1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : النقد : النقد الحديث :

الأسطورة والرمز

المؤلف:  د. محسن اطيمش

المصدر:  دير الملاك

الجزء والصفحة:  ص: 121-164

2025-03-27

62

الأسطورة والرمز

تعد قضية الرمز والأسطورة احدى الانجازات المهمة في القصيدة العراقية الحديثة  ولقد بلغت من المكانة الفائقة الحد الذي قال فيه الشاعر ان الرمز والأسطورة والقناع أهم أقانيم القصيدة الحديثة، وبدونهم تجوع وتعرى وتتحول الى مشروع، أو هيكل عظمي لجثة ميتة  (1)ومع تزايد اهتمام الشعراء بتوظيف الأساطير والرموز في أعمالهم ، فان متابع نقد الشعر العراقي الحديث يرى أن عناية النقاد بهذا الموضوع توشك أن تكون معدومة ، فسوى محاولات معدودة (2) ، تظل قضية الأساطير والرموز بعيدة عن الدراسة الجادة والشاملة وليس ضروريا للباحث ان يعرض لآراء ووجهات نظر الفلاسفة (3)، أو الانثروبولوجيين ، أو اللغويين الى الأساطير ورموزها لأن الشاعر نفسه لم يكن مهتما بمثل وجهات النظر تلك ولأن الأسطورة هي فكر الانسان ، وتجربته الكبيرة في مرحلة من مراحل تكوينه فانها تمتلك القدرة - شأنها شأن كل التجارب الانسانية الكبيرة - على الحضور

 

                        121

الدائم  أو التجدد المستمر والالتقاء بتجارب الانسان في مختلف العصور لقد غدت كما يقول هانزمير هوف نسق لأزماني  وهي لا زمانية في كونها حاضرة أبدا  كتذكير دائم بالعود الأبدي للشيء نفسه لذلك يجوز تصوير كل من برومثيوس  أورست واليكترا وكأنهم في حضور دائم ، نماذج لا زمانية للوجود الانساني  كرموز تقترح التكرار الدائري للشيء نفسه  أو لوضع انساني مشابه  (4) ولذا فان عودة الشاعر الى الينابيع الأسطورية ليست حلية جمالية تضاف الى العمل الشعري بقدر ما هي عامل أساسي يساعد الانسان المعاصر على اكتشاف ذاته وتعميق تجربته، ومنحها بعدا شموليا وضرورة موضوعية تستطيع النهوض - بما تمتلك من طاقات متجددة - بعبء الهواجس والرؤى والأفكار المعاصرة، وبهذا الفهم للأسطورة ورموزها، فان الأشخاص الأسطوريين سيفقدون داخل النتاج الأدبي شيئا من هويتهم الذاتية ويتوحدون مع الجنس البشري عموما (5) وبمعنى آخر فان الأسطورة هي نقل للتجربة  من مستواها الشخصي الذاتي الى مستوى انساني جوهري  كما يقول صلاح عبد الصبور (6) ان هذا هو أهم أوجه اللقاء بين الشاعر أو الأديب عموما وعالم الأساطير وهو لقاء موضوعي ويبدو أن أي تفسير لأخر للربط أو لبيان تأكيد الشاعر على المادة الأسطورية في العملية الشعرية سيكون تفسيرا مقحما وغير أكيد ، كما حدث في قول يوسف الصائغ حين أشار الى أن اندفاع السياب مثلا الى الاسطورة قد جاء  لمزاجه الشخصي المنفعل  وميله الى الأجواء الغريبة الشاذة » (7)، ولسنا ندري أية علاقة تربط بين المزاج المنفعل ، والميل الى الأجواء الشاذة وبين عالم الأساطير أو أنه وجد في الأساطير تعويضا عن كل ما فقده من أفكاره الحزبية التي كانت تمده بطابعها النظري  وغذاء وعيه

                                        122

الشعري(8) أي أن الأسطورة صارت لدى الشاعر وسيلة لسد الفراغ (9) الفكري، وكأن الشاعر المعاصر ، وهو انسان مفكر بالضرورة ، وجد في فكر الانسان البدائي بديلا نموذجيا ومقنعا  هذان قولان بعيدان عن الصواب ، وسيزيد من كشف بعدهما عنه أقوال السياب نفسها ، ونظرة دقيقة الى قصائده التي أفادت من الأسطورة افادات جادة ورائدة واذا كان بدر شاكر السياب من المبكرين في استخدام الأساطير والرموز بين الشعراء العراقيين أو العرب الجدد، فمما لا شك فيه أن عددا غير قليل من الشعراء العرب في الفترة التي نشأ السياب فيها لم يغفلوا الالتفات الى الأسطورة في الشعر ولا أظن الاستفاضة في التحدث عن أولئك الشعراء وتلك الفترة ينافعه في مجال حديثنا هذا  لأننا نحاول رصد الافادة الفنية من ظاهرة الأسطورة والرمز في فصل من بحث يعنى بالمرتبة الأولى بقضايا الشعر العراقي الحديث ولا شك أن استطرادنا بملاحقة الحديث عن بدايات الاستعمال الأسطوري في الشعر العربي سيقودنا الى دراسة مسهبة ومفصلة ليس هذا مجالها وضروري أن نقول في هذا الموضع من البحث أن شعراء تلك الفترة التي سبقت ميلاد الشعر الحر في العراق ، وأعني بهم جيل الرصافي والزهاوي ، وعلى الشرقي ومحمد رضا الشبيبي وغيرهم ما كانوا يعرفون الالتفات الى توظيف الأسطورة أو رموزها في الشعر لسببين أولهما أن هذه القضية الجديدة كانت تتطلب من الشاعر قدرا كبيرا من الثقافة والوعي الأدبي لم يكن شائعا بين شعراء العراق في تلك السنوات، لأسباب لعل أهمها التخلف الثقافي الهائل الذي شهده العراق منذ قيام الحكم الوطني ، وحتى منتصف الأربعينات من هذا القرن فشيوع الأمية ، وقلة التعليم ، واقتصاره على أبناء طبقة معينة ، وغياب الانفتاح على الثقافة العالمية ، وندرة ما يصل من الكتب والمؤلفات ، وانعدام حركة الترجمة بشكل يسهم في اثراء ثقافة الأديب ، وجهل معظم الشعراء باللغات الأجنبية التي تساعدهم على قراءة ما

                                            ,                                123

قد يقع بين أيديهم ، كل هذه الأسباب مجتمعة أسهمت في خلق مناخ أدبي راكد بعيد عن الجديد في الفكر والفن والأدب ولهذه الأسباب أيضا ظل الشعر العراقي في سنواته تلك تعبيرا مباشرا عن قضايا اجتماعية ووصفا لظواهر حياتية كتفشي الفقر  والجوع ، والمرض، ومناقشة قضايا مثل التعليم والمدارس والمرأة ومسألة حريتها ، واسهامها في الحياة  وحجابها وسفورها أو قضايا سياسية وجد الشاعر فيها متنفسا للحديث عن وطنه وسيادة الأجنبي والمعاهدات والأحلاف التي كانت تسوغها تلك الحكومات العراقية المتعاقبة لخدمة الأسياد خارج الوطن ، وتفرط بحقوق المواطن العراقي، ان لم تكن تدفع به الى الهاوية ، هاوية الجوع والفقر والموت ، وواضح أنه وسط حالة أدبية كتلك ، واهتمامات شعرية كهذه فان الشاعر سوف يظل بمنأى عن قضية كـ « الأسطورة والرمز » وربما بدا - وله الحق في هذا - جاهلا بها تمام الجهل وثانيهما أن ذلك الجيل من الشعراء انصرف الى الاهتمام بالتراث الشعري والأدبي العربي ، قراءة وتتبعا ، كما ان بعضهم كان ينظر الى ذاك التراث نظرة اعجاب تصل الى حد التقديس  وقارئ الشعر العراقي الحديث يلمس أن عددا من شعراء ذاك الجيل كان دائم المحاكاة للقصيدة العربية القديمة ، ويتضح هذا من خلال النماذج الكثيرة في شعر الشبيبي والكاظمي وبعض قصائد الجواهري أيضا ، ولذا فان انشغال الشاعر بالشعر الموروث وشعرائه صرفه عما يمكن أن يراه من مظاهر الجدة في الشعر الحديث ، ومنها قضية الأساطير والرموز عام 1947 كتب السياب قصيدة أسماها « أهواء » وكان عمر الشاعر آنذاك واحدا وعشرين عاما وورد فيها هذا البيت رآها تغني وراء القطع ک «بنلوب » تستمهل العاشقين (10)وقد لا يكون الدارس مخطئا حين يقول ان هذا البيت هو من أوائل الاشارات الى أسطورة في حركة الشعر العراقي المعاصر ، كما ان طريقة استخدام

 

                                      124

السياب لهذه الشخصية الأسطورية سيكون منهجا للعديد من الشعراء العراقيين ولفترة غير قصيرة من الزمن وفي قصائد لا حصر لها ، فما الذي فعله السياب ؟ لقد عرف وربما بشكل متعجل حكاية عوليس وغربته ، وانتظار زوجته له ، التي كانت تستمهل العاشقين في محاولة للتخلص منهم  ولا شك أن استخدام السياب لهذه الشخصية انما جاء على سبيل التشبيه ، وتلك حقيقة ستتأكد في شعره وشعر شعراء جيله الذين غالبا ما نقرأ في قصائدهم اشارات أبطال أسطوريين تأتي عابرة دون أن يكون لها وظيفة أكثر أهمية واسهاما في اغناء القصيدة وتطويرها لأنها ترد على شكل كناية أو تشبيه أو لمجرد التداعي واذ يتأمل القارئ هذا البيت ، سيلاحظ أن الافادة من الرمز الأسطوري من أجل كشف حالة مماثلة، أو تصوير شخصية معاصرة ضمن موقفها وفعلها ، هي افادة غير واضحة ، ذلك أن علاقة المشابهة بين البطلة الأسطورية وحبيبة الشاعر تبدو منبتة ، لأننا ازاء حالتين مختلفتين، حالة من تغنى وراء قطيعها ومن تغزل غزلها ثم تنقضه ، ولم يستطع الشاعر أن يجد الرابط الذي يشد هاتين الحالتين الى بعضهما ، لكي تكتمل لديه الصورة الشعرية المقبولة ، والفاعلة في تطوير القصيدة وبلورة الموقف ومع أن قول علي الحلي في قصيدته « رحلة » وحلوتي كأنها عشتار (11) يلتقي مع بيت السياب لكونهما نمطا واحدا في الافادة من الرمز الأسطوري على سبيل التشبيه ، الا أن الصورة هنا تبدو أكثر قبولا ، لأن الشاعر استطاع أن يلم أطراف الصورة ، أو التشبيه وعقد مقارنة واضحة بين المشبه والمشبه به ، وقارئ القصيدتين اللتين حملتا صورتي السياب والحلي، سيدرك أن مجيء عشتار في القصيدة الثانية انما كان بدافع الحفاظ على جزء من شكليات الأداء الشعري ، وأعني به الحفاظ على القافية الموحدة التي كانت تحكم القصيدة، أما في بيت السياب فان مجيء عبارة تستمهل العاشقين  كانت هي الباعث لذكر « بنلوب » غير المبرر لأن حبيبة الشاعر التي كانت مشغولة بغنائها وقطيعها أكثر من انشغالها بالعاشقين أوحت للشاعر بأنها تشبه « بنلوب » في استمهالها العشاق والخاطبين ويبدو أن فهم السياب لتوظيف البطل الأسطوري أو تحويله رمزا - وهو فهم بدائي كما طرحه في قصيدته ( أهواء ) - سيرافقه في بعض قصائد مرحلة النضج ، وتجاوز شعر البدايات أيام كان طالبا في العشرين من عمره ، وسنرى الشخصيات الأسطورية أو التاريخية ترد على تلك الشاكلة القديمة، وأعني بها « الرمز مشبه به » بين القرى المتهيبات خطاي والمدن الغريبة غنيت تربتك الحبيبة وحملتها فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه (12) ومع أن العبارة تعني  فأنا كالمسيح يجر صليبه  وتومئ الى الصورة السابقة كبنلوب الا أن ثمة تطورا نلحظه في الافادة من الرمز - المشبه به - ذلك أننا في أبيات السياب هذه نحس بحالة من التوحد ، أو خلق العلاقة المتينة التي تربط بين الشاعر ورمزه  فحالة البطل في غربته ووحدته وملاقاته الأيام الصعبة ، وايمانه بفكرة التضحية من أجل الوطن تجعل لقاءه مع الرمز وتوحده به ممكنا ، وتؤدي بالتالي الى خلق الصورة ( القائمة على التشبيه ) المتماسكة والمترابطة الأجزاء واذا كانت صور علي الحلي وحلوتي كأنها عشتار تشير الى اللقاء الخارجي بين البطلة والرمز أي التقاط علاقات المشابهة الخارجية ، فان التشبيه في أبيان السياب يقدم لنا فكرة اللقاء في الموقف الداخلي النفسي والفكري ، بين البطل والرمز (13) واذ نتجاوز الاهتمام بايراد الأسماء الأسطورية على سبيل التشبيه أو للتداعي أو الإكثار من ذكرها دونما ضرورة فنية مقنعة (14) ، متنبهين الى أن ذلك النمط من

