المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6689 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05



الغزوات الإيرانية للعراق (1757 ــ 1828).  
  
1292   11:14 صباحاً   التاريخ: 2023-06-20
المؤلف : د. أيناس سعدي عبد الله.
الكتاب أو المصدر : تاريخ العراق الحديث 1258 ــ 1918.
الجزء والصفحة : ص 386 ــ 397.
القسم : التاريخ / التاريخ الحديث والمعاصر / التاريخ الحديث والمعاصر للعراق / تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق /

ادي انشغال إيران بمشاكلها الداخلية على إثر مصرع نادر شاه في عام 1747م الذي كان ايذانا بانتشار الفوضى في جميع ارجاء البلاد، حيث بدأت صراعات دموية على العرش، إلى أن يكون العراق بمأمن من الغزو الايراني مدة عشرة سنوات. لكن السياسة الايرانية اتخذت صورة اوسع من التدخل في شؤون العراق في عهد كريم خان الزند الذي تولى السلطة في إيران عام 1757 وغزا البصرة في العام نفسه، وهناك عدة تفسيرات حول اقدام الزند بهذا الغزو وهي:

1. أن كريم خان اراد بغزوه للبصرة اشغال الجيش الايراني بمهمات خارج الحدود بعد أن شعر بوجود تذمر بين صفوفه.

2. اعتقاد كريم خان بان احتلاله للبصرة يساعده على اخضاع عمان التي كانت اغلب تجارتها مع هذا الميناء، ويساعده أيضاً على احباط السياسة التي اتبعها الوكيل الانكليزي في البصرة والتي تهدف إلى مقاطعة الموانئ الايرانية وجعل البصرة مركزا رئيسا للتجارة جميعا.

3. أن هزيمة الجيش الايراني في شمال العراق هي التي دفعت كريم خان إلى التفكير بشن الحرب على نطاق واسع، وكان من المتوقع أن ينتقم بعمل ما ضد بغداد أو البصرة، وكانت الثانية هي. أرجح الاحتمالين حيث أن كريم خان كان مغتاظا من النجاح التجاري الذي احرزته البصرة التي اتسعت عوائدها وتزايدت اهميتها في تلك المرحلة، في حن تضاءلت الاهمية التجارية لميناء بوشهر بعد أن اغلقت شركة الهند الشرقية الانكليزية وكالتها التجارية في هذا الميناء بـ ء بسبب متاعبها مع كريم خان، وتركزت في البصرة جميع تجارتها مع الخليج العربي، ومن ثم كان انهيار تجارة بوشهر محتوما. والحقيقة أن الغزو الايراني للبصرة وان كانت بعض اسبابه تتعلق بتجارتها، إلا انه لا يخرج عن: نطاق المشاريع الايرانية التوسعية، فقد سبق أن تعرضت البصرة - لغزو ايراني في السنوات 1624 و1625 و1629 و1735 و1743. ومهما يكن من امر، فان كرم خان كان يبحث عن ذريعة لتحقيق اطماعه التوسعية تكون بمثابة عود ثقاب يشعل بها نار الحرب فطالب برأس والي بغداد مدعيا انه يسيء معاملة التجار الايرانيين ويسلب أموالهم، كما اتهم حكومة بغداد بتقديم المساعدة إلى احمد بن سعيد إمام عمان، وكان كريم خان قد ابدى رغبته في مشاركة السفن الانكليزية والعثمانية في الهجوم الذي ينوي القيام به ضد عمان ولمح بانه سيغزو البصرة إذا لم يجب مطلبه. ولم يكن موقف كريم خان إلا حجة لإعلان الحرب على العراق، فقبل أن يتلقى جواب حكومة بغداد، شنت القوات الايرانية عدوانا واسعا على العراق من عدة جهات، إذ تحركت من شيراز لمهاجمة البصرة قوات تعدادها خمسون الفا بقيادة صادق خان - شقيق كريم خان - اضافة إلى قطعات بحرية تتكون من حوالي ثلاثين سفينة صغيرة، وفي الوقت نفسه كانت هناك قوات