد اللّه بن عطاء ، عن شيخ من الفقهاء يعني أبا عبد اللّه عليه السّلام قال :

سألته عن سيرة الإمام المهدي كيف سيرته قال :

« يصنع كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أمر الجاهلية ، ويستأنف الإسلام جديدا »[22].

عن أبي خديجة ، عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه سئل عن القائم فقال :

« كلّنا قائم بأمر اللّه واحد بعد واحد ، حتى يجيء صاحب السيف ، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان »[23].

عن الإمام الصادق عليه السّلام قال :

« إذا قام القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف دعا الناس إلى الإسلام جديدا ، وهداهم على أمر قد دثر فضل عنه الجمهور ، وإنما سمي القائم مهديا لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه ، وسمي بالقائم لقيامه بالحق »[24].

وهذه الروايات المتقدمة تشير بشكل واضح وجلي إلى أن الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف لن يأتي بدين جديد غير الإسلام والشريعة التي بشر بها النبي محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، نعم . لقد حاول أعداء الإسلام والتشيع الافتراء عليهم بأنهم يقولون ويدّعون بأن الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف سوف يأتي بدين هو غير الإسلام .

والجواب على هؤلاء بأن ما هو مذكور في روايات أهل البيت عليهم السّلام هو أن الإمام يأت بأمر جديد ويكون على يديه إحياء الإسلام وقيمه بعد محاولة البعض تشويه صورته وإبعاده عن حياة الناس .

فالإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف صاحب أعظم ثورة تغييرية سوف تشهدها البشرية لتبث فيها من جديد روح الإسلام وتعاليمه كما جاء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من دون زيف أو تحريف ، وسيقوم الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بنشر العلوم والمعارف الإسلامية التي يحتاج إليها الناس ، ويرفع الحجب عن معاني القرآن الكريم ، ويفسر الأحكام الإلهية والمعارف القرآنية حسب ما أرادها اللّه تعالى وهي قد تختلف مع ما استنبطه العلماء والفقهاء منها ونشروها خلال قرون عديدة باعتبارها معارف وأحكام إسلامية .

ومن الطبيعي أن لا تختلف هذه الموضوعات والأحكام الجديدة التي سينشرها الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف مع ما نزل بالوحي على النبي الأعظم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، أو أنها لا تكون موجودة في القرآن الكريم .

بل إن جميع هذه الأحكام والمعارف والعلوم والحقائق الإلهية قد أنزلها اللّه تعالى بالوحي على رسوله الأكرم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولكن بسبب عدم إدراك الناس لها في جميع العصور وحتى ظهور المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، وبسبب عدم إتاحة الظروف القاسية التي مر بها أهل بيت العصمة عليهم السّلام لنشرها بين الناس ، فإن الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وبعد ظهوره الشريف ، سيقوم بتبيان كل هذه الحقائق ونشرها بما يعطيه اللّه من قدرة على القيام بذلك .

وهذه هي حقيقة الأمر التي لا تشير إلى إتيان الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بدين غير دين الإسلام ، وبشريعة هي غير شريعة جده النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .

الثانية عشر : العطاء والنعيم والرخاء في ظل الدولة المهدوية لأن عصر الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف هو ذلك العصر الذي يصل فيه المجتمع الإنساني إلى مجتمع الغنى وعدم الحاجة ، وتمحى منه الطبقات الاجتماعية ، ولا يعود الناس بحاجة إلى السؤال نظرا للتوزيع العادل للثروات .

وقد ورد في الأحاديث الشريفة مجموعة كبيرة من الروايات التي تبين مدى النعيم الذي تحصل عليه الأمة في عصر الظهور وما يكون فيه من رخاء ووفرة في المال وسعة في الحال ، ونحن إذ نورد هنا بعض هذه الروايات ليتسنى للقارئ الاطلاع على تفاصيل هذا الأمر .

عن الإمام الصادق عليه السّلام قال :

« تصدقوا ، فإنه يوشك أن يخرج الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها »[25].

ومثله عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال :

« تصدقوا ، فيوشك الرجل يمشي بصدقته فيقول الذي أعطيها : لو جئت بها بالأمس قبلتها وأما الآن فلا حاجة لي فيها ، فلا يجد من يقبلها »[26].

وعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال :

« يخرج المهدي في أمتي خمسا أو سبعا أو تسعا - زيد الشاك - قال قلت : أي شيء ؟ قال سنين ، ثم قال : يرسل السماء عليهم مدرارا ، ولا تدّخر الأرض من نباتها شيئا ، ويكون المال كدوسا ، قال :

يجيء الرجل إليه ، فيقول : يا مهدي أعطني أعطني ، قال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمل »[27].

عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال :

« تقيء الأرض أفلاذ كبدها ، أمثال الأسطوان من الذهب والفضة ، فيجيء القائل فيقول : في هذا قتلت ويجيء القاطع فيقول : في هذا قطعت رحمي ، ويجيء السارق فيقول : في هذا قطعت يدي ، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا »[28].

عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال :

« يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، لا تدع السماء من قطرها شيئا إلا صبته ، ولا الأرض إلا أخرجته ، حتى يتمنى الأحياء الأموات »[29] « 1 » .

عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال :

« إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب ، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق »[30] « 2 » .

وفي حديث عن زيد بن الجهني قال : لما طعن الحسن بن علي عليه السّلام بالمدائن أتيته وهو متوجع فقلت : ما ترى يا بن رسول اللّه فإن الناس متحيرون ؟

فبين الإمام عليه السّلام رأيه وأشار إلى حكم بني أمية وفسادهم في الأرض وكيفية استيلائهم على مقدرات العباد وتحكمهم برقابهم إلى أن قال :

« . . . فكذلك حتى يبعث اللّه رجلا في آخر الزمان وكلب من الدهر وجهل من الناس ، يؤيده اللّه بملائكته ، ويعصم أنصاره وينصره بآياته ، ويظهره على أهل الأرض حتى يدينوا طوعا وكرها ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ونورا وبرهانا ، يدين له عرض البلاد وطولها ، لا يبقى كافر ولا طامح إلا صلح ، وتصطلح في ملكه السباع ، وتخرج الأرض نبتها ، وتنزل السماء بركتها ، وتظهر له الكنوز ، يملك ما بين الخافقين أربعين عاما ، فطوبى لمن أدرك أيامه وسمع كلامه »[31].

عن الإمام الباقر عليه السّلام في حديث طويل وفيه :

« . . . ويعطي الناس عطايا مرتين في السنة ، ويرزقهم في الشهر رزقين ، ويسوي بين الناس حتى لا ترى محتاجا على الزكاة ويجيء أصحاب الزكاة بزكاتهم إلى المحاويج من شيعته فلا يقبلونها ، فيصرّونها ويدورون في دورهم فيخرجون إليهم ، فيقولون لا حاجة لنا في دراهمكم . . . ويجتمع إليه أموال أهل الدنيا كلها من بطن الأرض وظهرها . . . »[32].

الثالثة عشرة : أنها دولة القضاء والحكم العادل بين أفراد المجتمع ، فلا ظلم ولا جور ولا حيف فيها ، ولن يكون فيها مظلومية لأحد .

فالإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف خليفة اللّه في الأرض ، ووارث النبيين ، والداعي إلى سبيل الحق والقائم بالقسط ومجلّي الظلمة ومنير الحق ، والناطق بالحكمة والصدق ، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا . ينتظره الناس لإزالة الهم وكشف الكرب والبلوى .

فعلى يديه ستتحقق دولة العدل الإلهي في آخر الزمان ليعيش الناس بأمان واطمئنان لما يرونه ويتذوقونه من طعم الإيمان وحلاوة العدل الذي يحققه الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .

ولهذا أشارت الروايات والأخبار إلى معالم الزمن المهدوي وما يتم على يد الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف من إنجازات على مستوى تحقيق الرفاهية والعدل للبشرية .

في الملاحم والفتن عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال :

« المهدي كأنما يلعق المساكين الزبد »[33].

عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قال :

« . . . وتخرج له الأرض - أي للمهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف - أفاليذ كبدها وتلقى سلمى مقاليدها فيريكم كيف عدل السيرة ويحيي ميت الكتاب والسنة »[34].

عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :

« يأوي إلى المهدي أمته كما تأوي النحل إلى يعسوبها ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول أي كما كانوا في زمان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لا يوقظ نائما ولا يهرق دما ( أي على الباطل ) »[35].

نقل صاحب كتاب عقد الدرر بسنده عن جعفر بن بشار الشامي قال : يبلغ رد المهدي المظالم حتى ولو كان تحت ضرب إنسان شيء انتزعه حتى يرده[36].

عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال :

« تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط ، ترسل السماء عليهم مدرارا ولا تدع الأرض من نباتها شيئا إلا أخرجته »[37].

وعنه أيضا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :

« يخرج المهدي من أمتي يبعثه اللّه غياثا للناس ، فتنعم الأمة وتعيش الماشية ، وتخرج الأرض نباتها ، ويعطى المال صحاحا ( أي بالسوية ) »[38].

وعنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :

« يكون في آخر الزمان عند تظاهر من الفتن ، وانقطاع من الزمن ، أمير أول ما يكون عطاؤه للناس أن يأتيه الرجل ، فيحثى له في حجره ، يهمه أن يقبل منه صدقته ذلك المال لما يصيب الناس من الفرح »[39].

وعن عدله في الحكم والقضاء ورد عن كعب الأحبار أنه قال :

« إني لأجد المهدي مكتوبا في أسفار الأنبياء ما في حكمه ظلم ولا عنت »[40].

وفي لفظ آخر ورد هذا الحديث بما يلي :

« إني لأجد المهدي مكتوبا في أسفار الأنبياء ما في عمله ظلم ولا عيب » .

في إسعاف الراغبين ( ص 161 ) عن الفتوحات المكية قال :

وقال في محل آخر من فتوحاته أنه يحكم بما ألقى إليه ملك الإلهام من الشريعة وذلك أنه يلهم الشرع المحمدي فيحكم به كما أشار إليه حديث المهدي ، يقفو أثري لا يخطئ فعرفنا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه متبع لا متبوع ، وأنه معصوم في حكمه فعلم أنه يحرم عليه القياس مع وجود النصوص التي منحه اللّه إياها على لسان ملك الإلهام ، بل حرّم بعض المحققين القياس على جميع أهل اللّه لكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مشهودا لهم فإذا شكوا في صحة حديث أو حكم رجعوا إليه في ذلك فأخبرهم بالأمر الحق يقظة ومشافهة وصاحب هذا المشهد لا يحتاج إلى تقليد أحد من الأئمة غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم[41].

عن جابر بن عبد اللّه قال :

« دخل رجل على أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام فقال له :

إقبض مني هذه الخمسمائة درهم ، فإنها زكاة مالي ، فقال له أبو جعفر عليه السّلام : خذها أنت فضعها في جيرانك من أهل الإسلام ، والمساكين من إخوانك . ثم قال : إذا قام مهدينا أهل البيت قسم بالسوية ، وعدل في الرعية ، فمن أطاعه فقد أطاع اللّه ، ومن عصاه فقد عصى اللّه . . . وإنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أمر خفي » .

وعن كعب الأحبار قال :

« . . . ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها أنطاكية »[42].

عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال :

« لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني ، رجل يحكم بحكومة آل داوود ، ولا يسأل عن بينة ، يعطي كل نفس حكمها »[43].

الرابعة عشرة : أنها الدولة التي لا يعبد فيها غير اللّه عز وجل ، وهذا من الفوارق المهمة بينها وبين دولة النبي محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الذي جاء يدعو الناس إلى عبادة اللّه عز وجل ونبذ الشرك والوثنية وكانت القاعدة التي سنها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ، لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ فالناس أحرار في اختيار العقيدة والدين ، والحساب في ذلك مؤجل إلى يوم القيامة .

أما في دولة الإسلام المهدوية فإن البشر قد مروا بفرصة كافية تسمح لهم باختيار الطريق الصحيح ليصلوا إلى تمييز الحق من الباطل ، وتتوقف بعد ذلك عملية الاختيار لهذا يؤمر كل الناس باتباع الحق الذي هو رسالة الإسلام .