 

                                       126

 

لاستخدام كان سمة مرحلة أولى في التوجه الى الأسطورة فسنجد الشاعر العراقي يلتفت اليها والى الحكايات التي نسجت حولها التفاتات جديدة ، في محاولة لإغناء قصيدته ، ومن هذه الالتفاتات ايراد جزء من الأسطورة كمادة مضمنة داخل القصيدة ، ومع أن بعض الشعراء يميل الى ذكر الحدث الأسطوري ، وربما أوغل في شرحه وذكر شيئا من تفصيلاته فان هذا الاستخدام سيكون الخطوة الايجابية التالية ، في طريق توظيف الأسطورة ومادتها في العمل الشعري ، وبادرة مهمة لتكوين علاقات ستتطور وتنمو بين الشاعر ومعطيات عالم الأساطير ، وربما كانت قصيدة السياب « من رؤيا فوكاي دليلا طيبا ومبكرا على هذا الاتجاه اذ يتخذ من قصة كونغاي » (15) مادة ومدخلا للحدث الشعري العام ما زال ناقوس أبيك يقلق المساء بأفجع الرثاء هياي كونغاي كونغاي ، كونغاي فيفزع الصغار في الدروب وتخفق القلوب وتغلق الدور ببكين ، وشنغهاي من رجع كونغاي فلتحرقي وطفلك الوليد ليجمع الحديد بالحديد والفحم والنحاس بالنضار

 

                                 127

والعالم القديم بالجديد (16)

لقد استطاع السياب من خلال هذا المدخل الأسطوري أن يدلف لتصوير الواقع المعاصر - واقع الحديد والدم والموت - كما يراه الشاعر وبطل قصيدته الذي جن من هول ما شهده غداة ضربت هيروشيما بالقنبلة الذرية ، وهكذا تتحول كونغاي بطلة الأسطورة الى رمز تتحد فيه معان متعددة، فهي صورة من صور الفداء والتضحية ، كما انها رمز لابراز فكرة البعث ، بعث الحياة الجديدة التي تولد من احتراق الفادين أما قصيدة محمد سعيد الصكار، فانها أكثر ايغالا من قصيدة السياب تلك ، في ايرادها لجزئيات الحدث الأسطوري ورسم ملامح أبطاله ، فالاشارة الى عوليس المتغرب في البحر ، وزوجته المنتظرة تبدو واضحة للقارئ أتظل تحفر في الجليد دربا الى هدء المدينة ، والدروب بلا انتهاء بنلوب أتعبها المدى ، والبحر والشوق الوحيد ستموت من حزن عليك ماذا ستفعل لو تحطمت السفينة ماذا ستفعل  لو غصت مثل الطين في البحر العظيم ان استخدام الأسطورة على هذا النحو يوحي للقارئ بأن الشاعر يتعامل معها وكأنه على عجالة من أمره  لأنه يبدو كمن يلتقط موقفا أو حالة جاهزة ، أو حدثا وصل اليه متكاملا يحمل حكايته وأبطاله وملامحهم ومواقفهم ، فتضمينه وسط البناء الشعري على هذه الشاكلة لا يختلف كثيرا عن تضمين القصيدة أية صورة

                                  128

شائعة أو معروفة  وكأن محاولة الشاعر هنا انما هي لتجنب الخلق والابتكار أو الكشف الجديد عما يمكن لعالم الأسطورة أن يقدمه أو ينبثق منه ومع كل ما يمكن أن يقال عن عيوب هذا التوظيف فانه من غير المشكوك فيه أنه كان فهما أوليا لتوظيف الأسطورة في الشعر وخطوة ستقود الشاعر العراقي الحديث الى نمط من الاستخدام أكثر غنى وأهمية ، ذلك أنه بدأ يدرك ان ايراد الأسطورة كحادثة جاهزة لم يعد مقنعا ولا هدفا يستطيع أن يرضي تطلعات الشاعر الواعي ، ومن هنا بدأ ينظر الى الأسطورة على أنها المادة الخام ، الأولية والضرورية ، التي يمكن أن تشيع في البناء الشعري كله ، وتصير جزءا من نسيجه العام دونما حاجة الى شرحها أو ذكر تفصيلاتها ، وقاده هذا الفهم الجديد لأن يكتفي بالاشارة الخفية اليها ، أو التلميح غير المباشر ، الذي لا يتطلب البوح التام ، وربما مضى الشاعر في هذا الطريق الى نقطة أبعد فصار يستخلص الدلالة الشاملة لأسطورة ما ، ولقد بدا في أكثر من قصيدة أو مجموعة شعرية ، وكأنه يمتلك الذاكرة التي تقدم له أصداء من أساطير مختزنة ، يتمثلها ويعيد توظيفها بحرية تامة وعفوية شعرية مقتدرة ، دون أن يبدو متكلفا أو عامدا لأن يقدم حدثا أو قصة أسطورية ، لقد غدا هذا الفهم الجديد لتوظيف الدلالة الأسطورية بداية أصيلة وحقيقية لما سنراه فيما بعد من كتابة القصيدة المتكاملة التي تكون الأسطورة لحمتها وسداها، والتي ستبرز وظيفتها على مستويين الأول بنائي فني  والثاني موضوعي يربط بين عالم الأساطير والواقع المعاصر حين نتأمل قصيدة قافلة الضياع البدر شاكر السياب  ونقرأ الأبيات الطافحة بالأحزان التي تصور مأساة اللاجئين العرب ترد هذه الكلمات هيهات ليس للاجئين ولاجئات من قرار أو ديار الا مرابع كان فيها أمس معنى أن نكون سنظل نضرب كالمجوس نجس ميلاد النهار كم ليلة ظلماء كالرحم انتظرنا في دجاها

 

 

                                          129

نتلمس الدم في جوانبها ونعصر من قواها شع الوميض على رتاج سمائها مفتاح نار(17) ويلاحظ القارئ هنا كيف اكتفى السياب بالمعنى الأسطوري القديم وأشار اليه ملمحا وبصورة تبدو وكأنها عفوية ثم كيف بنى من ذلك المعنى معنى جديدا يرتبط بالواقع ، يضيئه ويكشفه ، ويمنحه الدلالة التراجيدية التي كان الشاعر حريصا على  ابرازها وليس مهما أن نعرف من أين استقى السياب الأسطورة التي تقول أن المجوس كانوا يترقبون ميلاد السيد المسيح الذي تؤذن نجمه بمقدمه وبرؤ يتهم تلك النجمة يسافرون الى بيت لحم للتأكد من الولادة (18) لكن الذي يهم الناقد أن هذا المعنى الذي جاء على شكل اشارة وتلميح سيكون المادة الصالحة والمناسبة لهذا الموضع من القصيدة ، فكما أن المجوس ظلوا ينتظرون البشارة ومولد النهار الجديد ، فهكذا نحن - أبطال القصيدة - اللاجئين الذين هم بحاجة الى بشارة تعيد اليهم يومهم الأنقى ، ووطنهم الضائع ، واذا تم للمجوس ما كانوا يحلمون به ، فان حلم أبطال القصيدة لن يتحقق ، لأنهم ما زالوا يتلمسون في الظلماء دونما جدوى ، بل ان ترقبهم كان هباء وخسارة ، والنجمة الموعودة استحالت الى لعنة وخيبة ، وجاءت مع الليل نارا ورصاصا هنا تبرز القيمة الجمالية لاحتواء الشعر معنى الأسطورة الشامل ، والموضوعية التي تربط بين الماضي وأحداثه والواقع المعاش بآلامه وأحزانه في « أنشودة المطر » القصيدة التي تتحدث عن غربة الشاعر ومحنة وطنه في الخمسينات ترد عبارة صغيرة ، ولكنها عميقة الدلالة ، بعيدة الجذور وفي العراق الف أفعى تشرب الرحيق من زهرة يربها الفرات بالندى

                                    130

واذا كانت هذه الكلمات اشارة الى أن قوى التسلط والاقطاع كانت تنهب كل ما تجود به أرض العراق من خصب وورد دون أن تترك للكادحين الذين أسهموا في صنع الحياة ونمائها شيئا فان قارئ أن يتساءل لماذا عمد السياب الى وصف سارقي الحياة بالأفعى ؟ ولماذا جعل نتاج الفلاحين زهرة ذات رحيق ؟ ومن أين تأتى له هذا المعنى وهذا الربط بين الافعى ورحيق الزهور ؟ وللاجابة عن سؤال كهذا لابد لنا أن نقرأ هذه الكمات من قصيدة عراقية قديمة قال اوتونوبشتم الجلجامش سأفتح لك ياجلجامش سرا خفيا يوجد نبات  ينبت في المياه وشوكه يخز يديك كما يفعل الورد فاذا ما حصلت يداك على هذا النبات وجدت الحياة الجديدة ثم قال جلجامش لاروشنابي الملاح ان هذا النبات عجيب يستطيع المرء أن يستعيد به نشاط الحياة وبعد ثلاثين ساعة مضاعفة توقفا ( عن السير ) ليبيتا الليل وأبصر جلجامش بئرا باردة الماء فنزل فيها ليغتسل في مائها فشمت الحية شذى النبات فتسللت واختطفت النبات ثم نزعت عنها جلدها(19) وهنا تتضح لنا الصورة تامة وندرك أن السياب استلهم المعنى الاسطوري وجعله شيئا أساسيا في بنية قصيدته ولا بد أن القارئ سيعرف بعد أن يتأمل

 

                                     131

 

كلمات الاسطورة أن الافاعي التي تنهب ورد  فلاحي العراق انما تسلبهم حياتهم وكدهم  تماما كما سلبت جلجامش وردة حياته وأتعابه وبحثه وان توظيف السياب لمغزى الحكاية الاسطورية قد جاء بشكل عفوي ودونما نظاهر بالكد والجهد من أجل الاشارة الى أسطورة لتكون تشبيها عابرا أو حلية تضاف الى الشعر لأنها غدت هي المعنى وهي الدلالة الموضوعية الكبيرة التي يريد السياب ابرازها وسحبها من الماضي السحيق لتلامس الحاضر والواقع ويشير الدكتور احسان عباس الى هذا النمط من الاستخدام فيقول ان أبيات السياب في المومس العمياء انك تقطعين حبل الحياة لتنقضيه وتضفري حبلا سواه  تشير الى بنيلوب وهي تحيك غزلها ثم تنفضه في انظار عوليس ولكنها انصهرت في السياق وأصبحت تومئ من بعيد الى قصة قديمة وهي على هذا النحو خير من التصريح بذكر بنيلوب وفرضه على القارئ فرضا (20) وهكذا يفعل عبد الوهاب البياتي في قصيدته بكائية التي هي جزء من رحلة الخيام في المدن الموحشة بحثا عن الحياة والحب والخصب وها هنا ساحرة شمطاء كان وراء النعش تبكي وهنا عصفور حط على التابوت أنبع موتها بلا دليل أجر خلفي سنوات حبها كذيل ثوب فاقع طويل طرقت باب العالم السفلى مرتين

 

                                        132

فمد لي حارسها يدين وقال لي من أين ؟ قلت أنر لي هذه السهوب فالليل في الدروب قال  وكانت يده تعبث بالمكتوب ليقرأ المحجوب عائشة ليست هنا ليس هنا أحد الشاعر هنا يعمد الى الأسطورة القديمة هبوط عشتار - أنانا - الى العالم السفلي  بحثا عن حبيبها تموز ( دموزي ) ويومئ الى شيء مما طرحته تلك القصة وهو لقاء عشتار بحارس بوابات ذلك العالم وحوارها معه (21) واذا كان السياب يكتفي بالدلالة العامة للأسطورة فان البياتي في قصيدته هذه يحاول أن يجعل من بطله شخصا أسطوريا  ذلك أنه منحه موقف عشتار وما جرى لها مع حارس بوابة العالم السفلى ومع ان اشارته لذلك الحدث الأسطوري جاءت تلميحا الا أنه استطاع أن يحول المعنى الشامل للأسطورة الى شيء أساسي في بناء القصيدة ، وهو لم يكتف بأن يسرد حدثا أسطوريا وانما هدف الى ما هو أبعد  أعني احتضان وتبنى الدلالة الفكرية العامة التي تطرحها القصة  وهي التوق الى بعث الحياة التي غدت جافة وقاحلة بغياب تموز وموته ان ذلك الموقف الأسطوري القديم هو الموقف الذي يعيشه الخيام بطل قصيدة البياتي الذي ظل يعاني الوحشة والجدب زمنا ، وراح يبحث عن عائشة رمز الحب والحياة والثورة في مدن العالم القديم والجديد على السواء –