ايرانية اخرى يقدر عددها بعشرين الفا قد عبرت حدود العراق الشمالية واحتلت عدة مواقع مهمة، واخذت تتقدم باتجاه محور كركوك - اربيل. وكان الهدف من هذه الخطة العسكرية دفع العراق لان يحارب عدة جهات، مما يسهل مهمة القوات المتقدمة، لاحتلال البصرة الهدف المقصود من شن الهجوم على العراق، لذلك ما أن بدأت القوات الايرانية بمحاصرة البصرة حتى اصدرت القيادة الايرانية اوامرها إلى قواتها في جبهة العراق الشمالية بالانسحاب إلى داخل الحدود الايرانية. لقد كان الموقف العسكري بالغ الخطورة إذ لم يكن لدى حكومة بغداد من القوات ما تستطيع به مواجهة العدوان الايراني، لذا عرضت الأمر على الباب العالي وطلبت المساعدة العاجلة ولكن غير جدوى، ولما كانت الدولة العثمانية قد خرجت منذ وقت قريب من حرب خاسرة مع روسيا انتهت بعقد معاهدة كجك كينارجي 1774 ، فإنها حاولت إيقاف الحرب بالطرق السلمية حيث أوفدت مبعوثا إلى العاصمة الايرانية ليقابل كريم خان ويتباحث معه حول الموقف ويبلغه بانها على استعداد لعزل والي بغداد إذا كان ذلك يؤدي إلى عودة السلام، غير أن مباحثات المبعوث العثماني لم تسفر عن اية نتيجة إذ رفض الخان سحب قواته من الاراضي العراقية. وفي السادس عشر من آذار 1775 وصلت القوات الايرانية شط العرب واصبحت بالقرب من مصب نهر السويب، فواجهتها قوات عربية كبيرة من عشائر المنتفك بقيادة الشيخ عبد الله السعدون، وكانت قد اتخذت مواقعا على الجانب الغربي من شط العرب لتمنع عبورهم إلى هذا الجانب، وقد تقدمت البصرة بطلب عاجل إلى امام عمان احمد بن سعيد لمشاركة اسطولها في الدفاع عن المدينة، فبعث الامام بخطاب يعد فيه بتلبية الطلب. وكانت قوة البصرة العسكرية إذا ما قورنت بحكم القوة العسكرية الايرانية تكون سهلة المنال بحكم الحسابات العسكرية التقليدية، لكن هذا الواقع العسكري لم يكن ليؤثر في شجاعة وتضحية هذه المدينة، وبينما كانت المدينة تشهد جهودا كبيرة في تقوية الاستحكامات والتحصينات الدفاعية، وصلها مبعوث ايراني يعرض استعداد حكومته للتخلي عن غزوها مقابل مبلغ كبير من المال، غير أن المبعوث طرد دون أن يتلقى ردا، وبعد ذلك بحوالي اسبوع (23) آذار 1775) وصل وفد ايراني عرض على حكومة البصرة أن تدفع مبلغا جسيما والا فان قواتهم ستحتل المدينة في غضون خمسة ايام، لكن الوفد الايراني طرد دون جواب كما حدث في المرة السابقة. تواصلت استعدادات البصرة الدفاعية وتم اقامة حاجز يمنع الملاحة في شط العرب ويحول دون وصول الامدادات إلى القوات الايرانية، والحد من عبور المزيد من السفن إلى شمال المدينة، والحاجز عبارة عن جسر من القوارب الكبيرة ربط بعضها ببعض بالسلاسل والحبال وتم حصرها في صدر نهر العشار كما وصلت من بغداد قوة من الإنكشارية يبلغ عددها حوالي مئتي جندي مع رسالة من الوالي إلى حكومة البصرة يذكر فيها بانه سير سل المزيد من القوات لرد العدوان الايراني. وفي 3 نيسان اقتربت طلائع القوات الايرانية من المدينة، وقدر عددها حسبما جاء في تقارير الوكالة البريطانية في البصرة التي شاهد موظفوها تقدم هذه القوات من شرفة الوكالة بعدة الاف من الخيالة والمشاة، واخذت بالتمركز قرب باب بغداد الذي يؤدي إلى قلب المدينة المأهول بالسكان، وفي صباح اليوم التالي وصلت مؤخرة