أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-12-2019
1599
التاريخ: 2023-04-27
870
التاريخ: 2023-05-02
968
التاريخ: 2023-05-10
951
|
تناول ابن طفيل (تُوفَّي 581هـ / 1185م) في قصَّته الرمزية (حي بن يقظان) عملية انتقال الحرارة بوساطة الإشعاع الشمسي، فقال: «... قد تبرهن في العلوم الطبيعية أنَّه لا سبب لتكون الحرارة إلا الحركة أو مُلاقاة الأجسام أو الإضاءة ... وأنَّ الشمس لا تسخّن الأرض كما تسخّن الأجسام الحَارَّة أجسامًا أُخر تماسها ... ولا الشمس أيضًا تسخّن الهواء أولا، ثم تُسَكِّن بعد ذلك الأرض بتوسط سخونة الهواء. وكيف يكون ذلك ونحن نجد أنَّ ما قرب من الهواء من الأرض في وقت الحر أسخن كثيرًا من الهواء الذي يبعد عَنَّا علوا؟ فبقي أنَّ تسخين الشمس للأرض إنما هو على سبيل الإضاءة لا غير؛ فإنَّ الحرارة تتبع الضوء أبدًا، حتى إن الضوء إذا أفرط في المرآة المقعرة أشعل ما حاذاها.» 92
أي إِنَّ ابن طفيل يَعْتقدُ أَنَّ الحرارة تتولد من وراء ثلاثة أسباب؛ الحركة أو ملاقاة الأجسام الحَارَّة أو الإضاءة. وفكرة ملاقاة الأجسام سبق وأن طرحها إخوان الصفا، أما الأجسام التي تقبل الحرارة فهي الأجسام الكثيفة غير الشفافة. واعتمادًا على ذلك فسر سبب برودة طبقات الجو العليا أكثر من السفلى، حيث إن الحرارة لا تسخّن الهواء مباشرة، وإنما تسخّن الأرض أولا ثم تشعُ الحرارة من الأرض للهواء. وأشار ابن طفيل إلى أن الشُّعاع الشمسي المسامت لرؤوس النَّاس؛ أي العمودي عليهم، كانت الحرارة المصاحبة له أشد، نظرًا لأنَّ كمية الإشعاع التي تصل الأرض في هذه الحالة أشد. 93
وبذلك يردُّ ابن طفيل على أرسطو وأتباعه الذي لم يقبلوا بفكرة التلازم بين الضوء والإشعاع الحراري المرافق له ولا يتفق معهم في الرأي. كما رفض ما يعتقد به البعض من أنَّ خط الاستواء شديد الحرارة، مقدمًا الدليل على ذلك بأنَّ السبب الرئيس لظهور الحرارة هو إمَّا الحَرَكة أو مُلاقاة الأجسام الحارّة والإضاءة. وتبين أيضًا أنَّ الشمس غير حارة بذاتها ولا مُتكيفة بشيءٍ من الكيفيات المزاجِيَّة، كما تبين أنَّ الأجسام التي تقبل الإضاءة أتم القبول، هي الأجسام الصقيلة غير الشفافة، ويليها في قبول ذلك الأجسام الكثيفة غير الثقيلة، فأمَّا الأجسام الشفّافة غير الكثيفة فلا تقبل الضوء بوجه. وبحسب ابن طفيل أنَّ الرأي السابق هو لابن سينا، ولم يسبقه إليه أحد، ثم يشترط بناءً عليه، وإذا كان هذا البرهان صحيحًا، فاللازِمُ أنَّ الشمس لا تسخّن الأرض كما تسخّن الأجسام الحارة أجسامًا أخرى تمسُّها؛ لأنَّ الشمس غير حارة بذاتها ولا الأرض أيضًا تسخن بالحركة لأنها ساكنة وعلى حالة واحدة في شروق الشمس عليها، وفي وقت مغيبها عنها، وأحوالها في التسخين والتبريد ظاهرة الاختلاف للحِسِّ في هذين الوقتين.94 طبعًا قوله «الشمس غير حارة بذاتها لم يكن صحيحًا، لكنه أراد أن يقول بإمكانية ولادة الإنسان في البقعة التي تُعد تحت خط الاستواء.