 

                                                133

ويزاوج فاضل العزاوي في قصيدته ( المجوس في الصحراء ) (22) بين دلالتين أسطوريتين الأولى هي انتظار المجوس ، وسفرهم الى بيت لحم من أجل أن يشهدوا البشارة والنجم الذي اذن بولادة السيد المسيح ، والأخرى الرحيل الذي يذكرنا برحيل أوديب الى مدينته الثانية كولونا التي سيتحول فيها الى قديس وكل هذه الاشارات الأسطورية انما هي محاولات في البحث عن المدينة الحلم الأمثل كبديل عن الواقع المر المأساوي لكي يطل في دموع شعبها نيسان يحمل في ضحكته القرنفل المغسول بالألوان                    

بتجاوز الرمز الأسطوري الذي يأتي على هيئة تشبيه أو اشارة عابرة سرعان ما تنطفئ دون أن تخلف وراءها شيئا مهما في الموضوع الشعري ، ودون أن تكون ذات تأثير في البنية الشعرية ، والأسطورة التي يكتفي الشاعر بالتلميح اليها واستلهام معناها الشامل ودلالتها الأصلية ، نصل الى نمط جديد من القصائد التي . تحاول أن تجعل المادة الأسطورية عمدة البناء الشعري كله وهنا يجدر بنا أن نتساءل أيضا ما الذي يغري الشاعر بالتوجه الى عالم الأساطير ليجعلها شعرا ثم الى أي مدى تحقق له ذلك؟ ، وكيف كان الشاعر ينظر الى الأسطورة ضمن مادته الشعرية ؟ الذين تحدثوا عن استخدام السياب للأسطورة كثيرا ما رددوا أنه كان يجد فيها وسيلة للتخفي، فهو ان أراد هجاء رجل، أو جماعة أو حكومة لجأ الى انتقاء الأسطورة ورموزها التي يراها ملائمة أو مطابقة لرؤياه، وكل أولئك الكتاب (23) انما كانوا يرددون ما قاله السياب نفسه عن الدافع الذي حدا به لأن تكون الأسطورة مادة

134

بعض شعره فهو يقول  لعلني أول شاعر عربي معاصر بدأ باستعمال الأساطير ليتخذ منها رموزا  كان الدافع السياسي أول ما دفعني الى ذلك فحين أردت مقاومة الحكم الملكي السعيدي بالشعر اتخذت من الأساطير التي ما كان زبانية نوري السعيد ليفهمونها ستارا لأغراضي، كما أني استعملتها للغرض ذاته في عهد عبد الكريم قاسم ففي قصيدتي « سر بروس في بابل » هجوت قاسما ونظامه أبشع هجاء دون أن يفطن زبانيته لذلك كما هجوت النظام أبشع هجاء في قصيدتي الأخرى « مدينة السندباد »  وحين أردت أن أصور فشل أهداف ثورة تموز استعضت عن اسم تموز البابلي باسم أدونيس اليوناني الذي هو صورة منه (24) وأن يلجأ شاعر ما الى الرموز الأسطورية أو الحكاية الأسطورية في شعره لأنه يراها شديدة الصلة بالحاضر، فذلك لقاء طبيعي؛ لأن الأسطورة التي هي فكر وعطاء انساني كبير، قابلة للتحول ولأن ملامس الواقع المعاصر أما لجوؤه اليها ولرموزها لأغراض كالتستر والتخفي، فهذا فهم مغاير لما تحدث عنه النقاد والشعراء الكبار يقول أرنولد هوسر في كتابه « فلسفة تاريخ الفن » « انه لمن العسير أن نزعم أن الهدف من الرمز هو الاخفاء أو الستر والقول بأن الفنان يتخذ من الرموز وسيلة للاخفاء أو المراوغة انما هو انتقاص بالغ لما يجدر بالفنان أن يفضي اليه  (25) ولم يذهب الى ما ذهب اليه السياب شاعر أو ناقد ممن تعلم هو عليهم  أو أفاد منهم كاليوت وستويل ، وغيرهما لأن اليوت يرى في الأسطورة وسيلة سيطرة وتنظيم لاعطاء شكل وأهمية للصور والمشاهد الهائلة المتكررة

                                         135

 

للفوضى واللاجدوى التي تشكل التاريخ المعاصر (26) ، أي أن الأسطورة تعطي نظاما ومعنى لمحاولات الكاتب المعاصر ليرتب عالمه الخاص غير المرتب كما يقول مورمان (27) ، أو هي عنده «صعيد يوقف عليه قصيدته ودليل يهديه كيف يضع قصيدته في شكل درامي ) (28) - وربما أفاد منها ومن الرموز الأسطورية لغرض التأثير العاطفي وزيادة الاحساس بالأزمة كما يقرر روزنتال (29) وللايحاء بأكبر قدر من المعاني كما هي الحالة في شعر وليم بتلرييتس (30) والواقع أن استخدام الشاعر الرمز كوسيلة للتخفي أو لهجاء شخص بعينه قد يضر الشعر أكثر مما يثريه ويغنيه ، لأن قيمة القصيدة من الناحية الموضوعية ستكون محددة ، ضيقة وليست عامة أو شمولية ، ولأن تأثيرها بالتالي سيكون محدودا أيضا ، فالسياب حين هجا قاسما لم يزد أن يقول له انك كسر بروس الكلب الذي يحرس بوابة الجحيم ، تعوي في دروب بغداد، وانك تنبش تراب قبر تموز الاله الطعين ، وتركض وراء عشتار لتعضها ، وتمزق النعال التي في أقدامها ، وتنهش سيقانها اللدان (31) الى آخر هذه القائمة من الشتائم ، والجمل المتكررة والصور التي تتكدس دونما ضرورة والتي يغني بعضها عن بعض ، وهكذا تتحول القصيدة التي تقوم على الرمز والأسطورة الى مادة يابسة وغير مثيرة ، ويفتقر فيها الرمز الى الحياة والتدفق ويظل حبيس مدلوله المتداول المعروف ، وأخيرا لقد مات قاسم ولا أحسب أن القصيدة سيكتب لها الخلود ، شأنها شأن كل الأشعار التي يضع كاتبوها نصب أعينهم غرضا كالهجاء بمفهومه الضيق ومع هذا فنحن لا نطمئن كثيرا الى ما يراه السياب من أنه هجا قاسما دون  أن يفطن زبانيته لذلك لأن القصيدة سربروس في بابل تشير بوضوح الى شخص

      136

معين  وقول الشاعر فيها وشدقه الرهيب موجتان من مدى تخبئ الردى أشداقه الرهيبة الثلاثة احتراق يؤج في العراق (32) يؤكد أن القصيدة تتحدث عن محنة العراق بالذات ، وفي أيام قاسم وكل هذا يدل على أن السياب أخفق - انسجاما مع منهجه في التخفي - في خلق رموز التي تؤدي الى حالة من التعتيم الرمزي التام ، تجعل الشاعر بمنأى عن أذى رجال حكومة قاسم ويرى عبد الجبار عباس أن السياب مع اكثاره من الأساطير الحاجة تنكرية فانها أمست أسلوبا راسخا يبنى به قصائده، حتى ولو لم يكن ثمة احراج من مضمون القصيدة ، بدليل أنه عمد الى هذه الأساطير في هجائه للشيوعيين في قصيدة « رؤيا » عام 1956 مع أنه بمستطاعه أن يهجوهم مباشرة دون حاجة الى التخفي بالرموز لأنه كتبها بعد عام 1959 ) (33) وعندما نلاحظ أن فهم السياب لوظيفة الرمز الاسطوري ، أو الأسطورة ككل، كان فهما مغايرا لما تعارف عليه الناقد والشاعر لأوربي  فجدير بنا أن نشير الى أن ذاك الفهم البدائي لوظيفة الرمز كان وليد مرحلة معينة ذات ظروف اجتماعية وسياسية خاصة ، منها موقع الشاعر في دائرة الخوف والملاحقة  وتسلط الحاكم واضطهاده لكل من يحاول ادانته علنا وبشكل مباشر  ومثل هذه الظروف كانت غائبة عن واقع الشاعر الاوربي المعاصر ومن هنا تباين فهم وظيفة الرمز بين السياب وغيره من الشعراء العرب الذين كانوا يحيون حياة سياسية واجتماعية متشابهة وبين الشعراء الأوربيين ولعل ما يؤكد أن افادة السياب من الرمز الاسطوري للتخفي كانت وليدة مرحلة معينة  هو أن هذا النمط من التوظيف كان محددا وليس شائعا  ومرتبطا

 

                                           137

بقصائد معدودة من شعر الشاعر لأننا نجده في الستينات يوشك أن يتخلى عن طريقته تلك في الافادة من الرمز لأن الدوافع التي الجاته الى ذاك الفهم  اختفت ، ولأن مجرى حياة الشاعر قد تغير أيضا ، وتغيرت تبعا لذلك نظرته الى الرمز ، ووظيفته. ونوعيته ، ومدى التصاقه به أو بعده عنه لقد كان السياب يكثر من ذكر تموز وعشتار وأدونيس والمسيح ، لأن هذه الرموز كانت الأقرب الى موقفه، عندما كان متبنيا مفاهيم الفداء والبعث والتضحية ، وفكرة الجدب والخصب ، أيام خضم الانتماء السياسي وفورته وأيام كان مشاركا منفعلا بالأحداث السياسية ، أما الآن فالشاعر رجل واهن مريض ، مضطر لأن يكون جوالا من بلد الى بلد ، ومن مستشفى الى آخر ، طائرا أو مبحرا أو محمولا على نقالة اسعاف ، حالما بالعودة والشفاء ورؤية ولده وزوجته المنتظرة الصابرة (34) التي تشبه بنلوب الى حد بعيد  ان التغير الهائل في حياته ولزومه المحنة ، جعله يلتقي بأيوب رمز الصابر المبتلى ، وبالسندباد الذي يماثل عوليس في تطوافه البحر ، أكثر من التقائه بغيرهم من الرموز ، ولم يعد الرمز عنده طارئا أو ذا وظيفة غريبة مستهجنة كالتخفي ، وانما غدا هو الشاعر ، وصار الرمز والفنان شيئا واحدا غير قابل للتجزئة واذا كان السياب قد أخفق فنيا حين نقل الأسطورة والرمز وربطها بهجاء شخص بعينه أو جماعة كما فعل في هجائه للشيوعيين في قصيدته « مدينة السندباد » وجعل من الرمز مادة لكيل الشتائم ، وللتنفيس عن الغضب المحتدم في داخله ، فانه من الناحية الأخرى استطاع أن يبني قصائد تفيد من الرمز والأسطورة افادات رائعة، وتتحول فيها الرموز والأساطير الى نسيج شعري متدفق شديد الارتباط بالحاضر وبالحياة المعاصرة ، هنا تتحول الرموز والأساطير الى مادة تسهم اسهاما فعالا في اضاءة الواقع ، وتنسحب من الماضي حاملة معها دلالاتها الانسانية الشاملة لقد غدت الأسطورة وأبطالها عالما واسعا ونهرا متجددا مليئا بالأحاسيس والصور التي تشير الى