القوات وأخذت مواقعها في الخطوط الامامية، وبالرغم من اقتراب القوات الايرانية فان معنويات السكان كانت عالية. وقد حاول ثلاثمائة ايراني في صباح 8 نيسان، الاقتراب من الاسوار للتعرف عليها، غير أن طلقات المدافع سرعان ما انهالت عليهم، وفي الوقت نفسه اجبرت ست عشرة سفينة ايرانية حاولت أن تقترب من المدينة على التراجع واصلت القوات الايرانية حصارها المفروض على البصرة، وشهد القسم الشمالي من المدينة هجمات عديدة في محاولة لإحداث ثغرة بسوره وكان أعنف هجوم ذلك الذي تعرضت له المدينة في يوم 9 نيسان ودار القتال بين المهاجمين والمدافعين من رجال قبيلة المنتفك العربية ولم ينته إلا بهزيمة الايرانيين. وازاء ذلك، شدد الايرانيون من حصارهم وتقدمت قواتهم إلى مسافة قريبة جدا من المدينة، وشنت هجمات عديدة باءت جميعها بالفشل، غير انهم تمكنوا في هجوم واسع عنيف من احداث ثغرات بالسور في خمس مواقع، بعد أن دكت المدينة بالمدفعية التي كانت تحت قيادة ضباط اوروبيين، كما هوجم ليلا القوارب الذي كان قد وضع في صدر العشار ، واحرق احدها، وكانت قدرة المدينة البحرية قد ضعفت حيث فوجئت في 11 نيسان بمغادرة القطع الحربية الانكليزية وعلى ظهرها الوكيل هنري مور وموظفو الوكالة ومعهم القطع الحربية الاربع التابعة للعراق التي كانت تحت قيادة انكليزية، الأمر الذي اثار استياء السكان ونقمتهم واعتبروا هذا العمل – مهما كانت دوافعه – لا يخرج عن كونه خطة ترمي إلى تسهيل عملية الاحتلال الايراني للبصرة. والحقيقة انه منذ أن بدأ الغزو الايراني للبصرة، كانت هناك اتصالات مسبقة بين الفرس والانكليز بقصد تسوية جميع المشكلات القائمة بينهما ، فقد وصل بوشهر في 7 نيسان 1773 أي في نفس اليوم الذي بدأت فيه القوات الايرانية حصارها للمدينة، روبرت جاردن احد اعضاء شركة الهند الشرقية في بومباي، في مهمة تستهدف استئناف العلاقات مع كريم خان واعادة فتح الوكالة التجارية في بوشهر، وفي 11 نيسان بعث جاردن بخطاب إلى كريم خان شرح فيه مهمة بعثته، وذكر انه لما كانت الصداقة التامة بين الانكليز والايرانيين موجودة من القدم، فان حكومة بومباي قد فوضته في اعادة فتح الوكالة البريطانية في بوشهر وعودة السفن الانكليزية إلى ممارسة نشاطها التجاري مع الموانئ الايرانية، وقد كان التأكيد الايراني للمبعوث الانكليزي بان كريم خان ليس لديه شيء اكثر اهمية من تأسيس الوكالة الانكليزية في المناطق التابعة لنفوذه. وواضح من التنسيق الايراني مع الانكليز يعيد الى الاذهان تحالفهم مع البرتغاليين في مطلع القرن السادس عشر وقوى اوربية اخرى، ضمن سياسة تهدف الى فرض نفوذهم في منطقة الخليج العربي. لقد اعتقد كريم خان ان البصرة بعد ان فقدت قوتها البحرية الرئيسية اصبح امر احتلالها سهلا، الا ان الامر لم يكن كما حسب، فقد استطاعت هذه المدينة ببضعة سفن صغيرة، ان تواجه باقتدار القوة البحرية الكبيرة المعادية وتحطم العديد من القطع الحربية، كما ان المدفعية الايرانية لم تتمكن من تحقيق اي نجاح في مواجهة الاستحكامات، فقد كان رجال قبيلة المنتفك وغيرها من قبائل العرب مجتمعون الحماية البصرة، وان الصحراء تفيض بالمحاربين، وان لا خطر على البصرة من الجيش الايراني. يضاف الى ذلك ان امام عمان احمد بن سعيد وهو