ويُتابع ابن طفيل قائلًا: «ولا الشمس أيضًا تُسخّن بعد ذلك الهواء أولا ثم تسخّن الأرض بتوسط سخونة الهواء، وكيف يكون ذلك ونحن نجد ما قرب من الهواء من الأرض في وقت الحرِّ أسخنَ كثيرًا من الهواء الذي يبعد عنه علوا؟ فبقي أنَّ تسخين الشمس للأرض إنما هو على سبيل الإضاءة لا غير؛ فإن الحرارة تتبع الضوء أبدًا حتى إنَّ الضوء إذا أفرط في المرآة المُقَعَّرة أشعل ما حاذاها، وقد ثبت في علوم التعاليم بالبراهين القَطْعِيَّة أنَّ الشمس كرويَّة الشكل، وأن الأرض كذلك، وأن الشمس أعظم من الأرض كثيرًا، وأنَّ الذي يستضيء من الأرض بالشمس أبدًا هو أعظم من نصفها، وأنَّ هذا النصف المضيء من الأرض في كل وقت أشد ما يكون الضوء في وسطه لأنه أبعد المواضع من الظلمة عند محيط الدائرة، ولأنه يقابل من الشمس أجزاءً كثيرة، وما قرب من المحيط كان أقل ضوءًا حتى ينتهي إلى الظلمة عند محيط الدائرة الذي ما أضاء موضعه من الأرض قط. وإنما يكون الموضع وسط دائرة الضياء إذا كانت الشمس على سمت رؤوس الساكنين فيه، وحينئذٍ تكون الحَرَارة في ذلك الموضع أشدَّ ما يكون، فإن كان الموضع مما تبعد الشمس فيه عن مسامتة رؤوس أهله كان شديد البرودة جدًّا، وإن كان مما تدوم فيه المسامتة كان شديد الحرارة. وقد ثبت في علم الهيئة أنَّ بقاع الأرض التي على خط الاستواء لا تسامت رؤوس أهلها سوى مَرَّتين في العام عند حلولها برأس الحمل، وعند حلولها برأس الميزان، وهي في سائر العام ستة أشهر جنوبًا منهم، وستة أشهر شمالًا منهم، فليس عندهم حَرٌّ مُفرط ولا بَرْد مُفرط وأحوالها بسبب ذلك متشابهة.»96
وهكذا فإنَّ الإشعاع الحراري الشمسي يتم امتصاصه من قبل الأرض أولًا، ثم تعود وتشعه للهواء، وبذلك يسخن الهواء. ولاحظ ابن طفيل بأنَّ الإشعاع عندما يكون بزاوية قائمة (مسامتًا رؤوس الناس) فإنَّ الحرارة التي تَصْحَبه تكون أشد. 97
__________________________________
هوامش
92- ابن طفيل رسالة حي بن يقظان ط 4، دمشق، 1940م، ص 5-6.
93- غالب، مصطفى، في سبيل موسوعة فلسفية (ابن طفيل)، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1991م، ص20.
محمود عبد الحليم فلسفة ابن طفيل، ط 2، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، (د. ت)، ص 67.
95- العراقي، عاطف، الميتافيزيقا في فلسفة ابن طفيل ط 5، دار المعارف، القاهرة، 1992م، ص 74.
96- ابن طفيل رسالة حي بن يقظان في أسرار الحكمة المشرقية، مطبعة وادي النيل، القاهرة، 1299هـ، ص 7-8
97- فروخ، عمر، تاريخ الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون، ط 4، دار العلم للملايين، بيروت، 1983م، ص 363.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|