                                        138

عالم كبير ومحنة شاملة هي محنة الانسان العربي المعاصر انها لم تعد كلمات وتشبيهات باردة تقال للشتم  بل صارت هي الشعر ومادته الحية التي بدونها تعري القصيدة أو تتحول الى هيكل أو جثة كما يقول البياتي  ومن قصائده تلك تموز جيكور في المغرب العربي جيكور والمدينة  و مدينة بلا مطر و ارم ذات العماد  و « حدائق وفيقة »لن نطيل الوقوف عند هذه القصائد كلها  تجنبا للاستفاضة وطمعا في التكثيف غير أننا سنشير بإيجاز الى قصيدته « مدينة بلا مطر » يبدأ الشاعر القصيدة بتصوير مدينة بابل  التي هي العراق أو هي الأمة كلها ، ويرسم السياب صورة تلك المدينة ، فيقول في مفتتح القصيدة مدينتنا تؤرق ليلها نار بلا لهب تحم دروبها والدور ثم تزول حماها ويصبغها الغروب بكل ما حملته من سحب فتوشك أن تطير شرارة ويهب موتاها ان الصورة التي شكلها الشاعر لهذه المدينة هي صورة أسطورية - اذا جاز لنا هذا المصطلح - أعني أن قدرته على اثارة الاحساس بالغرابة والرعب انما توحي للقارئ بأن هذه المدينة تنتمي الى عالم الأساطير وليس الواقع أو أنها لشد ما هي واقعية تبدو لنا أسطورية ، لأنها ترتبط في مخيلتنا بالعديد من الصور لتلك المدن المحترقة ذوات الأبراج والأسوار والتي تمر عليها عربات الآلهة المجنحة أو عربات الفاتحين لتشعل فيها الحريق وهذه المدينة التي تجثم عليها النار هي بابل المدمرة التي تعاني الوحشة لأن تموز اله الخصب والحب ميت ومدفون فيها  وهي بغداد الكالحة التي تنتظر المطر وفجر الثورة غير أن تموز أوشك أن يصحو من نومه ليعود الى مدينته الخضراء  وتوشك أن تدق طبول بابل ايذانا بالنماء وبمقدم المطر لكن مانعا يمنع ذلك ولذا تظل المدينة ميتة  وهنا نجد السياب يسترسل بوصف المدينة  وتبرز لنا مهارة الفنان الكبير وقدرته على شحن الأبيات بكل ما يوحي بالأجواء الأسطورية                  

 

                                        

                                            139

وتوشك أن تدق طبول بابل ثم يغشاها صفير الريح في أبراجها وأنين مرضاها وفي غرفات عشتار تظل مجامر الفخار خاوية بلا ناران علينا أن نتنبه الى شيء غاية في الأهمية وجدير بأن يقال هنا وهو أنه ليس من الضروري أن تكون الأسطورة بنية وهيكل القصيدة لمجرد تكرار الرموز اذ لا يكفي ذكر تموز أو عشتار وحدهما لكي يخلقا بناء شعريا يعتمد الأساطير لأن كثيرا من الرموز والحكايات الأسطورية في عدد كبير من القصائد لم يستطع أن يرقى بالقصيدة الى احتواء المعاني والحالات والمواقف الأسطورية احتواء تاما ، وظل تردیدها شبيها بترديد کلمات رمزية غير فاعلة ، وأظن أن الذي يخلق القصيدة التي يكون فيها الفن الشعري مرتبطا بالمادة الأسطورية ارتباطا شديدا هو قدرة الفنان على خلق عالم شبه أسطوري ، أو حالات أسطورية تلعب فيها المخيلة الشعرية دورا عظيما ، ووسائل الشاعر في عملية ابتكاره هذه عديدة  منها الصورة  ومنها المفردة التي تستطيع الايحاء بالمناخ الأسطوري  ولم يكن محض صدفة أن ترد في أبيات السياب هذه المفردات التي تشير الى عالم الأساطير « أبراجها » « تدق طبول » « مجامر الفخار » « غرفات عشتار » انما هو الوعي باللغة المناسبة المنسجمة مع الجو الأسطوري الذي يلف القصيدة بشكل عام ونمضي مع القصيدة  ويبدأ السياب باتمام نشيده ، الذي يحول القصيدة كلها الى مشهد اسطوري من الطراز السامي ، لقد صارت القصيدة بفعل هذا النشيد طقسا أسطوريا ينتمي الى تلك الطقوس الخاصة بالاستسقاء والتي تصور البشر ضارعين أيدي الآلهة ، طالبين الرحمة ونزول المطر والخلاص من الجدب ، جدب الواقع ويرتفع الدعاء ، كأن كل حناجر القصب من المستنقعات تصيح لاهثة من التعب تؤوب الهة الدم خبر بابل شمس آذار

 

 

                                         140

 

ونحن نهيم كالغرباء من دار الى دار لنسأل عن هداياها جياع نحن وا أسفاه فارغتان كفاها وقاسيتان عيناها وباردتان كالذهب فيا أربابنا المتطلعين بغير ما رحمة عيونكم الحجار نحسها تنداح في العتمة لترجمنا بلا نقمة عذارانا حزانى ذاهلات حول عشتار يغيض الماء شيئا بعد شيء من محياها وغصنا بعد غصن تذبل الكرمة (35)     ان أول مظاهر الخيبة والموت الذي تصوره القصيدة هو أن عشتار الهة الخصب لم تعد كذلك لقد صارت الهة للدم والمجاعة لأنها الآن فارغة الكفين وذات عينين باردتين وكان هذا مريرا وأمرا عجبا لأن أهل بابل اعتادوا أن يروا عشتار دائمة الهبات والعطاء وأنهم عرفوها الأكثر نبلا وكرما وحرصا على اعمار المدينة وتوفير الرخاء والازدهار لسكانها (36) ولذا فلا بد من الندب ولا بد لعذارى بابل أن يقفن ذاهلات أمام عشتار وهن يرين الماء يغيض شيئا فشيئا من محياها ويتطلع الجميع الى الارباب ولنتأمل هنا المفردة وما تشير اليه من ارتباط بالعالم الاسطوري الذين تحولت عيونهم الى حجارة واسعة التجويف تماما كما يصورها النحات البابلي القديم الذي خلف لنا تماثيل الملوك والآلهة بعينين واسعتين وأذنين كبيرتين رمزا للاله الذي يرى كل شيء ويسمع كل شيء والسياب هنا يحاول أن

                                     141

 

يفيد من كل قراءاته في الاساطير ويوظفها لأجل خدمة البناء الشعري لأن صورة الآلهة كما رسمها في القصيدة مستقاة مما ورد في ملحمة جلجامش (37) واذ نقرأ  بطئ موتنا المنسل بين النور والظلمة له الويلات من أسد نكابد شدقه الأدرد أنار البرق في عينيه مبخرتان أو جرنا لعشتار أنا فدتان من ملكوت ذاك العالم الأسود فلا بد لنا أن نتذكر صورة سربروس الكلب الاسطوري التي وردت في أساطير اغريقية وليست بابلية لقد صوره بدقة وجعله رمزا لموت دون أن يبوح بالأسطورة أو المعنى الاسطوري ودون أن يشرح شيئا كما علمنا في كثير من قصائده انه يكتفي هنا بالدلالة الاسطورية فقط ويتعداها لتصير جزءا من النسيج الشعري وشحن الصورة بكل الكلمات التي توحي بالجو الاسطوري أيضا نار البرق في عينيه شعلة المعبد مبخرتان أو جرتا العالم الاسود الذي هو العالم السفلي هنا يبدو السياب وكأنه شاعر الذي يتملك ذاكرة فيها العديد من الاساطير والرموز التي تتدفق بعفوية  لتملأ بنية القصيدة كلها بعد صورة الموت يحدثنا عن رمزه الفادي والمخلص أنا فذتان من ملكوت ذاك العالم الاسود هنالك حيث يحمل كل عام جرحه الناري جرح العالم الدوار فاديه ومنقذه الذي في كل عام من هناك يعود بالازدهار والأمطار تجرحنا يداه لنستفيق على أياديه كأن نخلينا الجرداء أنصاب أقمناها

 

                                         142

لنذبل تحتها ونموت سيدنا جفانا  آه يا قبره أما في قاعك الطيني من جره ؟ أما فيها بقايا من دماء الرب أو بذره والمقطع يتحدث عن تموز اله خصب بابل النائم تحت التراب ممزق الأشلاء ، يحرسه ذلك الكلب الأسطوري المرعب سربروس  والشاعر هنا يزاوج بين أسطورتين في محاولة لرسم صورة البطل المنقذ ، ويفيد من الأسطورة الاغريقية اضافة الى البابلية ، لأن تموز الذي جرحه الوعل أو الخنزير البري هو أدونيس بطل الأسطورة الاغريقية  وليس تموز - دموزي - البابلي ، واذ نصل الى هذه الصورة أما في قاعك الطيني من جره  ندرك أن السياب جمع مادتها مما عرفه عن العراقيين القدماء الذين كانوا يدفنون مع موتاهم آنيتهم وشيئا من زادهم لأنهم كانوا يتصورون أن الموتى يحتاجون لمثل هذه اللوازم في عالمهم الآخر  أو عند بعثهم  وربما استقاها من الأساطير التي تقول أن حدائق تموز كانت تملأ بالتراب وتزرع فيها بذور القمح والشعير والخس وألوان من الزهر وتعنى بهن النساء (38) هكذا تكون جميع الصور الشعرية ، وجميع الاشارات في القصيدة مدينة بلا مطر ذات مصادر أسطورية ، تتلاحق الواحدة تلو الأخرى لخدمة موضوعه الشعري الذي هو الموت واليباب أما صورة عشتار فتأتينا - من خلال تراتيل صغار أهل بابل - على هذه الصورة ونبحث عنك في الظلماء عن ثديين عن حلمة فيامن صدرها الأفق الكبير وثديها الغيمة سمعت نشيجنا ورأيت كيف نموت فاسقينا نموت وأنت - وا أسفاه - قاسية بلا رحمة (39)

                                          143

وثانية يؤكد لنا الشاعر افادته الكبيرة من معطيات عالم الأساطير أحداثا ودلالات وصفات أبطال وهو يلم مادته هذه من مصادر أسطورية عدة ، والصورة رسمها لعشتار هنا لا تدل على أنها آلهة خصب فقط ، وانما هي المخلص من كل المحن التي تلم بأهل بابل ، لأنها الأم والرحمة والمودة ، وهذه الصورة الجديدة لعشتار تشير من بعيد الى الصورة التي رسمها لها العراقيون القدماء من خلال ترانيمهم قوامها جميل وعيناها مشرقتان وفي نظرتها تجد الفرحة والعظمة انها تركن الى الرحمة والمودة وتهتم بهما والى جانب ذلك فانها تتصف حقا بالرضا (40) الشاعر هنا يضمن المعاني العامة للأبيات القديمة ، من أجل تكامل ملامح صورة المنقذ ، وكانوا يقولون انها ذات صدر بارز (41) ولهذا علاقة بقول السياب عنها « فيا من صدرها الأفق الكبير وثديها الغيمه ولا شك في أن السياب كان قد قرأ وصفا لشخصية عشتار أو رأى العديد من الرسوم البابلية والسومرية التي تصورها ، أو تصور غيرها من الآلهة النساء بثديين كبيرين ممتلئين ، لأن عشتار - اضافة الى كونها الهة الحب والخصب والجمال - تعني عندهم الهة التكاثر والتناسل أيضا (42) ، كما نقلت لنا بعض الرسوم المنقوشة على الأختام الاسطوانية وغيرها من اللوحات ما يؤكد الارتباط بين عشتار ونزول المطر مباشرة ، ومن تلك المنقوشات ختم تظهر فيه عشتار جالسة على ظهر حيوان خرافي مجنح وهي تمد يديها بينما ينهمر المطر من بينهما (43) واذا كان السياب قد خلف لنا عددا غير قليل من القصائد التي تجعل الاسطورة ورموزها عمادا للبنية الشعرية ، فان عبد الوهاب البياتي يبدو أكثر

 

                                  144

شعراء العراقيين بل والشعراء العرب المعاصرين أيضا التصاقا بالمادة الأسطورية ستغدو نسيج قصائده ، ومن يتابع نتاجه منذ صدور ديوانه الذي يأتي ولايتي : عام 1968 وحتى آخر مجموعاته سيجد أن الأسطورة وأبطالها وما تثيره من وأفكار ستكون المادة الشائعة في شعره وتشكل أسطورة « هبوط عشتار الى العالم السفلي » وما يتولد منها من معان من خلال الموت ، والبحث عن الحب والخصب ، المحور الأول الذي تقوم به معطيات شعر البياتي ، غير أنه لا يكتفي بهذه الأسطورة ، وبرموزها المنبثقة وانما يضيف اليها ما يشابهها من أساطير مصرية قديمة واغريقية ، وآشورية (44) ويجمع حولها عددا من الحكايات الشعبية والأشعار القديمة ، واذ يوظف السياب لأساطير في عدد معين من أشعاره ، فان البياتي يستلهم الأسطورة قصيدة بعد قصيدة ، ومجموعة شعرية فأخرى ، ولذا يصير عالم الأساطير رحلته المستمرة وكشفه دائم وميزة البياتي عن غيره من الشعراء الذين يحاولون جعل الأساطير والرموز مادة شائعة في أشعارهم هي أن الرموز عنده قابلة للتحول ، فاذا كانت عشتار بطلة ساسية للدلالات الأسطورية في الخصب والنماء فانها تتحول الى عائشة في قصائد خرى والى لارا وخزامى أيضا، لأن البياتي يرى أن كافة الرموز « رموز المدن و الأسماء تعني رموز مدن وأسماء الماضي والمستقبل ، أو هي عندي تؤلف دلالات لحلول الثوري (45) كما أن بابل ستكون نيسابور ومدريد وتشع لتكون رمزا لكافة لمدن التي مرت عليها عربات النفي والظلام والحريق، ويتعدد تموز ليصير هو البياتي والخيام ولوركا وكل الطامحين الى رؤية النور والحب والغد المشرق ولعل القارئ سيلتفت الى قول البياتي من أن « رموز المدن والأسماء تؤلف عندي دلالات الحلول الثوري » ويتساءل اذا كانت هذه الرموز دلالات