المدرك للأطماع الايرانية في الخليج العربي، تقدم بأسطوله في شهر آب 1775 ليشارك البصرة صمود دها امام الايرانيين، وقد اتخذ الاسطول موقعه عند مدخل شط العرب بعد ان حطم السلسلة التي وضعها الايرانيون لعرقلة تقدمه، ودمر العديد من سفنهم، فامن السيطرة على النهر ولو لفترة محدودة، الامر الذي ساهم في دعم صمود ودفاع المدينة. وبعد ان صمدت البصرة اكثر من عام كامل (7) نيسان 1775 – 15 نيسان (1776) دخلت القوات الايرانية البصرة وكانت مؤلفة من ستة الاف جندي، وبعد خمسة ايام (21) نيسان دخل صادق خان تصحبه قوات كبيرة أحدثت الفوضى وهي تبحث عن مساكن تنزل بها، الأمر الذي ارغم العديد من السكان على اخلاء بيوتهم ومغادرتها، ولم يحترم الايرانيون تعهدهم، فآذوا السكان واستباحوا الحرمات واعتقلوا المتسلم ورجال حكومته وكذلك وجوه اعيان البصرة، وارسلوهم جميعا اسرى الى العاصمة شيراز وحين تلقي كريم خان اخبار احتلال البصرة، اصدر اوامره بختم البيوت المهجورة وتقديم قائمة كاملة بها، ويبدو ان الغرض من ذلك حصر الأموال والغنائم التي استولت عليها قواته، كما طلب وصفا تفصيليا وواضحا للبلاد الممتدة من البصرة باتجاه مسقط. لقد عاد الانكليز الى البصرة بعد الاحتلال الايراني، حاملين الهدايا الى صادق خان ووصف تقرير لمجلس الوكالة البريطانية موقفه من موظفي الوكالة الذين شرعوا بممارسة اعمالهم من جديد إن حالة وكالة الشركة ممتازة، وان صادق خان بنفسه عرض عليهم مودته ورعايته، وأبلغهم ان شعبه يحتفظ باحترام خاص للوكيل وللمجلس، وانه إذا كانت الامور قد تعقدت في البداية، فان في مقدورهم اليوم دون شك ان يأملوا في ان تزدهر تجارتهم ايما ازدهار في ظل الحكم الايراني للبصرة. وفي الوقت الذي كانت فيه البصرة تواجه الغزو الايراني، تعاقب على السلطة في بغداد العديد من الولاة الذي لم يكترثوا للحالة التي تمر بها البصرة آنذاك، فقد انصرف كل منهم الى تعزيز مركزه ومحاربة منافسيه ورافق ذلك حدوث الكثير من الاضطرابات والثورات الداخلية التي تبين ان احد كبار المسؤولين في حكومة بغداد كان وراءها وهو عجم محمد، الذي مارس بالتنسيق مع ايران دو را تخريبيا حال دون تقديم العون العسكري المطلوب للبصرة، فقد اشارت المصادر الى اتصالاته السرية بالفرس واحتوائه لجميع المحاولات التي استهدفت مواجهة الغزو الايراني. لقد كانت البصرة، في الوقت الذي يتنافس فيه المتنافسون على تولي السلطة في بغداد، تعاني من وطأة الاحتلال الايراني، ولو لم يعان سكانها وقتئذ تفشي الطاعون المروع واهوال المجاعة، واحتلال الجند للبيوت لحدثت ثورة تقضي على المحتلين، وعلى هذا لم يبق في نفوس اهل البصرة الا بصيص أمل كان معلقا بالقبائل العربية المجاورة، لان الايرانيين لم يكن بحوزتهم سوى المدينة نفسها وعدة من البساتين المجاورة، وكانت عشائر المنتفك في مقدمة من تصدى لهم، وقد اقدم رئيسها الشيخ ثامر السعدون على تدبير الخطط التحرير البصرة، مما حمل الايرانيين على التحرك لغزوها، ففي عام 1777 توغلت قوات ايرانية في ديار المنتفك وشنت هجوما عليها، ودارت معركة عنيفة في مكان يقال له (الفضيلة) غرب نهر الفرات اسفرت عن اندحار الإيرانيين وتكبدهم خسائر فادحة. واذ ذاك قام الايرانيون في اوائل سنة 1778 بشن هجوم واسع