أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-02
930
التاريخ: 2023-04-25
956
التاريخ: 28-9-2020
1310
التاريخ: 14-2-2017
1410
|
قدم لنا ابن رشد في شرحه لكتاب أرسطو (في السماع والعالم) تفسير أرسطو للكيفية التي تنتقل بها حرارة الضوء عبر الفضاء والجو بأنَّها ناجمة عن ظاهرة الاحتكاك بينها وبين الهواء؛ لأنَّ الاحتكاك يعني حدوث حركة، والحركة تولد الحرارة، إضافة لذلك فإنَّ من أسباب ارتفاع حرارة الجو هو احتكاك الكواكب في أثناء حركتها في مداراتها.
قال أرسطو: «فأما الحرارة التي تأتي من الكواكب والضوء، فيكون من اصطكاك واحتكاك الهواء الكائن من حركتها؛ فإنَّ من شأن الحركة أن تُسَخَّن وتُحمِّي الخشب والحديد والحجارة، فإن كان ذلك كذلك كان الأقرب أولى وأحرى أن يحمى ويسخن من سائر الأشياء وأقرب الأشياء إلى النار والهواء الحركة إذا تسخن الهواء لا محالة، وتحقيق ذلك أنَّ الحركة تحمي وتسخّن الرصاص والذي فيه نصل النشابة، فإنَّ النشابة إذا خرجت من مرمى الدائرة تحمي الرصاص ودال من نصل النشابة، فنرجع فنقول إنه إذا صار الكواكب تَحمَى من الحركة حَمِي الهواء الذي حولنا اضطرارًا وإنما تحمى هذه الكواكب لأنَّها في الهواء، والهواء إذا ما اضطرب من حركة الكواكب نارًا فيحمي الكواكب ويسخن، فأما الكواكب التي في الفلك الأعلى فإنها تمرُّ في فلكها من أجل ذلك لا تحمى وإنما حميت الكواكب؛ لأنَّ الهواء تحت الفلك الأدنى المستدير فإذا سلط ذلك الفلك سخن الهواء وحمي ولا سيما الهواء الذي قرب رباط الشمس؛ فلذلك تكون حرارة الشمس على نحو قربها وبعدها من فوق رؤوسنا فقد استبان، وأن الكواكب ليست نارية وبأنَّ ضوءَها ليس ناريَّا ، ولا يقع من ذلك تحت البصر.» 90
وقد شرح هذا الكلام ابن رشد أكثر، مُفصِّلًا المعنى الذي قصده أرسطو، فالجسم الناري والجسم المضيء يشتركان بامتلاكهما خاصِيَّة التسخين وهذا الحكم عام وليس خاصا، وظاهرة التسخين الناجمة عن حركة الاحتكاك في الهواء ليست نتيجة أشعة الشمس أو الكواكب الحرة، وإنما بسبب حركة الشمس والكواكب؛ فهي التي تُوجد الاحتكاك بين أجزاء الهواء. وهنا عند هذه النقطة يُشكّك ابن رشد في كلام أرسطو بشكلٍ كبير ولا يسلّم به؛ لأنَّ ابن رشد شعر بعدم اتساق نظرية أرسطو في منشأ الحرارة التي في الجو ووجود تناقضات لن يمنح النظرية القدرة على تفسير ظاهرات أخرى.