الرمز ؟ فاذا كانت بابل هي نيسابور وهي حلول اما هذا تكرار النموذج يعني مدريد فأي فرق في  الحالة  في الدلالة الرمزية التي يمكن أن يثيرها كل اسم على حدة ؟ واذ تغدو عشتار هي لارا وهي أوفيليا فأي تفرد في الملامح الشخصية الكامنة وراء كل رمز  وأي تفرد أيضا بين تموز والحلاج والمعري والخيام ولوركا عندما يولدون في القصيدة ولهم السمات والدلالات نفسها لا ينطبق هذا على شعر البياتي وحسب فلقد سبقه الى الرمز المتكرر بدر شاكر السياب ، فتموز البابلي عنده هو أدونيس الاغريقي تماما ، وهو أتيس وأوزيريس دون أية فوارق  بل انه لم يكن ليفرق كثيرا بين تموز والمسيح ، وكثيرا ما جاء أحدهم مرادفا للآخر بابا كأن يد المسيح  فيها ، كأن جماجم الموتى تبرعم في الضريح تموز عاد بكل سنبلة تعابث كل ريح(46) تموز هذا أتيس هذا وهذا الربيع (47) رافعا روحي غنيميدا جريحا صالبا عيني . - تموزا مسيحا (48) وعندما تتكرر الرموز على هذه الشاكلة فستبدو تراكمات لأسماء لا غير ، طالما جاءت حاملة دلالة رمزية واحدة لا تتغير ومع شيوع الرموز ذوات الدلالة الواحدة المتكررة فان بعض قصائد البياتي والسياب استطاعت أن تعمق الرمز المعروف وتمنحه دلالة جديدة ، أو تضيف الى

                                       146

 

دلالته القديمة دلالة أخرى ، فلقد نأى البياتي في مواضع عديدة من شعره بالرمز تكرر ولم تعد عائشة ، هي لارا بشكل متطابق ، فاذا كانت عشتار تكتسب ملامحها من خلال الأسطورة فان لارا في قصيدته أولد واحترق بحبي ستحتوي اضافة  الدلالات صفات أخرى ذات علاقة واضحة بتجربة الشاعر الخاصة ، تجربة عن الحب الشخصي ، وليس الشمولي الذي ينبثق عن الرمز الأسطوري  وستغدو لارا امرأة مشدودة الى واقع معين ، ولها ملامح متفردة  معاصرة أعدو خلف الريح وخلف قطارات الليل وأسأل عاملة المقهى لا يدري أحد لا را رحلت ، لارا انتحرت قال البواب وقالت جارتها  وانخرطت ببكاء حار لم تترك عنوانا ، قال مدير المسرح وهو يمط الكلمات (49)في قصيدة السياب « المعبد الغريق » التي سنتعرض لها في الصفحات لقادمة ، يلتقي الشاعر بعوليس رمز المغترب والمغامر وجواب البحر الذي خلف وراءه امرأة بانتظاره وسيلاحظ القارئ أن الشاعر استطاع أن يضيف للدلالة رمزية القديمة بعدا جديدا هو المنقذ أو المخلص ، وليس رجل البحر المغترب فقط واذا كان السياب يكتفي بالمعاني التي تثيرها كلمات الأسطورة أو الأبيات الشعرية القديمة ، ويضمنها بشكل خفي في شعره الذي يتكامل من خلال معطيات لأساطير ، فان عبد الوهاب البياتي بقدر ما يلتقي الدلالات والأحداث الأسطورية

 

                                    147

فانه يتجه الى لغة الأسطورة ونسيجها الفني التصويري جاعلا منها لغة لقصائده حتى ليظن القارئ أن عددا غير قليل من قصائده ما هو الا كتابة جديدة للأفكار التي وردت في الأسطورة يقول البياتي لن تجد الضوء ولا الحياة فهذه الطبيعة الحسناء قدرت الموت على البشر واستأثرت بالشعلة الحية في تعاقب الفصول(50) ومن يقرأ ملحمة جلجامش سيجد أن صاحبة الحانة .جلجامش من متابعة رحلة البحث عن الخلود تقول ان الحياة التي تبغي لن تجد حينما خلقت الآلهة البشر قدرت الموت على البشرية و استأثرت هي بالحياة (51) وهي تحاول أن تمنع ونحن اذ نكتفي بهذين المقطعين يمكن أن نشير الى مقاطع وقصائد أخرى توشك أن تكون لغتها نقلا تاما لما ورد في الشعر البابلي القديم كما حصل في قصيدته مرثية الى عائشة وغيرها من القصائد (52) واذ نشير الى السياب والبياتي فاننا نطمح الى الاختصار والتكثيف ورصد الظاهرة ، ولا يعني هذا أن الشعراء العراقيين الآخرين كانوا غافلين عن هذا النوع من القصائد التي تجعل المادة الأسطورية ورموزها لحمة القصيدة وسداها ، ولا بد

 

                                         148

الدارس الشعر أن يشير الى محاولة شاذل طاقة في قصيدته قابيل في الدملماجة  (53) التي استلهم فيها قصة قابيل وأخيه وما نسج حولهما من أساطير شعبية  وأضاف اليها ما استقاه من معطيات أسطورة العالم السفلي وأغناها بالرموز المستمدة من تاريخ الأبطال العرب أو المسلمين ، كل هذا من أجل بناء القصيدة التي تطمح الى ملامسة المواقع العراقي وتكشف عن بعض أزماته ومشكلاته هذا بينما تطرح قصائد أخرى نمطا جديدا من الافادة الاسطورية فهي لا تطمح الى بناء القصيدة من خلال مادة أسطورية معينة ومعروفة ، انما تنزع الى ضفاء جو أسطوري أو حالة شبه أسطورية على موضوع القصيدة ، ان الشاعر هنا يوشك أن يكون صانع أساطير أو حكايات غريبة هي أقرب الى الأسطورة منها الى لواقع ، وهو وان لم يرق الى هذا تمام الرقي الا أنه استطاع أن يشعر القارئ بوجود تلك الغلالة الاسطورية في قصيدته ولقد مرت بنا في الفصل الثاني - محاولة يوسف الصائغ في خلق ذلك الوشاح الأسطوري الذي لف مقاطع عديدة من القصيدة عبر أصوات الحراس والصيادين وتحولات الشبح الأبيض الذي ظل يظهر عند خليج البصرة (54) ومحاولة بلند الحيدري في حوار عبر الأبعاد أيضا وتقدم نازك الملائكة في مجموعتها قرارة الموجه قصيدة تفلح في اشاعة جو غريب ، شبه أسطوري يهيمن على القصيدة كلها ، وهذا الجو الغريب غير واضح المصادر، أي أننا لم نعرف على وجه التأكيد من أين استقت الشاعرة هذه الرؤى والأحداث؛ لأن القصيدة صلاة الأشباح لا تفصح عن شيء كهذا ولا تبين ومع أن ثمة معبدا برهميا  والها « بوذا » غير أن القصيدة تبدو لنا لشدة غرابة أجوائها مغلقة

    149

تبدأ الشاعرة قصيدتها بصورة الساعة الباردة المعلقة على البرج ثم تمتد يد في احتراس هي يد الرجل المنتصب على ساعة البرج في صمته السرمدي يحدق في وجهه المكتئب على القلعة الراقدة على الميتين الذين عيونهم لا تموت تظل تحدق ينطق فيها السكوت وقالت يد الرجل المنتصب صلاة (55) وتنجح بداية القصيدة في اشاعة مناخ الغرابة لأن جزيئات الحدث تتجمع مما هو غير مألوف وتؤدي بالتالي الى الايحاء بوجود عالم مرعب ومخيف قلعة باردة اكتئاب وصمت وموت ثم تمضي الشاعرة لتؤكد المزيد من الغرابة في الحدث وتدلف من خلال عبارة صلاة الى رسم صورة للحراس الذين يسوقون الموكب لأداء الصلوات وأغلب هذا الحشد من الناس هم شيوخ هزيلون ذوو ظهور متقوسة ولا يدري هذا الجمع الذي يسير في الطرقات الى أين هو ذاهب ولماذا يسير وماذا عسى أن يكون وما معنى أناشيدهم نشيد لذاك الا له العجيب وأغنية ليد الرجل المنتصب على البرج كالعنكبوت(56)

 

                                        150

وفي آخر الموكب يرى الحراس شبحين  يسيران ولا يدركان متى كان ذاك وين وان فيهما بقية حياة ، ويأخذانهما الى المعبد البرهمي حيث غرابة بوذا تلف مكان وفي معبد بوذا يبتهل الرجلان اليه ، ويشكوان تعاستهما قائلين أتيناك نسحب أسرارنا الباهتة أتيناك نحن عبيد الزمان ونسألك الصفح عن هذه الأعين المذنبة (57)وبدو أنهما سيشكوان لبوذا ذاك الرجل العنكبوت ، الذي ما يزال يدق ساعة سرج ، وفي المعبد البرهمي الكبير يتحرك بوذا الاله ويمد ذراعيه ليبارك رأسي هذين رجلين المتعبين ، ويصرخ بالحرس وبالرجل العنكبوت أن أعيدوهما وتنتهي قصيدة ليلف السكون المكان ولم يبق الا المساء وبوذا ووجه الزمان ان الباحث ليجد نفسه مضطرا للحديث عن هذا النمط من القصائد بشيء من العرض في محاولة لتلمس المعاني العامة والدلالات التي وراء الكلمات ذات هذا أجواء الغريبة ، ومع يتضح أن الشرح من أجل استخلاص المعاني عملية بست مجدية في قصيدة نازك الملائكة هذه فنحن لحد الآن لم نعرف على وجه التأكيد قصة » صلاة الأشباح » وما هي حكاية ساعة البرج والرجل العنكبوت ، وأي نوع من الطقوس يمارسه أبطال القصيدة ، مكرهين ومساقين ومن هما الرجلان العجوزان وما دلالتهما الرمزية ، وكيف غفر لهما الاله بوذا وأعادهما القصيدة لا تفصح ولكنها تجنح الى خلق أجواء أسطورية ، أو حكاية خرافية غريبة لا ندري أهي من صنع شاعرة ، أم أنها قرأتها في مكان ما وحاولت كتابتها ويخيل للمرء أحيانا أن السياب لكثرة ما قرأ من أساطير بابلية وسومرية ، مصرية واغريقية ، ولكثرة ما استخدمها في شعره لسنوات عديدة والتصق بها وعمقها حتى غدت عالما واسعا يتجول فيه  لكثرة هذا كله صار شاعرا لا يصعب عليه أن يبتكر أسطورة  أو أن يتحرك من خلال ذهنية لا ينفصل فيها ما هو واقعي

                                          151

عما هو أسطوري  وان معطيات شعره لتؤكد هذا ، وربما لن نكون مغالين في أحكامنا لو أننا قلنا ان السياب جعل من حياته هو حكاية أسطورية غريبة ، ولدت مادتها في أولى مجموعته  أزهار ذابلة وانتهت بقصيدته « هرم المغني » وقصائده الأخرى التي تؤكد الفقر والاضطهاد والحرمان والجوع ، والسفر الدائم ومحنة المرض ثم الموت الذي رآه مرات قبل أن يموت ، وكتب فيه قصائد كثيرة ، أليست هذه السيرة ذات منحى غريب أو أسطوري ، ومن خلال هذه المسيرة ألم يخلق من جزئيات عالمه مواد أسطورية ؟ ألم تتعمق جيكور وتغتني الى الحد الذي صارت فيه رمزا ومدينة شبه أسطورية ، تعيد الحب والحياة لساكنيها وكأنها بيت لحم يقصدها الانسان طلبا للمعجزة كما يقول جبرا ابراهيم جبرا (58)  ونهرها بويب أما أسبغ عليه السياب من الصفات ما جعلته رمزا خالدا وكأنه « نهر الحياة » والمطر تلك الكلمة المتدفقة التي تجوب شعر الشاعر أما امتلكت القدرة على تحمل الدلالة الأسطورية القديمة  لتجعلها واقعا عراقيا  يحيا بالمطر ويموت بدونه ، ويشير من خلالها الى الفقراء والطغاة صانعي الحياة  وسارقي غلالها وورودها في قصيدته « المعبد الغريق » نرى حدثاً شبه أسطوري لكننا لا نعرف على وجه التأكيد أهو من صنع السياب أم أنه وصل اليه من خلال قراءاته ، ولم يشر باحث الى شيء بهذا الخصوص، غير أن الشاعر يذكر في هوامش قصيدته اشارتين مقتضبتين كان يقول ان شيني بحيرة غرق المعبد الى قراراتها وأن « الباهنج » نهر يؤدي الى بحيرة « شيني »  ربما عرف السياب الفكرة الأساسية فقط أعني أن معبدا غرق في بحيرة ولا شيء غير هذا (59) الا أنه وبذهنية الشاعر الذي أدمن  قراءة الأسطورة ، استطاع ان يجعل من المعبد الغريق قصيدة لها من سمات الاسطورة وملامحها الشيء الكثير .