عنيف على مدينة الزبير التي تبعد حوالي عشرة كيلو مترات عن البصرة ، فاحرقوا بيوتها وذبحوا عددا كبيرا من اهلها، ثم تقدموا الى قرية كويبدة - على بعد عدة كيلو مترات من الزبير على طريق القوافل الى حلب - ففعلوا بها الشيء نفسه وانذر القائد الايراني محمد خان، شيخ المنتفك ثامر السعدون، بأن ينزل على طاعته ويذعن لأوامره، ولكن الشيخ أبى كل الاباء واعلن استعداده لمحاربته، وعندئذ تحركت من البصرة قوات ايرانية يبلغ تعدادها عشرة الاف جندي مع ثمانية عشر زورقا نهريا تحمل المدافع لمهاجمة بلاد المنتفك، وعند (ابي حلانة) على بعد سبعة وعشرين كيلو مترا من البصرة، كان عدد ضخم من رجال المنتفك بانتظار وصول القوات الايرانية فدارت معركة عنيفة بين الطرفين اضاع فيها القائد الايراني حياته وجيشه بأجمعه تقريبا، وقد كانت لإبادة الجيش الايراني في موقعة ابي حلانة أثرها الكبير على كريم خان، فما وصلت اخبارها اليه حتى اذهلته، ثم اضطرت القيادة الايرانية الى سحب قواتها من البصرة في التاسع عشر من آذار 1779 على اثر وفاة كريم خان الزند ونشوب حرب اهلية في البلاد. وعندما انتهى الاحتلال الايراني، كانت البصرة - كما تصفها المصادر المعاصرة - مدينة خربة وقد اقفرت من سكانها وحمدت الحياة التجارية فيها، بعد ان كانت تعتز بكونها ثرية مكتظة بالسكان، وبكونها ميناء بحريا مزدهرا بسبب ما تتمتع به من موقع جغرافي ممتاز له اهميته التجارية. ويذكر الكولونيل جيمس كابر الذي وصل البصرة في 18 كانون الاول 1778، انه وجد المدينة يخيم عليها البؤس، حتى خيل اليه ان عدد سكانها لا يزيد على ستة الاف نسمة بما فيهم القوات الايرانية، والشوارع الرئيسية اشبه بالمدافن ومهما يكن من امر فان البصرة استطاعت ان تسترد مكانتها وتعود الى ما كانت عليه من الازدهار الاقتصادي، حيث يذكر تقرير المقيمة البريطانية ان المدينة اخذت في الانتعاش فازداد عدد سكانها تدريجيا، وعاد اليها التجار الذين هجروها ايام الاحتلال الايراني، وقام كثير منهم، بإعادة الامن والطمأنينة في المدينة، باتخاذ الاجراءات اللازمة لاستئناف عمليات الاستيراد، وقد اخذت السفن الانكليزية وتلك التي يملكها التجار الهنود تتردد اليها مرة اخرى كما اخذ تجار اسطنبول ودمشق حلب وأورفه ديار بكر وماردين والموصل وبغداد يرتادونها. بعد استقرار أو شبه استقرار دام ما يربو عن عقدين من الزمان في العلاقات بين العثمانيين والايرانيين، عادت المشاكل بينهما لتبرز من جديد مع ظهور اسرة قوية حاكمة في ايران عام 1795 لها طموحاتها ومطامعها هي الاسرة القاجارية والقاجار قبيلة ذات اصل تركي، استقرت لمدة طويلة في ارمينية، وكان تيمورلنك هو الذي احضرها الى ايران، ثم عدت احدى قبائل قزل باش التي كانت تساند الاسرة الصفوية، وقد قسمها الشاه عباس الاول (1587-1629) الى ثلاثة فروع فرع جعل مقره كنجه بجورجيا لكي يصد هجمات اللزجين (ساكني الجبال بين جورجيا وبحر قزوين وهم الان من رعايا روسيا)، وفرع ثان خطط له ان يقيم في مرو للدفاع ضد هجمات قبائل الاوزبك من موقعها على حدود خراسان، واما الفرع الثالث فقد استقر استراباد (وهي مدينة على السواحل الشرقية لبحر قزوين). لقد اتخذت الدولة العثمانية اتجاه الاسرة القاجارية سياسة التهدئة، ولكن ذلك لم