قال ابن رشد : «التفسير: لما أخبر أنَّ الكواكب يجب أن تكون من طبيعة السماع، وقال: إنه قد كبر من أن السماء لا ثقيلة ولا خفيفة، وإنه يجب لمكان هذا أن تكون الكواكب من الطبيعة التي ليست بثقيلة ولا خفيفة، وكأنَّ ما يظهر من تسخين الكواكب لماء، وهنا من الأجسام التي ها هنا وما يظهر أيضًا من ضوئها، يُوضع في ذلك شكا ليس باليسير، فإنه يظن أنه كما أن كل نار مسخنة حالا وكذلك عكسها، وهو أنَّ كل مسخّن نار وكذلك الأمر في الضوء؛ أعني كل نار مضيئة وكل مضيء نار، فإذا قيل إنَّ الكواكب نار أو من نار ماء أُضيف إليها، أنَّ طبيعة الكل يجب أن تكون من طبيعة الجزء، لزم من ذلك أن تكون السماء نارًا أو من نار، وهذا كله ضد ما بينه من قبل أن يُبيِّنوا أن هذه المغرمة ليست تنعكس من قبل أن التسخين قد يلغى عن النار وعن الجسم الذي ليس بنار إذا حرّك أو تحرك، وهو يروم أن يأتي بسبب تسخين الكواكب من هذه الجهة بابتداء كل هذا الشك، فإن قال فأما الحرارة التي تأتي من الكواكب والضوء فتكون من قبل اصطكاك واحتكاك والهواء الكائن من حركتها، يُريد أن التسخين الذي يُلقى في الهواء من الكواكب، وبخَاصَّة من الشمس، ليس العلة في ذلك أن الشمس والكواكب نار؛ أي قد تبيَّن أنَّ النار خفيفة، وأن هذا الجزم لا ثقيل ولا خفيف، بل الذي يُسبب تسخين الكواكب والشمس للهواء هو اصطكاك وانحكاك أجزاء الهواء بعضها مع بعض من قبل حركة الشمس والكواكب، وفي هذا الذي قاله شكٍّ ليس باليسير؛ وذلك أنَّ الشمس والكواكب ليس تماس الهواء ولا النار التي في مقعر القمر. فضلًا على أن تماس الهواء الذي دونها وثاميسطيوس يزعم أن الإسكندر يُجيب عن هذا بأنه ليس يمتنع أن تسخّن الهواء حركتها بتوسط الجزم السَّماوي، وإن لم يتسخَّن عنها الجزم السماوي، كما أنَّ السمكة التي تُحرَّر بيد الصائد إذا وقعت في الشبكة فحرر يده بتوسط الشبكة وإن لم تُحرر الشبكة، وكذلك لا يمنع أن تسخّن الهواء وإن لم تسخّن الجرم السماوي الذي بينها وبين الهواء وثاميسطيوس يقول: إنَّ هذا المثال لم يوضع في مكانه.» 91
وفي تلخيصه لكتاب الآثار العلوية يُورد ابن رشد رأي أرسطو في أن عنصر النار هو صاحب النسبة الأكبر في الأجرام السماوية حتى بما فيها الأثير، لكنَّ ابن رشد يعترض على هذا الرأي مرةً أخرى؛ إذْ لا يجوز أن تتفاوَتَ نِسب العناصر في المواد سواء كانت أرضية أم سماوية، وإلا حدث خلل وأفسدت.
قال ابن رشد: «وقد أحسن الظن من قبل التسمية أنَّ كل جسم سريع الحركة يُسَمَّى أثيرًا، فالنَّارِ تُسمَّى أثيرًا للهيبها، ولكن ليس يجب من ذلك أن تكون كلُّها تُسمَّى نارا؛ لأنه ليس كل سريع الحركة نارًا، وقد ظن بعض الناس لهذا أن الأثير؛ أعني الجزم السماوي، نار نقية صافية، وذلك خطأ من ظنهم؛ لأنه لو كانت الكواكب والجسم الذي بينها نارًا لقد كان يجب أن يستحيل الكل نارًا؛ لأنه قد تبين في التعاليم أنَّ أبعاد هذه الأفلاك أعظم بكثير من الأرض والماء، وقد يجب إذا أُريد أن تكون الأسطقسات متعادلة بكليتها في الكيفية ألا تتفاضل أمكنتها هذا التفاضل العظيم، فإن الجسم الأكبر يُفسد الأصغر، وذلك ظاهر من تغاير أجزائها بعضها إلى بعض، ولو كانت النار في مثل هذه النسبة من الماء والأرض والهواء لقد كانت ستفسدها.»92
______________________________________________
هوامش
90- ابن رشد، محمد بن أحمد بن محمد الحفيد شرح كتاب أرسطو طاليس في السماع والعالم، قدم له جيرهارد أندرس، منشورات معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، يُصدرها فؤاد سزكين، طُبع بالصف التصويري عن مخطوطة ، 11821، المكتبة الوطنية في تونس، فرانكفورت، 1994م، ص227.
91- ابن رشد، محمد بن أحمد بن محمد الحفيد، شرح كتاب أرسطو طاليس في السماع والعالم، ص228.
92- ابن رشد تلخيص الآثار العلوية، ص22.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|