                                      152

وسيكون اهتمامنا بالمعبد الغريق من خلال قضية واحدة هي كيف عمق لشاعر فكرة المعبد الذي غرق في البحيرة وأضاف اليها من نسجه وخياله ما جعلها حدثا أسطوريا ، فرأى أن هذا المعبد طواه الماء نتيجة لثورة بركان قبل ألف سنة ، وأنه استقر أخيرا على فوهة ذلك البركان المتفجر بالحمم في قعر البحيرة ، وان حوله لآن « أحراش وأدغال » ، ويبدو أن السياب لم يجد الموضوع ذا قيمة كبيرة فسقوط معبد في بحيرة قد لا يثير شيئا غريبا ، وقد لا يستدعي مبررا كبيرا لإنقاذه، أو على الأقل ان عناية الشاعر الفائقة به غير مبررة ، فأضاف متصورا أن في هذا المعبد كنوز لأرض كلها ، در وياقوت وذهب ، انه كنز أبدي وقر عليه كلكل معبد عصفت به الحمى تطفا في المباخر جمرها، وتوهج  الذهب ولاح الدر والياقوت أثمارا من النور نجوما في سماء الماء تزحف دونها السحب (60) وهذه الفكرة - وجود الكنز - هي أولى ملامح التفكير الخرافي الذي يغري المرء اقتحام المصاعب من أجله ، ولكن كيف يمكن أن نصل الى المعبد ؟ وهنا نلاحظ أن شاعر بمخيلته التي تعرفت على الأساطير والخرافات جيدا  سيخلق الكثير من التهويل الأسطوري امعانا في تقديم المزيد من الرعب والرهبة واستحالة الوصول ، فزاد على استقرار المعبد فوق فوهة بركان متفجر رعبا آخر تمرغ فوقها التمساح ثم طفا على السور ليحرس كنزه الأبدي حتى عن يد الظلماء والنور كل هذا فعل ذهنية تدرك أن جزءا كبيرا من أحداث الاساطير يقوم على خلق حالة من الخوف لأن انتصار البطل في الأسطورة ليس سهلا أبدا ولا بد أن يكون محفوفا بالمخاطر وبالاقتراب من الموت  ولو كان طريق الانتصار مأمونا وسهلا لافتقدت الكثير من الأساطير والحكايات التي نسجت حولها قدرتها على الاثارة أو

                                    153

الامتاع وشيوع روح التحدي والمغامرة واذن فالسياب سيتابع بعض معطيات عالم الأسطورة، وسيجعل من الطريق الى الكنز عالما مرعبا لا يستطيع أن يلجه الا رجل مغامر وذو بأس عظيم ، وأضاف فيما بعد قائلا وارسى الأخطبوط فنار موت يرصد البابا سجا في عينه الصوراء ، صبح ، كان في الأزل تهزأ بالزمان يمر ليل بعد ليل وهو ما غابا(61)وهذا نمط آخر من التهويل الذي يسوقه السياب بدافع خلق الحدث ذي الملامح الأسطورية والى هذا الجزء من القصيدة يكون الشاعر قد وضع الخطوط الأساسية للحدث ، ولكنه سيظل ناقصا وغير مثير ، لأن القصة تحتاج الى منقذ أو بطل يستطيع أن يمخر عباب البحر ويغوص فيه الى الأعماق لكي يمسك بالكنز ويخرجه لأن فيه انقاذا للعالم هنالك ألف كنز من كنوز العالم الغرقى ستشبع ألف طفل جائع ، وتقيل آلافاً من الداء(62) وهنا يتفتح ذهن الشاعر ، الذي خبر الأساطير ، ويهتدي الى المنقذ ويربط بين قصته ورمز أسطوري قديم هو « عوليس » ومن هو أجدر بعوليس لمثل هذه المهمة ؟ ، غير أننا ينبغي أن ننتبه هنا الى أن السياب أخرج الشخصية القديمة من دلالتها الرمزية الشائعة والمألوفة التي كانت تشير الى معنى الجواب والمغترب ، وأكسبها دلالة جديدة هي صفة المنقذ والمخلص وهذه الدلالة هي مما يتطلبه الحدث أو القصة

                                          154

ويلتقي الشاعر ببطله ويحاول أن يثير فيه همته، ويغريه بالفعل والتحريض على المغامرة هلم فماء شيني بانتظارك يحبس الأنفاس هلم فان وحشا فيه يحلم فيك دون الناس ويخشى أن تفجر عينه الحمراء بالظلم وان كنوزه العذراء تسأل عن شراعك خافق النسم وكما علمنا السياب أن يفيد من قراءاته في الأساطير لخدمة موضوعه شعري ، يوظف هنا ، أو يشير الى ما عرفه من قصة «السيكلوب » ذي العين حمراء الذي قتله عوليس في احدى مغامراته، وكأنه يريد أن يقول لعويس انك كما قتلت « السيكلوب » فأنت ستقتل هذا الاخطبوط المتمدد على كنزه الأبدي انها أسطورة اذن أو هي حكاية على جانب كبير من الملامح الأسطورية ونكنها من صنع شاعر معاصر                       (4)

كانت الأسطورة ورمزها الذي لا ينفصل عنها في شعر سنوات الخمسينات مادة شائعة في الشعر العراقي الحديث، غير أنها ومنذ بدء الستينات أخذت الانحسار تدريجيا ، ولم يبق من جيل الرواد من يستلهم الأساطير أو المعاني لأسطورية غير عبد الوهاب البياتي ، وبانحسار الأسطورة ذهبت معها رموزها ، لأن شاعر العراقي لا يفصل بين الأسطورة ورمزها ، وهو غالبا ما يستخدم الرمز ضمن حدثه الأسطوري  أي أنه يلتفت الى الدلالة والقصة معا ، فعشتار عنده رمز سطوره هبوط الى العالم السفلي وتموز رمز وأسطورة معا (63) فاذا كان الرمز شخصية تاريخية فان الشاعر يستخدمه مع جزء من أحداث الماضي المتعلقة به ولماذا تنحت الأسطورة ورمزها عن الأداء الشعري ؟ ولم تعد تحظى بتلك لأهمية التي كانت قد حظيت بها ؟ وصار الشاعر في أحسن أحواله يكتفي منها بالدلالة العامة حينا  وبالإشارة الضمنية حينا آخر وبشكل ضيق محدد  ان ذلك

                                     155

يمكن أن يرد الى أسباب عديدة، تتفاوت في أهميتها ، فبعض هذه الأسباب ثانوي. والآخر جوهري وكلها تسهم في خلق النتيجة ، نتيجة اختفاء الأساطير ورموزها والأسطورة الاغريقية بشكل خاص لقد أحس الشعراء الجدد بل وحتى الشعراء الذين أعقبوا جيل الرواد بتلك الحمى الأسطورية التي كانت شائعة في شعر الخمسينات ، في نتاج السياب والبياتي وغيرهما من شعراء الوطن العربي ، وبسيادتها ردحا غير قليل من الزمن مما ولد فيهم انكفاءة ازاء استخدامها ورد فعل وميلا الى الابتعاد عنها بعد أن أشبعت توظيفا لقد رأى الشاعر الجديد أن التوجه مرة أخرى الى الرمز الأسطوري قد يوقعه في دائرة التقليد أو التكرار للعديد من النماذج الشعرية المتداولة ، هذا اذا لم يستطع أن يتوجه بالرموز والأساطير وجهة أخرى ويوظفها داخل العمل الشعري بطريقة مغايرة لما كانت ترد فيها أي اذا لم يستطع أن يثري تلك الرموز بمضامين غير شائعة ودلالات جديدة واذا كان التوجه الى الرمز الأسطوري يعد ملمحا من ملامح التجديد في القصيدة الحديثة ابان بداياتها ، ولم يكن ليخلو من تظاهر بالثقافة والتدليل على سعة المعرفة (64) ، فإننا نرى أن الأساطير ورموزها لم تعد كشوفا جديدة ، وأصبحت - بفعل ازدياد ثقافة الشاعر وتطور الحياة الثقافية والأدبية - من معطيات الأدب المألوفة والشائعة ، ولم يعد الالتفات اليها ، والاعتناء بها دليلا على سعة الأفق وشمولية المعرفة  وفضيلة تميز الشاعر عن أقرانه، كما أن مظاهر الجدة في الشعر - والتي شكلت الأسطورة جزءا منها - قد اتسعت وتعددت على كافة مستويات الأداء الشعري ، لغة وصورا وموسيقى وبناء  وباتساع مظاهر الجدة والحداثة تتوزع اهتمامات الشاعر على كافة هذه المظاهر  وتنحسر أهمية بعض المعطيات الشعرية التي رافقت بداية الحركة الجديدة ، والتي أصبحت جزءا من كلاسيكيات الشعر

                                         156

الجديد اذا جاز لنا هذا التعبير، وبفعل الثقافة الأدبية التي اغتنى بها الشاعر وبمعرفته لغات أخرى غير العربية ، بدأ يدرك أن أدباء العالم من حوله قد تجاوزوا منطقة الأسطورة القديمة، وما ينبثق عنها من رموز وأخذوا ينادون بضرورة توجه الأديب الى عالمه الخاص ليخلق منه أسطورته (65)وحين نتذكر أن الالتفات الى الرمز الأسطوري انما كان يهدف الى اضاءة المواقع المعاصر ، ولإيجاد العلاقات بين ما هو موقف قديم وموقف جديد  وان تموز وبابل وعشتار وسيزيف وغيرهم من الرموز كانت تنفع الشاعر ازاء واقع اجتماعي وسياسي معين ، فان الواقع الجديد بكل أشكاله وتشعباته قد تغير وتعقد وتبدل ، ولم تعد الدلالات الرمزية القديمة بما فيها من معاني الوحشة والفداء والتضحية والعذاب تعبر أو تنسجم مع ما هو كائن وما هو كائن نعني به الثورة العربية المعاصرة ، ومشكلات الفرد العربي لمعاصر وما يمر به من خيبة ونكسة  وموت وشهداء وظلم وانكسار وثورات في كافة أنحاء العالم هذا الواقع الجديد استطاع أن يخلق رموزه الخاصة ، ذات لدلالات الجديدة ، والسمات المتفردة التي تنبع من الحياة المعاصرة ومشكلاتها ومن لأرض العربية وما يمر بها من أحداث ، هذه الرموز الجديدة اغتنت وتعمقت وصارت البدائل للرموز الأسطورية القديمة يقول باننبيرك انه لمن النادر جدا أن تتخذ الأسطورة الجديدة شكل الأساطير عامة الأخرى ، تلك الأساطير التي : تستمد من الخيال الشعري ، بل العكس انها تعبير الجاد جدا للمشاكل المعاصرة التي تنعكس على ذاتية الفرد (66) ومن هنا تكون الأسطورة الجديدة التي نعنيها هي البديل الموضوعي الأكثر تكريسا وتناولا في الشعر ، أعني أنها الموضوع الذي سيكون ظاهرة تتعمق شيئا