يمنع من استمرار التحرشات الحدودية، اذ يعد فتح علي شاه القاجاري (1797-1834) من ابرز حكام ايران الذي تميز عهده بالتدخل المستمر في شؤون العراق واستخدام القوة المسلحة من اجل ذلك وقد حفل عهد فتح علي شاه القاجاري بأمثلة عديدة من هذه التجاوزات، اذ نقرأ في وثيقة عثمانية كيف ان والي بغداد سليمان باشا الكبير قد اعتمد على عشيرة بلباس الكردية في تهديد الحدود العراقية الايرانية، وتتحدث الوثيقة الى ان عشيرة بلباس من اهم عشائر كويسنجق وكانت تظم ما بين 7000-8000 فارس ومسلح بالبنادق. وقد اعتاد فرسان هذه العشيرة والمسلحون بالبنادق فيها على مهاجمة تبريز واطرافها والاستيلاء على اموال الايرانيين. وقد عانى الايرانيون كثيرا في عهد الوالي سليمان باشا من هجمات هذه العشيرة، وفي النهاية كتب فتح علي شاه القاجاري الى الوالي سليمان باشا مقترحا تهيئة قوة من الطرفين للقيام بتأديب هذه العشيرة والتنكيل بها، ولكن الوالي المملوكي اخذ يسوف ويتملص من تنفيذ هذا المقترح لكي يتسنى لهذه العشيرة مواصلة اعمالها تجاه ايران ولكن هذه السياسة سرعان ما تغيرت في عهد الوالي علي باشا، اذ منعت اسطنبول والي بغداد المملوكي علي باشا (1802-1807) من التوغل في الاراضي الايرانية حرصا منها على استقرار العلاقات مع ايران و امرته بمغادرتها بعد ان دخلها واستولى على كرمنشاه بسبب ما سمعه عن نوايا ايرانية لاحتلال بغداد بعد الاختلاف مع والي بغداد بشأن تعيين متصرف لسنجق السليمانية. وتشير الوثيقة انفة الذكر الى ان الوالي علي باشا خرج على رأس حملة عسكرية من بغداد وشن هجوما على عشيرة بلباس ونهب بعض بيوتهم في سهل اربيل، ومنذ ذلك الحين اصاب العشيرة خوفا من العثمانيين وقل خطرهم على المدن الايرانية. على ان حجم المشاكل بين الطرفين لم يكن كبيرا حتى السنوات الاخيرة من العقد الثاني من القرن التاسع عشر. وكانت تلك المشاكل تدور حول محور الرغبة الايرانية في ضم منطقة السليمانية، وما ينجم عن ذلك من تدخل ايراني في شؤون سنجق بابان. بيد ان الامر تطور مع وصول داوود باشا (1816-1831) الى منصب الباشوية في بغداد، لتصل بعض المشاكل الصغيرة والنزاعات العسكرية المحدودة التي كانت تحدث قبل عهده الى غزوات ومواجهات عسكرية واسعة ربما كان حزم داوود باشا عاملا من العوامل التي ساعدت على تأجيجها. كما تدخلت إيران في شؤون ولاية شهرزور (السليمانية - اربيل - كركوك) المحاددة لإيران التي كانت تشهد على الدوام حالة من الفوضى والاضطراب بسبب التدخل الايراني في شؤون الامارات القائمة فيها حتى اصبحت المنطقة مسرحا للقوات الإيرانية التي كانت تحاول ان تكون طرفا في تعيين الحكام لهذه الامارات وتغري البعض باللجوء اليها لتدعمه بعد ذلك بالقوة المسلحة. ولعل من ابرزها ما حدث عام 1805 حين اغرت ايران الامير عبد الرحمن الباباني الذي يتولى حكم مقاطعات بابان وكوي وحرير بالتمرد على حكومة بغداد ثم اخذت تتوسط له حين شددت قوات بغداد الخناق عليه واضطر الى الفرار نحو الاراضي الايرانية حيث خصصت له ولاتباعه مقرا في سقز بالقرب من كرمنشاه، ووصل الامر ان ارسل الشاه فتح علي مبعوثا الى حكومة بغداد لطلب العفو واعادته الى منصبه، ولما رفضت الوساطة الايرانية اتخذت ايران موقفا سياسيا مضللا فقد تظاهرت