المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
زكاة الفطرة
2024-11-05
زكاة الغنم
2024-11-05
زكاة الغلات
2024-11-05
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05

ناسا تحدد 2028 موعداً لوصول أول بعثة إلى كوكب المريخ
6-11-2016
المركزيـة واللامركزيـة ومعايـير المفاضلـة بينهما
24-9-2021
فوق الڤلطية الفقاعية bubble overvoltage
21-2-2018
البيئة التسويقية Marketing Environment
2-10-2018
Roseoflavin
22-12-2019
الصدق في مقامات الدين
30-1-2022


الطبع و الصنعة  
  
17110   02:01 مساءً   التاريخ: 6-9-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : الفن ومذاهبه في الشعر العربي
الجزء والصفحة : ص19-21
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /

الطبع و الصنعة من المصطلحات المختلفة التي كان يتقيد بها الشاعر الجاهلي تجعلنا نؤمن بأنه لم يكن حرًّا في صناعة شعره يصنعه كما يريد، فإن حريته كانت معطلة إلى حد ما؛ إذ كان يخضع لتقاليد تتناول ما يقوله وكيف يقوله، تتناول ما ينظم فيه والطريقة التي ينظمه بها، وبعبارة أخرى تتناول الموضوعات التي يعالجها وما يتخذه فيها من طرق فنية في التعبير والموسيقى والتصوير. وإذن فالشعر الجاهلي ليس تعبيرًا فنيًّا حرًّا؛ بل هو تعبير فني مقيد، ليس تعبير الطبيعة والطبع، بل هو تعبير التكلف و الصنعة، أما الفكرة التي تذهب عندنا إلى تقسيم الشعراء إلى أصحاب طبع وأصحاب صنعة، والتي نرى امتدادها في العصر الحديث(1)؛ فأكبر الظن أنها في حاجة إلى شيء من التصحيح؛ فإن أقدم آثار الشعر العربي ونماذجه لا تؤيد هذا التقسيم الذي لا يتفق وطبيعة الشعر العربي وحقائقه؛ فكله شعر مصنوع فيه أثر التكلف و الصنعة، ولعل الجاحظ أول من أذاع هذه الفكرة ودعا إليها حين كان يعارض الشعوبية في بيانه؛ فادعى عليهم أنهم يقولون الشعر عن صناعة، أما العرب فيقولونه عن طبع وسجية؛ إذ يقول: وكل شيء للعرب؛ فإنما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام، وليس هناك معاناة ولا مكابدة ولا إجالة فكرة ولا استعانة؛ وإنما هو أن يصرف وهمه إلى الكلام وإلى رجز يوم الخصام، أو حين يمتح على رأس بئر، أو يحدو ببعير، أو عند المقارعة والمناقلة، أو عند صراخ أو في حرب؛ فما هو إلا أن يصرف وهمه إلى جملة المذهب، وإلى العمود الذي إليه يقصد، فتأتيه المعاني أرسالًا(2) وتنثال عليه الألفاظ انثيالًا، ثم لا يقيِّده على نفسه ولا يُدَرِّسُه أحدًا من ولده(3).
وليس من شك في أن الجاحظ بالغ في وصف الموهبة العربية والطبع العربي ليرد على الشعوبية؛ فإذا العرب يقولون بديهة وارتجالًا على خلاف غيرهم من الشعوب؛ فإنهم يقولون متكلفين، وأكبر الظن أنه لم يكن جادًّا حين ذهب هذا المذهب، إنما هو بصدد أن يفضل العرب على غير العرب، ولو ترك نفسه على طبيعتها في البحث والتحقيق لرأيناه يثبت للعرب صعوبة في القول، وبخاصة في صنع الشعر فهو نفسه يقول في البيان والتبيين: من شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولًا كريتًا كاملًا وزمنًا طويلًا يردِّد فيها نظره ويجيل فيها عقله، ويقلب فيها رأيه، اتهامًا لعقله وتتبعًا على نفسه؛ فيجعل عقله زمامًا على رأيه، ورأيه عيارًا على شعره، إشفاقًا على أدبه، وإحرازًا لما خوله الله من نعمته، وكانوا يسمون تلك القصائد: الحوليات والمقلدات والمنقَّحات والمحكمات ليصير قائلها فحلًا خِنذيذا وشاعرًا مفلقًا،(4) ويقول أيضًا: كان زهير بن أبي سُلْمى يسمِّي كبار قصائده الحوليات؛ ولذلك قال الحطيئة: خير الشعر الحولي المحكَّك، وقال الأصمعي: زهير بن أبي سلمى والحطيئة وأشباههما عبيد الشعر، وكذلك كل من جَوَّدَ في جميع شعره ووقف عند كل بيت قاله، وأعاد فيه النظر، حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجودة. وكان يقال: لولا أن الشعر قد كان استعبدهم، واستفرغ مجهودهم، حتى أدخلهم في باب التكلف وأصحاب الصنعة، ومن يلتمس قهر الكلام واغتصاب الألفاظ لذهبوا مذهب المطبوعين الذين تأتيهم المعاني سهوًا ورَهْوًا، وتنثال عليهم الألفاظ انثيالًا(5).
وإذن فالجاحظ ينقض دعواه بما يذكره من أنه وُجدتْ طائفة عند العرب كانت تكد طبعها في عمل الشعر وصنعه، وكانت تقابلها طائفة أخرى لا تبلغ من التكلف غايتها، وهي طائفة المطبوعين كما يسميهم الأصمعي، وعبر ابن قتيبة عن الطائفتين في صورة أوضح؛ إذ يقول: ومن الشعراء المتكلف والمطبوع؛ فالمتكلف هو الذي قَوَّمَ شعره بالثقات، ونقحه بطول التفتيش، وأعاد فيه النظر، كزهير والحطيئة(6). وهذا التقسيم من حيث هو صحيح؛ ولكن ينبغي أن نتلقاه بشيء من الحذر، فإن هؤلاء المطبوعين لم يكونوا يلغون التكلف إلغاء. كما أن هؤلاء المتكلفين لم يكونوا يلغون الطبع إلغاء؛ ولذلك كنا نرى أن نعمم التكلف في الشعر القديم ونجعله على درجات يبلغ أعلاها عند زهير وأصحابه الذين كانوا يعملون شعرهم عملًا، ويأخذونه بالتفكير الدقيق، والبحث والتحقيق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 1- انظر كتاب شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي لعباس محمود العقاد؛ فقد هاجم كثيرًا من الشعراء المحدثين وعلي رأسهم شوقي بحجة أنهم من شعراء الصنعة وليسوا من شعراء الطبع.
2- أرسالًا: أفواجًا.
3- البيان والتبيين 3/ 28.
4- البيان والتبين 2/ 9.
5-البيان والتبين 2/ 13.
6- الشعر والشعراء لابن قتيبة طبعة دي جويه ص17.
 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.