                                     157

فشيئا وتستحوذ على رؤية الفنان وخلقه ، والذي يتحول الى عالم واسع شمولي واذا كان عبد الوهاب البياتي بعد أن رحل السياب وغابت نازك الملائكة عن الابداع المؤثر في حركة الشعر العراقي الحديث ، قد وجد خلاصه الشعري في أسطورته البعث والثورة المنتظرة ، فان الآخرين سوف يكونون قريبين جدا من هذ: الدائرة أي أن موضوع الثورة والثورة العربية بشكل خاص ، ثم محنة الانسان العرب المعاصر ستكون المادة الشعرية التي تتكرس في عدد غير قليل من المجاميع الشعرية (67) وستصير القضية الفلسطينية من خلال وعي الشاعر بموضوع الثورة مادة شعرية جديدة دائمة التطور ، قادرة باستمرار على ابداع العديد من الأعم. الأدبية شعرا ومسرحا ورواية ، وسيخلق من هذين الموضوعين ، الثورة بشكل عام والقضية الفلسطينية على وجه خاص رموزا مهيئة لأن تكون البدائل المعاصرة للشخصية الرمزية القديمة، ودلالاتها في التضحية والبعث والتغرب والعذاب ولقد استطاع الشاعر المعاصر أن يجسد الأبطال العرب المعاصرين نماذج رمزية دائمة  بدءا من جميلة بوحيرد ، وجمال عبد الناصر ، وغسان كنفاني وجول جمال وكمال ناصر ، وفاطمة البرناوي وهناء الشيباني، وانتهاء بالعديد من الشهداء الذين سقطوا وما يزالون ، والذين تطل علينا ملامحهم ، ومواقفهم ، وتدلف الى نتاجنا الأدبي باستمرار وحين نتجاوز موضوع الثورة ، والثورة الفلسطينية ، وما نتج وينتج عنهما مر موضوعات ورموز فسنرى أن الشاعر المعاصر استطاع أن يخلق الرمز الجديد ، أو الدلالة الرمزية التي تنبثق عن موضوعه ذاته ، انها رموز خاصة يبتدعها الشاعر ويروح يكررها ويثريها محاولا من خلالها استكمال البناء الفني والموضوعي لقصيدته

158

وكان السياب مبكرا في خلق هذا النمط من الرموز الشعرية الخاصة ، ولقد مر بنا كيف استطاع أن يخلق من عالمه الشخصي والمأساوي رموزا حية وخالدة ، وكيف أغنى قريته « جيكور » ونهرها « بويب » بالصور الشعرية المتلاحقة التي جعلت منها رموزا ، وكيف تمكن أن يجعل من اللفظة التي رددها في شعره كثيرا مطر » رمزا شائعا في الشعر العراقي يدل على الخصب والجدب معا ، ويشير من خلالها الى واقع عراقي رأى ما رأى من محن ومجاعة، وسنذهب الى أبعد من هذا فنقول ان السياب نفسه ، وقريته ، ونهرها وحبيبته وفيقة غدوا رموزا يستلهمها الشعراء بعد أن غاب عنا ذلك الشاعر الكبير  كما حدث في قصيدة حميد سعيد ولادة حين جعل من وفيقه رمزا للحب الحقيقي الذي يقف بمواجهة الحب لذي هو أبعد ما يكون عن الحقيقة (68) وكما فعل يوسف الصائغ في قصيدته  انتظريني عند تخوم البحر التي صير السياب فيها رمزا وبطلا أسطوريا  ومنقذا وأغلب الرموز الشخصية التي يصنعها الشاعر انما تولد داخل الصورة لشعرية  أو من مجموع ما تشير اليه الصورة الشعرية ككل موحد لأن علاقة الرمز بالصورة أقرب الى علاقة الجزء بالكل ، وان سمة الرمز الجوهرية انما تولد من الأسلوب (69) وضروري هنا أن نشير الى أن هذا النوع من استخدام الرموز شخصية المبتكرة يكثر في القصائد التي لا تفيد من الرمز الأسطوري القديم ، كما دوره في بناء القصيدة دور محدود  ووظيفته الأولى هي الاسهام في تكوين صورة  والنأي بها عن التقرير والمباشرة فرموز البياتي الشائعة مثلا هي المشوهون ، الخصيان اللصوص ، العور و الأذناب التي يشير بها الى المنافقين ومداحي الملوك والشعراء الدجالين الذين يكيلون ثناء للسلاطين

 

                                                         159

 

قالوا وما صدقوا لأنهم تنابلة وعور (70) وتحكم الضفادع العمياء وماسحو أحذية الخلفية السكران والعور والخصيان(71) بينما يرمز الى الثورة بالنهار والصبح والشمس والى غياب الثورة بالليل والديجور وكذلك هي رموز السياب التي تدل على الخصب وهي عنده النور والنهر والمطر ويتضح لمن يقرأ الشعر العراقي ان هذه الرموز ذات الدلالات الواضحة توشك أن تكون متقاربة فاستخدامات هذا الشاعر مشابهة لاستخدامات ذاك فاذا كان النور والصبحا رمزا لمقدم الخصب أن الثورة عند البياتي والسياب فان كلمة اخرى قريبة من تلك الالفاظ سترد رمزا للغد بالبشارة وستكون عند كاظم جواد الفجر مثلا لنا الفجر والأمل المستطاب نكابد ونربح مرة(72) فهو هنا لا يختلف كثيرا عن الدلالة والمفردة في شعر البياتي مدن بلا فجر تنام(73) ولا يفرق عنهما حسن مردان في قصيدته السلسلة حين جعل من شروق الشمس رمزا للانتصار ومقدم الأمل(74)

 

                                   160

وحين تقرأ هذه الأبيات من مجموعة شفيق الكمالي رحيل الأمطار الليل في بغداد يعني أن تعيش على انتظار خيل المغول تلوك أزهار الحديقة (75) أو والليل يطبق غيمه سوداء تبتلع المدينة والوضوء جف على البيوت وانتشت العوفنة (76) نجد الشاعر يتابع الاخرين ليجعل من الليل رمزا للظلم أو لغياب نور ثورة ولا تبدو لنا هذه الرموز التي لا يخلو منها أغلب الشعر العراقي ذات قيمة كبيرة ولا تدل على مهارة في الصناعة الشعرية لانها غدت نمطا شائعا من التعبير لتكرار المألوف وبخاصة في القصائد التي تعني بالموضوعات السياسية ويبدو أن نازك الملائكة مع التقائها بالشعراء العراقيين في مثل هذه المتكررات من الرموز استطاعت أن تخلق بعض الرموز الخاصة بها التي تعم القصيدة كلها كما حدث في قصيدتها الأفعوان حيث جعلت هذه اللفظة الرمز الذي تبنى عليه القصيدة وينمو من خلالها أين أمشي مللت الدروب وسئمت المروج والعدو الخفي اللجوج لم يزل يقتضي خطواتي فأين الهروب صامد كصمود الزمن ساعة الانتظار كلما أمعنت في الفرار خطواتي تخطى القنن

 

                                       161

  واتاني بما حطمته جهود النهار (77) وهذا النمط من الرمز يكتسب حرية أكبر في التلقي عند القارئ ، فهو يعني عند الشاعر دلالة معينة ، ولكنه يمنحنا قدرة أشمل على التخيل لأن الأفعوان هنا قد يرمز الى شخص ما أو حالة خاصة ، وربما رمز الى الموت أو الرعب أو الهاجس المخيف ، وفي قصيدتها الأخرى ( لعنة الزمن) ترمز الى الزمن فيها بالسمكة الميتة التي كانت طافية على سطح النهر (78) وينحو الرمز الشعري عند طائفة من الشعراء منحى الاستعارة أو المجاز وأغلب هذه الرموز ذات علاقة بحياة الشاعر أو بيئته التي نشأ فيها ، كالنخر والسعف والريح والماء والماضي والبراءة والخوف للدلالة على الحنين في أشعار سعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر وغيرهما وينبغي أن نشير هنا الى أن الرمز الذي يجيء كاستعارة أو مجاز غالبا ما يكون خاص الدلالة ، أي أن قدرته على البوح غير تامة الوضوح ، وبالتالي فستبدو الدلالة غائمة حقا ان الرمز يكون لدى القارئ وسيلة ايحاء كما يقول نتدال (79) بينما هو لدى الشاعر أداة تعبير أساسية ، ولكنه في هذه الحالة سيكون باعثا على اثارة ايحاءات متعددة ، فاذا حاولنا أن نتلمس الدلالة من خلال السياق ، فانها في كثير من القصائد لن تكون واضحة وذلك لإغراق الشعراء الجدد بالأسلوب المجازي لتشكيل الصور المتلاحقة ، ولقد مر بنا في دراستنا للقصيدة الطويلة شيء مما ورد في ) سفر بين الينابيع وسنحاول هنا من خلال أمثلة قليلة - تجنبا للإطالة - أن نرى كيف يكون للكلمات التي تأتي مجازا شكلها الرمزي

أشعلت مراكب آبائي ترقى في ساحل افراحي معراج الثورة شاهدت حدودا تهدم  كانت روحي تقصد وادي الفهم 

   162

  تعاشر في ليل أبيض أشباحا من مدن غارقة في الماء) ، صرخت لأهرب من هذا الجسد الماثل كالشارة لكن الصحراء رأتني تبعتني كالأفعى فعدوت الى مملكة أخرى ورأيت البحر (80) ولعل القارئ لا يعرف على وجه التأكيد الدلالة الرمزية لـ مراكب آبائي وادي الفهم ليل أبيض الجسد الصحراء البحر يقول تشارلس مورجان ان الرموز يجب أن تكون قادرة على احداث الترابط ثم الاستدعاء عند القارئ ولا يمكن أن تكون لها هذه القدرة ان لم تثر فيه تعرفا عميقا وأليفا (81) فأي تعرف عميق وأليف تثيره كلمات فاضل العزاوي تلك هنا يتوجب علينا أن نحدس وأن نخمن الدلالة التي تبدو معقولة غير أن هذا الحدس يختلف من قارئ لآخر ومع أن شعر فوزي كريم ليس مغلقا بشكل عام الا أن بعض الدلالات الرمزية للمفردة تحتاج من القارئ الى جهد خاص وتأمل متى يتربث هذا القطيع من الهم ؟ تلك النوافذ مفتوحة أظلمت من غبار الخيول وقد وشمت بغبار الخيول التي ودعتها النوافذ مفتوحة ثم عادت أمام اتهاماتنا (82)

 

                                        163

فأية دلالة رمزية اكتسبتها لفظة الخيول أهي رؤ يا ليلية ، وتصوير من خلال النافذة أم هي مما ينبثق من الذاكرة ليعني شيئا ما في مخيلة الشاعر ، ، أم رمز خاص لا يضيء بسهولة ولا بد لنا من أن نشير الى أن أغلب شعراء الستينات بثورتهم الدائمة على كل ما يسمى مباشرة أو وضوحا في الأداء والتعبير الشعري ، ونفورهم الحاد من أية قصيدة مباشرة تبوح بمعانيها دون أن تتعب القارئ ، قادهم الى هذا الاغراق في التعميات ، وخلق الضباب الدائم حول المعاني ، الضباب الذي يمنع الرؤية في كثير من الأحيان، وكانت وسيلتهم الى ذلك جعل القصيدة بناء مجازيا ، واكساب الالفاظ رداء الاستعارة الدائمة ، مما يؤدي بالتالي الى خلق صور شعرية متلاحقة  ومجازية الدلالات دائما حيث ينسى الأنبياء رجلا يلتحف الآن بنسيان حجر وجلال الظل في مفرق شمس لحظة تترك أعواما على القار وتدعو مملكاتي أن تسوى ملكا للصيف يستقبل أيام الخليج الرطبة(83) هذه أمثلة قليلة ولكنها تؤكد النمط السائد في البناء الشعري عامة ثم الرمز الشعري بوجه خاص، ونسارع فنقول هنا ان الأمثلة تلك انما هي لشعراء ذوي خبرة وحساسية عالية ودراية تامة بما يكتبون ، أي أنها ليست نتاجا صبيانيا أو مشوشا كما يتبادر الى ذهن من لم يعرفهم أو من لم يتابعهم شعريا فهؤلاء جزء من جيل شعري استطاع أن ينهض بالقصيدة الحديثة وينقلها الى تخوم جديدة من الرؤى والأفكار وقيمة الشعر الحقيقية عندهم كما هي عند اليوت الذي تعلموا منه كثيرا ، بمعنى أن الشعر الجديد هو اقلاق للوعي السائد أو ازعاج للغة السائدة المألوفة (84)                                       

 

 164       

ومن تلك الامثلة على قلتها يتضح لنا أن الرمز الشعري بات خاصا جدا ولعل الجيل الجديد جيل السبعينات لان الثمانينات قد بدأت سيؤكد لنا اليوم بعد الاخر غياب قضية اسمها الرمز الشعري ليحل بدلها تماما الصورة الشعرية التي عمادها المجاز والاستعارة وذلك لسبب بسيط هو أن الشاعر بدأ يؤمن أن القصيدة تخلق رمزها الخاص بها والذي ليس ضروريا أن يكون واضح الدلالة كما انه يتغير باستمرار لأن الحياة متغيرة والواقع يتغير و لا شيء مستقر أبدا أو جامد بل ان الدلالة الرمزية لأية لفظة تأتي لتخدم غرضا مؤقتا ومضة من ومضات الاشراق (85) وستكون متغيرة من قصيدة الى اخرى فاذا كنت الريح مثلا رمزا للمرعب والمخيف في قصيدة شاعر فانها في قصيدته الثانية ستكون رمزا المغيرة وهكذا فان الرموز ستولد من خلال الحالة الذهنية أو السيكولوجية التي يكون الشاعر فيها وعلى القارئ أو الناقد أن يكون حذرا وواعيا لتغيرات لدلالة الرمزية للمفردة

 

________________

(1) مجلة الجامعة ، العدد الرابع لسنة 1977 ، ص 21  مقابلة مع عبد الوهاب البياتي »

(2) وأهم المحاولات لدراسة الأسطورة في الشعر قد أولت عنايتها لشعراء أفراد كدراسة طراد الكبيسي  مقال في أساطير في شعر البياتي  منشورات وزارة الثقافة  دمشق 1974 ودراسة عبد الرضا علي  الأسطورة في شعر السياب ، دراسة جامعية لنيل درجة الماجستير  بإشراق د سهير القلماوي ، جامعة القاهرة 1976 أما ما كتبه يوسف الصائغ في الشعر الحر في العراق  دراسة جامعية لنيل درجة الماجستير بإشراف د علي جواد الطاهر ، جامعة بغداد (1975) فهو عرض موجز سريع

(3) * يمكن للقارئ الراغب في معرفة وجهات النظر تلك أن يرجع الى عدة كتب منها

1- Grimal, P. "Myth and Logic" World Mythology, Ed. Pierre Grimal, New York, 1975, p. 98.

