الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
منابع الصورة الأدبية
المؤلف:
علي علي مصطفى صبح
المصدر:
الصورة الأدبية تأريخ ونقد
الجزء والصفحة:
ص :164-165
27-7-2017
4438
منابع الصورة هي تلك المصادر التي تمتد في جوانبها، وهذه الروافد التي تنتهي إليها لتتجمع في تشكيل متماسك، ونظم مترابط، وتشع منها خيوط تتماوج فيها الألوان والظلال، في تتابع وتدفق، الحركة تلو الحركة في انسجام منغم، وإيقاع رتيب. ومنابع الصورة كأمطار السماء المتدفقة من كل صوب حين تتجمع على سطح الأرض، فتتحول إلى أشرطة نورانية، تشق الأرض من كل حدب، وتنعكس على صفحاتها ألوان الشمس، ممتزجة بظلال الأشجار، فتميس على أنغام البلابل، وتشيع جوًّا من الجلال والرهبة لا خوفًا ولكن حبًّا وعشقًا.
والصورة أيضًا كالشمس تستمد منابع الضوء فيها والحرارة من براكين نارية وتفاعلات كيماوية تنعقد في القرص الكوكبي، ويتبع منها خيوط تنسحب عليها قطع الغمام وقطرات المياه فتتحول إلى أطياف، تتجاوب فيها الألوان والأضواء والظلال مع أصداء الرياح، واصطكاك السحاب بعضه مع بعض لتحقق القوة والحياة والجمال والجلال.
تلك هي صلة الصورة بمنابعها ومواردها، وظن كثير من النقاد أن هذه هي عناصر الصورة الأدبية، ولو كان الأمر كذلك فماذا يقولون في الحركة واللون والحجم والشكل مما سأذكره عن عناصرها بعد ذلك.
إن الأمر يحتاج إلى دقة وتحديد، ولعل غموض الصورة هو الذي دفعهم إلى هذا الخلط، ومن تحدث منهم عن عناصر الصورة أهمل ذكر مصادرها، لتتميز عنده عن العناصر؛ لأن الناقد لم ينص عليها صراحة(1).
ولست مدعيًا أنني سأبتكر المنابع في ذاتها؛ لأن هذا ليس بمعقول أبدًا في أي نشاط إنساني أو أدبي أو علمي، ولكن غاية ما أستقل به أن أحدد المعالم وأضع الشيء في مكانه، وأذكر قيمته وأهميته في تكوين الصورة الأدبية.
فأما المنابع فهي:
أولًا: اللفظ الفصيح الذي يتناسب مع الغرض والعاطفة، ويطمئن إلى مكانه من التركيب أو النظم سواء أكان هذا اللفظ حقيقة أو مجازًا، والحقيقة منزلتها من الصورة حينًا كما للمجاز أحيانًا.
ثانيًا: الخيال بألوانه الخلابة الكثيرة كالاستعارة والتشبيه والكتابة والتمثيل والمجاز المرسل وحسن التعليل، والتجسيم والتشخيص وغير ذلك فبابه واسع ودقيق.
ثالثًا: الموسيقى بأنواعها المختلفة: من اللفظ الرشيق، الذي خفت حروفه على الأسماع وحلت في اللسان، وانسجم بعضها مع بعض، ومن العبارة التي تلاقت ولم تتنافر وتآخت ولم تتجاف فعزفت الكلمات والحروف أروع معزوفة موسيقية، ومن التراكيب في التئام والتحام، وتكونت أنغام فوق أنغام من الجناس والطباق والمقابلة والمزاوجة والتقسيم مع الجمع، والتشبيه المتعدد والمركب ثم الوزن والقافية.
رابعًا: النظم والتأليف سواء أقام على الحقيقة أو قام على الخيال فالنظم المجرد من الخيال يعد مصدرًا من مصادر الصورة أيضًا كالقائم عليه تمامًا بالتفصيل.
خامسًا: الصورة الجزئية التي تسهم مع أخواتها في تكوين الصورة الكلية من القصيدة، فتنسجم في وحدة وترابط مع التجربة الشعورية، التي أودعها الشاعر من مخزونه في إطار الصورة الواسع العميق.
سادسًا: العاطفة وهي التي تنتقي ألوان الصورة فتركز الأصباغ، أو تمزج الألوان، أو تبعث الأضواء وسط الظلام؛ لأن عصاها سحرية لا تبقى ولا تذر، وبها تنطق الصورة بالحزن، وتهتز للفرح، وتصطخب للحماس والنضال وهكذا.
سابعًا: الشعور وهو الفارق الجوهري بين الفنون المختلفة. فالصورة الشعرية الخالدة على وصل منه لا ينقطع، والرسم التصويري على هجر لا يتصل، لذلك فهو يحيي الصورة الأدبية، ويجمد المرسومة الفنية، ولو سرى الشعور في تمثال لكتب له الحياة.
__________
(1) كالعقاد في: يسألونك: 45 وما بعدها -وفي مراجعات: 160 وما بعدها- وفي ابن الرومي حياته من شعره: 200 وما بعدها.