المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



ملامح الشعر في النصف الثاني من القرن العشرين  
  
1945   08:24 صباحاً   التاريخ: 30-09-2015
المؤلف : عبد الرزاق الأصفر
الكتاب أو المصدر : المذاهب الأدبية لدى الغرب
الجزء والصفحة : ص197-199
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد الحديث /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-08-2015 4265
التاريخ: 14-08-2015 9044
التاريخ: 29-09-2015 2202
التاريخ: 27-7-2017 3361

يبقى الشاعر من أشد الناس حساسيةً وتأثراً بما يجري حوله وفي داخله؛ فهو البصيرة على نفسه والعالم، المتأثر والمعبّر والمؤثّر، وهو الذي ينفذ من خلال التعدُّد والاختلاف إلى الجوهر فيلامس حقيقة الإنسان في تجرّده عن الزمان والمكان. إنه عاشق الإنسان والطبيعة وما وراءهما، المدرك لمسؤوليته الرّسولية في الوجود، وُجدانُ البشرية العميق والأمين، القادر على التغلغل إلى الخفايا، ونقلها بصدقٍ وإخلاص...
من هذه الطبيعة الشاعرية تجلّت فيما بعد الحرب الثانية غنائية رومانسية قوامها الحزن والألم والاحتجاج والسوداوية كموقفٍ تجاه الماضي المأساوي؛ ثم ما لبث الشعر أن تكيف مع المتغيرات المستجدة والمتسارعة في تيارات الرياح الكونية المعاصرة والهموم اليومية والطبيعية المعقدة للحياة المطصخبة الجديدة التي تمتد فيها الصراعات في عالم الفكر والعقيدة والاقتصاد والسياسة والمجتمع؛ وكان الشاعر هو الباحث الأول عن الحقيقة الجوهرية المحتجبة بين غيوم العصر.
لقد دمّرت الذرة مدينتين بما فيهما، فهل ستقف عند هذا الحدّ؟ وها هي نُذُر الشرّ في الآفاق...! وتقدَّم العلم والاختراع بسرعة هائلة فهل جلب ذلك السّعادة أم أسْهَمَ في نشر الظلم والتحكّم والرعب؟ وأذهلت الناس كشوف الفضاء، فماذا وراءها؟ إن أشباح الإبادة والموت والدمار والبؤس ماتزال تطلّ بعيونها الشريرة المرعبة على نفوس الشعراء فتزيدهم قلقاً وعذاباً.. إنها طبيعة العصر وطبيعة الشعر، ومهما يكن من أمر ذلك الأسى العالميّ فإنه لم يستطع كبت العاطفة وقمع الفكر وكبْحَ الأمل وسدَّ المنافذ. فالتغير واقعٌ وممكن، وهو إنما ينطلق من الإنسان، والإنسان هو المفتاح لحل كل لغز منذ أوديب ووحش طيبة.... لقد نقّب الشعراء في الجذور الروحية واستعانوا بمغازي الأساطير وتجولوا في الظواهر الشعبية للوصول إلى الجوهر الوجودي لحياة الشعب، ووجهوا اهتمامهم لإنقاذ الإنسان والأخذ بيده إلى درب السعادة، السعادة التي قد تلوح في السماء على الأرض... ولنذكر الشعراء المعاصرين من أمثال (إليوت وبريخت وستاندبرغ وشعراء الواقعية الاشتراكية ولوركا...). وهكذا ينبجس التفاؤل من صميم الكرب ويبقى دوماً في (صندوق باندورا) شيء اسمه الأمل. ومع الإحباط يولد حزم ومع الضيق يأتي فرج ومع الشر يوجد خير...!
كان هذا وجهَ الشعر من حيث مادّتهُ وأطروحاته؛ أما من حيث شكله فقد جسّد في أشكاله الغزيرة المتنوعة تلك النزعة التحرّرية وتجاوز الأقنية والسّدود دون أن يفارقها تماماً. إن روح التمرد والثورة على ما تبقى من آثار الماضي وقيوده، والشعور بفرح الحرية الفردية كان الباعث إلى ولادة تجارب جديدة في الشعر تناسب طبيعة المرحلة، فلم يتبع الشعراء منهجاً واحداً أو مذهباً بعينه، ومع التجارب الحديثة لم تُطلَّق المعطيات الماضية. وكان الشعر الأمريكي الأسبق إلى خلع الأثواب الطقوسية وارتداء الملابس البسيطة والتجوال في آفاق جديدة رحبة؛ فقد حاكى النثرَ بشعرٍ مُرْسَل لا يضحّي بالموسيقا، التي مزجها بالرموز والأساطير (والت ويتمان). وجاء في إثر هذه التجربة شعراء أمريكا اللاتينية وأوروبا فوسعوها (نيرودا) مع الاحتفاظ بتقنيات ورثوها من القرن التاسع عشر، وهكذا تجاورت أصداء الرمزية (من صوب رامبو وأبو لينير) والمستقبلية بنت القرن العشرين (مايا كوفسكي) وتوظيف الأسطورة والتاريخ والدين (ت.س إليوت) ومعطيات اللامعقول. والرومانسية السوداوية والبرناسيّة التقليدية والكلاسيكية الجديدة... فكانت أشكال شعرية جديدة شديدة التنوع.... وكان البحث الدائم عن الجديد، فوجدنا الميل إلى التكثيف والاقتصاد بالكلمات والإقلال من الأفعال والروابط، بل ونبذها أحياناً اكتفاءً بالصور التي تنبعث من الكلمات وتتوالى في شريط متلاحق مثيرة معاني عميقة وأصداء غامضة، وتخلق جوّاً معبراً ومخيماً على الروح، ووجدنا جرأةً لغوية بإبداع كلماتٍ جديدة وتركيبات غير مألوفة...
وهكذا تآلفت في الشعر الجديد التجديدات الجريئة والوثبات الحرة مع معطيات المدارس القديمة في وسطٍ من التجريب والبحث لاكتشاف ذرا لم تستشرف من قبل... إنها الحداثة المتسارعة على إيقاعات نبض العصر في حركته وتغيراته.




دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.