2- Fabricius, Johanner. "The unconscious and Mr. Eliot" a study in Expressionism, Denmark, 1967, p. 52.

 

(4) الزمن في الأدب  هانيز ميرهوف ، ترجمة د أسعد رزق ، مؤسسة سجل العرب  القاهرة 1972 ص 90

(5) نفسه ، 91

(6) ينظر حياتي في الشعر صلاح عبد الصبور ، ص 100

(7) الشعر الحر في العراق ، 409

(8) الأسطورة في شعر السياب ، 76 

(9) نفسه 

(10) دیوان بدر شاكر السياب 1/14وينظر ديوان البياتي 1/ 64 ، 195

(11) غريب على الشاطئ ، مؤسسة دار التعاون للطبع والنشر ، د تص

(12) أنشودة المطر 14

(13) ينظر ، أنشودة المطر ، 197 ، والمعبد الغريق11 ، 40، 51، 60، 62، 118 ومن أغاني الحرية 85 ، ونخلة الله 49 ، وأغاني الحارس المتعب 39

(14) ينظر مقدمة قصيدة « المومس العمياء » للسياب وقصيدة مرثية الى عائشة للبياتي 2/321 وقصيدة « بابل » وشموع النذر لشاذل طاقة 333

(15) تحدثنا احدى الأساطير الصينية عن ملك أراد أن يصنع ناقوسا ضخما من الذهب والحديد والفضة والنحاس وكلف أحد الحكام بصنعه ولكن المعادن المختلفة أبت أن تتحد و استشارت كونغاي - وهي ابنة ذلك الحاكم - العرافين بالأمر فأنباؤها بأن المعادن لن تتحد ما لم تمزج بدماء فتاة عذراء، وهكذا ألقت كونغاي بنفسها في القدر الضخمة التي تصهر فيها المعادن، فكان الناقوس، وظل صدى كونغاي يتردد منه كلما دق هياي كونغاي كونغاي، ينظر أنشودة المطر 46

(16) أنشودة المطر 46 ، وينظر 198 ، 199 ، 216 والمعبد الفريق 11 41 ، وينظر ، رحيل الأمطار 81 ، والعطش في السفينة لتركي الحميري 29 ، وأغاني الحارس المتعب لبلند الحيدري 105 ، والنجم والدرويش لأرشد توفيق 13

(17) أنشودة المطر 64

(18) أغلب الظن أن السياب عرف هذا المعنى الأسطوري من شعر اليوت لأنه قام بترجمة قصيدته المعروفة رحلة المجوس الى العربية في كتابه  قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث بغداد ، ذ ت، ص 9 وما بعدها

19- ملحمة جلجامش طه باقر ثالثة بغداد 1975 ص149 -150

20- بدر شاكر السياب 204 وينظر لهذا النمط من توظيف معاني الاسطورة أنشودة المطر 111، 144، المعبد الغريق 17، 616

(21) ينظر : عشتار ومأساة تموز للدكتور فاضل عبد الواحد علي ، بغداد ، دار الحرية للطباعة 1973 ، ص 190 وما بعدها ، وينظر لهذا الاستخدام للأسطورة ، ديوان عبد الوهاب البياتي 1/235 2/233 2/344 3/130 3/136  3 / 146

3/ 128 والمجموعات الشعرية الآتية الطائر الخشبي 86 ، 95 ، 96 وملامح من العصر المتكبر 11   14

(22) من مجموعته سلاما أيتها الموجه ، سلاما أيها البحر ، 111

(23) ينظر : هذا الشعر الحديث ، د أحمد سليمان الأحمد، دمشى 1974 ، ص 222  النار والجوهر جبرا ابراهيم جبرا ، دار القدس ، بيروت ، 1975 ، ص 51 ، بدر شاكر السياب عبد الجبار البصري دار الجمهورية ، بغداد 1966 ، ص 44 ، بدر شاكر السياب ، نبيلة اللجمي  منشورات مكتبة أطلس ، دمشق ، 1968 ، ص 223                        .                                      

(24) من مقابلة صحفية مع كاظم الخليفة ، جريدة صوت الجماهير بغداد

26 تشرين الأول 1963 نقلا عن بدر شاكر السياب للدكتور عيسى بلاطه ، دار النهار للنشر ، بيروت 1971 - وينظر أيضا بدر شاكر السياب : الالتزام واللا التزام في الأدب العربي الحديث  في كتاب  الأدب العربي المعاصر منشورات أضواء بيروت  د ت ص 250

(25) فلسفة تاريخ الفن ، ارنولد هوسر ، ترجمة رمزي عبده بدوي، مطبعة جامعة القاهرة ،1968 ، ص 57

(26) (27)

Moorman, Charles "Arthurian Triptchy" Mythic Materials in Charles Williams, C. S. Lewis, and T. S. Eliot, U.S.A., University of California Press, 1960, p. 19.

(28) اليوت ، الشاعر الناقد ، 94

 (29) شعراء المدرسة الحديثة ، 142

(30) نفسه ، 67

(31) أنشودة المطر 168 - 170 -   171                  

(32) أنشودة المطر 168

(33) السياب ، 196

(34) تنظر قصيدته « قالوا لأيوب  ص 115 ، من مجموعته منزل الأقنان ، وقصيدته « حامل الخرز الملون  ص 33 ، 34 من المجموعة نفسها

35- أنشودة المطر 173

36- عشتار ومأساة تموز 60

37- ينظر مطلع ملحمة جلجامش  طه باقر 54

(38) ينظر جيمس فريزر ، أدونيس 175 وعبد الرضا على : الأسطورة في شعر

السياب 100 .

(39) أنشودة المطر 176

(40) عشتار ومأساة تموز 46

(41) نفسه

 (42) نفسه ، 163  

 (43) نفسه ، 69

 (44) تنظر قصائده : عن وضاح اليمن والحب والثورة  3/47ويوميات

الشعراء العشاق 3/43ورسائل الى الامام الشافعي 3/59، ومرثية الى اخناتون 3/25

(45) تجربتي الشعرية 47                  

(46) أنشودة المطر ، 18

(47) نفسه ، 131

(48) نفسه ، 116

(49) ديوان البياتي 3/ 488 ، 491 ، 497

(50) ديوان البياتي 2/344

(51) ملحمة جلجامش 119 - 120

(52) ينظر الديوان 2/ 322 وملحمة جلجامش 104 ، وعشتار ومأساة تموز 193 والديوان 2/323وملحمة جلجامش 106 والديوان 2/224-225وملحمة جلجامش 107 109 90 والديوان 2/334والملحمة 91 ، 92 ، 119 ، 120

(53) المجموعة الشعرية الكاملة لشاذل طاقة، دار الحرية للطباعة ، بغداد 1977 ، ص 209 وما بعدها ، وتنظر أيضا قصيدة علي المحلي الموت والميلاد من مجموعته شعلة البعث وقصيدة حميد سعيد  ولادة في ساحة التحرير وأخرى في مخدع امرأة العزيز  من مجموعته ديوان الأغاني الغجرية

(54) ينظر اعترافات مالك بن الريب ، 59 ، 60 ، 61

55- ديوان نازك الملائكة 2/392

56- نفسه 2/394

 

(57) نفسه ، 2/397

(58) الرحلة الثامنة، 24

(59) وجدير بالذكر هنا أن نشير الى قول رامبو « لقد كنت أرى صالة في قعر بحيرة ووحوشا وأسرارا، ، ينظر أندريه بريتون والمعطيات الأساسية للحركة السريالية ، لميشيل كاروج، ترجمة الياس بديوي ، منشورات وزارة الثقافة ، دمشق ، 1973 ص 101

(60) المعبد الغريق ،95 دار العلم للملايين ، بيروت 1962

(61) نفسه ، 99

 (62) المعبد الفريق ، 97

63) السياب عبد الجبار عباس  195

(64) ينظر حركات التجديد والتطور ، د عبد المحسن طه بدر في كتاب  حركات التجديد في الأدب العربي  القاهرة 1979 ص 190 والشعر العراقي الحديث ، مرحلة وتطور  د جلال الخياط  دار صادر ، بیروت 1970 ، ص 181  182

 65) ينظر الحياة والشاعر ، ستيفن سيندر 76 ، والأسطورة والرمز ، ترجمة جبرا ابراهيم جبرا ، بغداد 1973 ، ص 70 ، والشعر والتجربة، ماكلش ، ترجمة سلمى الخضراء الجيوسي ، دار اليقظة العربية ، بيروت 1963 ،

(66) Pannenberg, Wolfhart, The Idea of God and Human Freedom, Philadelphia, The ( West Minster Press, 1973, P.21.

(67) تنظر على سبيل المثال المجاميع الشعرية الآتية ، غير مجاميع البياتي اعترافات مالك بن الريب ، سبع سنابل من نیسان، هموم مروان وحبيبته الفارعة  وتنهدات الأمير العربي ، الأخضر بن يوسف ، والليالي كلها ، وشعلة البعث ، وسفر بين الينابيع وأين ورد الصباح ، وقراءة ثامنة وديوان الأغاني الغجرية                 .                                  

(68) ديوان الأغاني الغجرية 87

(69)ينظر الرمز والرمزية في الشعر العربي المعاصر  د محمد فتوح أحمد دار المعارف بمصر 1977 ، ص 142 والتفسير النفسي للأدب  د عز الدين اسماعيل ، دار العودة ، بیروت ص 75 ونظرية الأدب  وارين ويليك ، ترجمة محيي الدين صبحي ، دمشق ، ص 244 

70- ديوان البياتي 1/668

71- نفسه 1/699 وينظر أيضا 1/707، 2 / 166و179-180، 2 / 195، 2 /210

72- من أغاني الحرية 86 وينظر المجاميع الحب والحرية 201 وسبع سنابل من نيسان 40 ، 97 ، 116  والموت والميلاد 42 ، 44

73- ديوان البياتي ، 2/ 159

74- طراز خاص 82

75- رحيل الامطار 157

76- نفسه 153

(77) قرارة الموجه ، ديوان نازك الملائكة 75/2 وما بعدها

 (78) نفسه 2/242 وتنظر اشارة الشاعرة 2/221

(79)  Tindall, W.Y. The Literary Symbol, Columbia University Press

New York, 1955, P.17.                  

80- الاسفار 55

81- الكاتب وعالمه 95

82- جنون من حجر 45

83 - ذكر الحاضر ، لعبد الرحمن طهمازي 64 ، وينظر أيضا الشعراء يهجون الملوك 13 وجبال الثلاثاء 12 ، ولا شيء يحدث لا أحد يجيء 30 ، ونشيد الكركدن 33

 84 - اليوت الناقد الشاعر، 181

85- ثلاثة قرون من الادب فورستر فوك ترجمة مجموعة من المترجمين دار مكتبة الحياة بيروت  د ت  ص 151

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي