لا شك أن تقنية النانو ستدفع بالبشرية نحو عالم مثير ومذهل، ومن أبرز التوقعات المستقبلية لهذه التقنية إحداث سلسلة من الثورات الصناعية والاكتشافات العلمية خلال العقدين القادمين وما سيرافقها من تغير هائل في كثير من ملامح الحياة، وفي مجالات شتى؛ ولذا بدأ السباق المحموم في أبحاث وتطبيقات «النانو» على المستوى العالمي، ويُتوقع أن تكون الأبحاث والتقنيات «النانوية» أكبر المشروعات العلمية في هذا القرن، حيث يعتقد العلماء أن تقنية النانو ستجد حلا لمجموعة من التحديات التي تواجه البشرية كعلاج الأمراض، وتوفير المياه النظيفة للجميع، فضلا عن الزراعة، والصناعة، ومجالات الطاقة البديلة والبيئة وتكنولوجيا الاتصالات الضوئية ونقل المعلومات وكذلك في المجال الحربي والعسكري، وغيرها. وتعد تقنية النانو تقنية مساعدة، وينتظر منها أن تؤدي إلى تغيرات كبرى في الكثير من القطاعات الصناعية، وأن تسهم في التوصل إلى مواد وأجهزة ومنتجات مستحدثة. ومجال التطبيق في هذه التقنية مرهون بأطر زمنية مختلفة؛ للبدء بإنتاج أنموذج صناعي لتسويق منتجاتها. وقد سوّقت بالفعل منتجات الجيل الأول منها مثل الدهانات والأغلفة ومستحضرات التجميل. وثمة المزيد من المنتجات قيد التحضير حاليا، مثل: المستحضرات الدوائية ووسائل التشخيص، وتطبيقات تخزين الطاقة. وقد حاولت دراسات كثيرة تقدير التوقعات المتصلة بسوق التكنولوجيا النانوية عبر مختلف المعطيات. وتشير التقديرات المتصلة بالإلكترونيات النانوية (الموصلات الجزئية، والمكثفات الكهربائية الفائقة، والتخزين النانوي، وأجهزة الاستشعار النانوية) إلى أن سوق تكنولوجيا النانو يتوقع أن تبلغ قرابة 450 مليار دولار بحلول عام 2012 م. وستستحدث في المستقبل المزيد من المنتجات النانوية المرتكزة على البنى والنظم ذات الحجم النانوي. وستتناول هذه التطورات التحديث التقني والتغيرات الطارئة على الوجهة التي تصل بين الإنسان والآلة. وهناك جهود فائقة تبذل من دول العالم؛ للنهوض بتطبيقات تقنية النانو في المجالات المختلفة.

لم يكن غريبا أن تتنافس دول العالم على زعامة النشاطات البحثية والتطبيقات الخاصة بتقنية النانو، وأن تحتكر أكبر عدد من براءات الاختراع؛ ممّا يؤهلها لتبوّؤ مكانة اقتصادية مرموقة في هذا القرن الذي ستتحكم هذه التقنية في مجرياته، وآلياته، ومن ثمّ إعادة تصنيف الدول وفقاً لتقدمها في علومها. ومن أجل الوصول إلى الهدف كان لزاماً على تلك الدول التي تنبهت لأهمية هذا العلم، ودور تلك التقنية أن تنفق بسخاء؛ لإنشاء برامج ومراكز تميز هذه التقنية. وتفيد المصادر المؤكدة والبيانات المستقاة من عدد من المصادر الدولية أن مقدار ما أنفق منذ عام 2000 م، وحتى نهاية عام 2008 م بلغ 35 مليار دولار، حيث المبلغ موزّع على السنوات الثماني كما هو موضح في الشكل رقم (1) ⁽²⁷⁾ التالي:

شكل رقم (1) الدول المنتجة المواد النانوية وحجم الإنفاق السنوي بالمليون دولار (27).

ونتيجة للدعم الحكومي لبرامج التقنية النانوية في تلك الدول، فقد ازداد عدد الأبحاث العلمية الخاصة بهذه التقنية المنشورة في الدوريات المتخصصة، والمؤتمرات الدولية (4175 دورية ومؤتمر)، لتصل في فترة زمنية قصيرة (2000–2008م) إلى 205170 بحث نشرتها نحو 24468 مؤسسة بحثية وتعليمية، وكذلك شركات تكنولوجية دولية (وصل عددها في عام 2008 م، إلى نحو 1661 شركة) تتبع 156 دولة من دول العالم ⁽²⁷⁾.

شكل رقم (2) الدول المنتجة المواد النانوية وحجم المبيعات بالمليار دولار (27).

وقد احتكرت تلك المؤسسات مخرجات إبداعاتها واختراعاتها التكنولوجية في هذا المجال، وذلك عن طريق قوانين الملكية الفكرية الصارمة، حيث وصل عدد براءات الاختراع في الموضوعات المتعلقة بالمواد النانوية والتقنية القائمة عليها خلال الفترة نفسها إلى نحو 44867 براءة اختراع. وبدأت تلك الدول المهتمة بهذه التقنية مرحلة جني الثمار إذ بلغ حجم مبيعات منتجاتها القائمة على تقنية النانو خلال عام 2007م، نحو 146.4 مليار دولار (انظر الشكل رقم 2) ⁽²⁷⁾.

شكل رقم (3) تصنيف المواد النانوية المنتجة، ونسبتها العلمية لعام 2007م ⁽²⁷⁾.

_______________________________________________

هوامش

(27) العلي؛ ليلى صالح، الاسكندراني، محمد شريف، القطان، محمد، عبد الحميد، أحمد. التقانة النانوية: مسيرة وتطبيقات – التقانة النانوية لدفع قاطرة التنمية – التقانة النانوية والصناعات النفطية – النانوتكنولوجي عالم صغير ومستقبل كبير. مجلة التقدم العلمي. الكويت: مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. العدد 66، صفحات 25–33 (أكتوبر 2009 م).