امام مبعوث لوالي بغداد بحرصها للحفاظ على العلاقات بين البلدين وفي الوقت نفسه اتفقت سرا مع عبد الرحمن الباباني على احتلال ولاية شهرزور ووضعت تحت تصرفه عددا من القادة ومبلغا يقدر بخمسين الف تومان وبالفعل تقدم عبد الرحمن الباباني نحو السليمانية على رأس قوة كبيرة وبغية تسهيل عملية تقدمه عملت ايران على فتح جبهة من جانبها باتجاه خانقين حيث تقدمت قوات ايرانية كبيرة جدا يتولى قيادتها احد ابناء الشاه وهو الشهزادة محمد علي ميرزا حاكم كرمنشاه حتى وصلت القوات الى مدينة السعدية وأخذت تشن هجماتها على القوى المجاورة لها وتنهب سكانها، وازاء هذا الموقف الخطير ولضمان انسحاب القوات الايرانية اضطر والي بغداد الى الموافقة على تعيين عبد الرحمن الباباني متصرفا للسليمانية. ولم يثن اجراء كهذا إيران عن الاستمرار في التدخل في شؤون العراق ففي عام 1818 شنت هجوما واسعا على جبهته الشمالية حيث تقدمت ثلاثة جيوش كل واحد منها باتجاه معين وعلى الوجه التالي:

1. جيش بقيادة محمد علي خان قوامه عشرة الاف جندي اتخذ مساره نحو السليمانية.

2. جيش من قوات لورستان بقيادة حسن خان باتجاه مندلي.

3. جيش بقيادة علي خان كلهر وكلي علي خان يقدر بأربعة الاف جندي باتجاه بدرة وجصان.

وفي والوقت نفسه تحرك الشهزادة محمد علي ميرزا حاكم كرمنشاه على رأس قوات باتجاه خانقين وبالرغم من توغل القوات الايرانية في الاراضي العراقية إلا انها واجهت مقاومة عنيفة مما اضطرها على التقهقر في عدة أماكن بما في ذلك تلك القطعات التي كان يتولى قيادتها حاكم كرمنشاه حيث اجبرت على التراجع عند مضيق (باي طاق)، ثم توقفت العمليات العسكرية وجرت مفاوضات تعهدت فيها ايران بعدم التدخل في شؤون العراق الداخلية وانسحاب قواتها من اراضيه وفي الوقت الذي نفذت فيه الانسحاب إلا انها استمرت في خلق حالة الفوضى والاضطراب في ولاية شهر زور المحادة لها. والحقيقة أن اوضاع ايران الخارجية في تلك الفترة هي التي املت عليها اجراء مفاوضات الصلح، حيث كانت تواجه خطرا روسيا منذ أن عقدت بينهما معاهدة كولستان في 12 تشرين الأول 1813 إذ تخلت ايران بموجبها عن دربند وباكو وشيروان وشاكي وقره باغ وجزء من تاليش، وتركت عن أي ادعاء بكرجستان و داغستان ومنغريليا وايمرشيا وابخاسيا، كما أنها وافقت ضمنا على أن لا يكون لها اسطول في بحر الخزر ولذا فان ايران سرعان ما عادت مرة اخرى إلى استخدام القوة المسلحة ضد العراق ومن هنا اندلعت الحرب على نطاق واسع عام 1820، حيث اجتازت قوات ايرانية كبيرة الحدود العراقية من عدة محاور وباتجاه خانقين وحلبجة بهدف احتلال ولاية شهرزور بأكملها، وبعد أن احتلت بعض المواقع هناك على اثر معارك ضارية، عجزت عن فرض سيطرتها على المدن الرئيسية، مما جعل حاكم كرمنشاه الذي كان يتولى قيادة الهجوم بنفسه، يترك بعض قطعاته هناك ويتقدم بالقوة الرئيسية باتجاه بغداد وعند وصوله إلى المنصورية واجه مقاومة عنيفة من قبل عشائر شمر الجربا برئاسة شيخهم صفوق الفارس، غير أن المعركة الفاصلة لم تقع بسبب تفشي وباء الكوليرا في المنطقة، كما أن القائد الايراني نفسه اضطر إلى الدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب.

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).