فعن علي بن أسباط قال : روى أصحابنا في قول اللّه عز وجل الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ قال : الملك للرحمن اليوم ، وقبل اليوم ، وبعد اليوم ، ولكن إذا قام القائم لم يعبد إلا اللّه عز وجل[44].

وعن ابن بكير قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قوله تعالى وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً قال :

« أنزلت في القائم إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة ، وأهل الردة ، والكفار في شرق الأرض وغربها ، فعرض عليهم الإسلام فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة ، وما يؤمر به المسلم ، ويجب للّه ، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحدا إلا وحد اللّه ، قلت جعلت فداك إن الخلق أكثر من ذلك فقال : إن اللّه إذا أراد أمرا قلل الكثير ، وكثر القليل »[45].

 


[1] سورة آل عمران ، الآية : 83 .

[2] تفسير العياشي ، ج 1 ، ص 183 .

[3] منتخب الأثر ، ص 294 ، فصل 2 ، باب 35 ، ح 5 .

[4] راجع الفتوحات المكية ، باب 366 .

[5] منتخب الأثر ، ص 475 ، ح 1 .

[6] المصدر السابق ، ص 475 ، ح 2 ، عن المحجة .

[7] البحار ، ج 52 ، ص 365 ، باب 27 ، ح 144 .

[8] المصدر نفسه ، ج 52 ، ص 390 ، باب 27 ، ح 212 .

[9] عقد الدرر والعرف الوردي ، ج 2 ، ص 81 .

[10] سورة محمد ، الآية : 7 .

[11] البحار ، ج 19 ، ص 284 ، باب 26 .

[12] الكافي ، ج 1 ، ص 25 ، ح 21 .

[13] البحار ، ج 52 ، ص 236 ، باب 27 ، ح 73 .

[14] دلائل الإمامة ، ص 241 .

[15] البحار ، ج 52 ، ص 236 .

[16] سورة التوبة ، الآية : 33 .

[17] المحجة فيما نزل بالقائم الحجة ، البحراني ، ص 86 .

[18] المصدر نفسه ، ص 87 .

[19] المصدر السابق ، ص 86 .

[20] الملاحم والفتن ، ابن طاووس ، ص 66 .

[21] بشارة الإسلام ، ص 297 .

[22] معجم أحاديث الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، ج 4 ، ص 51 ، ح 1123 .

[23] المصدر نفسه ، ص 52 ، ح 1124 .

[24] المصدر نفسه ، ص 51 ، ح 1122 .

[25] معجم أحاديث الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، ج 1 ، ص 236 - 244 ، ح 144 - 150 .

[26] المصدر نفسه .

[27] المصدر نفسه .

[28] المصدر نفسه ، ج 1 ، ص 230 ، ح 142 .

[29] المصدر السابق ، ص 229 ، ح 141 .

[30] المصدر نفسه ، ج 4 ، ص 56 ، ح 1130 .

[31] البحار ، ج 44 ، ص 20 ، باب 18 ، ح 4 ، رواه عن الاحتجاج .

[32] المصدر السابق ، ج 52 ، ص 390 ، باب 27 ، ح 212 .

[33] المهدي الموعود المنتظر ، نجم الدين العسكري ، ص 288 .

[34] المصدر نفسه ، ص 288 - و 289 .

[35] المصدر السابق ، ص 288 - و 289 .

[36] عقد الدرر في أخبار المنتظر ، الشيخ يوسف الشافعي الحديث 51 من الباب الثاني ومنتخب الأثر ، ص 308 الفصل الثالث ، الحديث 3 .

[37] عقد الدرر ، الحديث 198 ، الباب السابع .

[38] المصدر نفسه ، الحديث 242 من الباب الثامن .

[39] المهدي الموعود المنتظر ، نجم الدين العسكري ، ص 276 .

[40] عقد الدرر ، الحديث 60 ، الباب الثالث .

[41] المهدي ، السيد صدر الدين الصدر ، ص 84 .

[42] عقد الدرر ، ص 40 .

[43] معجم أحاديث الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، ج 4 ، ص 64 ، ح 1138 .

[44] منتخب الأثر ، ص 476 ، ح 2 ، عن المحجة في ما نزل في القائم الحجة .

[45] المصدر نفسه ، ص 476 ، ح 1 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.